الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و [شمس الدين «1» ] أقسنقر الحسامى، و [علاء الدين «2» ] الطنبغا الجمدار، [وناصر الدين «3» ] محمد خواجا، فاعتقلوا بخزانة البنود «4» . وكان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، يتوجه إليهم ويعاقبهم، ويقررهم على من باطنهم. واستمر ذلك إلى يوم الاثنين خامس صفر. ثم قطعت أيديهم وأرجلهم، وسمروا على الجمال، وطيف بهم، وأيديهم فى أعناقهم، وماتوا شرميتة. ثم وجدوا بعد قجقر الساقى، فشنق فى سوق الخيل. وأما الأمير حسام الدين لاجين، والأمير شمس الدين قراسنقر، فإنهما هربا واختفيا. وكان من أمرهما، ما نذكره إن شاء الله تعالى. هذا ما كان من أمر هؤلاء.
ذكر أخبار الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الوزير وما كان من امره، منذ فارق السلطان الملك الأشرف إلى أن مات
كان الصاحب شمس الدين المذكور، قد توجه إلى تغر الإسكندرية كما ذكرنا، وطالع السلطان فى حق الأمير بدر الدين بيدرا، بما أوجب هذه الفتنة العظيمة. ولما وصل الصاحب «5» إلى الإسكندرية، ضيق على أهل الثغر، وشدّد
عليهم الطلب. وعزم على مصادرة أعيانهم، وذوى الأموال منهم. وأمر بإيجاد مقارع لعقوبة أهل الثغر. فبقى الناس من ذلك فى شدة عظيمة، لا يرجون خلاصا إلا ببذل الأموال والأبشار؛ وأهان متولى الثغر.
فبينما الناس على مثل ذلك، إذ وقعت يطاقه لمتولى الثغر، فى عشية النهار، تنضمن خبر مقتل السلطان. فكتمها المتولى عن الصاحب وغيره، وصبر إلى أن دخل الليل، وجاء إلى باب الصاحب، واستأذن عليه، فأذن له. فوقف بين يديه على عادته. فقال له الصاحب: ما الذى جاء بك فى هذا الوقت، هل ظهرت لك مصلحة يعود نفعها؟ فقال: يا مولانا، لم يخف عن علمك أن أهل هذا الثغر غزاة مرابطون، وما قصد أحد أذاهم، فتم له مقصوده، والذى يراه المملوك، أن يحسن مولانا إليهم، ويطيب خواطرهم، ويفرج عنهم- هذا اللفظ أو معناه «1» - فسبه الصاحب أقبح سب. وهم أن يوقع به، والوالى لا يزيده أن يقول: مولانا يروض نفسه، فلا فائدة فى هذا الحرج. والصاحب يزيد فى سبه، والإغلاظ له، ويتعجب من إقدامه على مخاطبته بمثل هذه الألفاظ.
فلما أفرط [الصاحب]«2» فى سبه، وزاد به الحرج، تقدم إليه بالبطاقة. وقال يقف مولانا على هذه. فلما قرأها، سقط فى يده، وخاطبه بياخوند. فقال له المتولى: ما الذى تختار. فقال: الخروج من هذه الساعة. فلم يؤاخذه المتولى، بما صدر منه فى حقه وفتح له باب المدينة، وأخرجه وعرض عليه أن يجهز معه من يوصله القاهرة فامتنع. وخرج من الثغر فى ليلته. ولو أصبح به لقتله أهله.
واستمر به السير إلى أن وصل إلى القاهرة ليلا. فبات بزاوية «1» الشيخ جمال الدين ابن الظاهرى، ولم ينم فى معظم الليل. وركب بكرة النهار من الزاوية، وجاء إلى داره، وهو على حاله وهيئته. وحضر للسلام عليه القضاة وأعيان الدولة ونظارها. فعاملهم بما كان يعاملهم به من الكبر، وعدم القيام لأكابرهم. ثم استشار بعض الناس فيما يفعل. فأشار بعضهم عليه، بالاختفاء إلى أن تسكن هذه الفتنة، وتستقر القاعدة، فقال هذا لا نفعله ولا نرضاه لعامل من عمالنا.
فكيف نختاره لأنفسنا. واستمر على ذلك خمسة أيام.
وكانت رسالة دور السلطان الملك الأشرف قد خرجت إلى الأمير زين الدين كتبغا، مضمونها الشفاعة فى أمره، وأنه لا يؤذى. وذكروه بمحبة السلطان له. وأنهم إنما قاموا فى طلب ثأر السلطان، وقتل أعدائه. و [أما]«2» هذا فهو أخلص أولياء السلطان بخدمته، وأدومهم على طاعته- هذا اللفظ أو معناه-.
فسكن أمره فى هذه الأيام الخمسة الماضية. فغضب الأمير علم الدين الشجاعى، واجتمع بالأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة وغيره من أكابر الأمراء.
وقال: هذا الصاحب هو الذى أوقع بين السلطان ومماليكه وأمرائه ونائبه. وإنما قتل السلطان بسبب هذا، فاتبّع رأيه فيه.