الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- تتيح فرصة إظهار معلومات يحول الكلام اللفظي دون إظهارها وخاصة في المقابلة وجها لوجه.
- تصلح أكثر من غيرها من الوسائل بالنسبة للعملاء الذين يكتبون عن أنفسهم أحسن ما يتكلمون.
- تدعم المعلومات المستمدة منها المعلومات التي يتم جمعها بالوسائل الأخرى.
- تفيد في دراسة شخصيات الفئات الخاصة كالعباقرة والمعوقين.
- تفيد المرشد حين يقرؤها قبل إجراء المقابلة حيث توجهه نحو الموضوعات الهامة التي تتناولها المقابلة.
- تساعد في فهم الذات والاستبصار بدرجة أكبر، والشعور بالحاجة إلى الإرشاد.
- تتيح الفرصة أمام العميل للتعبير عن المشكلات بأسلوبه وطريقته ومن وجهة نظره.
- يتخلل كتابتها عناصر هامة مثل التنفيس الانفعالي، والتخلص من التوتر، وهذا له قيمة علاجية هامة خاصة في مجال الإرشاد العلاجي.
- تتيح إمكانية الحكم على مدى استبصار العميل بنفسه وبحالته حين تقارن نتائجها بنتائج الوسائل والحقائق الموضوعية.
- تعطي للعميل فرصة المشاركة الحقيقية في عملية الإرشاد.
عيوب السيرة الشخصية:
من عيوب السيرة الشخصية كوسيلة لجميع المعلومات ما يلي:
- تشبعها العالي بعامل الذاتية، واعتمادها الكبير على الاستبطان، فقد نلاحظ أن عميلا يتغاضى في كتابته عن نقاط ضعفه ويركز فقط على نقاط قوته الحقيقية أو المتخيلة.
- تردد بعض العملاء في الكتابة وحذفهم لبعض المعلومات التي يخشون تسجيلها على الورق.
- نقص معامل صدقها وثباتها نسبيا، والحاجة إلى التثبت من المعلومات التي تظهرها بالوسائل الأخرى.
- قد يتخللها بعض الخيال والتأثر بما يشاهده العميل في التليفزيون والسينما والمسرح.
- قد تعمل حيل الدفاع النفسي مثل التبرير عملها في الكتابة فتشوه الحقائق.
- لا تصلح في حالات الأطفال الصغار.
- قد يكون من الصعب تفسيرها وتحليلها وخاصة إذا كان الشخص مشتتا لا ينظم ما يكتب.
وعلى الرغم من هذه العيوب التي يأتي على رأسها الذاتية، إلا أن السيرة الشخصية تعتبر وسيلة ضرورية لجمع معلومات من طبيعتها أنها ذاتية، ولا يمكن جمعها إلا من طريق هذه الوسيلة.
مصادر المجتمع
COMMUNTY RESOURCES:
إلى جانب مصادر الإرشاد النفسي وعياداته، توجد مصادر في المجتمع تتعامل مع العميل، هي تشرف على نموه وتربيته وتعليمه وعلاجه وتقديم الخدمات الترفيهية له
…
إلخ. وتتشعب المشكلات وتعدد أسبابها مما يحتم ضرورة جمع المعلومات من كل مصادر المجتمع المتاحة. وهكذا يجب التخطيط للاتصال بهذه المصادر الغنية بالمعلومات للاستفادة منها، وعمل حساب ذلك في برنامج الإرشاد النفسي.
ما هي مصادر المجتمع:
هي مصادر أو موارد أو مراجع اجتماعية موجودة في البيئة المحلية، بها معلومات عن العميل، ويمكن الاستفادة بها في عملية الإرشاد النفسي للعميل. ومن هذه المصادر مؤسسات ومنظمات وجماعات منها ما هو رسمي ومنها ما هو غير رسمي أو أهلي، ومنها ما هو متخصص ومنها ما هو غير متخصص، وفيما يلي أهم مصادر المجتمع:
الأسرة: هي أهم مصادر المجتمع التي يمكن أن تمد المرشد بمعلومات عن حياة العميل في أسرته وعلاقاته الأسرية وتوافقه الأسري ومشكلاته الأسرية
…
إلخ.
الهيئات التربوية: وتضم المدرسة والمنطقة التعليمية أو إدارة التعليم ومدارس رعاية الفئات الخاصة، وهذه يكون لديها معلومات متجمعة عن العميل تفيد في الإرشاد التربوي والمهني.
العيادات النفسية: وهذه يمكن الحصول منها على معلومات عن التوافق النفسي والصحة النفسية والمشكلات والأمراض النفسية السابقة والإجراءات العلاجية السابقة للعميل.
المؤسسات الاجتماعية: ومنها ما يتبع وزارة الشئون الاجتماعية أو غيرها، ومنها المؤسسات الاجتماعية الخاصة أو الأهلية أو الخيرية مثل مؤسسات الدفاع الاجتماعي ورعاية الطفولة ورعاية المعوقين ورعاية الشيوخ المسنين
…
إلخ. ويمكن الاستعانة بالمعلومات التي يجمعها الأخصائيون الاجتماعيون فيها عن طريق بحوثهم الاجتماعية عن العميل وأسرته ومشكلاته الاجتماعية السابقة والمساعدات والخدمات الاجتماعية التي يتلقاها.
مكاتب العمل: وهي مصادر هامة وخاصة بالنسبة للإرشاد المهني، ويكون لديها عادة معلومات وافية عن العميل وفرص العمل المتاحة في المجتمع على المستوى المحلي على الأقل. وتشرف مكاتب العمل على تشغيل الشباب لبعض الوقت أثناء العطلات.
هيئات رعاية الشباب: وهذه توجد في معظم المجتمعات، وتقدم خدمات قيمة للشباب، مثل المنظمات والنوادي الرياضية وجماعة الكشافة والجوالة ونوادي الأطفال وجمعيات الشبان المسلمين والشبان المسيحيين
…
إلخ، وكلها توفر مجالا اجتماعيا طبيا للأطفال والشباب، وفيها من الأخصائيين من يستطيعون تزويد المرشدين بمعلومات قيمة عن سلوك الاجتماعي للعميل وخاصة في وقت فراغه، فلديهم فرصة طيبة لملاحظة العميل في ظروف مختلفة عن ظروف المدرسة أو العمل.
نوادي ومراكز خدمة البيئة: وهذه النوادي والمراكز تهتم برفاهية الأطفال والشباب وحتى الشيوخ وأسرهم، ويقضي فيها العميل جزءا من وقته ويتلقى العديد من خدماتها، ويمكن أن تكون مصدرا للمعلومات عن السلوك الاجتماعي للعميل.
دور العبادة والجماعات الدينية: ومنها يمكن التعرف على اتجاهات العميل الدينية وسلوكه الديني، وتستطيع بعض المؤسسات الدينية تقديم معلومات وخدمات قيمة عن طريق جمعات الشباب الدينية مثلا.
المحاكم والسلطات التنفيذية: ومن المحاكم خاصة محاكم الأحداث، ومن السلطات التنفيذية كأقسام ومراكز الشرطة، ويمكن الحصول على معلومات هامة وخاصة في مجلات العملاء الجانحين والمنحرفين، ويمكن الاستعانة بالأخصائيين الذين يعملون في هذه الجهات بإشراكهم في مؤتمر الحالة.
المستشفيات: والمستشفيات العامة والمتخصصة في علاج أمراض القلب والصدر والأنف والأذن والحنجرة والجلد والأسنان
…
إلخ، يمكن أن تزود المرشد بمعلومات طبية تكون لديها عن العميل.
شروط مصادر المجتمع:
لنجاح الاتصال بمصادر المجتمع والحصول على المعلومات اللازمة منها، يجب مراعاة الشروط الآتية:
التعرف عليها: يجب التعرف الجيد على مصادر المجتمع المتاحة في البيئة المحلية، وتدعيم الاتصال المستمر به، ومعرفة نوع المعلومات التي يمكن الحصول عليها منها وطبيعة الخدمات التي تقدمها واسم ورقم تليفون الأخصائي الذي يمكن الاتصال به عند الحاجة.
تعريف العميل: يجب تعريف العميل بالحاجة إلى معلومات من مصادر البيئة وتحديدها واستئذانه قبل الاتصال بها بخصوصه.
التأكد من المعلومات: وهذا يتطلب التأكد من أن العاملين بها مؤهلون بدرجة كافية تسمح بالثقة في المعلومات التي جمعت بمعرفتهم.
تبادل الإفادة: يجب تبادل الإفادة وتبادل المعلومات والمساعدات والخدمات مع هذه المصادر بحيث لا يقتصر الأمر على الأخذ دون العطاء.
الاتصال بمصادر المجتمع:
من الضروري التعرف على مصادر المجتمع المتاحة في البيئة المحلية والتي يمكن الاتصال بها لجمع المعلومات وتبادل الخدمات، ومعرفة نوع المعلومات التي يمكن الحصول عليها، ودراسة إمكانات وطرق الاتصال. ويجب التعرف على الأخصائيين بها لتدعيم التعاون المتبادل، وعلى كل حال فإن من واجب القائمين على أمر برنامج التوجيه والإرشاد حصر مصادر البيئة وعمل دليل منظم ييسر التعريف بها وبتخصصاتها وعناوينها، وأرقام تليفوناتها وساعات العمل بها وإمكانات وطرق الاتصال بها
…
إلخ. وكذلك يجب العمل على جعل خطوط الاتصال مفتوحة بين مركز الإرشاد النفسي وجميع مصادر المجتمع.
مزايا مصادر المجتمع:
من مزايا مصادر المجتمع بالنسبة لجمع المعلومات اللازمة للإرشاد النفسي ما يلي:
- إكمال الصورة المطلوبة والمعلومات المتكاملة عن العميل في البيئة والمجال الاجتماعي الذي يعيش فيه من كل الزوايا.
- توفير معلومات لا يمكن الحصول عليها عن طريق وسائل الإرشاد الأخرى المتاحة في مراكز الإرشاد النفسي وحدها، فبعض هذه المصادر متخصصة وتعطي معلومات أدق وأثرى من
تلك التي تجمع في مراكز الإرشاد أو بوسائل الإرشاد الأخرى، وذلك كما في حالات مؤسسات رعاية المعوقين أو الجانحين.
عيوب مصادر المجتمع:
على الرغم من مزايا مصادر المجتمع بالنسبة لجمع المعلومات، فإنه يجب الحرص لتحاشي تأثير بعض عيوبها، فقد تكون المعلومات التي تتوافر لدى بعض مصادر المجتمع قديمة أو غير دقيقة أو جمعت لهدف يختلف عن هدف عملية الإرشاد
…
وهكذا.
السجل القصصي
ANECDOTAL RECORD:
تستلزم عملية الإرشاد النفسي الكثير من المعلومات التي تتطلب دراسة عينة من السلوك الواقعي للعميل، وتحديد المشكلات السلوكية والمواقف التي تحدث فيها، وتحديد السلوك الشاذ والمواقف التي يحدث فيها، وتأثيره على الآخرين، وتحديد التغير السلوكي الذي يطرأ على العميل، ومن أفضل الوسائل لتحقيق هذه الأهداف السجل القصصي ويطلق عليه أحيانا "السجل القصصي الواقعي" أو "السجل القصصي المشهدي":
ما هو السجل القصصي:
هو تسجيل موضوعي لواقعة أو مشهد من سلوك العميل في الواقع في موقف معين كما هو كقصة واقعية، وقد يليه تعليق، وتفسير لما حدث، ثم توصيات، أي أنه صورة كتابية أو عينة سلوكية مكتوبة وقتيا عند حدوث الواقعة السلوكية، أما التعليق والتفسير والتوصيات فتكون منفصلة وليست جزءا من السجل. أي أن الراوي "المرشد أو الأخصائي النفسي أو المعلم مثلا" يقص ما شاهد بالضبط في الواقع، شأنه في ذلك شأن المخبر الصحفي الذي يقص فقط ما شاهده، أما إذا علق عليه فهذا موضوع آخر، إنه يسمى تعليقا، وكذلك الحال إذا فسر أو كتب توصيات، ونحن نعرف أن الأخبار تختلف عن التعليق على الأخبار، وهكذا نجد أن المرشد أو الأخصائي أو المعلم حين يعد السجل القصصي الواقعي يمكن اعتباره بمثابة "مخبر نفسي". والتسجيل القصصي أو الصورة اللفظية لما شاهد الأخصائي يماثل لقطة أو صورة فوتوغرافية يسجل السلوك الفعلي والواقع والحوداث والمشاهد وقتيا On the spot "انظر نورمان جرونلوند Gronlund؛ 1985".
أنواع السجل القصصي:
هناك نوعان رئيسيان للسجل القصصي:
النوع الأول: يحتوي فقط على الوصف الموضوعي للواقعة بدون تعليق أو تفسير.
النوع الثاني: يحتوي بالإضافة إلى ذلك على تعليق وتفسير وتوصيات: "انظر شكل 57".
عوامل نجاح السجل القصصي:
يتوقف نجاح السجل القصصي على مراعاة بعض الشروط مثل:
تعدد التسجيلات: أي تعدد التسجيلات بحيث تغطي عينة من المواقف والخبرات والأحداث وتعطي صورة متعددة الجوانب للشخصية والسلوك. ويلاحظ أن سجلا قصصيا واحدا لا يكفي ولا يمكن أن يعتمد عليه في فهم العميل وشخصيته وسلوكه.
حسن الاختيار: يقصد بذلك حسن اختيار المواقف والخبرات المتنوعة الممثلة التي تسجل قصصيا.
التدريب: يجب أن يتم تدريب من يكتبون السجلات القصصية ضمانا للموضوعية وحسن الأداء.
إجراء السجل القصصي:
يتم إجراء السجل القصصي في ضوء ما يلي:
التسجيل الوقتي: يكون تسجيل الواقعة السلوكية وقتيا وعقبها مباشرة، في أي وقت وفي أي مكان حدثت، ويحدد الزمان والمكان والموقف.
المحتوى: يحتوي السجل القصصي على وصف السلوك الذي حدث بالفعل وبالضبط، إيجابياته وسلبياته، ويتضمن تسجيلا لفظيا دقيقا للواقعة، ويحدد الأشخاص، والتفاعل الاجتماعي معهم، مع اقتباس الحوار والحديث الذي يقوله العميل والذي يقال له خلال المشهد، وتسجيل التغيرات الجسمية والانفعالية
…
إلخ.
الكتابة: تكون كتابة السجل القصصي مختصرة متعلقة بموقف واحد محدد في كل مرة.
التجميع: يمكن أن تستمر وتتجمع السجلات القصصية وتتنوع لتغطي عينة ممثلة من المواقف والأحداث في أماكن مختلفة مثلا في الفصل وفي رحلة، وفي أوقات مختلفة، وتتجمع فتعطي صورة متكاملة وتطورية.
التفسير: تفسر السجلات القصصية في ضوء بعضها وفي ضوء المعلومات المجموعة بالوسائل الأخرى.
مزايا السجل القصصي:
يمتاز السجل القصصي بما يلي:
- يعطي صورة حية ولقطة واقعية لعينة من سلوك العميل.
- يعطي معلومات قيمة حين تتعدد المواقف ويقوم بالتسجيل عدد مختلف من المسجلين.
- يمكن أن يملأ الثغرات التي تتركها وسائل جمع المعلومات الأخرى بخصوص معلومات معينة، ويمكن مقارنة المعلومات المأخوذة من الوسائل الأخرى ليؤكد بعضها بعضا.
- يمكن تتبع عدد من السجلات القصصية التي يفصل بينها فاصل زمني لتحديد اتجاه تطور السلوك أو المشكلة، وأثر عملية الإرشاد.
- يصلح كبداية طيبة للمقابلة ومؤتمر الحالة.
- يمكن أن يقوم بإجرائه المعلم العادي بعد التدريب عليه.
عيوب السجل القصصي:
للسجل القصصي بعض العيوب هي:
- يمثل لقطة محدودة من سلوك العميل. وقد لا تغطي التسجيلات كل جوانب حياته، فتعطي صورة ناقصة أو غير ممثلة.
- قد يدخل الإسقاط من جانب المسجل في تسجيل الأحداث، فيسقط مشاعره هو، أو قد يكون منحازًا أو متأثرا بهالة أو فكرة عامة عن العميل فيجيء السجل القصصي ذاتيا وليس موضوعيا.
- قد يقتصر على وقائع ونماذج من السلوك المشكل للعميل مما قد يعطي صورة سلبية فقط عن شخصيته، كذلك قد يحدث أن يسجل السلوك المضطرب دون السلوك السوي لأن الأول يشد الانتباه أكثر. وقد يقتصر السجل على سلوك عارض طارئ غير مميز للعميل.
السجل المجمع
CUMULATIVE RECORD:
السجل المجمع أو "السجل التراكمي" هو الوسيلة لتجميع المعلومات في الإرشاد النفسي. ينبغي أن لكل فرد في مدرسته أو في مكان عمله سجل منظم ينمو مع نموه وتسجل فيه كل المعلومات التي يتم جمعها بكافة الوسائل.
ما هو السجل المجمع:
هو سجل مكتوب أو محفوظ في الحاسب الآلي، يجمع ويلخص المعلومات التي جمعت عن العميل عن طريق كافة الوسائل، في شكل متجمع تتبعي أو تراكمي، وفي ترتيب زمني، وعلى مدى بضع سنوات قد تغطي تاريخ حياة الفرد الدراسية مثلا، وهو بهذا يعتبر مخزنا أو أرشيف معلومات عن العميل يتضمن أكبر قدر من المعلومات في أقل حيز ممكن.
ويشمل السجل المجمع كل المعلومات والبيانات التي جمعت عن العميل ومشكلته وبيئته، ويتضمن البيانات الشخصية العامة، والمعلومات عن شخصيته جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا، وعن مشكلته، وجميع المعلومات العامة، وملخص السجلات القصصية، وملخصات التقارير، وملخص الحالة بصفة عامة "راجع الفصل الرابع".
ويقترح بعض الباحثين إضافة قوائم صفات وسلالم تقدير Rating Scales إلى السجلات المجمعة لتحسينها بحيث تكون وسيلة جامعة تمكن من فهم العميل والتنبؤ بسلوكه في
ضوء ما تجمع فيه من معلومات من مصادر متعددة عن سلوكه في الماضي والحاضر. وتتضمن بعض السجلات المجمعة رسوما بيانية، ويستحسن البعض إرفاق بعض البطاقات الإضافية التفصيلية إلى جانب السجل المجمع. ويتضمن السجل المجمع معلومات تعطي صورة طولية وعرضية كاملة عن العميل، أي أنه يتضمن معلومات تاريخية وحاضرة بحيث تمكن من التنبؤ بالسلوك في المستقبل، ومن أهم ما يشمل عليه السجل المجمع التوصيات. ويجب ألا يتضمن السجل المجمع المعلومات السرية التي تعطى أثناء الجلسات الإرشادية، ويفضل أن توضع صورة للعميل على السجل المجمع "وارنكين وسيس Warnkin & Siess؛ 1965".
هذا ويجب عدم الخلط بين السجل المجمع وبين البطاقات المدرسية أو البطاقات الصحية وغيرها، وهي جميعا تعتبر مصادر فرعية تصب في السجل المجمع.
أنواع السجل المجمع:
هناك نوعان معروفان للسجل المجمع هما:
السجل المجمع ذو الصفحة الواحدة: ويكون عادة بسيطا يتضمن فقط المعلومات الأساسية الخاصة بالعميل.
السجل المجمع متعدد الصفحات: وقد يصل إلى حجم الكتيب الصغير، ويسمح بأن تضاف إلى صفحاته صفحات جديدة. وهذا يتضمن المعلومات المفصلة من جميع النواحي.
عوامل نجاح السجل المجمع:
لكي يفيد السجل المجمع في عملية الإرشاد، يجب أن تراعى الشروط الآتية:
الشمول: يجب أن تكون المعلومات المتضمنة في السجل المجمع شاملة وباعتدال دون تفصيل مرهق وغير عملي، وأن تكون لازمة فعلا.
الانتقاء: يجب أن تتناول المعلومات الخبرات الهامة التي تظهر الخصائص المميزة للعميل والتي تستأهل وضعها في السجل.
الاستمرار: يجب أن تكون المعلومات مستمرة خالية من الثغرات والفجوات ومتجمعة ومرتبة ترتيبا زمنيا ومتصلة وحديثة، ويجب أن يوضع التاريخ عند كل إضافة بحيث يظهر صورة واضحة عن تطور المعلومات بحيث يمكن الرجوع إليه للاستزادة والاستيضاح. ويجب أيضا ذكر الوسائل والأدوات التي تم الحصول على المعلومات عن طريقها أو باستخدامها. كذلك يجب أن
يحتوي السجل على مكان يسمح بإضافة معلومات جديدة مع تطور السجل المجمع زمانيا.
المعيارية: يقصد هنا أن تكون المعلومات التي تدون في السلجات معيارية ودقيقة في حدود اللغة المشتركة والمصطلح عليها علميا، بحيث يظل معناها واحد بالنسبة للمرشد وبالنسبة لغيره من الأخصائيين، كذلك يجب أن يكون تقييم العميل في ضوء الجماعة الجنسية والعمرية والثقافية التي ينتمي إليها.
البساطة: البساطة مطلوبة في السجلات المجمعة لأن التعقيد وكثرة الفنيات وازدحام المعلومات قد يضر أكثر مما ينفع. وتؤدي بساطة السجل المجمع إلى سهولة استخدامه، وهذا أمر مرغوب.
التنظيم: يجب تنظيم المعلومات في السجل المجمع بحيث توضع المعلومات في نظام خاص يضمن عدم اختلاط المعلومات الكثيرة التي يتضمنها السجل.
الحفظ: يجب حفظ السجلات المجمعة في مكان آمن، ويكون هناك أخصائي أمين مسئول عن حفظها، ويجب حفظها بطريقة تسهل الرجوع إليها في أي وقت بسرعة ويجب أن يكون السجل قابلا للحفظ والتحميل فترات طويلة، ولذلك يكون عادة من الورق السميك، ويمكن حفظ السجلات على أجهزة الكمبيوتر، ولا يطلع عليها إلا الأخصائيون فقط.
السرية: يجب أن تحفظ السجلات في سرية تامة بحيث تكون بعيدة عن أيدي غير المختصين وبحيث لا تستعمل المعلومات المحفوظة فيها إلا لأغراض الإرشاد. ويسمح بالاطلاع على السجل المجمع للأخصائيين فقط. أما غيرهم ممن لهم الحق في معرفة معلومات عن العميل من غير الأخصائيين كالوالدين مثلا، فيمكن إعطاؤهم معلومات دون إطلاعهم على السجل خشية سوء الفهم أو سوء التفسير، وفي حالة حفظ السجلات المجمعة في الحاسب الآلي يجب استخدام "كلمة مرور" Password ضمانا للسرية.
إعداد السجل المجمع:
يسترشد في إعداد السجل المجمع بالشروط الواجب توافرها فيه حتى يحقق أهدافه، ويضاف إلى ذلك ما يلي:
الإعداد: يعد السجل المجمع وتدون فيه رءوس الموضوعات ومداخل المعلومات والجداول اللازمة، بحيث تكون الكتابة فيه أقل ما يمكن. وينبغي أن يؤخذ في ذلك رأي جميع أعضاء
فريق الإرشاد النفسي لأنهم جميعا سيسهمون في ملئه بالمعلومات. هذا ويجب أن تكون مداخل المعلومات وجداولها كلها قابلة للاستعمال فعلا حسب التجربة والاستخدام العملي.
التوحيد: يفضل أن تكون صورة السجل المجمع موحدة بقدر الإمكان في المناطق التعليمية أو على الأقل في كل منطقة تعليمية، وتعد بعض المناطق التعليمية وبعض المؤسسات وبعض مراكز الإرشاد صورا موحدة مقننة متفقا عليها من السجلات المجمعة تيسيرا للعمل والفهم والاستفادة عندما ينتقل العميل من مدرسة إلى أخرى أو من مؤسسة إلى أخرى. وفي نفس الوقت يتحفظ البعض بخصوص الصور الموحدة لأنها حتما ستكون مفروضة على بعض مراكز الإرشاد أو المدارس أو المؤسسات، ويخشى أن يكون ملؤها في هذه الصورة بطريقة تسديد الخانات فقط.
الدليل: يجب أن يكون مع السجل المجمع دليل يتضمن تعليمات موحدة يسترشد بها الأخصائيون في ملء بياناته واستخدامها.
التدريب: يدرب جميع العاملين في الإرشاد النفسي على استخدام السجل المجمع.
إدخال المعلومات: يشترك جميع العاملين في الإرشاد والمعلمين متعاونين في جمع المعلومات، ولكن يقتصر إدخال المعلومات في السجل المجمع على الأخصائيين المدربين فقط.
