الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأرسلوا إلى صرخد، وقصدوا الاستيلاء عليها، فعجزوا عن ذلك. وشرعوا فى استفساد الناس، وتسامع بهم العربان والطماعة، أنهم يبذلون الأموال، فقصدوهم من كل الجهات، وهم يبذلون الأموال لمن يقصدهم ويصل إليهم.
فكان جماعة من العربان وغيرهم يقصدونهم من أطراف البلاد، ويجتمعون ويحضرون إلى الملك المسعود، ويبذلون له الطاعة، ويتقربون إليه بالنصيحة.
فإذا وثق بهم، وأنفق فيهم الأموال، وحصلوا عليها، وبلغوا الغرض مما راموه تسللوا وفارقوه، وعادوا من حيث جاءوا وتفرقت جماعاتهم. وهو ومن عنده لا يرجعون عن بذل المال لمن يصل إليهم، إلى أن فنيت أكثر تلك الذخائر، التى كانت بالكرك، التى حصنها السلطان الملك الظاهر، وجعلها بهذا الحصن ذخيرة لأوقات الشدائد، فنفقوها فيما لا أجدى نفعا، بل جلب ضررا، وغلّت الخواطر. ثم كانبوا الأمير شمس الدين سنقر الأشقر [نائب السلطنة بدمشق «1» ] فى الموافقة [معهم «2» ] . واتصل ذلك بالسلطان، فجرد الأمير عز الدين أيبك الأفرم إلى الكرك على سبيل الإرهاب. وكان بينه وبين الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ما قدمناه «3»
ذكر الصلح بين السلطان والملك المسعود وانتقاض ذلك وإخراجه من الكرك
.
وفى سنة ثمانين وستمائة، وردت رسل الملك المسعود إلى السلطان فى طلب الصلح، والزيادة على الكرك، وأن يكون له ما كان للناصر داود، فلم يجبه
السلطان إلى ذلك، ولا إلى إقامته بالكرك بالأصالة. وترددت رسائله إلى السلطان، وسأل أن يقر بيده الكرك وأعمالها من حد الموجب «1» إلى الحسا «2» .
فأجابهم السلطان، وحلف لهم، والتمسوا شروطا: منها تجهيز الإخوة الذكور والإناث، أولاد الملك الظاهر إلى الكرك، وردّ الأملاك الظاهرية عليهم، وتمّ الصلح وحلف السلطان عليه.
وتوجه الأمير بدر الدين بيليك المحسنى السلاح دار، والقاضى تاج الدين ابن الأثير، إلى الكرك، وحلفا الملك المسعود. وكوتب من ديوان الإنشاء، كما يكانب صاحب حماه، واستمر الأمر على ذلك إلى سنة اثنتين وثمانين [وستمائة «3» ] ، فبلغ السلطان أنهم نقضوا ما كان قد تقرر. وحضر الأمير علاء الدين ايدغدى الحرانى، نائب الملك المسعود بالكرك، وأنهى إلى السلطان ما اعتمدوه، مما يغلّت الخواطر. فكتب السلطان إلى الملك المسعود ومن معه ينهاهم عن ذلك، فلم ينتهوا. فجرد إلى الكرك فى هذه السنة «4» الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، أمير سلاح، وأمره بمراسلتهم، فراسلهم، فلم يرجعوا عن اعتمادهم، فضايق الكرك، ورعت خيول العسكر تلك الزراعات كلها، ثم عاد عن الكرك.
وتراخى الأمر، واستمر الملك المسعود بالكرك إلى سنة خمس وثمانين وستمائة.
فجرد السلطان الملك المنصور، الأمير حسام الدين طرنطاى، نائب السلطنة،
بجيش كثيف، وأمره بمنازلة الكرك ومحاصرتها «1» فتوجه إليها، وأحضر آلات الحصار، من الحصون الإسلامية، وضايقها وقطع الميرة عنها. واستدعى بعض الرّجالة «2» ، وأحسن إليهم، فوافقوه «3» على الملك المسعود. فلما رأى الملك مسعود نجم الدين خضر، وأخوه بدر الدين سلامش الحال على ذلك، أرسل الملك المسعود إلى الأمير حسام الدين طرنطاى، فى طلب الأمان، فأمنّه عن السلطان. فقال لا بد من أمان السلطان وخاتمه. وفطالع الأمير حسام الدين السلطان بذلك، فأرسل السلطان بأمانه الأمير ركن الدين بيبرس الداوادار المنصورى، فاجتمع بهما، وأبلغهما أمان السلطان، فنزلا من قلعة الكرك، إلى الأمير حسام الدين طرنطاى، وذلك فى صفر سنة خمس وثمانين [وستمائة «4» ] .
فرتب الأمير حسام الدين، عز الدين أيبك الموصلى المنصورى، فى نيابة السلطنة بالشوبك منذ استعيدت من الملك السعيد.
ورحل الأمير حسام الدين طرنطاى، وولدا الملك الظاهر صحبته، فلما وصلوا إلى الديار المصرية، وقربوا من قلعة الجبل، ركب السلطان، وتلقاهما وأقبل عليهما، وطلعا إلى القلعة، وذلك فى يوم الثلاثاء ثانى عشر ربيع الأول. وأمّر كلا منهما [إمرة «5» ] مائة فارس. واستمرا يركبان معه فى الموكب والميدان، ونزّلهما «6» منزلة أولاده. ثم بلغه عنهما ما تنكر له، فقبض عليهما واعتقلهما، وبقيا فى الاعتقال فى أيام السلطان الملك الأشرف، فسيرهما إلى القسطنطينية.