ويجب أن يكون السجل المجمع واضح الكتابة قابلا للقراءة والاستفادة منه لجميع العاملين في ميدان الإرشاد، ولذلك يفضل جدا طباعة المعلومات فيه أو كتابتها على الآلة الكاتبة كلما أمكن.
مزايا السجل المجمع:
يمتاز السجل المجمع بما يلي:
- يصاحب الفرد في نموه وفي تنقله من مرحلة نموه إلى مرحلة أخرى ومن مدرسة إلى أخرى ومن المدرسة إلى العمل ومن عمل إلى آخر ومن بلد إلى آخر
…
إلخ، ومن ثم فهو مصدر أساسي للمعلومات عن الفرد في أي مكان يذهب إليه.
- يوفر الجهد والوقت في حالة توافر معلومات مسجلة فيه، فلا يعاد الفحص والبحث إلا في الحالات الجديدة.
- يضم كل المعلومات التي تجمع بواسطة كافة وسائل الإرشاد الأخرى والتي يقوم بها كل أعضاء فريق الإرشاد، مما يعطي صورة عن العميل وخلفيته على مدى زمني.
- يعتبر الوسيلة الرئيسية النهائية التي يعتمد عليها المرشد في عملية الإرشاد، فهو يعطي
صورة متكاملة متوازنة تساعد المرشد في سرعة التعرف على العميل، وتيسر أمامه المعلومات، وتتيح إمكانية تتبع نمو العميل، ودراسة التغيرات التي طرأت عليه.
- يعتبر مرجعا شخصيا للعميل يزيد معرفته بنفسه وبتطور نموه في ماضيه وحاضره، ومعرفة نواحي قوته ونواحي ضعفه، ويساعده في التخطيط لمستقبله، ويستثير موضوعات هامة في جلسات الإرشاد.
- يعتبر نموذجا طيبا لتعاون جميع أعضاء فريق الإرشاد النفسي.
- يعتبر أهم وسائل جمع المعلومات في الإرشاد النفسي التي يجوز الاستعانة بها -بشروط خاصة- في البحوث العلمية.
عيوب السجل المجمع:
في بعض الحالات يحدث ما قد يجعل للسجل المجمع بعض العيوب، فمثلا:
- قد يساء فهم أو تفسير بعض المعلومات التي يتضمنها السجل المجمع، وخاصة القديم منها والذي وضعه غير الأخصائي الذي يستخدمه حديثا.
- قد يستغنى بالسجل المجمع عن دراسة الحالة وغيرها من الوسائل، مما يحرم المرشد من وسائل ضرورية وأساسية في عملية الإرشاد.
الفصل السادس: عملية الإرشاد النفسي
معالم عملية الإرشاد النفسي
…
الفصل السادس: عملية الإرشاد النفسي THE PROCESS OF COUNSELLING:
معالم عملية الإرشاد النفسي:
كل ما سبق في هذا الكتاب يمكن اعتباره تمهيدا لعملية الإرشاد النفسي، التي تعتبر بمثابة التطبيق العملي للتوجيه النفسي، بكل ما له من أسس ونظريات وما يتوافر فيه من وسائل، وقد أشرنا في الفصل الأول إلى مفهوم التوجيه والإرشاد وإلى أن عملية الإرشاد النفسي هي العملية الرئيسية في خدمات التوجيه النفسي، وأنها هي الجزء العملي التطبيقي في ميدان التوجيه، وأنها عملية تنطوي على كثير من العلم والفن، وذكرنا في الفصل الثاني الأسس التي تقوم عليها عملية الإرشاد. وتناولنا في الفصل الثالث النظريات التي تستند عليها عملية الإرشاد. وفي الفصل الرابع حددنا المعلومات اللازمة لعملية الإرشاد. وفي الفصل الخامس أوضحنا وسائل جمع المعلومات اللازمة لعملية الإرشاد.
وعملية الإرشاد النفسي عملية قديمة من ناحية الممارسة الفعلية، ولو أنها كانت تتم بطريقة غير عملية، فالفرد حين يساعد ولده أو صديقه أو زميله في حل مشكلته، فإنه يمارس نوعا من الإرشاد النفسي ويقوم بعملية إرشاد. إنه يحاول أن يفهم طبيعة المشكلة ويتيح فرصة التنفيس الانفعالي ويقوم بالمساندة الانفعالية والدعم وتنمية البصيرة ويساعد الولد أو الصديق أو الزميل، إلا أن هذا العمل لا يقوم على أساس علمي. ويمكن أن يطلق عليه "إرشاد المصاطب" Armchair Counselling.
ويلاحظ أن الفرق بين عملية الإرشاد النفسي وبين عملية العلاج النفسي هو فرق في العميل وليس في العملية، وهو فرق في الدرجة وليس في النوع، وهكذا سنجد في هذا الفصل بعض التداخل بين عملية الإرشاد النفسي وعملية العلاج النفسي.
وعملية الإرشاد النفسي هي عملية مساعدة العميل ليساعد نفسه. وذلك يفهم نفسه وتنمية شخصيته ليحقق التوافق مع بيئته ويستغل إمكاناته على خير وجه، بحيث يصبح أكثر نضجا وأكثر قدرة على التوافق النفسي في المستقبل، وتستخدم فيها طرق نفسية لحل المشكلات وعلاج الاضطرابات السلوكية التي يعاني منها العميل.
اسكنر
إجراءات عملية الإرشاد النفسي:
عرفنا أن عملية الإرشاد النفسي عملية علمية فنية تقوم على أسس علمية ونظريات متعددة. وهي أيضا عملية لها إجراءات أساسية تعتبر معالم في الطريق لا تتم إلا بها.
وينبغي أن نعرف أن هذه الإجراءت ضرورية لإتمام عملية إرشاد مثالية، وهي ليست إجراءات في شكل خطوات مسلمة رقميا أي أن الأولى تليها الثانية ثم الثالثة
…
وهكذا، أو أنه إذا لم تتم خطوة فقد انفرط العقد.
ويلخص شكل "59" إجراءات عملية الإرشاد النفسي.
الإعداد للعملية
PREPARATION:
عملية الإرشاد النفسي عملية كبيرة، ولا بد لها من إعداد من جانب المرشد بل وفريق الإرشاد كله. ويتضمن ذلك الاستعداد لها وإعداد العميل ومعرفة توقعاته، وتقديم عملية الإرشاد النفسي له وتنمية مسئوليته إزاء العملية.
استعداد المرشد:
لا بد من استعداد المرشد لعملية الإرشاد. فالعملية تحتاج إلى إعداد مسبق وتخطيط دقيق وتحضير مدروس، ويتوقف نجاح العملية على الإعداد الجيد لها. ويتضمن ذلك استعداد المرشد وإعداد العميل، وتهيئة ظروف العملية ومتطلباتها مثل المكان المناسب والوقت
الكافي الذي يسمح بقيامه بها على خير وجه هو ورفاقه أعضاء فريق الإرشاد، وتوفير جميع وسائل جمع المعلومات والتشخيص والتقييم والمتابعة
…
إلخ.
استعداد وإعداد العميل:
يأتي العميل إلى عملية الإرشاد وقد لا يعرف عنها أي معلومات. أو ربما يكون لديه معلومات عامة صحيحة أو خاطئة أو حتى خرافية، ولذلك لا بد من استعداد العميل وإعداده للعملية.
إن أساس عملية الإرشاد النفسي هو الإقبال والقبول والتقبل، والإقبال من قبل العميل أمر هام جدا وضروري لنجاح عملية الإرشاد1. فأفضل العملاء هو الذي يقبل على عملية الإرشاد بنفسه، حيث يكون لديه استبصار بمشكلته ويعرف قيمة الإرشاد ويدرك حاجته إليه، ويقدر مسئوليته فيه، يقبل العميل بدون أن يدفعه أحد دفعا ودون أن يحيله أحد أو جهة إحالة ربما على غير إرداته "إدوارد بوردين Bordin، وهذا هو رأي أصحاب طريقة الإرشاد غير المباشر، أما أصحاب طريقة الإرشاد المباشر، فيعارضون هذا الرأي قائلين إنه لا يجوز أن نقف موقف المتفرج من فرد لديه مشكلة ولكنه لا يبحث عن مساعدة، وقد تزداد المشكلة وتكبر. وقد يكون الشخص نفسه غير مدرك لمشكلته وأبعادها ونتائجها، وقد يكون أساس الشخصية من النوع الماسوكي الذي يتلذذ من المعاناة لا شعوريا، ومن ثم لا يسعى بنفسه إلى التخلص من المشكلة التي تؤلمه. وعلى المرشد في هذه الحالات أن يبحث عن أي وسيلة أو طريقة لبقة ومتدرجة لاستدراج الفرد وإشعاره أنه في حاجة إلى مساعدة، مما يؤدي إلى إقباله على عملية الإرشاد "روبرت ناب Knapp؛ 1959".
أما القبول فهو قبول العميل لعملية الإرشاد دون شروط، واستعداده لها عقليا وانفعاليا. ونحن نعرف أن عملية الإرشاد -على الرغم من فائدتها- فإنها ليست شيئا مرغوبا بالنسبة للعميل فليس منا من ينكر فائدة وقيمة العملية الجراحية لمن يحتاجها، ولكن العملية الجراحية في حد ذاتها غير مرغوبة ولا يقبل عليها الناس، ومن ثم يحتاج قبول العميل لعملية الإرشاد النفسي إلى استثارة دافعية قوية لقبولها وبدئها.
والتقبل أيضا يجب أن يكون متبادلا بدون شروط من جانب العميل والمرشد. ويلازم هذا أيضا الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة بين الطرفين "انظر شو Shaw؛ 1955".
ويلاحظ أن الشروط في عملية الإرشاد تعتبر بمثابة "العقدة في المنشار" تعرقل العملية.
1 يقول الشاعر أحمد شوقي:
وما استعصى على قوم منال
…
إذا الإقدام كان لهم ركابا
فالعميل ينبغي ألا يشترط شروطا لنجاح عملية الإرشاد، لأن تحقيق هذه الشروط غير مضمون، خاصة إذا كانت تتعلق بأمور خارجة عن إرادة أو سيطرة كل من المرشد والعميل، وهذا هو السبب في النص ألا يكون هناك شروط في عملية الإرشاد.
ويتطلب إعداد العميل تأكيد الألفة معه. وقد سبق تناول أهمية تكوين الألفة عند الكلام عن المقابلة كوسيلة لجمع المعلومات "راجع الفصل الخامس" ونضيف هنا أن تأكيد الألفة مع العميل أمر ضروري لبداية عملية الإرشاد بداية حسنة، ويتطلب ضمان نجاح تكوين وتأكيد الألفة توافر بعض الخصائص الشخصية في المرشد منها: الاهتمام بالعميل ووجهات نظره، والثبات الانفعالي والنضج، والفهم والتفاهم، والتعاطف والتعاون، والمظهر الشخصي السار المريح، والتوازن بين الجد والمزاح، والاحترام المتبادل.
توقعات العميل:
عند إعداد العميل يجب أن نعرف توقعاته ومشاعره وهو يأتي لأول مرة إلى مكتب المرشد، لأن هذه التوقعات تؤثر في اتجاه ونتيجة عملية الإرشاد، إن العميل يأتي وهو يتوقع المساعدة والمساندة وحل مشكلته وتخفيض مستوى القلق لديه، وقد تكون توقعات العميل عامة أو محددة، أو مناسبة أو غير مناسبة، يمكن تحقيقها أو لا يمكن تحقيقها، وهو قد تعلم هذه التوقعات وأخذت شكل اتجاهات اجتماعية كتلك التي تتكون نحو العلاج الطبي على أنه شيء يعمل ويقدم له من أخصائي مسئول عنه "باتيرسون Patterson؛ 1958".
وفيما يلي عينة من توقعات بعض العملاء:
- يتوقع بعض العملاء تحقيق أكثر مما يمكن تحقيقه من جانب المرشد، بينما يتوقع البعض أقل مما يمكن تحقيقه فعلا.
- يأتي بعضهم ولديه ثقة وأمل في عملية الإرشاد، بينما البعض لا يكون لديهم ثقة ولا أمل فيها.
- يأتي بعضهم بمشكلات يعتبرون أنفسم ضحايا لها وللآخرين وليس لهم يد فيها، ومن ثم يلقون بمشكلاتهم على المرشد ويتوقعون منه أن يحلها لهم.
- يأتي البعض ولديه تصور عن المرشد على أنه له صورة "الأب الطيب" الفاهم المتسامح، والبعض يكون لديه تصور للمرشد على أنه "موظف" موضوعي يمثل مهما كان نوعا من السلطة.
- يأتي البعض للإرشاد بحثا عن طريقة يغير بها شخصيته وسلوكه، والبعض يأتي بحثا عمن يغير له شخصيته ويعدل له سلوكه.
- يأتي بعض العلماء ولدى الفرد منهم توقع معين مثل حل مشكلة انفعالية أو لمساعدة في اختيار شعبة دراسية مناسبة أو اختيار مهنة مناسبة، ويأتي فرد آخر وليس لديه إلا توقع عام لمساعدته في نواحي سلوكية عامة.
هذا ويجب في ضوء دراسة توقعات العميل، أن يتم ترشيده وتوجيهه بخصوص عملية الإرشاد حتى نبدأ البدء الصحيح في إطار واقعي بناء.
تنمية مسئولية العميل:
يأتي بعض العملاء للإرشاد لأول مرة ولديهم نوع من الحساسية والميل الدفاعي عن النفس، يصل أحيانا إلى درجة الإنكار وعدم الاهتمام وعدم الشعور بالمسئولية.
ويجب منذ بداية عملية الإرشاد النفسي تنمية مسئولية العميل من حيث قبولها وتحملها، وأن يكون إيجابيا في عملية الإرشاد حتى تحقق أهدافها.
ويجب أن يعلم العميل منذ البداية أن قلب عملية الإرشاد هو عملية التعلم، وهي مسئوليته. إن عليه أن يتعلم من خبرة الإرشاد ما يمكنه من حل مشكلاته مستقلا مستقبلا وأن يتحمل مسئولية نفسه.
تقديم عملية الإرشاد:
في البداية يقوم المرشد بتقديم عملية الإرشاد النفسي، ويتبع المرشدون في ذلك أساليب عديدة.
وقد سبق أن أعد المؤلف "حامد زهران، 1972، 1977" أسلوبا لتقديم عملية الإرشاد للعميل عبارة عن موضوع بعنوان "مقدمة الإرشاد والعلاج النفسي" يقدمه المرشد أو المعالج للعميل قبل بدء عملية الإرشاد كإعداد مسبق، لتعريفه بالدور الإيجابي الذي يجب عليه أن يقوم به والإطار العام لعملية الإرشاد، أما عن محتوى المقدمة فهو على النحو التالي.
تقديم: يتضمن الترحيب بالعميل وتعريفه بموضوع المقدمة، والاستعداد لمساعدته، وحثه على التعاون، وتأكيد السرية المطلقة للمعلومات.
إيضاح الهدف: يوضح هدف عملية الإرشاد، وهو تحقيق التوافق والصحة النفسية وصيانة الشخصية، مع تأكيد أهمية الوقاية كطريق والإرشاد كعمل والصحة النفسية كهدف.
تحديد المشكلة: يتضمن توجيهات للعميل تعينه في تحديد مشكلته بصدق وأمانة ودقة.
أسباب المشكلة: يلفت نظر العميل إلى أن أسباب المشكلات تتعدد وتتفاعل بين داخلية وخارجية، أصلية ومساعدة، حيوية ونفسية واجتماعية، ويستحثه على ذكر الأسباب الخاصة بمشكلته كما يراها هو.
أعراض المشكلة: يعرف العميل بالأعراض التي تدل على وجود المشكلة أو الاضطراب، وأن لها رموزا ومعاني ووظائف وأهداف لا بد من معرفتها، وأن منها أعراضا داخلية وأخرى خارجية، ومنها أعراضا عضوية المنشأ وأخرى نفسية المنشأ، ويلفت نظره إلى تصنيف الأعراض ونماذج منها، ويستحثه على تجميع كل ما قد يكون لديه من هذه الأعراض كما يشعر بها هو.
إجراءات الفحص: يلفت نظر العميل إلى أهمية الفحص وهدفه وأهمية الكشف عن مفهوم الذات ومحتوى مفهوم الذات الخاص، وينبهه إلى أهمية الفحوص والبحوث النفسية والاجتماعية والعصبية والطبية.
أهمية التشخيص: يوجه نظر العميل إلى أهمية التشخيص الدقيق في تحديد المآل وطريقة العلاج المناسبة، ويلفت نظره إلى مسئوليته في إعطاء المعلومات الصادقة بالنسبة لدقة التشخيص.
عملية الإرشاد: هنا بؤرة التركيز والهدف الرئيسي من المقدمة، حيث يعرف العميل بطرق ومجالات الإرشاد وأهم ملامح وإجراءات عملية الإرشاد من بدايتها حتى نهايتها والمتابعة التي تليها.
خاتمة: وأخيرا يعرف العميل بأن العميل تستغرق بعض الوقت، ويعرفه بنظام الجلسات وزمانها ومواعيدها
…
إلخ، ويطلب من بدء العمل على بركة الله لتحقيق الهدف وهو الصحة النفسية.
هذا وقد أعد المؤلف من المقدمة ثلاث صور على النحو التالي:
- الصورة الشفوية: ويقدمها المرشد للعميل شفويا وجها لوجه، وهي شخصية يستخدم فيها المرشد ضمير المتكلم "أنا".
- الصورة الكتابية: وتقدم للعميل مكتوبة في كتيب ليقرأها، ويستخدم ضمير المتكلم "نحن" بحيث يمكن أن يستخدمها أي مرشد.
- الصورة الصوتية: وتقدم للعميل مسجلة على شريط بصوت المرشد ليسمعها، ويستخدم فيها ضمير المتكلم "أنا".
وكان هناك صيغتان للمقدمة من كل من الصورة الشفوية والصورة الصوتية:
- صيغة المذكر: وتقدم للذكور.
- صيغة المؤنث: وتقدم للإناث.
وتم تعديل المقدمة حيث أعدت صيغة موحدة تناسب الذكور والإناث في نفس الوقت.
تحديد الأهداف:
لا شك أن الهدف الرئيسي لعملية الإرشاد هو هدف علاجي، ويجب أن يحدد المرشد والعميل أهداف عملية الإرشاد، فيحددا الأهداف العامة، والأهداف المبدئية "القابلة للتعديل"، والأهداف الخاصة، حتى يمكن توجيه عملية الإرشاد لتحقيقها.
الأهدف العامة:
تتعدد الأهداف العامة لعملية الإرشاد النفسي، فنجد منها: تحقيق الذات وفهم الذات، وذلك بتحقيق إمكانات واستعدادات وقدرات العميل وتحويله من النظر إلى خارج نفسه إلى النظر داخل نفسه مع استبصار أكثر، وتحويله من الكلام عن العموميات إلى الخصوصيات، ومن كبت المشاعر إلى إخراجها "نولتون Knowlton؛ 1972" كذلك من الأهداف العامة الهامة تحقيق التوافق النفسي وتحسين السلوك وتحقيق السعادة والصحة النفسية "راجع الفصل الأول".
الأهداف المبدئية:
بعض أهداف عملية الإرشاد النفسي تحدد بصفة مبدئية، لأن عملية الإرشاد النفسي عملية دينامية تتغير أثناءها أو من خلالها بعض الأهداف أو تتعدل أو يقدم أحدها على الآخر
…
وهكذا. والأهداف المبدئية قابلة للتعديل، فالعميل قد يضلل المرشد في المراحل الأولى من عملية الإرشاد بسبب إعطائه معلومات ناقصة أو خاطئة أو كاذبة عن قصد أو عن غير قصد. ومع تقدم عملية الإرشاد يزداد وضوح الرؤية والفهم لدى المرشد. وقد يقتنع العميل أكثر بعملية الإرشاد عندما يجني بواكير ثمارها فيفاجئ المرشد بمعلومات صحيحة وحقائق جديدة معدلة أو مخالفة لما سبق أن أدلى به، وهكذا تتعدل الأهداف في الطريق أثناء عملية الإرشاد.
الأهداف الخاصة:
تتحدد الأهداف الخاصة لعملية الإرشاد بالإجابة عن السؤال "لماذا جاء العميل، وماذا يريد؟ " إن أهم الأهداف الخاصة في عملية الإرشاد عادة هي حل مشكلة العميل إجرائيا من خلال علاقة إرشادية ناجحة، ويجب أن يعرف كل من المرشد والعميل بدقة ووضوح طبيعة هذا الهدف الخاص المباشر، وكيفية تحقيقه، ومسئولية كل منهما إزاء هذا. فالمرشد عليه أن يبذل كل جهده في سبيل مساعدة العميل لحل مشكلته وأن يقحمه في مشكلته ويوجهه لحلها في إطار عملية الإرشاد. وإلى جانب هذا الهدف الخاص الرئيسي قد يكون للعميل أهداف خاصة أخرى يجب تحديدها ومعرفتها منذ البداية.
تحديد العملية:
يجب تحديد عملية الإرشاد النفسي كعملية مساعدة، وذلك بتعريف العميل بنظامه العام، وبالمرشد وإمكاناته وما يمكن أن يقدمه للعميل، وما يمكن أن يناقش في جلسات الإرشاد، وما يمكن أن يقدمه من معلومات
…
إلخ.
ويحدد البعض عملية الإرشاد النفسي إجرائيا وباختصار بأنها كل ما يحدث بين مرشد نفسي وبين عميل أو أكثر، ويحددها البعض في ضوء أهم معالمها بأنها عملية تعلم، وهي ليست تقديم حلول جاهزة، ويجب أن يكون هذا معلوما للعميل.
حدد أحد العملاء عملية الإرشاد كما تصورها بأنها "أشبه ما تكون برحلة على طريق في ليلة يملؤها الضباب، تركني المرشد أقود سيارتي، ولكنه حدد الخط الأبيض في وسط الطريق، مما ساعدني على بلوغ الهدف".
أبعاد العملية:
حاول آرثر جونز Jones؛ "1970" تحديد أهم أبعاد عملية الإرشاد النفسي فتوصل إلى أربعة هي:
التشخيص والنمو: أي تشخيص وتحديد مشكلة العميل واضطرابه، ومساعدته في النمو، حيث يفهم نفسه بدرجة أفضل من خلال الخبرات والمواقف التي تيسر وتهيأ له.
المعرفة والمشاركة الانفعالية: وذلك أن المحتوى المعرفي والمشاركة الانفعالية من أساسيات عملية الإرشاد اللازمة لنجاحها.
الملاحظة والاشتراك: أي ملاحظة سلوك العميل وتقييمه علميا، والاشتراك عمليا في العلاقة الإرشادية الفعالة بما فيها من تفاعل دينامي.
العمومية والتحديد: حيث تتراوح عملية الإرشاد بين العموميات بالنسبة للأهداف والتوقعات وبين التحديد الدقيق بالنسبة للقرارات والخطط.
وهكذا تحدد أبعاد عملية الإرشاد، ويكون المرشد مسئولا عن صحتها والعميل مسئولا عن تنفيذها وترجمتها إلى سلوك.
جمع المعلومات:
يأتي العميل إلى المرشد، وكلاهما لا يعرف عن الآخر الكثير، أو ربما لا يعرف أي شيء. ولذلك يجب بعد التعارف، جمع جميع المعلومات المرتبطة بالعميل ومشكلته وبيئته.
ويجب أن يعرف العميل أن من أهم مطالب عملية الإرشاد أن يكشف عن ذاته للمرشد ويعرفه بنفسه وبموقفه العام، وتحديد مشكلاته وأسبابها وأعراضها
…
إلخ، حتى يستطيع أن يفهمه وأن يتعرف على حاجاته.
وبالنسبة للمرشد، فقد سبق تحديد المعلومات اللازمة لعملية الإرشاد في الفصل الرابع، وسبق تناول وسائل جمع المعلومات في الفصل الخامس.
ملاحظات:
نضيف هنا أنه يجب أن يتم جمع المعلومات اللازمة لعملية الإرشاد بصورة منظمة منتظمة، من كل مصادرها المتاحة، عن العميل وشخصيته ومشكلته من كل الجوانب، في ضوء دليل فحص ودراسة الحالة، وباستخدام كافة وسائل جمع المعلومات الممكنة، مع مراعاة تعددها والشروط العامة التي تكفل نجاحها والثقة في المعلومات.
وبعد هذا يجب تجميع وتلخيص خلاصة المعلومات المرتبطة بالمشكلة والتوصيات الخاصة بها لتكون جاهزة للاستخدام في عملية الإرشاد، ولتكون أساس تخطيط مبدئي مرن لعملية الإرشاد نفسها، ويستعان في ذلك بالسجلات المجمعة.
ويلاحظ أن جمع وتجميع المعلومات لا يتم مرة واحدة أو دفعة واحدة في كل الحالات، ولكن قد يحدث مع تقدم عملية الإرشاد أن يحتاج المرشد إلى مزيد من المعلومات.
التشخيص وتحديد المشكلة
DIAGNOSIS:
التشخيص في الإرشاد النفسي عملية هامة كما في العلاج النفسي والعلاج الطبي.
وينظر المرشدون والمعالجون النفسيون إلى عملية الفحص والتشخيص والعلاج كعملية متصلة ومستمرة ومتداخلة.
والتشخيص هو تحديد المشكلة والتعرف على الاضطراب أو المرض وتعيينه وتسميته. ويقوم التشخيص على أساس نتائج عملية الفحص وجمع المعلومات.
ويفرق ويتربول وبولي Witryol & Boly؛ "1944" بين التشخيص الموجب Positive Diagnosis الذي يعني تحديد الخصائص الإيجابية وسمات وديناميات شخصية العميل، وبين التشخيص السالب Negative Diagnosis الذي يعني تحديد مشكلات واضطرابات وأمراض العميل، ويريان أن كليهما هام في عملية الإرشاد.
وهدف التشخيص: هو الحصول على أساس لتحديد إجراءات وطريقة الإرشاد التي تناسب المشكلة والاضطراب وشخصية العميل. وهو بهذا يوفر الوقت والجهد في عملية الإرشاد ويساعد في تركيز الاهتمام على المشكلة عند تحديدها.
أهمية التشخيص وتحديد المشكلة:
التشخيص وتحديد المشكلة إجراء يهم كلا من العميل والمرشد. فالعميل يهتم بالمشكلة لأنها مشكلته، والمرشد يهتم بها لأنها عمله.
ويدخل التشخيص في صميم عملية الإرشاد نفسها. فالعميل يشعر بالثقة ويكشف الكثير عن نفسه، ويزداد فهم تشخيصه ويضع يده على مشكلته ويستريح لبوحه بها وتخلصه من التوتر الانفعالي، ويطمئن لمشاركة المرشد الذي شخص الاضطراب وحدد المشكلة، ويشعر أن شيئا قد تم وأنجز وحدد طريق عملية الإرشاد مما يزيد الأمل في حل المشكلة.
وعن طريق التشخيص، يمكن تحديد نوع مشكلة العميل، واضطرابه، ومدى أهميته وخطورة المشكلة، وما إذا كان ما يعاني منه العميل مجرد عرض منفرد أم زملة أعراض تدل على اضطراب محدد، وما إذا كان ما يعاني منه هو مجرد "حبة جعل منها قبة أو قبة جعل منها حبة". وقد يكون ما يعاني منه العميل مرضا عصابيا أو ذهانيا لا يدخل في نطاق ميدان الإرشاد النفسي، ويستدعي إحالته إلى العلاج النفسي والطبي في عيادة أو مستشفى للأمراض النفسية
…
وهكذا.
ولا يخفى على المرشد أهمية التشخيص المبكر مما يجعل فرصة نجاح عملية الإرشاد
أفضل. ونحن نعرف أن هناك بعض المشكلات قد تظل مستترة أو غير ظاهرة أو ينالها الإنكار والتجاهل مثل التخلف الدراسي وسوء التوافق الأسري، وتظل بعيدة عن التشخيص المبكر حتى تتفاقم آثارها ويصبح علاجها مكلفا وطويل المدى، وأحيانا صعبا أو مستعصيا، وهذا يلفت النظر إلى ضرورة التعاون الكامل بين الوالدين والمربين والأخصائيين في الأسرة والمدرسة وعيادة أو مركز الإرشاد النفسي، حتى تنكشف المشكلات وتشخص الاضطرابات في وقت مبكر بحيث يمكن اتخاذ الإجراءات الإرشادية والعلاجية المناسبة في الوقت المناسب.
إجراء التشخيص:
يلزم لإجراء التشخيص الاهتمام بما يلي:
تهيئة العميل: تهيئة العميل أمر لازم لكي يتم إجراء التشخيص بنجاح، وذلك بتعريفه أنه ليس الوحيد الذي يعاني من مشكلة، وأن كثيرين قبله كانوا يعانون من مشكلات شخصت وعولوجت بنجاح، وأن التشخيص المبكر الدقيق هام جدا وفي مصلحته لأنه أساس تحديد عملية الإرشاد الدقيق والعلاج السليم المناسب والتنبؤ بمستقبل عملية الإرشاد والعلاج. ويستحث المرشد العميل على أن يساعده في معرفة أصل وطبيعة ونوع المشكلة وجمع الأعراض وتحديد الأسباب. ويجب طمأنة العميل إلى أنه عندما يتم تشخيص المشكلة بدقة، فإنها سوف تكون "شدة وتزول"1.
تحديد الأسباب: عرفنا مبدأ تعدد وتفاعل الأسباب، وأن من النادر أن نضع أيدينا على سبب واحد للمشكلة أو الاضطراب إلا في حالات نادرة، ومن الضروري في عملية التشخيص التفريق بين الأسباب الحيوية والنفسية والبيئية، والأسباب المهيئة والمرسبة التي أدت إلى المشكلة أو الاضطراب، ويجب عدم المبالغة في أثر مجموعة من الأسباب الأخرى. ويجب الاهتمام بتحديد الأسباب كما يراها العميل نفسه ويصدق ذلك نتائج الفحص الشامل.
تحديد الأعراض: عرفنا أنه يمكن التعرف بدقة على الأعراض، وبعض الأعراض قد تكون شديدة واضحة يمكن ملاحظتها بسهولة، وبعضها تكون مختفية لا يمكن معرفتها إلا عن طريق التقرير اللفظي من العميل أو مرافقيه، ولا بد من الاهتمام بكل الأعراض الخارجة
1 يقول الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
…
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
…
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
والداخلية، ونحن نعرف أن العرض الواحد قد يظهر عند شخص نتيجة أسباب نفسية تختلف عن أسبابه عند شخص آخر، ويلاحظ كذلك أن عددا كبيرا من الأعراض قد يكون لها نفس الأسباب. ويجب أيضا تحديد معنى وظيفة وأهداف الأعراض. ولا بد من الاهتمام بدراسة الأعراض وما وراءها من مكاسب آولية وثانوية يحققها العميل.
تفسير المعلومات: يجب أن تفسر المعلومات التي يتم الحصول عليها عن طريق دارسة الحالة. وفي ضوء تفسير المعلومات يتم وضع افتراض تشخيص يكون عادة في ضوء واحدة أو أكثر من نظريات الشخصية والإرشاد والعلاج النفسي مثل النظرية السلوكية أو نظرية الذات أو التحليل النفسي
…
إلخ. ولكل من هذه النظريات وجهة تفسير خاصة وتتضمن عددا من المفاهيم التشخيصية المساعدة.
التشخيص الفارق Differential Diagnosis: يلزم الاهتمام بإجراء التشخيص الفارق، أي التفرقة والتمييز بين أعراض مشكلتين أو اضطرابين أو مرضين أو أكثر لتحديد أي منها هو الذي يشكو منه العميل حتى تحدد طريقة وإجراء الإرشاد أو العلاج. ومن دواعي الاهتمام بالتشخيص الفارق التدخل بين حالات الاضطراب نفسية المنشأ وعضوية المنشأ وحالات الأمراض الجسمية التي يصاحبها اضطرابات نفسية والأمراض النفسية الجسمية، ويتطلب الاضطرابات العضوية والاضطرابات الوظيفية وتقييم درجة كل منهما، وتحديد رد فعل الشخصية تجاه الاضطراب، وتقدير شدة الأعراض، واتباع الأساس العلمي والإحصائي في جمع وتصنيف وتحليل المعلومات التي بني عليها التشخيص.
عوامل نجاح التشخيص:
من أهم عوامل نجاح التشخيص ما يلي:
الفحص الدقيق: الفحص الدقيق هو حجر الزاوية للتشخيص الموفق. ومن ثم يجب أن يكون فحص دارسة الحالة موضوعيا وشاملا ومن كافة المصادر المتاحة وبكافة الطرق والوسائل المختلفة بقدر الإمكان ويجب أن تكون المعلومات التي يؤدي إليها فحص ودراسة الحالة منظمة ومخلصة بدقة.
التدريب والخبرة: يحتاج التشخيص إلى تدريب وخبرة من جانب المرشد. وقد يكون التشخيص سهلا ويصل إليه المرشد بسرعة، وخصوصا كلما زادت خبرته الإرشادية العملية، ولكن يجب أن يتأنى المرشد قبل أن يضع التشخيص النهائي، وقد يقتضي الأمر في بعض
الحالات الصعبة أو غير الواضحة اللجوء إلى استثارة أخصائيين آخرين للاستعانة بهم في عملية التشخيص.
تحديد المشكلة:
في تحديد المشكلة يجب التعرف على نوعها: ومن أنواع المشكلات ما يلي:
- مشكلات الشخصية وسوء التوافق الشخصي والاضطرابات الانفعالية.
- المشكلات التربوية وعدم التوفيق في اختيار المواد الدراسية ومشكلات التحصيل المدرسي ونقص الاستعداد الدراسي وسوء عادات الاستذكار وقلق التحصيل وقلق الامتحان وسوء التوافق المدرسي.
- المشكلات المهنية ومشكلات اختيار المهنة والدخول فيها وسوء التوافق المهني.
- المشكلات الصحية ووجود عاهات وما يصاحبها من سوء توافق.
- مشكلات نقص المعلومات لدى العميل، ونقص مهارات يمكن اكتسابها.
ملاحظات في عملية التشخيص وتحديد المشكلة:
يجب الاحتراس من الخطأ في عملية التشخيص حتى لا ينبني كل ما بعده على أساس خاطئ، وكثيرا ما نسمع عن الآثار الضارة للخطأ في التشخيص حيث تسير عملية الإرشاد أو العلاج في طريق خاطئ وتفشل في النهاية، بل قد يسبب ذلك مضاعفات لم تكن موجودة أصلا. ومن مصادر الخطأ في التشخيص عدم ظهور ما يسمى "استجابة الأعراض"، أي الاستجابة السلوكية التي تدل على وجود العرض أو المرض، وقد يخطئ المرشد ويعتبر غياب استجابة الأعراض دليلا على عدم وجود الاضطراب أو المرض، علما بأن الاضطراب أو المرض قد يكون موجودا ولكن لا تظهر استجابة الأعراض "سميدزلوند Smedslund؛ 1969". ومن أسباب الخطأ في التشخيص عدم فهم التعليمات والمصطلحات الخاصة، وعدم فهم المعلومات الأخرى التي تعطي أثناء فحص ودراسة الحالة. ويجب التغلب على هذه الأسباب بتوضيح المعلومات، ويوصي ماركس وسيمان Marks & Seeman؛ "1962" باستخدام كافة الطرق العلمية التي تضمن دقة التشخيص، وهناك اختبارات يمكن الاستعانة بها في عملية التشخيص، ومن أمثلتها اختبار التشخيص النفسي للمؤلف.
ويلاحظ أن بعض العملاء قد ينهارون عند سماع التشخيص، وتزداد حالتهم المرضية.
وقد يهرع العميل إلى قراءة الكتب عن المشكلات والاضطرابات النفسية فيخطئ في فهم وتفسير وتطبيق ما كتب أصلا للمختصين، مما يزيد الحالة تعقيدا. ولذلك يجب أن يعرف العميل التشخيص بأسلوب وطريقة لبقة وبتصرف حسب الحالة، بما يخفف وقع التشخيص عليه.
ويلاحظ أن التشخيص في حالة الأطفال يحتاج إلى اهتمام خاص، لأن الطفل، ما زال ينمو ولم يصل بعد تمام نضج الشخصية، وأن السلوك العادي، وغير العادي عند الأطفال يختلف عنه لدى الكبار، وأن مشكلات الأطفال تختلف مع النمو. هناك فرق بين تشخيص وإرشاد الأطفال وبين تشخيص وإرشاد الكبار. فإمكانات الطفل في التعبير عن نفسه محدودة نسبيا، وقدرته على ضبط بيئته محدودة والتحكم فيها صعب، وتأثره بالكبار واضح وفي كثير من حالات الأطفال نجد أن اضطراب الطفل يعتبر عرضا لاضطراب أحد الوالدين أو كليهما. وعلى العموم، ففي التشخيص في حالة الأطفال يحسن أو يجب الاعتماد على تقارير الكبار وخاصة الوالدين "وبصفة أخص الأم" أو ولي الأمر أو الإخوة أو المربين أو الأخصائيين "ويجب التثبت من مدى صدق وثبات وموضوعية ما يدلي به هؤلاء من معلومات عن الطفل، ويحسن إلى جانب ذلك استخدام الوسائل المناسبة للأطفال مثل اللعب كأداة تشخيصية ذات قيمة كبيرة.
تحديد المآل
PROGNOSIS:
المرشد عندما يقوم بعملية الإرشاد، يحاول دائما التنبؤ بنجاح هذه العملية في المستقبل، أي بتحديد مآل المشكلة أو الاضطراب أو المرض.
ويتناول تحديد مآل مستقبل المشكلة أو الاضطراب أو المرض في ضوء الفحص الذي يتناول ماض وحاضر العميل والمشكلة، وعلى هدي التشخيص الذي يتناول حاضر العميل والمشكلة مع نظرة مستقبلية، أي أن المآل هو التنبؤ بمستقبل حالة العميل، ومدى النجاح المحتمل إن شاء الله، ثم إذا تساوت العوامل المؤثرة والظروف المحيطة بعملية الإرشاد.
ومثل المرشد عندما يحدد مآل مثل الطبيب الجراح الذي يحاول التنبؤ بمدى النجاح المحتمل، أي بمآل العملية التي سيقوم بإجرائها فيحدد نسبة مئوية للنجاح المحتمل إن شاء الله.
هذا وتهدف عملية تحديد المآل إلى تحقيق ما يلي:
- توجيه وتحسين عملية الإرشاد في ضوء المآل المتوقع.
- تحديد أنسب طرق الإرشاد لاستخدامها مع الحالة لتحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح.
- تعيين حد مرن للنجاح يساعد في تقييم عملية الإرشاد ومدى تحقيقها له أو اقترابها أو ابتعادها عنه.
التنبؤ بالمآل:
يتضمن المآل التنبؤ الذي يحدد في ضوء بداية المشكلة أو الاضطراب أو المرض، ودراسة الأسباب والأعراض والمكاسب، وعلى هدي الفحص والتشخيص وطريقة الإرشاد، وحسب شخصية العميل، وتوافقه وبيئته وظروف حياته وصحته العامة واتجاهاته نحو عملية الإرشاد
…
إلخ. ويستخدم في ذلك الاختبارات والمقاييس والمعايير والطرق الإحصائية المناسبة.
وما دام كل من المرشد والعميل يعرف أن تساوي الظروف والعوامل المؤثرة في عملية الإرشاد أساس هام في عملية التنبؤ، فعليهما أن يجعلا الظروف والعوامل الأخرى ثابتة أو مواتية، ويتجنبا تأثير العوامل التي تسيء إلى عملية الإرشاد بقدر الإمكان. فقد تتم عملية الإرشاد على خير وجه، وكل ما يتم عمله تهدمه الظروف الأسرية المضطربة، مثل هذه الحالة يكون مثل بناء يبني فيه البناءون ويهدم الهدامون ما يتم بناؤه، فهذا البناء لا يكتمل أبدأ. فلا بد في مثل هذه الحالة من الاتصال بالأسرة وتعديل ظروفها بحيث تتكامل الصورة ويتفادى تأثير هذا العامل.
وهكذا يعمد المرشد إلى تحديد مآل المشكلة أو الاضطراب ولو على وجه التقريب، استنادا إلى أمور منها أن هناك عوامل تؤكد الثبات النسبي للسلوك وسمات الشخصية، وفي نفس الوقت فإن السلوك مرن وقابل للتعديل، وأن هناك فروقا بين الأفراد، وأن الفرد نفسه يختلف من وقت لآخر.
وتؤكد برادلي Bradley؛ "1972" أهمية التنبؤ الفعال القائم على أساس دراسة الحالة ودراسة الشخصية، وقد وجدت أن المرشدين دقيقي التنبؤ لا يغالون في دقة تنبئهم كما يغالي المرشدون الذين تنقصهم دقة التنبؤ.
ملامح التنبؤ بالمآل:
يكون مآل المشكلة أو الاضطراب أو المرض أفضل، أي أن الأمل في نجاح عملية الإرشاد يكون أكبر والتفاؤل أكثر، في الحالات الآتية:
- إذا كانت بداية المشكلة أو الاضطراب مفاجئة وحادة.
- إذا كانت المشكلة أو الاضطراب حديثا.
- إذا عرفت الأسباب المهيئة بدقة وعرف سبب مرسب محدد.
- إذا كانت الأعراض بسيطة وغير حادة.
- إذا لم يكن هناك عوامل وراثية في الأسرة.
- إذا كانت المكاسب الأولية والثانوية من وراء ظهور المشكلة أو الاضطراب قليلة.
- إذا كان الفحص شاملا لجميع النواحي النفسية والاجتماعية والطبية والعصبية.
- إذا كان التشخيص دقيقا.
- إذا بدأ الإرشاد مبكرا وفي الوقت المناسب.
- إذا كان الإرشاد سليما وبأسلوب الفريق النفسي والاجتماعي والطبي.
- إذا تحمل العميل مسئولياته في العملية الإرشادية وكان تعاونه صادقا.
- إذا كانت شخصية العميل متكاملة ومرنة وناضجة نسبيا.
- إذا كان العميل ذكيا، وبصريته أفضل، وظروف حياته أحسن، وصحته العامة سليمة.
- إذا كان للعميل تاريخ من التوافق العام والشخصي والاجتماعي والتربوي والمهني والجنسي.
- إذا كانت البيئة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية للعميل بعد الإرشاد أفضل.
الجلسات الإرشادية
COUNSELLING SESSIONS:
تستغرق عملية الإرشاد النفسي عدة جلسات إرشادية. وتختلف الجلسة الإرشادية عن الجلسة الاجتماعية العادية. فالجلسة الإرشادية جلسة مهنية تتم فيها علاقة إرشادية في مناخ نفسي خاص حيث يشجع المرشد العميل ليعبر عن أفكاره، وليقول كل شيء وأي شيء عن المشكلة، فكل ما يقال مهم. وتحدث في الجلسات الإرشادية كل إجراءات العملية الإرشادية التالية، مثل التداعي الحر والتنفيس الانفعالي والاستبصار والتعلم والنمو وتغير الشخصية واتخاذ القرارات وحل المشكلات والمشورة وتعديل السلوك.
عوامل نجاح الجلسة الإرشادية:
فيما يلي أهم عوامل نجاح الجلسة الإرشادية:
الاستعداد للمساعدة: هذا أمر هام يجب أن يحرص عليه المرشد، ويجب أن يكون لديه اتجاه موجب نحو العميل، ولديه الرغبة المخلصة في مساعدته وبذل الوقت والجهد الكافي لتحقيق
ذلك. ويجب على المرشد إظهار الاستعداد لمساعدة العميل في مجالات أوسع من مجرد المشكلة المحدودة.
الألفة: يجب أن تتوافر الألفة والوئام والوفاق والتفاهم الكامل بين المرشد والعميل.
التقبل: نعني بالتقبل الإيجابي غير المشروط للعميل، أي تقبله على ما هو عليه دون التأثر بأحكام سابقة أو آراء مسبقة، ودون نقد أو لوم. فالمرشد يجب ألا يحمل العميل أكثر من حمولته التي جاء بها، وقد جاء العميل فاقدا الشعور بالتقبل، وهو يحتاج إلى التقبل الإيجابي غير المشروط مما يساعده على تقبل نفسه.
المشاركة الانفعالية Empathy: أي الشعور بمشاعر العميل وجعله يشعر بأن المرشد يشاركه انفعالاته ويفهم مشاعره، ويقدر ظروفه ويفهم عالمه الداخلي والخارجي، وكأنه يرى الأمور من داخل الإطار المرجعي للعميل.
التركيز: يجب أن يتركز الكلام والتفاعل حول موضوع الجلسة الإرشادية أي المشكلة الخاصة والشخصية وليس حول مشكلات عامة غير محددة، وحول الأفكار والمشاعر الشخصية وليس حول الأحاديث العامة. أي أن المطلوب هو التحديد لا التعميم والتخصيص لا التعويم.
الحكمة: يجب أن يسود الجلسة الإرشادية الحكمة في القول والفعل من جانب المرشد الذي يصدق عليه صفة "الحكيم". ومن الحكمة أن يكون المرشد أسوة حسنة للعميل "افعل كما أفعل وليس كما أقول". ويجب أن يتروى في كلامه، وأن يتحلى بالصبر والأناة. كذلك فإن لأسلوب إلقاء الكلام دخلا كبيرا في التأثير في نفس العميل، فالكلام مهما كان عميقا لو ألقي بسرعة وعجلة لا يؤثر التأثير المطلوب بعكس ما إذا ألقي بتأن واتزان، وفي ذلك توقير للحكمة1.
التلقائية: يقصد بها التعبير عن المشاعر الحقيقة في حرية وصراحة وأمانة وبإخلاص وعلى طبيعتها ودون مواجهة مزيفة ودون قناع ودون تصنع، حتى يتعامل المرشد مع العميل شخصيا وليس مع واجهة صناعية، ويقول كارل روجرز Rogers؛ "1961" إن التلقائية تعني تطابق السلوك مع الواقع. ويعبر عنها كذلك مستخدما مصطلح "الشفافية" Transparency بمعنى أن كل ما في داخل المرشد والعميل يمكن للطرف الآخر أن يدركه على حقيقته.
حسن الإصغاء: حسن الإصغاء والاستماع مع الملاحظة وتركيز الانتباه لكل قول وفعل وانفعال يساعد المرشد على إدراك كل الجوانب في الجلسة الإرشادية، والميدان هو ميدن العميل
1 روي أن يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وسلم مسألة فمكث النبي ساعة ثم أجاب عنها، فقال اليهودي: ولم توقفت فيما علمت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "توقيرا للحكمة".
ويجب أن يتاح له فرصة الكلام والسلوك أكثر، ويكون تداخل المرشد بقدر محدود وعند الضرورة بما يساعد العميل على الاسترسال والبوح والتفريغ الانفعالي.
بيع الصداقة: يقول بعض المرشدين إن الإرشاد هو بيع صداقة، ويتضمن ذلك بشاشة المرشد. ومن الأقوال المأثورة " لا تكن تاجرا دون وجه بشوش" وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصافح الآخر ويده مقبوضه فكيف يتعامل معه وجبهته مقبوضة1.
الثقة المتبادلة: هذا أمر ضروري يعطي العميل الأمان على نفسه وعلى أسراره ويساعده على الاسترخاء والطمأنينة، والبوح والتفكير بصوت عال حين يعرض ذاته ومشكلته، والثقة المتبادلة تشجع المرشد على المساعدة والعميل على التعاون. ويلاحظ أن الجلسات الأولى تكون غالبا "جس نبض" من جانب العميل، ويتوقف على نجاحها مستقبل عملية الإرشاد كلها. والعميل هنا يكون أشبه بمن يريد النزول إلى ماء البحر فيبدأ بجس الماء، فإن وجده باردا فإنه يتردد وقد يمتنع، أما إذا وجده دافئا فإنه ينزل ويستمتع "هولدين Holden؛ 1971".
المسئولية المشتركة: المسئولية في عملية الإرشاد مشتركة بين كل من المرشد والعميل ويتوقف نجاح العملية على فهم كل من الطرفين لدوره ومسئولياته وتحملها.
مظهر المرشد: إن مظهر المرشد المناسب وجلسته وصوته الواضح وتعبيرات وجهه وإظهاره اهتمامه بالعميل أمور هامة، وقد تطرق براسير Pricer؛ "1971" إلى مظهر المرشد ولبسه ووجد أن العملاء الذكور يفضلون اللبس البسيط بينما العميلات الإناث يفضلن اللبس الأنيق.
تحديد المواعيد: يحسن الإسراع بتحديد مواعيد الجلسات للعميل والحرص على هذه المواعيد، ويجب تنظيم الجلسات بما يتناسب مع مواعيد كل من المرشد والعميل.
الزمان: يحسن أن يكون للجلسة الإرشادية زمن محدد. ويحدد البعض الجلسة الإرشادية بمدة لا تقل عن نصف ساعة ولا تزيد عن ساعة. وينبغي ألا تكون مواعيد الجلسات متقاربة جدا كأن تكون يومية، ولا متباعدة جدا كأن تكون مرة كل شهر. ومعظم المرشدين يكتفون بجلسة واحدة أسبوعيا. وعلى العموم فمن المفيد أن يفصل بين كل جلسة وأخرى بضعة أيام على الأقل، لأن ذلك يساعد على منح العميل فرصة تزيد من استبصاره بنفسه.
المكان: يجب أن يكون للجلسة الإرشادية مكان محدد، أي غرفة خاصة، ويجب أن تكون جلسة العميل مريحة، وأن يكون في مواجهة المرشد. وقد وجد برايسر Pricer؛ "1971" أن
1 يقول المثل العامي: "لاقيني ولا تغديني".
العملاء الذكور يفضلون ألا يكون بينهم وبين المرشد مكتب بينما تفضل العميلات أن يكون بينهن وبين المرشد مكتب. ومن ملاحظات الباحث حول العلاقة الإرشادية أن تكوين العلاقة الإرشادية بين المرشد والعميل من جنسين مختلفين يتم أسرع مما بين مرشد وعميل من نفس الجنس.
المناخ النفسي الإرشادي:
المناخ النفسي مصطلح مستعار من الجغرافيا. والمناخ المناسب يساعد على الحياة بطريقة أفضل، والعكس صحيح كذلك فإن المناخ النفسي الصحي السليم الآمن السمح الحر الذي يسوده الاسترخاء والارتياح والألفة والأمل أمر ضروري جدا في الحياة بصفة عامة، وفي الجلسة الإرشادية بصفة خاصة، ضمانا لنجاح عملية الإرشاد، ويجب على المرشد تهيئة مثل هذا المناخ الذي يسوده التقبل وفهم آراء العميل وأفكاره وانفعالاته ومشاعره ودوافعه وحاجاته واتجاهاته وردود فعله نحو مشكلاته وطرق حلها ومعنى أعراضه وأهدافها، إن المناخ الإرشادي المشبع بالدفء والأمن والفهم والتقبل والتسامح والسرية والخصوصية، يعتبر مثيرا لانفعالات سارة ومريحا، ويبعث في العميل الطمأنينة والأمل، ويساعده على استرجاع المواقف والخبرات المثيرة
للقلق مرة ثانية بطريقة رمزية في مناخ نفسي مريح سار، يساعد على الربط بين هذه المثيرات والخبرات وبين الشعور بالراحة الذي يشيع في المناخ الإرشادي الصحي.
ومن مظاهر المناخ النفسي الصحي اللازم لعملية الإرشاد النفسي ما يلي:
السرية والخصوصية Confidentiality: عرفنا أن السرية والخصوصية من البنود الرئيسية في أخلاقيات الإرشاد النفسي، كما رأينا في الفصل الثاني. وضمان السرية والخصوصية فيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالعميل -التي تعتبر أمانة في عنق المرشد-من أهم مظاهر المناخ النفسي الصحي، فأبسط قواعد الإرشاد النفسي هي السرية المطلقة، وإن المحافظة على السرية والخصوصية في حد ذاتها تعتبر دليلا على احترام المرشد لنفسه ولعميله ولمهنته، وتشجع العميل على الصدق والصراحة والتلقائية، فتجده لا يخاف ولا يخفي شيئا ويجعل ما فيه على فيه. والمعلومات التي تظهر من خلال الجلسات الإرشادية يجب أن تكون فقط بين المرشد والعميل. ونحن نعلم أنه إذا لم تكن السرية والخصوصية مضمونة فسوف تهتز الثقة أو تفقد، وسوف يحجب العميل عن المرشد ربما أخطر ما لديه من معلومات مما يقلل من قيمة العملية أو ينسفها نسفا. ويرى البعض أنه يمكن أن نشكف بعض المعلومات لبعض المسئولين في عملية الإرشاد للاستخدام المهني لمصلحة العميل، أو للأخصائيين الذين يحال إليهم العميل لمساعدته، أو في حالة الخوف من احتمال وقوع خطر مؤكد على العميل أو على الآخرين، وفي كل هذه الحالات يشترط أن يكون الكشف عن المعلومات بعد مشاورة العميل وبإذن منه لمصلحته وفي أضيق الحدود. وطبيعي أن كل معلومة تختلف أهميتها ودرجة سريتها، وهذا أمر يحدده المرشد حسب خبرته المهنية وفي ضوء مسئوليته، لدرجة أن هناك بعض المعلومات لا يجوز مطلقا الكشف عنها، وهكذا نجد أن البعض يعارضون الكشف عن أي معلومات وفي أي صورة ولأي أحد وتحت أي ظروف، حتى لو كانت طوارئ أو حتى لو كان في ذلك إضرار بالآخرين، وهذا الرأي يقوم على أساس أن هناك الكثير من المهنيين وظيفتهم ومسئوليتهم حمياة المجتمع، فلتكن وظيفة المرشد ومسئوليته حماية العميل والدفاع عنه "كلارك Clark؛ 1965".
التسامح Tolerance: المرشد ليس إداريا وليس سلطة أو سلطانا، وإذا أصبح كذلك فإنه يتحول من نعمة إلى نقمة. إن حق العميل في تقرير مصيره وتحديد أهدافه واحترام شخصيته كإنسان أمور توجب التسامح وحسن المعاملة والعلاقة الإنسانية.
الاحترام Respect: الاحترام المتبادل أمر هام جدا في السجلات الإرشادية، ويجب على المرشد أن يقدر أهمية الاحترام في المناخ النفسي الإرشادي. وأهم عناصر الاحترام الاندماج
الملموس والاعتراف بقيمة العميل وقدرته على التفكير والسلوك البناء والاستجابة الإيجابية لما يقوله وما يفعله.
الدفء Warmth: الدفء عنصر هام من عناصر المناخ النفسي والإرشادي، ويقصد به دفء العلاقة الإرشادية وحرارة التفاعل واستمرار الأخذ والعطاء والتقبل والاهتمام والانتباه الواضح والمشاركة الانفعالية "جون بيتروفيسا وآخرون Pietrofesa et al؛ 1978".
العلاقة الإرشادية:
العلاقة الإرشادية هي قلب عملية الإرشاد. وهي علاقة شخصية اجتماعية مهنية دينامية هادفة وثيقة، تتم بين المرشد والعميل في حدود معايير اجتماعية، تحدد ما هو جائز وما هو غير جائز، وتحدد دور كل منهما، وتهدف إلى تحقيق الأهداف العامة والخاصة لعملية الإرشاد.
وفي بداية العلاقة الإرشادية: يرحب المرشد بالعميل ويتعارفان. ومنذ البداية يجب أن يعرف كل من الطرفين حدود دوره ومعاييره السلوكية وإمكاناته ومسئولياته تجاه الآخر.
وخلال العلاقة الإرشادية، يتعلم العميل كيف يعبر عن مشاعره ويواجهها ويتعامل معها ومع أفكاره وخبراته، وتزداد ثقته بنفسه، ويتعلم مهارات جديدة لتحسين مستوى توافقه، ويطبق ما تعلمه لتغيير سلوكه "ميرل أولسين Ohlsen؛ 1970".
وقد بذل دونالد سوبر وآرثر كومبس Super & Combps؛ "1962" جهدا في دراسة العلاقة الإرشادية المثالية بمقارنتها بالعلاقة الإرشادية الواقعية، وينصحان ببذل الجهد في تدريب طلاب الإرشاد النفسي على العمل على ترجمة ما يدرسونه كوضع مثالي إلى وضع عملي في صورة أقرب ما تكون إلى الوضع المثالي.
ودرس لوبيتكين Lubetkin؛ "1970" العلاقة الإرشادية كما تتم خلال دائرة تليفزيونية مغلقة وأثرها في عملية الإرشاد، ووجد أن العلاقات الإرشادية وجها لوجه أفضل منها.
أما عن حدود العلاقات الإرشادية التي تميزها عن العلاقة الاجتماعية العادية، والتي يجب أن يحافظ عليها كل من الطرفين فأهمها ما يلي:
- العلاقة المهنية: العلاقة الإرشادية علاقة مهنية لها حدود، وليست علاقة صداقة.
- العلاقة المتبادلة: من أهم عوامل نجاح العلاقة الإرشادية أن تكون العلاقة متبادلة بين المرشد والعميل بصرف النظر عن العمر والثقافة
…
إلخ، من حيث الاحترام الموجب Regard غير المشروط، "أي بدون تحفظات وبدون تقييمات وبدون أحكام"، والثقة والفهم والانتباه
والاهتمام والتعاون والمساعدة والود والصداقة
…
إلخ. والمسئولية مشتركة بين المرشد العميل لتحقيق ذلك، بحيث إذا طرأ ما يهدد العلاقة المتبادلة السليمة، يجب أن يعمل الطرفان على إزالته فورا والعودة إلى الوضع السليم.
- التفاعل: التفاعل والاتصال بين المرشد والعميل هو الوسيلة التي تقوي أو تقوض العلاقة الإرشادية، وقد تكون الاتصال بلغات عديدة تشمل الاتصال اللفظي وبالإشارات واللمحات والوضع واللبس، وقد يكون رمزيا له معان ضمنية كامنة تختلف عن معناه الظاهري. ويوجه المرشد انتباهه إلى مجرى الاتصال بينه وبين العميل، ويختار عناصر يركز عليها وعناصر يتخطاها وعناصر يستجيب لها استجابة المرشد كلها بناءة في شكل شرح وتفسير وتوضيح وتأكيد وإيحاء ومشاركة انفعالية
…
إلخ، وهذا يحتاج إلى ترتيب خاص للوصل على الأهداف الرئيسية للإرشاد. هذا ويجب أن يختار المرشد الوقت المناسب لاستجاباته.
- الاعتدال: يجب أن تكون العلاقة الإرشادية معتدلة بين الحنو الزائد والتعامل الرسمي المتزمت، وأن تكون نموذجا للعلاقة الإنسانية السليمة.
- المدى: للعلاقة الإرشادية مدى يجب أن تقف عنده، فلا يجوز أن تأخذ شكل صداقة شخصية أو علاقة عاطفية، ولا يجوز أن يتدخل المرشد فيما لا يعنيه بين العميل وأهله ورؤسائه، ما لم يطلب إليه كذلك
…
وهكذا.
- الزمان: قد تكون العلاقة الإرشادية قصيرة كما في حالة إرشاد الطلاب العاديين، وقد تكون طويلة كما في حالة الإرشاد العلاجي الفردي، ونحن نعلم أن الإرشاد العلاجي عملية طويلة حيث أن أنماط السلوك غير السوي التي تثبت خلال مدة طويلة من الزمن تقاوم التغير السريع.
- خصوصيات المرشد: يحسن البعد عن الكلام عن خصوصيات المرشد وحياته الشخصية وقيمه الخاصة أثناء الجلسات الإرشادية.
ومن أهم إجراءات عملية الإرشاد النفسي أن يمعن العميل النظر في ذاته ويتفحصها بدقة يستكشف ما خفي منها ويكشف ما أخفى منها.
إجراءات استكشاف الذات:
يستمر استكشاف الذات طول عملية الإرشاد النفسي ويوجه المرشد العميل حتى يستطيع:
- وصف ذاته وصفا دقيقا كما يدركها.
- وصف سلوكه الشخصي والاجتماعي.
- تعرف أنماط سلوكه المسطيرة أو الغالبة.
- إدراك الخبرات التي تجعله سعيدا، والخبرات التي تجعله قلقا.
- إدراك آماله وطموحاته المستقبلية.
- معرفة إمكانات التحكم في انفعالاته وضبطها.
- معرفة ما يجب تغييره من سلوكه.
"شيلدون أيزينبيرج، دانيل ديلاني، 1995".
ويتضمن استكشاف الذات، القدرة على كشف الذات Self- disclosure وخاصة مفهوم الذات الخاص أوالعورة النفسية، طواعية وبتلقائية ودون امتناع أو احتراس أو دفاعية. "راجع نظرية الذات في الفصل الثالث".
هذا ويعتبر استكشاف الذات مغامرة مثيرة تتركز على الحاضر أكثر من الماضي، وقد تكون خبرة مؤلمة، ولكنها يمكن أن تصبح معلمة، حتى يصبح الإرشاد ناجحا.
ويلاحظ أن استشكاف الذات يقوم إلى استكشاف جديد ووعي جديد وأعمق للذات وللبيئة وللسلوك.
ويساعد المرشد العميل في إجراء استكشاف الذات عن طريق الاستماع الفعال والتلخيص وعكس المشاعر ودعم الثقة والتصديق والتقبل.
ومعروف أنه كلما زاد استكشاف الذات والوعي بالذات وفهم الذات وتقبل الذات وتحقيق الذات، كلما تحسنت الصحة النفسية.
وخير ما يوضح العلاقة بين استكشاف الذات وكشف الذات وهو ما يعرف باسم "نافذة جوهاري" Johari Window "انظر شكل 61".
1-
ذات عامة "منفتحة" Open Self وهي معروفة للشخص "العميل" ومعروفة للآخرين "المرشد".
2-
ذات خاصة "مخفية" Hidden Self وهي معروفة للشخص "العميل، ومجهولة للآخرين "المرشد".
3-
ذات مجهولة "لا شعورية" Unknown وهي مجهولة للشخص "العميل" ومجهولة للآخرين "المرشد".
وهناك ملاحظات على هذا النموذج، وهي:
- المساحات في الواقع ليست متساوية.
- تتسع المساحة "1" نتيجة للإرشاد النفسي أو التربية النفسية Psychological Education.
- تنحصر المساحة "2" نتيجة للتربية النفسية.
- تنحصر المساحة "3" نتيجة للتغذية المرتدة من الآخرين.
- المساحة "4" قد تتغير وقد لا تتغير، فهي مجهولة للذات واللآخرين.
- الهدف الأساسي للإرشاد النفسي والتربية النفسية هي توسيع المساحة "1".
- إذا حدث تغير في أي مربع لا بد أن يحدث تغير في مربع آخر أو أكثر.
- الإخفاء يستهلك طاقة، والكشف يوسع المساحة "1" ويسبب التحسن.
- إذا كان هناك تهديد، فلن تتسع المساحة "1".
وهكذا
…
عن طريق التربية النفسية، يقوم المرشد -بالتعاون مع العميل- بتغيير الوضع وكلما زاد اكتشاف وكشف الذات، اتسعت المساحة "1""العامة" وانحصرت المساحات "2"، "3"، "4""المجهولة" وينفتح الطريق لمزيد من فهم الذات من خلال باقي إجراءات عملية الإرشاد النفسي، "انظر شكلي 62-63".
التداعي الحر
FREE- ASSOCIATION:
التداعي الحر أو "الترابط الطليق" يعتبر أصلا من الإجراءات الرئيسية في التحليل النفسي، ولكنه يعتبر كذلك من الإجراءات المشتركة في كل طرق الإرشاد والعلاج النفسي.
ويهدف التداعي الحر أساسا إلى الكشف عن المواد المكبوتة في اللاشعور واستدراجها إلى حيز الشعور.
عملية التداعي الحر:
في التداعي الحر، يترك المرشد للعميل الحرية في أن يطلق العنان لأفكاره وخواطره واتجاهاته وصراعاته ورغباته ومشاعره تسترسل من تلقاء نفسها دون تخطيط ودون اختيار أو تحفظ ودون قيد أو شرط، متناولا تاريخ حياته وخبراته الماضية، دون تقيد بمعناها أو تماسكها أو تسلسلها وحتى دون التقيد بالمنطق، ويطلق العميل العنان بحرية للأفكار تتداعى وتترابط بطلاقة مهما بدت تافهة أو معيبة أو مخجلة أو محرجة أو بغيضة أو مؤلمة أو مستهجنة أو سخيفة أو غريبة أو عديمة الصلة بالموضوع.
ويشبه فرويد Freud العميل أثناء التداعي الحر أو الترابط الطليق بالجالس بجوار شباك قطار يصف لشخص آخر "المرشد" المناظر المتغيرة المتلاحقة التي يراها ذاكرا كل شيء وأي شيء.
وأثناء التداعي الحر أو الترابط الطليق يكون المرشد يقظا لما يبدو على وجه العميل من انفعال أو لما يأتيه من حركات عصبية، أو لما يتورط فيه من فلتات اللسان1، أو لما يعتريه من تلعثم أو تردد أو تحرج أو تأخر أو تغير شديد أو توقف مفاجئ في تسلسل التداعي وترابطه، أو لما قد يدلي به من تعليق أو اعتراض على عملية التداعي -وهذه عملية مقاومة- مما يدل على أن العميل يحاول -لا شعوريا عادة- تجنب مواجهة موقف أو خبرة معينة، وهنا يجب أن يتدخل المرشد ليشجع أو يوجه أو يفسر أو يطلب المزيد محاولا الحث على الاسترسال في التداعي الحر والترابط الطليق.
1 من أمثلة فلتات اللسان أن إحدى العميلات كانت كبيرة السن ولا ترغب في تحديد تاريخ ميلادها، أبدلت تحديد تاريخ الجلسة الماضية بتحديد تاريخ الميلاد الذي تحرص على عدم ذكره، فبدلا من تاريخ الجلسة وهو 27 /11/ 1974 ذكرت 27 /11/ 1930 وقد اتضح أن تاريخ ميلادها 21/ 12/ 1930. ومن أمثلة فلتات اللسان أيضا ما جاء على لسان عميلة كانت تقرأ ما كتبته عن نفسها بأسلوب السيرة الشخصية "وأقضي أياما طويلة أفكر في ليالي الحب والغرام والمني والأحلام "مع نطق "المنى" بمعنى السائل المنوي". وهكذا تفلت كلمة الحق وتظهر على اللسان دون قصد أثناء الكلام. وفي بعض الأحيان تكون فلتة اللسان بمثابة شرارة انبعثت من نار مستورة تحت الرماد فترشد إلى تلك النار. ولقد قال علي رضي الله عنه:"ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر من فلتات لسانه وصفحات وجهه" ويحدث هذا أيضا في زلات القلم. ومن أمثلة زلات القلم ما كتبته امرأة على طلب "مرافقة" الزوج في إعارته خارج مصر أنها ترايد "مراقبة" الزوج.
وهكذا يؤدي التداعي الحر إلى استخراج الخبرات اللاشعورية إلى حيز الشعور، وإلى الإدراك الشعوري لتلك الخبرات التي لم تكن متاحة شعوريا، وبمعنى آخر فإنه يؤدي إلى استعادة كل ما استبعد بطريق الكبت من اللاشعور إلى الشعور.
وعندما يتم ذلك يعمل المرشد على تدعيم ذات العميل بدرجة تجعلها قادرة على أن تسيطر على القلق الذي يحركه استدراج المكبوت من اللاشعور إلى الشعور.
وبعد ذلك يتم تفسير ما كشف عنه التداعي الحر أو الترابط الطليق.
هذا وتتأثر عملية التداعي الحر بأربعة متغيرات هي: المثيرات الخارجية، والمثيرات الحشوية الحسية، والمواد الشعورية "مثل ما يريد وما لا يريد العميل أن يقوله مما أودع عن قصد في مستودع مفهوم الذات الخاص"، والمواد اللاشعورية المكبوتة، وهذه المتغيرات تتفاعل أثناء إخراج الأفكار والخبرات والأحداث بحرية وانطلاق مرتبطة بأفكار أخرى سابقة تتصل بدورها بالأفكار المكبوتة في اللاشعور.
تعليقات على التداعي الحر:
هناك عدة تعليقات على التداعي الحر أو الترابط الطليق، فهذه كارين هورني Horney ترى أنه مرغوب فيه ولكنه ليس ضروريا في عملية الإرشاد أو العلاج، وتقول إنه ليس من الضروري أن يتناول كل شيء يرد إلى الذهن، ولكنه يمكن أن يقتصر على الاسترسال التلقائي غير المراقب للخبرات الداخلية، ويرى أوتو رانك Rank أنه لا داعي للتداعي الحر لأنه يلفت نظر العميل إلى ماضيه الأليم مع تركه عاجزا عن مواجهة مشكلاته الحالية.
التفسير
INTERPRETATION:
التفسير هو إعطاء معنى للمعلومات يتجاوز نطاق ما عبر عنه العميل أو أعطته وسائل جمع المعلومات، وهو إجابة عن "لماذا" و"كيف" هذه المعلومات.
ويهدف التفسير: إلى إيضاح ما ليس واضحا، وفهم وإفهام ما ليس مفهوما.
أنواع التفسير:
ومن أنواع التفسير ما يلي:
التفسير العام: وهذا قد يشمل جميع البيانات، ويؤدي عادة إلى تعميم يفيد الدارسة الكلية لحالة العميل.
التفسير الخاص: وهذا يقتصر على بعض عبارات العميل أو بعض نتائج الاختبارات أو بعض الخبرات في حياة العميل.
التفسير الصامت: وهذا يحدث في عقل المرشد ولا يقوله العميل. وهذا التفسير الصامت هام في فهم حاجات العميل وأساسي في عملية الإرشاد.
فوائد التفسير في عملية الإرشاد:
من فوائد التفسير في عملية الإرشاد ما يلي:
- إحداث تغيير في إدراك العميل لخبراته ومشكلاته وسلوكه، وربط الماضي بالحاضر والتطلع إلى المستقبل.
- إحداث تغيير في معرفة العميل وتفكيره ومشاعره تجاه نفسه، وإحداث تغيير في سلوكه.
- تنمية بصيرة العميل ووضوح مفهومه عن ذاته وزيادة ثقته في نفسه.
- مساعدة العميل في اتخاذ قراراته وفي حل مشكلاته.
- إبعاد القلق أو تخفيفه.
- كشف الصراعات والمساعدة في حلها.
- تسهيل التداعي الحر.
- تحليل التحويل والتغلب على المقاومة.
- زيادة اهتمام العميل بعملية الإرشاد.
- شعور المرشد بعمل شيء ملموس للعميل.
عملية التفسير:
يقوم بالتفسير كل من المرشد والعميل، ويستعين المرشد في التفسير بمعرفته النفسية التي جمعها من خبرته بالحياة، ومن ثقافته ودراساته، وحالات الإرشاد التي قام بها، ويحتاج التفسير إلى علم واسع ودراية كبيرة بآخر ما وصل إليه علم النفس بكافة فروعه وخاصة المتصلة بالإرشاد النفسي في الدوريات العملية، وكذلك يجب أن يكون المرشد على علم بخصائص الثقافة التي يعيش فيها والثقافات الفرعية كما في الريف والحضر والبدو، وأن يكون على دراية بسيكولوجية الأعزب والمتزوج والعانس والأرمل والشاب والشيخ
…
إلخ، ويستفيد المرشد في التفسير بملاحظة سلوك العميل وتتبع فلتات لسانه وكل ما يساعد على فهم عناصر معينة من شخصيته.
ويتيح المرشد للعميل فرصة التفسير، إذا توصل كل من المرشد والعميل إلى نفس التفسير كان في ذلك فائدة كبيرة، ومن هنا تأتي أهمية تعاون العميل مع المرشد في التفسير، ويحذر أنصار طريقة الإرشاد غير الموجه أو الممركز حول العميل من استئثار المرشد بالتفسير لأنه قد يؤدي إلى ظهور اتجاه دفاعي لدى العميل مما يعطل سير عملية الإرشاد.
ويبدأ التفسير عندما تتجمع المعلومات الكافية التي تساعد في التفسير، وعندما يصبح العميل مستعدا عقليا وانفعاليا للمشاركة فيه وتقبله وتحمله، أي أن التفسير يجب أن يقدم في اللحظة السيكولوجية المناسبة لتقبله. وهنا نحذر من خطأ الاستعجال والقيام بالتفسير المبكر قبل أوانه مما قد يضر أكثر مما ينفع، حيث قد يؤدي بالعميل إلى حالة من الفزع واللجوء إلى المقاومة، وقد ينصرف عن عملية الإرشاد.
مواد التفسير:
يتناول التفسير ما يلي:
المعلومات: التي تم جمعها عن العميل مباشرة باستخدام وسائل جمع المعلومات مثل الاختبارات والمقاييس وغيرها.
- الأسباب: وتتضمن أسباب المشكلة أو الاضطراب أو المرض وزملتها وأصلها ورموزها ومعناها ووظائفها وأهدافها.
السلوك: ويتناول ذلك بعض نماذج السلوك في الماضي والحاضر أثناء أو خارج جلسة الإرشاد.
ديناميات العلاقة الإرشادية: بين المرشد والعميل.
- التفاعل الاجتماعي: والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين.
- المشاعر والأفكار والرغبات والاتجاهات والصراعات: أي كل ما يكشف عنه التداعي الحر أو الترابط الطليق من مشاعر وأفكار ورغبات واتجاهات وصراعات
…
إلخ، وعلاقتها بخبرات العميل ومشكلاته في الماضي والحاضر، مما يساعد العميل في عملية الاستبصار بهذه المواد التي لم يكن يعرفها من قبل.
توريات العميل: وقراءة وتفسير ما بين السطور. ويعتقد أن الكثير مما يقوله العميل عبارة عن تورية لأشياء أخرى، ومن ثم فإن على المرشد استنتاج وترجمة وتفسير المعاني الكامنة وراء ذلك.
المنسيات: ويقصد هنا استنتاج ما نسيه العميل من بين ما يقوله.
طورائ عملية الإرشاد: مثل التحويل والإحالة والمقاومة، وسيأتي تفصيلها في هذا الفصل.
جوانب أخرى: مثل أسلوب الحياة وديناميات الشخصية وحيل الدفاع النفسي.
عوامل نجاح التفسير:
من عوامل نجاح التفسير وفائدته الإرشادية ما يلي:
الوضوح: يجب أن يكون التفسير واضحا وسهلا ومفهوما ومنطقيا، وأن يكون مناسبا لمستوى استيعاب وفهم العميل، وأن يكون خاليا من المصطلحات الفنية الصعبة أو اللغات الأجنبية التي لا يعرفها العميل، وحتى التفسير مع استخدام الأرقام قد لا يجد له العميل معنى، ولذلك يجب أن يكون التفسير وصفيا كيفيا.
الإيضاح: يقصد هنا استخدام وسائل الإيضاح اللازمة كلما أمكن، مثل الصور والرسوم واللوحات التوضيحية مثل صور الجهاز العصبي وبناء الشخصية
…
إلخ.
التدرج: يجب أن يكون التفسير متدرجا في شكل "جرعات" مناسبة في وقتها المناسب، ولا يكون كثيرا ودفعة واحدة.
الشمول: يجب أن يكون التفسير شاملا وكاملا ومتكاملا، بمعنى أن تكون التفسيرات للخبرات المختلفة والمشاعر المتنوعة متكاملة، ولا شك أن التفسير الجزئي لا يقنع ولا يكفي.
الدقة: يجب أن يكون التفسير دقيقا وعلميا، أي في ضوء النظريات العلمية. والتفسير الخاطئ له آثاره الضارة.
الإقناع: يجب أن يقنع العميل بالتفسير ويقبله على المستوى العقلي والمعرفي والمستوى الانفعالي حتى يؤدي هدفه.
التنفيس الانفعالي
CATHARSIS:
يعرف التنفيس الانفعالي أحيانا باسم "التفريغ أو التطهير الانفعالي". وهو إجراء هام في عملية الإرشاد النفسي.
والتنفيس الانفعالي يقصد به التنفيس عن المواد والخبرات المشحونة انفعاليا، ويتضمن تفريغ العميل ما بنفسه من انفعالاته، أي أنه يعتبر بمثابة تطهير للشحنات الانفعالية، وتفريغ للحمولة النفسية.
إن المشكلة النفسية في حياة العميل كجمرة النار في يده، وكالشوكة في قدمه، يجب أن يخرجها أولا وبأسرع ما يمكن ويطهر مكانها حتى يستطيع أن يتعامل مع الناس وأن يشق طريقه في الحياة.
عملية التنفيس الانفعالي:
تعتبر عملية التنفيس الانفعالي بمثابة "بكاء على كتف المرشد"1. فمن مظاهر التنفيس الانفعالي ما يلاحظ أثناءه من بكاء العميل أو غضبه أو ثورته، أو الإفضاء أو الاعتراف المفاجئ بكل شيء.
ويمكن تشبيه عملية التنفيس الانفعالي بعملية التحنيط أو سحب الروح أو الشحنة الانفعالية من الخبرة المخيفة، فتصبح -رغم ظهورها في حيز الشعور- غير مخيفة. إن الخبرة الانفعالية المتربصة بالعميل مثلها كمثل الوحش المفترس يخيف باستمرار حتى وهو بعيد، أما عندما تفرغ أو تطهر من الشحنة الانفعالية فإنها تكون مثل الحيوان المحنط، كان وحشا ومفترسا يخيف فعلا، ولكن تم صيده والسيطرة عليه وسحب روحه وتحنيطه فأصبح مع وجوده معنا لا يخيف. وهكذا، بعد التنفيس الانفعالي وسحب وتنفيس وتفريغ وتطهير الشحنة الانفعالية من الخبرة المؤلمة أو المشكلة المؤلمة، يمكن للعميل أن يتذكرها ويتكلم عنها دون قلق أو خوف.
ومن وسائل التنفيس إتاحة الفرصة أمام العميل للتحدث في تداع حر وترابط طليق عن كل ما يجول بخاطره: عن صراعاته وإحباطاته وحاجاته ومشكلاته ومخاوفه ونواحي قلقه وأنماط سلوكه المنحرف، في إطار من حسن الإصغاء وتشجيع التعبير عن النفس، وفي مناخ نفسي دافئ آمن خال من الأحكام الأخلاقية واللوم والعقاب، ومن وسائله أيضا الشرح والتفسير وتوضيح الحالات الانفعالية، بما يتيح الفرصة أمام العميل لكي يرى هو نفسه وما يلون سلوكه من
انفعالات.
1 يقول الشاعر:
والدمع مروحة الحزين
…
وراحة المتململ
ويقول آخر:
هم أطلقوا الحزن فارتاحت جوانحهم
…
وما استرحت بحزن في مدفون
ومما يساعد على نجاح عملية التنفيس الانفعالي، توثيق العلاقة الإرشادية السليمة وتهيئة مناخ نفسي صحي مناسب خال من الرقابة، يتيح فرصة اختفاء حيل الدفاع النفسي.
ومما يعرقل عملية التنفيس الانفعالي تدخل انفعالات مؤلمة "مثل الاشمئزاز والخزي والعار والشعور بالذنب" مما يضطر الأنا إلى اللجوء إلى حيل الدفاع النفسي ضد هذه الانفعالات المؤلمة مثل الإنكار والتكوين العكسي والإلغاء
…
إلخ.
وقد يستعين المرشد بوسائل مساعدة في عملية التنفيس الانفعالي، فقد كان فرويد Freud يستعين بالإيحاء أثناء التنويم، ثم لجأ إلى الإيحاء أثناء اليقظة، ثم انتقد هو نفسه هذا الأسلوب لأن بعض العملاء لا يمكن تنويمهم، ولأن هذا الأسلوب يتضمن إقحام مؤثرات نفسية خارجية على العميل عليه أن يتقبلها دون مناقشة، ومن ثم فهي تقرب إلى أن تكون عملية "تضليل نفسي" منها أن تكون عملية إرشاد نفسي. وهكذا لجأ فرويد إلى التداعي الحر أو الترابط الطليق كوسيلة مساعدة للتنفيس الانفعالي.
فوائد التنفيس الانفعالي في عملية الإرشاد:
يفيد التنفيس الانفعالي في عملية الإرشاد على النحو التالي:
- تخفيف ضغط الكبت حتى لا يحدث انفجار وحتى لا يتصدع وينهار بناء الشخصية1.
- التخلص من التوتر الانفعالي، عندما يحدث لدى العميل ما يشبه "الانفتاح الانفعالي".
- اختفاء أعراض العصاب.
- إزاحة الحمولة النفسية الانفعالية الزائدة عن كاهل العميل ونحن نعلم أن الخبرات النفسية والأحداث الشخصية والذكريات والصراعات اللاشعورية بمصاحبتها الانفعالية المكبوتة تعتبر بمثابة حمولة نفسية داخلية. ولا بد أن تتناسب الحمولة النفسية للعميل مع قوته وطاقته وقدرته على التحمل، ويفيد التنفيس الانفعالي في التخلص من الحمولة النفسية والشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقة التحمل وخاصة إذا كانت القوة محدودة ومع مرور الزمن.
1 يقول حسان بن ثابت:
يجيش بما فيه لنا الصدر مثلما
…
تجيش بما فيها من اللهب القدر
ويقول الشاعر الأسمر:
دعوه يصارحكم بمكتوم صدره
…
فثائر بركان والا صدر كاتم
وأفتك عندي من قذائف مدفع
…
حبيس كلام كالشجا في الحلاقم
الاستبصار
INSIGHT:
الاستبصار هو فهم النفس ومعرفة الذات والقدرات والاستعدادات، وفهم الانفعالات ومعرفة دوافع السلوك والعوامل المؤثرة فيه، ومعرفة مصادر الاضطراب والمشكلات وإمكانات حلها، ومعرفة الإيجابيات والسلبيات ونواحي القوة ونواحي الضعف.
عملية الاستبصار:
الاستبصار أمر يعمل المرشد على نموه عند العميل من خلال عدة جلسات إرشادية، ويجب أن تكون عملية الاستبصار عن طريق نشاط العميل الذاتي الذي يوجهه المرشد.
ويتضمن الاستبصار ما يلي:
- تقبل الذات وفهمها وإعادة تنظيمها، وإعادة تنظيم مفهوم الذات بمستوياته المختلفة، وحل مشكلة عدم التطابق بين مستوياته.
- فهم الواقع وتقبله والتوافق معه، ليس على طريقة المغلوب على أمره، ولكن بطريقة الفاهم للحياة المتبصر بالأمور، أي أن تقبل الواقع يكون في حدود العقل والمنطق، فإذا لم يستطع العميل تقبل ذاته وتقبل واقعه وإصلاح ذاته فليس له أن يطمع في إصلاح العالم من حوله.
- نمو الإرادة التي يقهر بها العميل كل مشكلاته ويسيطر هو عليها بدلا من أن يتركها تسيطر عليه.
- تحويل خبرات العميل من خبرات مؤلمة إلى خبرات معلمة1، والاستفادة من الماضي والحاضر في التخطيط المستنير للمستقبل.
- تحويل نقاط الضعف والسلبية إلى مصادر قوة إيجابية، حيث يستفيد العميل من أخطائه عندما يدركها على حقيقتها.
- نقص واختفاء حيل الدفاع النفسي غير التوافقية مثل الإسقاط وغيرها.
ولكي يقوم المرشد بدوره جيدا في عملية الاستبصار، فعليه أن يكون مثله كمثل المرآة ليرى العميل نفسه بطريقة أوضح وبدرجة أفضل، فالفرد لا يستطيع أن يرى وجهه إلا بمرآة2.
1 يقول المثل العربي: "ما ضاع من مالك ما علمك"
ويقول المثل العامي: "الخسارة اللي تعلم مكسب".
2 يقول الشاعر:
والعين تنظر منها ما دنا ونأى
…
ولا ترى ما بها إلا بمرآة
ويقول آخر:
ومن جهلت نفسه قدره
…
رأى غيره منه ما لا يرى
وعلى المرشد أن يكون مستقبلا لخبرات العميل، ويعكس ما يعرض عليه من دوافع واتجاهات ومشاعر العميل، وذلك عن طريق التعبيرات اللفظية وغيرها، وهكذا يستطيع العميل مناقشة مشكلاته التي لم يكن يستطيع مناقشتها من قبل، والتي ربما لم يكن يعترف بها كمشكلات خاصة به، ويصبح أكثر أمانة مع نفسه، ويتخلص من الواجهة المزيفة التي كان يطل بها على العالم، ويعدل مفهومه عن ذاته، ويتقبل ذاته، ويحدث التغير المطلوب في سلوكه بما يؤدي إلى توافقه النفسي.
فوائد الاستبصار في عملية الإرشاد:
يفيد الاستبصار في فهم الذات مما يعتبر أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للإرشاد الناجح وتحقيق واحد من أهم أهدافه، ويفيد في إدراك العميل بوضوح أكثر لسلوكه المضطرب وقدرته على التحكم في هذا السلوك، ويؤدي الاستبصار إلى تحقيق تعلم جديد يتغير على أساسه السلوك.
ويتبع نمو وزيادة الاستبصار تفسيرات من جانب المرشد تمهد للمزيد من الجهد الإيجابي من جانب العميل.
ومن المأثورات في فوائد الاستبصار ما ورد في إحدى رسائل أخوان الصفا1: "اعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه
…
أن لب العلوم الشريفة، معرفة الإنسان نفسه، لأنه قبيح بكل عالم
1 إخوان الصفا هم جماعة من العلماء والأدباء، ألفوا رابطة بينهم في مدينة البصرة في القرن الرابع الهجري وألفوا نحو خمسين رسالة شبيهة بدائرة المعارف.
يتعاطى الحكمة، أن يدعي معرفة الأشياء وهو لا يعرف نفسه ويجهل حقيقة ذاته، ثم أعلم أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف نفسه على الحقيقة، إلا أن ينظر ويبحث، وذلك من ثلاث جهات، أحدها الجسد مجردا من النفس، والثاني النفس مجردة من الجسد، والثالث الجملة المجموعة من النفس والجسد
…
".
التعلم
LEARNING:
يعتبر التعلم واكتساب العادات السلوكية خطوة هامة وضرورية في عملية الإرشاد النفسي. ويرى البعض أن عملية الإرشاد كلها عملية تعلم، يتعلم العميل خلالها عن نفسه وعن قدراته وعن علاقاته الشخصية واتجاهاته وعن العالم الذي يعيش فيه، ويتعلم أساليب تفكير جديدة وعادات سلوكية جديدة "بروس شيرترز وشيلي ستون Shertzer & Stone؛ 1976".
وكما سنرى في الفصل التالي، فإن الإرشاد السلوكي يعتبر تطبيقا عمليا لقواعد ومبادئ وقوانين التعلم في ميدان الإرشاد النفسي.
عملية التعلم في الإرشاد النفسي:
التعلم عملية تحتاج إلى وقت لأنها أساسا عملية تغير في السلوك نتيجة للخبرة والممارسة، والوقت المطلوب لإحداث تغير في السلوك لا يقاس بالساعات ولكنه يقاس بالخبرات التي يمر بها العميل أثناء عملية الإرشاد، فقد يحقق مرشد مع عميل تقدما واضحا في وقت أقصر كثيرا من الوقت الذي يستغرقه نفس المرشد مع عميل آخر.
ويقول البعض إن العملية صعبة بالنسبة لبعض العملاء صحيح أنها قد تكون صعبة، ولكنها ممكنة، ولينظر هؤلاء إلى مدربي السيرك الذين يستطيعون تعليم الوحوش وتدريبهم وتحويلهم إلى حيوانات مستأنسة.
وتتضمن عملية التعلم تهيئة خبرات وممارسات شخصية واجتماعية جديدة سليمة تتيح فرصة تعلم السلوك السوي، وتكوين مدركات جديدة، واكتساب أنماط سلوكية جديدة في حل المشكلات، وتعلم ضبط الانفعالات والتوافق النفسي السليم، وملء الفجوات والفراغات التي تركها الوالدن والمربون أثناء تعلم العميل، كما يحدث مثلا في التربية الجنسية
…
إلخ.
ومعنى هذا أن المرشد يعمل على توفير مواقف تعلم تتوافر فيها شروط التعلم الجيد مثل المناخ النفسي المناسب والعلاقة السليمة وإثارة الدافعية الكافية، واختيار المادة المتعلمة وتنظيمها وتدريجها ومناسبتها بما يتفق مع استعداد العميل، وشرحها وتفسيرها واستخدام الثواب والتعزيز
…
إلخ، مع تقييم نتائج عملية التعلم.
وهنا يقرب موقف المرشد من موقف المعلم حين يستخدم كل ما يعرفه من نظريات التعلم وطرق التربية والتعليم، وقد تأخذ عملية التعلم هنا شكل المحاولة والخطأ والتعلم الشرطي
…
إلخ.
فائدة التعلم في عملية الإرشاد:
إن ما يتعلمه العميل من أساليب سلوكية خلال عملية الإرشاد مكسب كبير والمرشد عادة يضع في حسابه أثناء عملية الإرشاد أن يهيئ الخبرات المناسبة التي تتيح للعميل أن يتعلم مهارات توافقية كثيرة، وأن يتعلم حل مشكلات بنفسه مستقبلا. وهذا خير ألف مرة من أن يحل المرشد له مشكلته التي جاء بها فحسب1.
تعديل وتغيير السلوك
1 يقول المثل الصيني: "إذا جاءك طفل جائع، فلا تعطه سمكة، ولكن علمه كيف يصيد السمك، فإنك إذا أعطيته سمكة، فقد أطعمته يوما، ولكن إذا علمته الصيد، فقد أطعمته طول العمر".
BEHAVIOUR MODIFICATION AND CHANGE:
تعتبر الاضطرابات النفسية تجمعات لعادات سلوكية خاطئة أو غير متوافقة، متعلمة ومكتسبة، نتيجة للتعرض المتكرر للخبرات التي تؤدي إليها، وهذه الاضطرابات السلوكية المتعلمة يمكن علاجها عن طريق تعديلها وتغييرها الواحد تلو الآخر، تعديلا وتغييرا من السيئ إلى الأحسن، ومن الغريب إلى المألوف، ومن الشاذ إلى العادي، ومن اللامتوافق إلى المتوافق، بحيث يصبح السلوك أكثر فعالية وكفاية وواقعية وفائدة "دوجلاس براون Brown؛ 1971".
ولقد تطورت طرق الإرشاد السلوكي مستندة إلى رصيد كبير من نتائج بحوث علم النفس التجريبي كان هدفها
تعديل وتغيير السلوك
، وأدت إلى تيسير ضبط وتعديل وتغيير السلوك عن طريق محو تعلم السلوك الشاذ أو غير التوافقي المطلوب التخلص منه، وإعادة التعلم من جديد. وأصبح المرشد يستطيع استخدام طرق التعلم ومحو التعلم وإجراءاتها المعروفة مثل التعزيز والانطفاء والإشراط
…
إلخ.
عملية التعديل وتغيير السلوك:
عملية تعديل وتغيير السلوك في جوهرها تعتبر عملية محو تعلم Unlearning وإعادة تعلم Relearining
وتتضمن العملية محو تعلم السلوك الخاطئ غير السوي أو غير المتوافق أو غير المرغوب والذي يظهر في الأعراض، وذلك بالعمل على إطفائه بالتخلص منه، ومن الطرق المستخدمة في تلك الإشراط التجني، واستخدام الخبرات المنفردة، وتدريب الأطفال، والممارسة السالبة "انظر حامد زهران، 1997".
وتتمضن العملية إعادة التعليم، وإعادة التنظيم الإدراكي للعميل، وإعادة تنظيم سلوكه، والتعلم من جديد لأنماط سلوكية تحل محل الأنماط السلوكية التي محيت، بحيث ينتقل أثر هذا التعلم والتدريب الجديد من الموقف الإرشادي إلى مواقف الحياة اليومية العلمية خارج عيادة أو مركز الإرشاد، ويتم ذلك عن طريق عملية التعلم حيث يعمم العميل مثلا الاتجاهات التي كونها نحو المرشد والخبرات التي اكتسبها إلى سائر الناس والمواقف في البيئة الخارجية التي يعيش فيها.
وتسير عملية تعديل السلوك وتغيير السلوك على النحو التالي:
- تحديد السلوك المطلوب تعديله أو تغييره: ويقصد بذلك تحديد دقيق للسلوك المضطرب الظاهر الذي يمكن ملاحظته وتقييمه موضوعيا.
- تحديد الظروف التي يحدث فيها السلوك المضطرب: ويقصد بذلك تحديد كل الظروف والخبرات التي يحدث فيها السلوك المضطرب وكل ما يرتبط به وما يسبقه من أحداث وما يتلوه من عواقب. فمثلا إذا كان العميل يشكو من خواف، فإن الانتباه يوجه إلى المناسبات التي تسبق الشعور بالخوف، والمناسبات التي يشعر العميل فيها بالخوف، والأحداث التي تتلو حدوث الخوف.
- تحديد العوامل المسئولة عن استمرار السلوك المضطرب: ويتم ذلك بتقدير ما إذا كان السلوك المضطرب يحدث نتيجة لعوامل بسيطة ونتيجة لارتباط شرطي، أم أن وراء استمراره عوامل أساسية أخرى، أم أنه يستمر بسبب النتائج التي يؤدي إليها.
- اختيار الظروف التي يمكن تعديلها أو تغييرها: ويتم ذلك بالتعاون بين كل من المرشد والعميل.
- إعداد جدول لإعادة التعلم والتدريب: ويتم ذلك بإعداد خبرات ومواقف متدرجة يتم فيها إعادة التعلم والتدريب من خلال ممارسة السلوك الجديد في إطار الخبرة المعدلة
بحيث يتم إنجاز البسيط والقريب قبل المعقد والبعيد. وهنا يلزم ترتيب الإمكانات في شكل سهل وممكن ومستحيل، ويستحث المرشد العميل على أن يبذل ما في وسعه وأن يحاول وأن يتعلم وأن يجرب1.
- تعديل الظروف السابقة للسلوك المضطرب: ويقصد بذلك تعديل العلاقات بين الاستجابات وبين المواقف التي تحدث فيها، كما في حالات نقص القدرة على التفاعل الاجتماعي السليم.
- تعديل الظروف البيئية، ويتضمن ذلك تعديل العلاقات المتبادلة بين الاستجابات ونتائجها التي تؤدي إليه، بما يؤدي إلى حدوث السلوك المرغوب في الظروف التي لم يكن يحدث فيها.
- وتنتهي العملية عند الوصول إلى السلوك المعدل المنشود.
هذا ويقول البعض إن هناك عادات سلوكية تقاوم التعديل والتغيير، ويمكن في مثل هذه الحالات الاكتفاء بتقليل تكرار مثل هذا السلوك. والرد الموجز عليهم أنه ليس هناك مستحيل أمام سلطان الإرادة وقوة العزيمة2.
فوائد عملية تعديل وتغيير السلوك في عملية الإرشاد:
تفيد عملية تعديل وتغيير السلوك في نواح كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- تعديل مفهوم الذات لدى العميل.
- تعديل وتغيير الانفعالات غير السوية.
- تعديل وتغيير نواحي النشاط العقلي المعرفي مثل بعض أفكار العميل ومعتقداته عن سلوكه وعن الآخرين
…
إلخ.
1 يقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".
2 من دعاء الحكماء: "اللهم هبني القوة لتغيير ما أستطيع تغييره من الأمور، والصبر على ما لا أستطيع تغييره من الأمور، والحكمة للتمييز بين هذه وتلك".
ويقول الشاعر:
كل صعب من الأمور إذا ما
…
صادف العزم صار بالعزم سهلا
ويقول الشاعر:
إذا أغلقت يوما عن المرء حاجته
…
فإن مفاتيح الأمور العزائم
ويقول الشاعر:
ولم يبعد على قوم مرام
…
إذا ركبت له الهمم البعادا
ولم أر بعد قدرته تعالى
…
كمقدرة ابن آدم إن أراد
- تعديل الاتجاهات السالبة والجامدة وغير المقبولة اجتماعيا والمتعصبة، واتجاهات العميل نحو الآخرين ونحو الحياة بصفة عامة "تولبي ورايت Taublee & Wright؛ 1971".
النمو وتغيير الشخصية:
يؤكد فوان Vaughan؛ "1975" أهمية النمو وتغيير الشخصية كإجراء هام في عملية الإرشاد النفسي. ويقول كارل روجرز Rogers؛ "1958، 1961" إن النمو النفسي نحو النضج وتغيير شخصية العميل نحو التكامل والاستقلال إجراء يجب أن يكون من أهم معالم عملية الإرشاد النفسي.
النمو:
يقول أوزيبو ووالش Osipow & Walsh؛ "1970" إن أكبر هدف لعملية الإرشاد يجب أن يكون تسهيل النمو النفسي العادي للعميل، ويقصد بالنمو النفسي هنا النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي للعميل، ونمو الذات لديه وتقبل الآخرين وتحديد فلسفة عامة في الحياة أكثر واقعية.
والنمو يتضمن التغير التقدمي نحو النضج الانفعالي الاجتماعي والعقلي والجسمي. وتهتم عملية الإرشاد النفسي بالنمو الوظيفي "السلوكي" ويشمل نمو الوظائف النفسية للعميل "حامد زهران، 1990".
ويتضمن تحقيق النمو الذي يحدث خلال عملية الإرشاد ضرورة تحسين العوامل التي تؤثر فيه، والتغلب على العوامل التي تعوقه.
إن العميل عندما يبدأ عملية الإرشاد ويستمر فيها لا يمكن أن يظل كما هو -أي كما بدأها- حين ينتهي منها. إن نموا ما وتغيرا ما يحدث إلى أفضل في معظم الحالات. ويمكن أن يلاحظ ذلك بمقارنة حالة العميل في بداية العملية وفي نهايتها.
تغيير الشخصية:
ويحدث التغيير في البناء الوظيفي للشخصية: فمن الناحية العقلية يعرف العميل أشياء لم يكن يعرفها ويكتسب مهارات جديدة، ومن الناحية الانفعالية يتخلص من أسباب وأعراض الضيق والتوتر الانفعالي، ومن الناحية الاجتماعية تتحسن علاقاته الاجتماعية وتتعدل اتجاهاته
…
وهكذا.
ومن ناحية البناء الدينامي للشخصية يخف الصراع بين القوى المحركة في الشخصية بين غرائز الهو وبين الأنا الأعلى الضعيف والأنا المغلوب على أمره، ويتخلص من كثير من المكبوتات في اللاشعور.
وهكذا يزداد تكامل الشخصية وانتظام مكوناتها، وظيفيا وديناميا مما يساعد على تحقيق التوافق النفسي والصحة النفسية.
ويلاحظ أن تغيير شخصية العمل أمر جد خطير يحتاج إلى خبرة، وذلك يحتم أن يقتصر إجراؤه على المرشدين والمعالجين والنفسيين والمختصين الحائزين على أعلى المؤهلات العلمية وأوسع خبرة عملية.
اتخاذ القرارات
DECISION - MAKING:
يتحدث بعض الكتاب عن "الإرشاد كعملية اتخاذ قرارات"، وعن عملية الإرشاد اتخاذ القرارات" Decision - making Cases "أوزيبو ووالش Osipow & walsh؛ 1971".
ونحن نعلم أن كل أنواع السلوك الانعكاسي والغريزي -فيها اختيار بين عدة احتمالات سلوكية. ومن هنا تأتي أهمية اتخاذ القرارات في حياة كل فرد.
إن حق العميل في تحديد أهدافه وفلسفة حياته واتخاذ قراراته بنفسه لنفسه يجب أن يكون مؤكدا. إن الحياة حياته والسلوك سلوكه والقرارات لا بد أن تكون قراراته، وبهذا تكون عملية الإرشاد عملية تعبر عن الديمقراطية في التعامل.
ولقد بدأ الإرشاد النفسي أيام أن كان في مهده قاصرا على الإرشاد المهني وموجها أساسا نحو مساعدة الأفراد في الاختيار المهني أي في اتخاذ قرار مهنة العمر.
ومن المهم أن نعلم أن عملية الإرشاد لا تهدف إلى اتخاذ قرارات معينة، بقدر ما تهدف إلى تعلم العميل كيف يتخذ القرارات بصفة عامة.
ورغم أن المرشد مسئول عن مساعدة العميل على تحقيق أهداف عملية الإرشاد، فإن مسئولية اتخاذ القرارات التي تحدد تحقيق هذه الأهداف تنفيذها هي مسئولية العميل.
أهمية اتخاذ القرارات في عملية الإرشاد:
يمر الفرد في حياته بصفة عامة بسلسلة متصلة من المواقف التي تتطلب اتخاذ قرارات. ومن هذه القرارات ما هو خطير وهام مثل اتخاذ قرار بخصوص الزواج واختيار المهنة وإكمال التعليم واختصاره، وهذه تدخل في مجالات الإرشاد الزواجي والمهني والتربوي على الترتيب. وهكذا يحتاج الفرد العادي إلى تعلم اتخاذ القرارات، والبعض يحتاجون إلى مساعدة بالنسبة لقرارات خاطئة تم اتخاذها.
كذلك يشهد الفرد في حياته فترات انتقال حرجة عليه أن يتخذ فيها قرارات هامة، مثل انتقاله من المدرسة الإعدادية إلى المدرسة الثانوية في أي اتجاه يسير. وعند انتقاله من المرحلة الثانوية إلى التعليم العالي فأي تخصص يختار
…
وهكذا.
وهناك الكثيرون من الأفراد يلاقون صعوبات، ويحتاجون إلى مساعدة في عملية اتخاذ القرارات، ومن هؤلاء من تنقصهم المعلومات التي يحتاجون إليها. ومنهم من يعرفون معلومات لا يحتاجون إليها، ومنهم من يعجزون عن استخدام المعلومات التي يحصلون عليها، ومنهم من يتسم سلوكه بالتردد عن الاختيار بين الاحتمالات المتعددة، وقد يصل الحال إلى درجة الصراع الذي قد يكون صراع إقدام إقدام لاختيار أحد قرارين كلاهما جذاب، كاختيار فتاة بين قرار الزواج أو قرار العمل، وقد يكون صراع إحجام وإحجام لاختيار بين قرارين متعلقين بخبرتين منفرتين كاختيار موظف بين الاختلاس أو الإفلاس، وقد يكون صراع إقدام وإحجام لاتخاذ قرار حاسم في حالة وجود موقفين أحدهما جذاب والآخر منفر مثل قرار الزواج من حسناء منحرفة.
وفي كل هذه الحالات لا بد من حل الصراع واتخاذ قرار.
ويضاف إلى ذلك أن من القرارات ما يجب أن يكون سريعا وحاسما، ومنها ما يتورط فيه الفرد متسرعا، ومنها ما يكون موفقا وناجحا، ومنها ما يكون خاطئا، ومنها ما يؤدي إلى الشعور بالذنب والندم، ومنها ما لا تظهر آثاره إلا بعد عدة سنوات.
عملية اتخاذ القرارات:
عملية اتخاذ القرارات هي في جوهرها مساعدة المرشد للعميل في تيسير الخطوات التي تمكن من وصول العميل إلى قرارات مناسبة، واتخاذ قراراته، بنفسه، وتحمل مسئولية القرارات التي يتخذها، وهذا كما نعلم مطلب أساسي من مطالب النمو النفسي السوي.
وفي عملية الإرشاد كعملية تعلم، ذكرنا أنه يجب تعليم العميل مهارة اتخاذ القرارات، ومساعدته في اتخاذ القرارات التي تعثر في اتخاذها أو أخفق فيها أو أخطأ فيها، بحيث يستطيع القيام بذلك مستقلا مستقبلا.
وتمر عملية اتخاذ قرار بخطوات هي: تحديد الهدف وفهمه، وتجميع المعلومات اللازمة للاستكشاف والاختيار، وتحليل ومناقشة وتفسير المعلومات وتحديد البدائل والاحتمالات، وتقييم البدائل والاحتمالات في ضوء التنبؤ بالنتائج والآثار المحتملة بالنسبة لتحقيق الهدف، واختيار أنسب الاحتمالات أي اتخاذ القرار "جاكسون، وجونيبر Jackson & Juniper؛ 1971".
العوامل التي تؤثر في اتخاذ القرارات:
تتأثر عملية اتخاذ القرارات بعدة عوامل منها: شخصية الفرد، والبيئة المادية التي يعيش فيها، والعوامل الاجتماعية والثقافية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الدوافع والقيم والميول والمعايير الاجتماعية تؤثر في اتخاذ الفرد قرارا بخصوص الزواج أو قرارا بخصوص المهنة أو قرارا بخصوص التعليم.
كذلك فإن عملية اتخاذ القرارات تتضمن مواقف تضم نوعين من المتغيرات: أولهما يتعلق بالفروق بين الأفراد، وثانيهما يتعلق بالفروق بين الاختيارات المحتملة.
حل المشكلات
PROBLEM SOLVING:
ذكرنا أن من أهم أهداف عملية الإرشاد حل مشكلات العميل، وذلك بأن يساعده المرشد على إيجاد الحلول واقتراحها بنفسه ويتحدث بعض الكتاب عن "الإرشاد كعملية حل المشكلات".
ويتصور بعض العملاء أن مشكلاتهم حلها عسير، ويجب أن يعمل المرشد على تشجيعهم ومساعدتهم لبذل الجهود لحلها1.
ومن المهم أن نعرف أن عملية الإرشاد لا تهدف إلى حل مشكلات العميل التي جاء بها فحسب، ولكنها تهدف إلى تعليمه كيف يحل ما قد يطرأ عليه من مشكلات مستقلا مستقبلا، وهكذا نجد أن عملية الإرشاد تتطلع إلى المستقبل إلى جانب اهتمامها بالحاضر.
1 يقول الله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} .
ويقول الشاعر:
عقدة حلها عسير ولكن
…
رب عسر أحاله يسرا
ويقول المثل: "كل عقدة ولها حلال".
أسلوب حل المشكلات:
يمكن اعتبار حل المشكلات التي جاء بها العميل كنموذج أو عينة أو تدريب له لكي يستطيع حل مشكلاته بنفسه مستقلا مستقبلا، مستفيدا بخبرة عملية الإرشاد، وقد ذكرنا أن المرشد لا يحل للعميل مشكلته ولا يقدم له حلولا جاهزة، ولكنه يساعده في حل المشكلة بنفسه، ويتبع لتحقيق ذلك ما يلي:
- بعد التشخيص وتحديد المشكلة، يبدأ العمل في حصرها والسيطرة عليها وحلها.
- تدرس المشكلة طولا وعرضا وعقما من كل أبعادها وتفهم جيدا، وتقتلع أسبابها من جذورها، وتزال أعرضها، لأننا إذا أزلنا الأعراض تركنا الأسباب والجذور فسوف تنمو مشكلات جديدة.
- يتم استعراض المحاولات السابقة لحل المشكلة وأسباب إخفاقها ومدى النجاح الذي تحقق.
- يوجه المرشد العميل إلى اقتراح عدد من الحلول الرئيسية والحلول البديلة الاحتياطية، بحيث تكون هذه الحلول ممكنة ومقبولة اجتماعيا ومشبعة للعميل.
- تحديد الحلول المرتضاة وترتب حسب الأولية، وتوضع الخطط لتنفيذها.
- يحرص كل من المرشد والعميل على التأني وعلى تجنب الحل المبكر غير الناضج للمشكلة.
- يقوم المرشد بالمساعدة فقط، ويحرص على توجيه كل شيء نحو الوصول إلى حل المشكلة مع الاحتياط خشية تورط العميل في اقتراح حلول واضح أنها غير موفقة أو خاطئة أو ضارة به أو بالآخرين، ويحاول المرشد تشجيع العميل على المحاولة حين يظن أنه لا يقدر، وعلى التعلم حين يقول أنه لا يعرف، وعلى التجريب إذا تعلل بأن الحل مستحيل. ومثل المرشد هنا مثل المعلم الذي يعلم شخصا قيادة سيارة، إنه يجلس بجواره فقط، والذي يقود السيارة فعلا هو الشخص الذي يتعلم القيادة، وقد يخطئ أخطاء طفيفة يلفت المعلم نظره إليها، ولكنه إذا أقبل على خطأ جسيم فهنا يتدخل معلمه فورا لتفادي حدوث الخطر.
- يقوم العميل بتنفيذ الخطة الموضوعة لحل المشكلة، وهو مسئول عن هذا1.
وجدير بالذكر أن بعض العملاء قد يضعون شروطا لحل المشكلة تكون بمثابة العقدة في المنشار وتعوق العملية، ويجب أن يذكرهم المرشد أنه "لا شروط" في عملية الإرشاد.
1 يجب الاستفادة من تجارب الحكماء: "لكي تحل مشكلاتك كما يحلها العظماء. فعليك أن تحدد مشكلتك، واقصرها على المهم، وتخلص من التفاهات، وقرر خطة لحلها، ثم لا تدع شيئا يمنعك من تنفيذها".
التشاور:
يعتبر البعض -خاصة من أنصار طريقة الإرشاد المباشر- أن المرشد "خبير" نفسي يجب أن يفيد العميل من خبراته وتجاربه وخاصة إذا كان العميل تنقصه الخبرة والتجربة، والمرشد بهذا يكون أكثر إيجابية، وعليه أن يقدم المشورة بخصوص ما يجب أن يتبعه العميل في حل مشكلته مثلا.
وينظر البعض إلى المرشد على أنه "حكيم" يتوقعون منه تقدم النصح Advice Giving للعميل، أو على الأقل الإسهام بقدر من الاقتراحات ويقولون إنه من النادر أن نجد مرشدا لا يقدم نصائح أو اقتراحات على الأقل بطريق غير مباشر أو غير صريح.
ويتناول البعض إجراء التشاور على أنه تشاور بين الأخصائيين فقط بخصوص العميل. وهذا التشاور يتضمن التعاون وتبادل المعلومات والتخطيط المشترك من أجل مصلحة العميل "نيلسون Nelson؛ 1972".
بين التشاور وتقديم النصح:
تقديم النصح من جانب المرشد في عملية الإرشاد يكون غير مباشر وغير إجباري وغير ملزم للعميل. وبهذا المعنى يقرب النصح من المشورة.
وهنا فرق بين النصيحة التي تأخذ شكل الاقتراح، وبين النصيحة التي تحمل معنى الأمر. فالعميل إذا أدرك النصيحة على أنه مجرد اقتراح يقدمه المرشد فلا بأس، أما إذا اعتبرها أمرا، فقد يفسر ذلك بأن المرشد لا يقيم له ولا لرأيه وزنا. وقد لا يستطيع العميل تنفيذ النصيحة، فيعتبر ذلك مخالفة وعصيانا، وقد لا يقبل النصيحة، فيظن ذلك رفضا يغضب المرشد، وقد ينفذها قسرا وبدون اقتناع، وهذا -لا شك- أمر غير مرغوب.
ويعارض البعض تقديم النصح حتى لو كان في ضوء خبرة المرشد، وحتى لو كانت خبرات الماضي تعلم الكثير وتثري الحاضر وتنير المستقبل، ويقولون إن ظروف الحاضر ومشكلاته تختلف عن ظروف الماضي ومشكلاته، وأن حلا كان مرغوبا ومجديا فيما مضى قد يكون غير مرغوب في الحاضر، وأن ما ناسب الكثيرين من العملاء ربما لا يناسب العميل الحالي، ويؤكد هؤلاء استنكارهم لتقديم النصح المباشر على أساس أنه يقحم آراء المرشد واتجاهاته وقيمه وأخلاقياته على آراء العميل واتجاهاته وقيمه وأخلاقياته.
وصحيح أن عملية الإرشاد لا تخلو من الاسترشاد من جانب العميل "المسترشد"، وقد ينطوي ذلك على الاستنصاح، أي طلب النصح والرأس والمشورة. وهنا يجب أن يقدم المرشد
النصح في شكل اقتراحات وبطريقة "خذها أو اتركها" بحرية تامة وبدون أن يحدد بالضبط ما يجب وما لا يجب أن يعمله العميل، بحيث تكون العملية أقرب إلى التشاور المشترك وتبادل الآراء، وأبعد ما تكون عن الأمر والإجبار، ويلى ذلك دراسة وفحص لما أسفر عنه التشاور، وفي حالة الإقناع يكون التنفيذ1.
1 قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
ويقول الزبير بن عبد المطلب:
وإن سر أمر عليك التوى
…
فشاور حكيما ولا تعصه
التقييم
EVALUATION:
يقصد بالتقييم هنا: تقييم عملية الإرشاد النفسي في ضوء نتائجها وآثارها، وتعرف عملية التقييم بأن تقدير نتائج الإرشاد وظروف عملية الإرشاد وجهود كل من المرشد والعميل. ويود المرشد عادة أن يعرف مدى نجاح عملية الإرشاد، وإلى أي حد أثمرت وآتت أكلها.
ويشترك في تقييم عملية الإرشاد كل من المرشد وزملائه والعميل. وقد يشترك معهم بعض الأخصائيين الآخرين والوالدين وحتى الرفاق ومن يهمهم أمر العميل.
والعبرة في عملية التقييم هو الوصول إلى تقدير كيفي لقيمة عملية الإرشاد، أكثر من مجرد تقييم كمي لما يحدث من تغيير نتيجة لها.
أهداف التقييم:
تتلخص أهداف تقييم عملية الإرشاد فيما يلي:
- الكشف عن مدى فعالية ونجاح العملية في تحقيق أهدافها.
- تقرير مدى فعالية طريقة الإرشاد المستخدمة.
- تحديد أفضلية طريقة من طرق الإرشاد على الطرق الأخرى.
- دراسة مدى نمو شخصية العميل ومدى التغير الذي طرأ على حالته ومدى توافقه النفسي وتمتعه بالصحة النفسية.
معايير التقييم:
لا بد لتقييم عملية الإرشاد من معايير أو موازين أو محكات يتم الحكم على العملية في ضوئها.
ومن معايير التقييم ما يلي:
- تحقيق أهداف عملية الإرشاد مثل تحقيق الذات، وحل مشكلة العميل، وتحقيق التوافق النفسي.
- شعور العميل بالراحة والسعادة والرضا والتغير والنمو إلى أفضل في شخصيته وميوله واتجاهاته "انظر جودشتين وجريج Goodstein & Grigg؛ 1959".
أهمية التقييم:
تقييم عملية الإرشاد النفسي إجراء هام وضروري، وتكمن أهمية تقييم عملية الإرشاد فيما يلي:
- طمأنة المرشد على نجاح العملية وعلى فعالية طريقة الإرشاد المتبعة.
- إفادة المرشد في تحسين العملية إذا كان نجاح العملية متوسطا.
- توجيه المرشد إلى تغيير الطريقة أو الأسلوب الإرشادي في حالة تعثر العملية.
- تعريف المرشد بالمدى والشوط الذي قطعه ومقدار ما تبقى.
متغيرات التقييم:
عادة تكون نتيجة عملية الإرشاد إلى أحسن، وأحيانا قد تكون إلى أسوأ، أي أنها قد تنجح أو قد تفشل بدرجات متفاوتة، وبعبارة أخرى قد يكون التحسن كبيرا أو قليلا، ثابتا أو مؤقتا، حقيقيا أو ظاهريا. ومن الملاحظ أن مرشدا معينا قد ينجح في عمله مع نوع معين من العملاء في ظروف معينة، بينما قد يفشل مع نوع آخر من العملاء في ظروف أخرى "وولف Wolf؛ 1970" ويتوقف هذا على متغيرات منها:
المرشد: وتدريبه وخبرته واتجاهاته ومهاراته وأخلاقياته وشخصيته
…
إلخ.
العميل: ومدى إقباله واستبصاره وتكامل شخصيته.
المشكلة: ونوعها وعمقها ومدتها، وحدتها.
- ظروف عملية الإرشاد: مثل الزمان والمكان وتوافر المعلومات والوسائل.
- طريقة الإرشاد: ومدى كفاءتها وتمرس المرشد في استخدامها.
مضمون عملية التقييم:
أما عن مضمون عملية التقييم فنجد أنها تشمل:
تقييم عملية الإرشاد نفسها: حيث يكون التركيز على تقييم طريقة الإرشاد.
تقييم نتائج عملية الإرشاد: حيث يكون التركيز على تقييم سلوك العميل وتوافقه النفسي وصحته النفسية أثناء وبعد تمام العملية.
طرق ووسائل التقييم:
تتراوح طرق ووسائل تقييم عملية الإرشاد بين الموضوعية الدقيقة التي تستخدم فيها الأساليب الإحصائية إلى الذاتية والتقريبية، وبين طرق التقييم الخارجي إلى طرق التقييم التي يقوم بها المرشد والعميل
…
وهكذا. وفيما يلي أهم طرق ووسائل عملية التقييم:
التقييم التجريبي: ويتم عن طريق الدراسة التجريبية لنتائج عملية الإرشاد أو طريقة الإرشاد المستخدمة بمقارنة جماعة تجريبية "مرت بعملية الإرشاد" وجماعة ضابطة "لم تمر بعملية الإرشاد" وعادة ما تختار الجماعة الضابطة من بين الأفراد الذين حالت بينهم وبين استئناف عملية الإرشاد أسباب معينة، ويجب في هذه الحالة الاحتياط بخصوص عدة اعتبارات منها أن التغيرات التي تحدث بعد عملية الإرشاد قد تكون سطحية وغير جذرية، مؤقتة وليست دائمة، وقد يكون التحسن بطيئا لا تظهر آثاره السلوكية إلا بعد فترة قد تطول بعد عملية التقييم نفسها، وقد تكون المتابعة اللازمة لعملية التقييم بعد إنهاء العملية صعبة، وقد يكون التحسن الذي يطرأ على حالة العميل تحسنا تلقائيا Spontanious Recovery يرجع لعوامل أخرى غير عملية الإرشاد نفسها.
التقييم العام: ويستخدم في عملية التقييم العام وسائل عدة. وعادة ما يجري المرشد بعض الاختبارات قبل إجراء العملية وهو يقوم بفحص ودراسة الحالة وتعتبر بمثابة اختبارات قبلية Pre-tests، بعد عملية الإرشاد يعيد إجراء نفس الاختبارات، وتعتبر بمثابة اختبارات بعدية Post-tests، ويكون الفرق بين النتائج في الإجراء الأول والإجراء الثاني هو دليل التغير، ويعبر عن نتائج عملية الإرشاد "إوينج Ewing؛ 1964". ومن وسائل التقييم العام ما يلي:
- التقارير الذاتية Self - reports وهذه التقارير يكتبها العميل بنفسه عن مدى تقدم حالته إما دوريا أو في نهاية العملية. ونحن نعلم أنه ليس هناك من هو أعرف بالعميل من نفسه، إن هو الذي يعرف بالضبط مدى اضطرابه السابق ومدى ما تحقق من تقدم نتيجة لعملية الإرشاد.
- مقاييس التقدير Rating Scales وتتضمن معلومات وبيانات عن الشخصية والسلوك والمشكلات وتحتها مقاييس تقدير مدرجة، ويقدر العميل مدى التغيير على درجات هذه المقاييس.
- تقدير الذات التصنيفي: Self - rating Q- sort وفيه يصنف العميل عددا من البطاقات التي تحوي أعراض المشكلة أو الاضطراب أو المرض النفسي مرتين: الأولى قبل العملية والثانية بعدها، ويصنف العميل البطاقات إلى ما ينطبق عليه وما لا ينطبق عليه وما يقع بين بين، أو يصنفها إلى ما كان ينطبق عليه قبل العملية وما لا يزال ينطبق عليه بعدها وما يقع بين بين، ويحسب معامل الارتباط بين التقديرين التصنيفيين، ويعتبر دليلا على مدى نجاح العملية "انظر حامد زهران، 1984".
- قوائم المراجعة Check Lists: وتضم أهداف عملية الإرشاد متجمعة في شكل قائمة يراجعها العميل ويحدد أمام كل منها: هل تحقق الهدف أم لم يتحقق. وقد تضم أيضا أعراض الاضطرابات النفسية ليحدد العميل ما زال منها وما لا يزال
…
وهكذا.
- اختبارات التشخيص النفسي Diagnostic Tests: وتحوي أعراض وزملات أعراض المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية، وتجري على العميل قبل وبعد العملية وتقارن نتائجها "راجع الفصل الخامس".
- الوسائل الإسقاطية Projective Techniques: مثل اختبار بقع الحبر لرورشاخ واختبار تفهم الموضوع للكبار والأطفال واختبارات تكملة الجمل وغيرها "راجع الفصل الخامس". ويلجأ المرشد إلى استخدامها في التقييم بإجرائها قبل وبعد إجراء العملية، على أساس أن العميل لا يعرف عادة معنى استجاباته مما يقلل من أثر ذاتية، وهي تكشف عن مدى التغير الذي حدث في بناء الشخصية.
- ملاحظة السلوك ويكون هذا في مواقف متنوعة في الحياة اليومية الواقعية أو في مواقف قريبة الشبه منها. وفيها تتم ملاحظة السلوك ووصفه وصفا بسيطا وموضوعيا بقدر الإمكان. ويحسن أن يقوم بالملاحظة عدد من الملاحظين تحقيقا لأكبر قدر ممكن من الموضوعية، ويهتم الملاحظ طبعا بالتغيرات السلوكية الواضحة التي حدثت نتيجة لعملية الإرشاد.
- اختبار تمايز معاني المفاهيم The Semantic Differential: وهو أسلوب يمكن استخدامه لتقييم المفاهيم الهامة في عملية الإرشاد النفسي مثل: المرشد، العميل، عملية الإرشاد، عيادة الإرشاد
…
إلخ، على ثلاثة أبعاد هي: التقييم العام "حسن، رديء" والنشاط "نشط، خامل" والقوة "قوي، ضعيف""انظر حامد زهران، 1984".
صعوبات عملية التقييم:
يكتنف عملية التقييم بعض الصعوبات منها ما يلي: "انظر هيرمان بيترز وبروس شيرتزر Peters & shertzer؛ 1969".
- نقص الوقت والجهد والمال اللازم لإجرائها على الوجه الأكمل.
- عدم التحديد الواضح لأهداف عملية الإرشاد في شكل سلوك إجرائي محدد يمكن قياسه.
- الخلط بين أهداف الإرشاد النفسي بصفة عامة وبين أهداف عملية الإرشاد بالنسبة لكل عميل على حدة.
- الخلط بين الوسائل والغايات، وبين العملية ونتائجها.
- عدم ضبط العوامل والظروف الأخرى التي تؤثر في حالة العميل ومشكلته.
الإنهاء
TERMINATION:
يقول سكوت ميير وسوزان دافيز Meier & Davis؛ "1993" إن إنهاء عملية الإرشاد يجب التخطيط له منذ بدايتها.
وعندما تتوالى الجلسات الإرشادية، ويتم اكتشاف الذات، والتداعي الحر، والتفسير، والتنفيس الانفعالي، والاستبصار، والتعلم، وتعديل وتغيير السلوك، والنمو وتغير الشخصية، واتخاذ القرارات، حل المشكلات، والتشاور، وعندما يدل تقييم عملية الإرشاد على نجاحها تنتهي العملية.
إن زمن عملية الإرشاد غير محدد، فقد تنتهي العملية في جلسة واحدة وقد تستغرق أسبوعا وقد تستغرق شهرا وقد تمتد إلى سنة أو أكثر. وهكذا فإن عملية الإرشاد والعلاقة الإرشادية قد تقصر أو تطول، وهي مهما طالت فهي عملية إرشاد وعلاقة مهنية مؤقتة لا بد أن تنتهي ويمضي بعدها كل في طريق. ويتوقف الزمن الذي تستغرقه عملية الإرشاد على عدة متغيرات منها: نوع المشكلة، وحدتها، وشخصية وتجاوب العميل، والمرشد وطريقته في الإرشاد.
وباختصار، يتحدد إنهاء عملية الإرشاد بتحقيق أهدافها، وشعور العميل بقدرته على الاستقلال والثقة بالنفس والقدرة على حل مشكلاته مستقلا ومستقبلا، وشعوره العام بالتوافق والصحة النفسية.
عوامل نجاح إنهاء عملية الإرشاد:
يحتاج إنهاء عملية الإرشاد إلى مهارات خاصة كما احتاج بدؤها وإنجازها، إنها ليست كعملية علاج طبي سريع تنتهي بشكرا ومع السلامة والسلام.
إن إنهاء عملية الإرشاد والعلاقة الإرشادية أمر يكون في بعض الأحيان صعبا أو مؤلما، فقد كانت العلاقة الإرشادية الناجحة قوية وذات أهمية لدرجة أن بعض العملاء لا يودون إنهاءها، وقد يعبر عن ذلك عودة بعض الأعراض في هذا الوقت بالذات -بعد أن تكون
قد زالت- كاعتراض داخلي على عملية الإنهاء أو بسبب الخوف من جراء ترك العون الذي كان العميل يحصل عليه عن طريق العملية الإرشادية، وأحيانا تكون العلاقة قد أصبحت هامة وقوية لدرجة أنها قد تستمر بعد العملية كعلاقة اجتماعية، وبينما يكون هذا ممكنا، إلا أنه قد يكون محاطا بمخاطر منها أن زيادة الانفتاح والتفاعل الاجتماعي مع العميل قد تؤدي إلى فشل عملية الإرشاد، لأنه كما سبق أن ذكرنا يجب أن يستقل العميل عن المرشد. ونحن نعلم أن غالبية المرشدين والمعالجين النفسيين يفضلون ألا يرشدوا أو يعالجوا أصدقاءهم أو أفراد عائلاتهم.
ويجب لفت نظر العميل إلى أنه سيكون هناك عملية متابعة، للتأكد من تمام الشفاء والسعادة، وأن باب المرشد سيظل مفتوحا أمامه، وأنه يستطيع أن يعود في أي وقت يشعر فيه بالحاجة إلى الاستشارة النفسية.
المتابعة
Follow-Up:
يقصد بالمتابعة تتبع مدى تقدم وتحسن حالة العميل الذي تم إرشاده. وهي متابعة منظمة لما تم إنجازه أثناء عملية الإرشاد، مثل ما اتخذ من قرارات وما اختير من حلول وما رسم من فلسفة للحياة العملية. أي أن موضوعها هو: ماذا بعد عملية الإرشاد؟
ويجب أن نعرف أن المتابعة جزء لا يتجزأ من عملية الإرشاد، وبدونها تكون عملية الإرشاد ناقصة.
وتهدف المتابعة إلى التأكد من استمرار تقدم الحالة، وتلمس أي فرص أكثر للمساعدة، وتحديد مدى أثر وقيمة ونجاح عملية الإرشاد، وتحديد نسبة التقدم، ومدى استفادة العميل من الخبرات الإرشادية.
أهمية المتابعة:
هناك اعتبارات كثيرة تؤكد أهمية وضرورة المتابعة منها:
- قد تحتاج بعض الخطط المتفق عليها لتعديل السلوك إلى إجراء بعض التعديلات أو الانتفاع بمدى معين من الإنجاز.
- قد يحتاج العميل إلى مزيد من المساعدة والتشجيع بين الحين والحين.
- ضرورة الاحتراس ضد الانتكاس، وهذا أمر قد يحدث وخاصة في الحالات التي يكون فيها حل المشكلة أو الشفاء ظاهريا أو وقتيا، أو قد يطرأ في المجال الاجتماعي الذي يعود إليه
العميل أسباب جديدة وقوية للاضطراب، فربما تحدث نكسة ويعود العميل إلى ما كان عليه أو ربما إلى أسوأ في حالات نادرة.
- الاستفادة من المتابعة في تقييم عملية الإرشاد نفسها، ولهذا قيمته العلمية والعملية الواضحة.
وسائل المتابعة:
من وسائل المتابعة ما يلي:
- الاتصال شخصيا أو تليفونيا أو بالمراسلة للاستفسار والسؤال. وهذا من أسباب الاحتفاظ بعنوان ورقم تليفون العميل إن وجد.
- تحديد مواعيد معينة لحضور العميل إلى عيادة أو مركز الإرشاد لفترة محددة، تزداد الفترة بين كل مرة وأخرى إلى أن ينتهي الاتصال بعد التأكد من تمام الشفاء، كأن يتم الاتصال مرة كل شهر أو شهرين أو ثلاثة أو ستة أشهر حسب الحالة أو حسب الاتفاق أو حسب ما يرى المرشد وحسب ظروف العميل، فقد تكون الموصلات صعبة أو بعيدة
…
إلخ.
- قد يستخدم بعض الوسائل المستخدمة في تقييم عملية الإرشاد مثل التقارير الذاتية التي يكتبها العميل عن تطور حالته.
- قد يمتد الاتصال للمتابعة إلى الأسرة أو المدرسة أو مكان العمل في بعض الحالات حسب موافقة العميل.
فوائد المتابعة:
للمتابعة فوائد كثيرة منها: أنها تشعر العميل أن المرشد ما زال يهتم به، وأنه لم يتخل عنه، وأن بابه سيظل مفتوحا وصدره سيبقى رحبا، وأنه دائما على استعداد لتقديم أي مساعدات إذا تتطلب الأمر.
إلا أن الحال لا يكون كذلك لدى كل العملاء، فالبعض -وهم لحسن الحظ قلة- ينظرون إلى المتباعة على أنها نوع من المطاردة غير المرغوبة، تخرج عن حدود عملية الإرشاد، وهذا هو السبب في تأكيد أهمية لفت نظر العميل إلى عملية المتابعة في بداية عملية الإرشاد.
طوارئ عملية الإرشاد النفسي:
في أغلب الحالات: تمر عملية الإرشاد النفسي في سلام، وتحقق أهدافها، وتنتهي على
وفي بعض الأحيان: قد تتعرض عملية الإرشاد لبعض الطوارئ التي تعوقها أو تهددها أو توقفها أو تسبب فشلها فعلا، ومن هذه الطوارئ: المقاومة، والتحويل، والإحالة.
وقبل الكلام عن هذه الطوارئ المحتملة نلفت النظر إلى أهمية الوقاية ضد حدوثها.
المقاومة Resistance:
المقاومة قوة لا شعورية مضادة للعملية الإرشادية من جانب العميل. وتعرقل سير عملية الإرشاد. وهي تعتبر إحدى حيل الدفاع النفسي لدى العميل ضد كشف المكبوتات غير المرغوب في كشفها. أي أنها نوع من التغليف الدفاعي للذات Encystment of the Self.
وتهدف المقاومة إلى الحيلولة دون ظهور المواد المكبوتة في اللاشعور إلى حيز الشعور. وتهدف كذلك إلى مقاومة التغير الذي يحث نتيجة لعملية الإرشاد "ميرل أولسين Ohlsen؛ 1970".
وتظهر المقاومة بصفة خاصة عند العميل غير المقبل على عملية الإرشاد وغير المتعاون أو ما يطلق عليه "العميل المقاوم".
ومن أسباب ظهور المقاومة ما يلي:
- كراهية بعض العملاء لأن يكونوا "عملاء" أو "مرضى" نفسيين.
- وجود مكبوتات بغيضة أو مخيفة أو محرمة أو مخجلة، أو إذا كان ظهورها في حيز الشعور لا يقبله العميل مثل الخبرات الجنسية والعدوان ضد الوالدين أو غيرهما.
- وجود مكاسب ثانوية يجنيها العميل من وراء اضطرابه، ويخشى خسران هذه المكاسب لو حلت مشكلاته وزال اضطرابه وشفي.
- وجود رغبة مرضية في المعاناة والبقاء في حالة الاضطراب رغبة من العميل في تحطيم ذاته لا شعوريا.
- حدوث التحويل الانفعالي السلبي العدواني وفقدان الاهتمام بالعملية الإرشادية وسيرها.
وتتعدد مظاهر المقاومة: فقد تكون سلبية أو نشطة، سافرة أو مستترة، ومن أهم مظاهرها وعلامات حدوثها ما يلي:
- الامتناع عن الإفضاء بأي أفكار للمرشد أو الإفضاء بأفكار ظاهرية.
- الانصراف عن المرشد وعدم الرغبة في الإصغاء إليه، وعدم الرغبة أو عدم القدرة على التعاون مع المرشد لتحقيق هدف عملية الإرشاد.
- الكلام بصوت غير مسموع أو الصمت الطويل.
- البطء أو التوقف أثناء التداعي الحر أو الترابط الطليق.
- توجيه أسئلة غير مناسبة للموضوع لتحويل مسار التداعي الحر.
- الاسترسال في موضوع واحد دون غيره واللف والدوران حوله، التهرب من الكلام عما سواه من الموضوعات.
- الاكتفاء بالكلام عن الحقائق فقط والاحتفاظ بما عدا ذلك.
- إعداد ما يراد قوله في شكل مذكرات حرصا على عدم ظهور أو تسرب أي شيء غير مرغوب التحدث عنه.
- اللجلجة وفلتات اللسان وتصحيح ما يقوله.
- الملل والضيق وظهور علامات القلق مثل اللعب في الملابس وإجراء الجسم والرسم الكتابة العفوية والروتينية الرتيبة، والميل إلى النوم.
- النسيان، والإنكار، والتبرير، والغموض.
- معارضة المرشد وعدم الموافقة على تفسيراته والنضال ضدها، ومحاولة إثبات أن المرشد مخطيء.
- منافسة المرشد في ميدان عمله وادعاء المعرفة.
- الموافقة المفرطة على كل ما يقوله المرشد دون نقاش.
- التشكيك في قيمة عملية الإرشاد وإبراز نواحي القصور فيها، وإنكار الحاجة إليها.
- الحضور متأخرا إلى جلسات الإرشاد أو تناسي مواعيدها، أو الاعتذار عنها.
- التظاهر بالشفاء أو "الهروب إلى الصحة".
ويجب على المرشد مقاومة المقاومة بمرجد ظهورها. إن المواد والخبرات المؤلمة والأفكار والرغبات والصدمات الانفعالية التي تعترض المقاومة ظهورها لها دلالة خاصة في حياة العميل وارتباط وثيق بمشكلاته الأساسية، ومن ثم فلها أهمية خاصة عند المرشد. والمقاومة تمنع العميل من فهم مشكلاته، ومن هنا تأتي ضرورة وأهمية مقاومة المقاومة أو ما يسمى تحليل المقاومة Resistance Analysis وذلك بالعمل على كسر حدتها وإضعافها والقضاء عليها ولفت نظر
العميل إليها وإلى أسبابها ومظاهرها، وتوضيح وشرح أضرارها وكيف أنها تحول دون الوصول إلى أسباب مشكلاته ومواجهة خبراته العنيفة وجها لوجه، ويعتبر التفسير والشرح -في مناخ نفسي دافئ فاهم متقبل- هو الأداة الرئيسية لمقاومة المقاومة تدريجيا. ويفيد التدرج في إظهار الخبرات الأليمة والصادمة والخاصة وعدم البدء بها في مراحل عملية الإرشاد المبكرة. ويساعد على مقاومة المقاومة كذلك المشاركة الانفعالية للعميل ومساندته في الانتقال من جانب المقاومة عبر مرحلة تكافؤ إلى جانب مسايرة التغير، ويمكن استغلال التحويل الانفعالي من جانب المقاومة عبر مرحلة تكافؤ إلى جانب مسايرة التغير. ويمكن استغلال التحويل الانفعالي الموجب أي ميل العميل وحبه للمرشد في تحليل المقاومة والتغلب عليها، هكذا يبذل المرشد كل المحاولات ويطرق كل السبل إلى أن تتحول المقاومة إلى تعاون يؤدي إلى الاستبصار وفهم النفس ومتابعة عملية الإرشاد، مع ضرورة إفهام العميل أنه ما زال -رغم ظهور المقاومة- مقبولا وأن المرشد يفهم هذه الأمور وأنها لم ولن تؤثر عليه ولا على عملية الإرشاد.
ومرة أخرى يلاحظ أنه في بعض الأحيان قد يبذل العميل جهودا لا شعورية في مقاومة تحليل المقاومة، وهذه حلقة جديدة من المقاومة، فالعميل قد يعتبر جهود المرشد لمقاومة مقاومته وتحليلها بمثابة هجوم شخصي عليه يزيد قلقه، وهذا يدعو إلى مزيد من المقاومة، وهنا مرة أخرى يجب أن يصر المرشد على الاستمرار في تحليل المقاومة والتغلب عليها حتى تستمر عملية الإرشاد نحو تحقيق أهدافها.
هذا وقد يعتقد البعض أن ظهور المقاومة قد يضايق المرشد ويشعره بالإحباط، ولكن المرشد الخبير يعرف أنها طارئ محتمل الحدوث، وقد يستفيد من ظهورها في فهم بعض جوانب شخصية العميل المقاوم. ولكنه حين يعمل على تحليلها ومقاومتها فإن آثارها تزول وتستمر عملية الإرشاد. "انظر شيلدون إيزينبيرج ودانيل ديلاني، 1995".
التحويل Transference:
يقصد به التحويل الانفعالي، أي تحويل الانفعال من موضوع إلى موضوع آخر. والتحويل كطارئ من طوارئ عملية الإرشاد هو تحويل العميل لانفعالاته الخاصة بالآخرين وتركيزها وبلورتها عن المرشد.
ويكشف التحويل عن أعمق تجارب العميل الانفعالية. ولكن بالنسبة لطبيعة الموقف الإرشادي فإن الانفعالات تكون أقل شدة من الانفعالات الأصلية.
ويمكن تشبيه المرشد بأنه يكون أثناء عملية الإرشاد بمثابة "شاشة بيضاء" يسقط عليها العميل أي انفعالات يشاء.
ويحدث التحويل أثناء عملية الإرشاد في بعض الحالات التي يتعرض فيها العميل لمشاعر مختلفة تجاه المرشد. ومع تقدم عملية الإرشاد قد تتذبذب انفعالات العميل تجاه المرشد، فهو تارة يحبه وتارة يكرهه، وحيث أن العميل لم تكن له صلة سابقة بالمرشد، والأصل في انفعالاته تجاه المرشد أنها محايدة، فليس هناك ما ييبرر هذا السلوك، ولا بد إذن أن يكون المقصود بهذا السلوك شخصا آخر، وما المرشد إلا "شخص متاح" يرمز إليه، ومن ثم تتحول تجاهه الانفعالات التي يكنها العميل في واقع الحياة لهؤلاء الأشخاص الآخرين، ويسقطها عليه العميل ويضعه في أدوارهم.
ومن أنواع التحويل ما يلي:
- التحويل الموجب: وهو التحويل الذي يتسم بالحب والإعجاب من جانب العميل تجاه المرشد. وقد يأخذ شكل تحويل العلاقة الإرشادية إلى علاقة حب، وقد يبرر العميل ظهور التحويل الموجب بأنه نوع التعبير عن الامتنان وعن الجميل الذي يحمله للمرشد الذي يساعده.
- التحويل السالب: وهو التحويل الذي يتسم بالكراهية والنفور من جانب العميل تجاه المرشد. وقد يأخذ شكل العدوان والمقاومة والتشهير وعدم التعاون وفقدان الاهتمام بعملية الإرشاد وإنهائها. ومن مظاهر التحويل السالب أيضا ظهور ما يسمى "عصاب التحويل" Transference Neurosis وهو تكوين عصابي جديد بدلا من التكوين العصابي الأصلي الذي جاء به العميل، يوجه نحو المرشد ونحو عملية الإرشاد.
- التحويل المختلط: وهو التحويل الذي يجمع بين الموجب والسالب أو الحب والكراهية من حانب العميل تجاه المرشد1.
ولتقريب أنوع التحويل نضرب المثل الآتي: لنفرض أن شخصا خيرا أراد توزيع زكاة الفطر، فأخذ المال وقصد مجموعة يعرفها من الفقراء ليوزعه عليهم، ولكنه لم يجدهم ووجد فقيرا واحد لم يكن يقصده، ولكنه هو "الشخص المتاح" فأعطاه كل المال. إن هذا الفقير الذي أخذ كل المال ونال كل الخير ليس مقصودا شخصيا، لكنه أخذ كل المال ونال كل الخير بدلا من الذين قصدوا أصلا وليسوا موجودين وهو فقط الشخص المتاح، ومن ناحية أخرى لنفرض أن
1 يجب التحذير من احتمال حدوث التحويل المضاد Counter- transferenc فالمرشد يشارك العميل انفعاليا ويتجاوب معه مع ملاحظة وضبط انفعالاته، إلا أن المرشد كإنسان قد يفلت منه زمام الأمر ويستجيب انفعاليا لخبرة التحويل، وهذا قد يحدث في حالات نادرة، ويمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للمرشد، ولذلك يجب الحيلولة دون حدوثه.
شخصيا ثائرا على سلطة الشرطة لخبرات سيئة مع عدد معين من أفرادها، فخرج إلى الشارع للاشتباك معهم ولكنه لم يجدهم فقد أنهوا دوريتهم، ووجد شرطيا واحدا فاشتبك معه لأنه الشرطي المتاح وصب عليه جام غضبه، إن هذا الشرطي الذي تلقى كل الغضب ليس مقصودا شخصيا ولكنه يمثل أفراد الشرطة الآخرين الذين قصدوا أصلا، ولكنهم ليسوا متاحين، وهو فقط الشخص المتاح.
هذا ويعزى التحويل إلى أسباب منها ما يلي:
- يفتقر العميل في حياته إلى دور خاص ويعتبر خلو حياته من هذا الدور جزءا من مشكلته، ولا تكاد تتقدم العلاقة الإرشادية حتى يضع المرشد في هذا الدور بكل الانفعالات التي ترتبط به. ومن أمثلة هذه الأدوار دور الوالد أو دور الحبيب
…
إلخ.
- يفسر أصحاب مدرسة التحليل النفسي التحويل بأن العميل يحيي انفعالاته الماضية بإزاء الأشخاص المحيطين به ويحياها مع المرشد. أي أنه من خلال عملية التحويل، يعيد العميل، تمثيل هذه الانفعالات التي حدثت في الطفولة، ويرى بعض هؤلاء أن عملية التحويل تشير إلى الخبرات الانفعالية المحبطة مع الوالدين والإخوة أو الزوج أو المحبوب أو الرؤساء أو المدرسين أو الأصدقاء أو الزملاء
…
إلخ.
وعلى الرغم من أن التحويل طارئ مهدد لعملية الإرشاد، إلا أنه يمكن للمرشد استغلاله في عملية الإرشاد مؤقتا على النحو التالي:
- تحليل سلوك العميل في موقف التحويل، وفهم الكثير عن حياته الانفعالية، وذلك بدراسة السلوك المتكرر خلال عملية التحويل كعينة سلوكية حية، وخاصة أن عملية التحويل تكون تحت الضبط.
- المساعدة في عملية التنفيس والتطهير الانفعالي لانفعالات مكبوتة عند العميل.
- التغلب على مقاومة العميل، وفي استدراج انفعالاته المكبوتة، ما يتيح فهما أوضح لديناميات الشخصية والاضطراب.
- القضاء على العصاب، وذلك لأنه يتيح للانفعالات الموجبة أو السالبة أو المختلطة فرصة الظهور والتحقق، وبذلك يمكن السيطرة عليها وضبطها وتوجيهها التوجيه السليم.
ويجب على المرشد تحليل التحويل Transference Analysis أي تحرير العميل من التحويل الانفعالي، ويتم ذلك بتفسير التحويل وبيان سببه للعميل وإيضاح أن انفعالاته هذه ليس
مصدرها الوقت الراهن ولا صلة لها بشخص المرشد، ولكنها ترجع إلى فترة سابقة، وتتعلق أصلا بأشخاص آخرين، وأنها أسقطت على شخص المرشد خلال عملية التحويل أنه فقط هو "الشخص المتاح" حاليا وليس الشخص الأصلي، ويلاحظ أن تحليل التحويل السالب أسهل نسبيا من تحليل التحويل الموجب. ويلجأ بعض المرشدين إلى الإرشاد الجماعي للمساعدة في فطام العميل انفعاليا من علاقة التحويل، ففي جلسات الإرشاد الجماعي تتوزع الانفعالات على عدد من الأشخاص المتاحين" فتصبح أقل حدة وتركيزا ويصبح تحليلها أسهل.
الإحالة Referral:
هي إحالة العميل إلى أخصائي آخر أو جهة اختصاص أخرى، لسبب أو لآخر مثل الفحص أو تقديم خدمات نفسية متخصصة غير متوافرة لدى المرشد، أو في عيادة أو مركز الإرشاد الذي يعمل به، وذلك بعد موافقة العميل.
والإحالة تعتبر أحد طوارئ عملية الإرشاد، إذا لزمت بعد أن يكون العميل قد قطع شوطا في عملية الإرشاد، حتى لو كان ذلك الشوط مجرد إعداد العميل وتجميع المعلومات والتشخيص وتحديد المشكلات فقط، ولاحظ أن قرار الإحالة قرار مهني هام ومسئولية خطيرة.
ومن أنواع الإحالة ما يلي:
- الإحالة الجزئية "أو المؤقتة": وهذه تكون لفترة محدودة من الزمن أو بقصد إجراء فحص أو بحث محدد أو الحصول على خدمة، ثم يعود العميل بعد ذلك إلى المرشد مرة أخرى.
- الإحالة الكلية: "أو الكاملة": وفيها يحال العميل كلية أو نهائيا إلى مرشد آخر أو جهة أخرى.
ومن أسباب الإحالة ما يلي:
- قد تحيل بعض المدارس أو المؤسسات حالات للإرشاد، ويتم ذلك أحيانا على أساس تشخيص قد يكون خاطئا ولا يدخل في حدود اختصاص المرشد أو عملية الإرشاد.
- قد يكون هناك نقص في بعض الخدمات في العيادة أو مركز الإرشاد.
- قد يتحتم إحالة العميل إلى أخصائي آخر بحكم القانون، حين تكون حالته تخرج عن اختصاص المرشد ونطاق عمله المصرح به قانونا، كما في الحالات التي تحتاج إلى علاج طبي مثلا.
- قد يبدأ العميل عملية الإرشاد، ثم في منتصف الطريق يجد أنه يفضل لو لم يستمر مع هذا
المرشد بسبب معلومات معينة لا يزيد أن يقولها، أو لأي سبب آخر لا يرتبط بالمرشد ولا بالعميل، وقد يلمس المرشد ذلك أو يلمح به العميل أو يذكره صراحة.
وهناك حالات تتحتم فيها الإحالة مثل:
- حالات المرض العضوي، وهذه تحال إلى الطبيب المختص.
- حالات الذهان، وهذه تحال إلى مستشفى الأمراض النفسية للعلاج الطبي النفسي.
ولقرار الإحالة شروط منها:
- يجب في أول الأمر -كما سبق أن ذكرنا- عند تقديم عملية الإرشاد النفسي لفت نظر العميل إلى أنه قد يستدعي الأمر إحالته إلى مرشد أو أخصائي آخر أو جهة اختصاص أخرى، وأن ذلك ليس تخليا عنه، ولكن الإحالة في صالحه.
- يجب أن تكون الإحالة في حالة الضرورة القصوى فقط.
- يجب إقناع العميل بضرورتها والحصول على موافقته عليها ومناقشة المعلومات التي ترسل مع خطاب الإحالة أو تنقل إلى جهة الإحالة وموافقته عليها.
- يجب متابعة الحالة بعد الإحالة للتأكد من أن العميل يذهب إلى الأخصائي الآخر أو الجهة الأخرى فعلا، وحتى لا يشعر العميل أن المرشد تخلى عنه أو نسيه.
وتتم الإحالة حين يرى المرشد ضرورتها، أو حين يطلب العميل ذلك، أو حين تحتمها الظروف كما في حالات اضطرار المرشد إلى سفر أو انتقاله من بلد إلى آخر
…
إلخ.
ومن خطوات ووسائل عملية الإحالة ما يلي:
- تحديد الأشخاص أو جهة الإحالة التي يمكن إحالة العميل إليها بادئا بالبيئة المحلية مثل المعالجين النفسيين، والأطباء وبعض العيادات المتخصصة أو المستشفيات، وعيادات توجيه الأطفال، أو مؤسسات الأحداث، أو مؤسسات رعاية الشيوخ المسنين، ويجب التأكد من كفاءة الشخص المحال إليه أو الجهة المحال إليها قبل الإحالة حتى لا يحدث إحالة أخرى، وفي هذا ما فيه من ضرر بالنسبة للعميل، فقد يفسر ذلك على أنه غير مرغوب فيه، أو أن حالته ميئوس منها.
- الاتصال الشخصي أو عن طريق اتصال تليفوني أو عن طريق خطاب إحالة، مع ذكر أسباب الإحالة والتوصيات اللازمة، حتى تتخذ الإجراءات اللازمة لاستقبال الحالة المحالة.
- تعريف العميل بعنوان المحال إليه ورقم التليفون وموعد المقابلة
…
إلخ.
مشكلات في عملية الإرشاد النفسي:
قد تعترض عملية الإرشاد بعض المشكلات، فتؤثر في سيرها أو في تحقيق أهدافها. وتتناول هذه المشكلات للفت النظر إليها للوقاية من حدوثها، ولحلها والتغلب عليها عند حدوثها فعلا.
وفيما يلي أهم المشكلات في عملية الإرشاد النفسي:
- فشل عملية الإرشاد:
في بعض الأحيان قد لا تتم عملية الإرشاد النفسي بنجاح كامل، أو قد تفشل في تحقيق أهدافها، ويرجع ذلك إلى الأسباب الآتية:
- قد يقوم بالإرشاد النفسي بعض غير المختصين، وبطريقة غير سليمة.
- قد يكون العميل غير مستعد وغير متقبل لعملية الإرشاد.
- قد ينقطع العميل عن عملية الإرشاد فلا تتم وتكون مبتورة.
- قد تكون المشكلة مزمنة ومستعصية على الحل.
- قد لا يقوم العميل بمسئوليته في التنفيذ، وقد يكون في بيئته ما يحول دون نجاح عملية الإرشاد.
- قد لا تتم عملية تقييم سليمة لعملية الإرشاد، وقد لا تتيسر المتابعة بعد تمامها.
مضاعفات الإرشاد غير الناجح:
من مضاعفات الإرشاد النفسير غير الناجح ما يلي:
- قد يفهم العميل أن غير المختصين الذين لجأ إليهم علماء فشلوا معه، ومن ثم ينصرف عن عملية الإرشاد.
- قد يزداد القلق عند العميل لعدم تقدم حالته والإخفاق في حل مشكلاته فيزداد يأسا.
- قد يلجأ العميل عن قصد إلى بعض الدجالين -من باب طرق جميع الأبواب- وهناك الكثيرون ممن يتحينون هذه الفرص.
- قد يلجأ العميل إلى إدمان الأدوية والعقاقير أو حتى المخدرات.
- قد يحدث في حالات قليلة "نكسة" وارتداد.
- قد تزداد الحالة سوءا وتتطور إلى عصاب أو حتى إلى ذهان.
- في حالات نادرة قد ييأس العميل ويكتئب، وقد يقدم على الانتحار.
مصادر الإحالة:
قد يحال العميل دفعا إلى عملية الإرشاد بدلا من أن يأتي إليها بنفسه سعيا، وفي مثل هذه الحالة فقد يتخذ موقفا سلبيا في عملية الإرشاد ولا يتجاوب ولا يتعاون، مما يسبب مشكلة من مظاهرها عدم تقدم حالته أو زيادتها سوءا في بعض الأحيان. ونحن نعلم أن الفرد يستطيع أن يقود الحصان إلى الماء ولكنه لا يستطيع أن يجبره على أن يشرب.
وتحيل المدارس بعض الحالات إلى عيادة أو مركز الإرشاد بعد تشخيص قد يكون خاطئا وبعد قطع شوط غير موفق في عملية الإرشاد لا يؤتي ثمارا، مما قد يفقد العميل الأمل في خدمات عيادة أو مركز الإرشاد لاعتقاده بأنها لن تكون إلا امتداد لخدمات المدرسة.
وتحيل الهيئات والمؤسسات أعدادا كثيرة إلى عيادات ومراكز الإرشاد، مما قد يزيد عن إمكانات هذه العيادات والمراكز، فلا تستطيع قبولها، أو إذا قبلتها لا تستطيع تقديم الخدمات الإرشادية لها كما يجب.
وتحيل المحاكم أو مؤسسات الجانحين بعض الحالات، ويكون ذلك أحيانا بهدف إجراء عملية الإرشاد، وأحيانا بهدف التثبت من الحالة النفسية للفرد الذي ارتكب مخالفة أو جريمة، وقد يربط العميل بين عملية الإرشاد وبين جهة الإحالة مثل المحكمة أو المؤسسة التي تعامله كمتهم أو كمذنب وما يلقاه أو قد يلقاه من عقاب.
وقد تطلب جهة الإحالة بعض المعلومات السرية التي أدلى بها العميل أثناء الجلسات الإرشادية، وبالطبع لا يوافق المرشد على ذلك -حسب أخلاقيات الإرشاد النفسي- مما يجعل صدر جهة الإحالة ضيقا بالإرشاد والمرشد، وقد يسبب هذا توقف عملية الإرشاد.
اتجاهات الوالدين وأولياء الأمور:
قد تكون اتجاهات الوالدين سالبة نحو عملية الإرشاد. ونحن نعلم أنه لكي تنجح العملية -وخاصة مع الأطفال- فلا بد من تعاون الوالدين مع المرشد، وفي حالة وجود مثل هذه الاتجاهات السالبة، فإن ذلك يهدد عملية الإرشاد بالفشل.
وأحيانا يعتقد الوالدان أن مشكلة الطفل ترتبط بمشكلات الأسرة، وأن اضطرابه يعتبر عرضا من أعراض اضطرابها، ولذلك ينتابهم الضيق وقد يرفضان مناقشة الموضوع من أساسه، ويمتنعان عن المساعدة في عملية الإرشاد.
وقد يعتقد بعض أولياء الأمور أن مشكلة الطفل تتعلق به وحده ولا يشاركون مشاركة فعالة في عملية الإرشاد، ويعتبرونها مسئولية المرشدين وحدهم.
وقد يلاحظ إساءة فهم عملية الإرشاد لدى الوالدين أو أولياء الأمور. فمثلا في إرشاد الأطفال يسمح المرشح للطفل في حجرة اللعب بالتعبير عن عدوانه فيكسر بعض الأشياء، ويعتبر الوالدان ذلك نقصا في ضبط سلوك الطفل وتعويده الحرية الزائدة، مما قد يؤدي إلى مزيد من العدوان في المنزل، وعادة فإن الوالدين وأولياء الأمور يسألون العميل بمجرد خروجه عما دار في جلسة الإرشاد، وهو يحكي، وقد يساء فهم ما جرى وما يحكى.
وقد لا يقتصر وجود مثل هذه الاتجاهات على الوالدين أولياء الأمور فقط، بل قد توجد لدى الأزواج، وقد تسود في المجتمع بصفة عامة، مما يجعل المرشدين والمعالجين النفسيين وكأنهم يسبحون ضد تيار اجتماعي معاكس.
بعض المفاهيم الخاطئة لدى العميل:
يعلن بعض العملاء أن الاضطراب أو المرض النفسي مرادف لما يعرفه العامة باسم "الجنون"، ويظنون أن العيادة النفسية أو مركز الإرشاد النفسي لا يذهب إليها إلا "المجانين"، ومن ثم يتحاشون الإرشاد النفسي، وإذا بدءوه فقد ينقطعون عن استئنافه خشية أن يشيع عنهم أنهم "مجانين".
ويعتقد بعض المرضى خطأ أن المرشد النفسي يتدخل في شئون حياتهم الخاصة وتفاصيل سلوكهم ودخائل أسرارهم الشخصية بدرجة كبيرة، ومن ثم يبدون مقاومة أثناء عملية الإرشاد.
ويفهم بعض المرضى خطأ أن على المرشد أن يعمل لهم كل شيء، وأن يحل لهم مشكلاتهم، وكأنه يملك قوة سحرية يسخرها في ذلك، فيلقون عليه بمشكلاتهم ليحلها، وكيف لا وهو دكتور وعالم نفسي، ويصعب عليهم أن يفهموا أن على عاتقهم هم مسئولية كبيرة في عملية الإرشاد.
من هو الخبير:
قد يحدث صراع بين المرشد والعميل عندما تتحد المسئولية المشتركة بينهما في عملية الإرشاد. فقد لا يعرف العميل حدود مسئولياته وإسهاماته الخاصة بها. فمن هو الخبير إذن؟ أهو المرشد المتخصص العالم بالنظريات والخبير في الطرق والفنيات، أم هو العميل صاحب المسألة "والذي يده في النار"، والذي عليه مسئولية التنفيذ. إن الأمر قد يصل إلى درجة تضطرب فيها العملية وخاصة عندما يكون العميل زائد الذاتية، كثير الأفكار الخاطئة أو حتى الخرافية.
القدرة العقلية للعميل:
قد يكون العميل ضعيف العقل أو غبيا أو يعاني من اضطرابات في الجهاز العصبي، وهنا تكون إمكانات مساعدته وفرص استفادته من عملية الإرشاد النفسي محدودة.
عمر العميل:
في حالة الأطفال الصغار، لا بد من تعاون أهلهم وذويهم ومربيهم في عملية الإرشاد، وإذا لم يتوافر مثل هذا التعاون، فإن درجة نجاح عملية الإرشاد تصبح مشكوكا فيها.
وفي حالة المراهقين، قد يعتقدون أن المرشدين كراشدين -شأنهم شأن غيرهم من الراشدين- لا يفهمونهم وأنهم نوع من السلطة التي يرغبون التخلص منها والاستقلال عنها.
وفي حالة بعض المسنين الذين تراكمت المشكلات لديهم عبر السنين، والذين تأصلت ورسخت عاداتهم السلوكية وأصبحت تقاوم التغير، والذين يعتبرون أنهم في أواخر حياتهم آمالهم محدودة وما عاد من العمر قدر ما مضى، تكون عملية الإرشاد وما تتضمن من تعلم ومحو تعلم وتعديل وتغيير في السلوك صعبة نسبيا، مما يقلل من أثرها.
الدواء:
يختلط مفهوم وطبيعة عملية الإرشاد النفسي والعلاج النفسي مع العلاج الطبي، فكله عند العامة علاج، والمرشد عادة يكون حاصلا على درجة الدكتوراة، فهو دكتور، ولقب دكتور عند العامة ما زال يرتبط بالطب أكثر منه بالإرشاد والعلاج النفسي، ولذلك نجد الكثيرين من العملاء يتوقعون وصفة دواء، وإذا لم يكتبها المرشد، فإنهم يسألون "أليس هناك دواء؟ " وإذا حاول المرشد إقناعهم بأن الإرشاد النفسي يختلف عن العلاج الطبي، وأن المشكلات والاضطرابات النفسية التي جاءوا بها لا تحل ولا تعالج بالدواء، شعروا بخيبة أمل، واعتقدوا أن العملية عبارة عن كلام في كلام.
عيادة ومركز الإرشاد:
قد تكون ظروف عيادة أو مركز الإرشاد النفسي غير مناسبة، كأن تكون إدارتها غير سليمة، أو أثاثها غير مناسب، أو في مكان فيه ضجيج وصخب، أو ليس بها مكان أمين لحفظ سجلات العملاء بما يضمن سريتها الكاملة.
وقد يربط بعض العملاء بين عيادة أو مركز الإرشاد وبين "مستشفى الأمراض العقلية" أو "مستشفى المجانين" ويخشون أن يراهم بعض معارفهم وهم يترددون عليها، فيعرفون أنهم "مجانين" ومن ثم لا يحبون دخولها.
المواعيد:
قد تتعارض مواعيد جلسات الإرشاد مع مواعيد عمل العميل مثلا، وقد تكون المواعيد ثابتة في يوم وساعة محددة من كل أسبوع مما يفوت انتظام نشاط العمل في كليته مثلا في هذا اليوم والساعة من كل أسبوع.
وقد يعتبر بعض العملاء أن المواعيد أقل مما يرجون أو يتوقعون أو يحتاجون، ويطيلون في كل جلسة، أو يشعرون بالضيق عندما تنتهي وخاصة إذا كانت جلسة كل أسبوع مثلا.
وقد يعتبر البعض الآخر أن المواعيد أكثر مما يتوقعون أو يحتاجون أو يستطيعون، وأنها تؤثر في سير حياتهم العملية، وهذا يجعلهم يتخلفون عن بعضها.
وقد تلعب مشكلة المواصلات دورا معطلا، وخاصة عندما تكون المسافة التي على العميل أن يقطعها طويلة ومرهقة. فقد تعوق التزام العميل بمواعيد الجلسات وتعوق انتظامها.
التكاليف:
في حالة الإرشاد أو العلاج النفسي الخاص، يتكلف تكاليف قد تمثل مشكلة كبيرة حين تكون مرهقة بالنسبة للعميل.
في حالة دفع التكاليف عادة يتوقع العميل مقابلا محسوسا ونتائج سريعة، وعملية الإرشاد تستغرق جلسات قد تطول، ويجد العميل أن مجرد الكلام لا يريحه، وقد يعتقد أنه لا يستحق ما يتكلفه من مال.
وفي حالة الإرشاد المجاني على حساب الدولة، قد ينطبق المثل "أبو بلاش كتر منه"، فلا يكون العميل حريصا على وقت المرشد، ولا يحرص على الاستفادة الكاملة من الجلسات، لأنه يستطيع أن يتردد كما يشاء ما دام ذلك لا يكلفه شيئا.
أدعياء الإرشاد والعلاج النفسي:
يمارس بعض الأطباء النفسيين العلاج النفسي وأحيانا الإرشاد النفسي بطريقة "وضع اليد"، ويهتمون بدرجة أكبر بالنواحي الطبية والعلاج الطبي والعلاج بالأدوية فحسب حسب تخصصهم، وقد لا يتمكنون من إعطاء العميل الوقت الكافي لدراسة حالته، ومن ثم لا يقومون فعلا بالعلاج أو الإرشاد النفسي بالطريقة السليمة.
وما زالت نسبة كبيرة من الجمهور في مجتمعنا -للأسف الشديد- يعتقدون أن سبب مشكلاتهم واضطراباتهم هو السحر والأعمال والجن، وهؤلاء يتلقفهم أدعياء الإرشاد والعلاج وحل المشكلات والعقد من غير المختصين بل من الدجالين، وهؤلاء يوحون إليهم أن على
أيديهم الشفاء من كل داء، وهكذا تزمن المشكلات والاضطرابات والأمراض إلى أن تستعصي على الإرشاد والعلاج، حتى على أيدي الأخصائيين.
الإرشاد والعلاج الذاتي:
قد يحاول بعض الأفراد القيام بإرشاد أو علاج أنفسهم بأنفسهم: فيقرءون كتبا بدون دراسة وهم غير مختصين، فيسيئون الفهم أو يضخمون شيئا بسيطا، وقد ينجح البعض جزئيا أو نسبيا، ولكن معظمهم يزيدون الطين بلة، وهنا نحذر هؤلاء من مثل هذه المحاولات ونوجههم إلى مزيد من المعرفة والمهارة في طريقة الإرشاد الذاتي1 "ويأتي تفصيل ذلك في الفصل السابع".
الأقارب والأصدقاء:
قد يلجأ بعض العملاء إلى عملية الإرشاد عند أقاربهم وأصدقائهم من المرشدين، ونحن نعرف أن المرشد أو المعالج لا يستطيع تناول مشكلات أقاربه وأصدقائه، كما لا يستطيع الجراح إجراء جراحة لأقاربه وأصدقائه، ونحن نعرف كذلك أن الأقارب والأصدقاء يأخذون كلام أقاربهم وأصدقائهم بطريقة ودية وبألفة ويخلطون بينه وبين الكلام الأسري والعادي. ويحتاج الأمر إلى الكلام عن أسرار شخصية جدا تتعلق بالأقارب أو بالمرشد نفسه كقريب أو صديق. وقد تتعدى العلاقة الإرشادية الحدود المهنية بحكم القرابة أو الصداقة. وهكذا يكون الإرشاد والعلاج مع الأقارب والأصدقاء بصفة عامة صعبا وأحيانا غير مجد أو غير ممكن أو ممنوعا2.
1 ينطبق على هؤلاء المثل العامي: "ييجي يكحلها يعميها".
ويقول المثل العربي: "أعط القوس باريها"
ويقول المثل العامي: "أعط العيش لخبازه".
ويقول الشاعر:
يا باري القوس بريا لست محسنها
…
لا تفسدنها وأعط القوس باريها
2 يقول المثل: "زامر الحي لا يطرب".
ويقول الشاعر:
لا ذنب لي غير أني من ديارهم
…
وزامر الحي لا تشجى مزامره
ويقول آخر:
والسيف مثل العصى إن كان مغتمدا
…
وزامر الحي لا يحظى بإطراب
وأزهد الناس في علم وصاحبه
…
أدنى الأحبة من أهل وأصحاب
مكان عملية الإرشاد:
في ختام الكلام عن عملية الإرشاد النفسي، هذه كلمة عن المكان الذي يجب أن تجري فيه، وهي عيادة أو مركز الإرشاد النفسي، أو مركز إرشاد الصحة النفسية.
عيادة أو مركز الإرشاد النفسي:
تتم عملية الإرشاد عادة في عيادة أو مركز الإرشاد النفسي، أو مركز إرشاد الصحة النفسية، وفيها يتم استقبال العميل، وإجراء فحص ودراسة وتشخيص حالته، وتتم الجلسات الإرشادية.
وتتخصص عيادات ومراكز الإرشاد النفسي، فنجد منها عيادات توجيه الأطفال والعيادات النفسية ومراكز التوجيه التربوي والمهني وغيرها "انظر تيلور Taylor؛ 1971".
ويجب أن يكون في كل من العيادة أو المركز هيئة كاملة من أعضاء فريق الإرشاد النفسي، مثل المرشد والمعالج النفسي والأخصائي الاجتماعي والطبيب النفسي وعدد من المساعدين الممرضين
…
إلخ.
ويحسن أن تضم العيادة أو المركز أخصائيين ذوي اتجاهات متنوعة في الإرشاد والعلاج، مثل الإرشاد والعلاج السلوكي والجماعي والمباشر وغير المباشر
…
إلخ.
ويجب أن تكون العيادة أو المركز مكانا هادئا يشرح الصدر ويخلو من المشتتات لأنها تستقبل أفرادا يحتاجون إلى الراحة النفسية.
وتتألف العيادة أو المركز عادة من قاعات استقبال الحالات، ومزودة ببعض المجالات والصحف، وجهاز تليفزيون، وحجرات خاصة بالاختبارات والمقاييس النفسية، وحجرات خاصة ببعض طرق الإرشاد مثل الإرشاد باللعب، وحجرات خاصة بالمرشدين والمعالجين النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين والأطباء ضمانا للخصوصية والسرية.
وعندما يأتي العميل إلى العيادة أو مركز الإرشاد النفسي يتم استقباله عادة بواسطة الأخصائيين الاجتماعيين، ويتم ملء طلب فحص الحالة، وتتم في مقابلة مبدئية إجراء بحث مبدئي، ويقدم تقرير عن الحالة إلى مدير العيادة أو المركز، حيث توزع الحالة على أحد المرشدين الذي يتولى مسئولية عملية الإرشاد بكافة إجراءاتها هو وزملاؤه من بدئها حتى إنهائها ومتابعتها.
وهناك عيادات ومراكز إرشاد حكومية تتبع عادة أقاسم الصحة النفسية وعلم النفس بالجامعات وبعضها يتبع وزارة التربية والتعليم ووزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة الدفاع، هذا إلى جانب عدد منها ملحق ببعض المستشفيات العامة، بالإضافة إلى عدد آخر من العيادات الخاصة1.
1 من العيادات التي عمل المؤلف فيها: العيادة النفسية التابعة لقسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس بالقاهرة، والعيادة النفسية التابعة للإدارة العامة للدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية بالقاهرة، والعيادة التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية بالزقازيق، ومركز التوجيه والإرشاد النفسي التابع لقسم علم النفس بكلية التربية جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ومن مراكز الإرشاد النفسي التي ساهم المؤلف في إنشائها: مركز الإرشاد النفسي بكلية التربية جامعة عين شمس، ومن بين أهدافه: تقديم الاستشارة النفسية والإرشادية لمؤسسات المجتمع المختلفة، وتخطيط وتنفيذ وتقييم برامج الإرشاد النفسي، وتقديم خدمات الإرشاد النفسي، وإجراء البحوث والدراسات الميدانية في مجال الإرشاد النفسي.
الفصل السابع: طرق الإرشاد النفسي
تعدد طرق الإرشاد النفسي
…
الفصل السابع: طرق الإرشاد النفسي METHODS OF COUNSELLING
تعدد طرق الإرشاد النفسي:
تعدد نظريات ومجالات وطرق الإرشاد:
عرفنا في الفصل الثالث أن نظريات التوجيه والإرشاد النفسي متعددة، وأن من أهمها نظرية الذات، والنظرية السلوكية، ونظرية المجال، ونظرية السمات والعوامل، ونظرية التحليل النفسي.
وترتبط بالنظريات المتعددة طرق متعددة للإرشاد، فمثلا ترتبط بنظرية الذات طريقة الإرشاد غير الموجه "أو الممركز حول الذات"، وترتبط بالنظرية السلوكية طريقة الإرشاد السلوكي.
وتتعدد طرق الإرشاد كذلك حسب ارتباطها بنظريات أخرى من نظريات الشخصية غير ما ذكرنا، فمثلا ترتبط طريقة الإرشاد باللعب بنظريات اللعب، وتتعدد الطرق كذلك، فنجد منها ما يوفق بين طريقتين مثل الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي، وكذلك الإرشاد الموجه وغير الموجه، أو أن تجمع بين عدد من الطرق وعدد من النظريات مثل طريقة الإرشاد الخياري، ومن طرق الإرشاد النفسي، ما يرتبط بأسلوب معين مثل طريقة الإرشاد الديني، ومنها ما قام على أساس بحوث علمية حديثة مثل الإرشاد المختصر، ومنها ما يرتبط بمجال معين من مجالات الإرشاد النفسي مثل طريقة الإرشاد خلال العملية التربوية.
اسكنر
أهمية دراسة طرق الإرشاد المتعددة:
يتحمس بعض المرشدين لطريقة دون أخرى ويعتبرونها طريقة الطرق، وأن ما سواها يعتبر لا شيء وفي الواقع، لا توجد طريقة عامة شاملة، أو جامعة مانعة، ومن ثم فعلى الدارس والممارس أن يعرف كل الطرق.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن العلماء يتابعون دراسة طرق الإرشاد النفسي المعروفة، ويبتكرون طرقا جديدة لا تزال تحت الدراسة، والبحث فعلى سبيل المثال درس هاريس Harris؛ "1971" أساليب ثلاثة مستقلة مشتقة من طريقة الإرشاد الجماعي أطلق عليها: تأثير الخبير، والتقليد الاجتماعي، وتأثير المعايير الاجتماعية، وقارنها بطريقة جديدة وهي الإرشاد بالمراسلة أي عن طريق الخطابات، وبدون اتصال شخصي بين المرشد والعميل، ولكنه وجد أن الأساليب الثلاثة المشتقة من طريقة الإرشاد الجماعي أجدى من الإرشاد بالمراسلة، ورغم هذه النتيجة فإن طريقة الإرشاد بالمراسلة جديرة بالمزيد من البحث والدراسة.
وفي تناولنا لطرق الإرشاد النفسي سوف نركز على عدد منها بصفة خاصة، لأسباب منها مثلا أن طريقة الإرشاد الجماعي تعتبر طريقة المستقبل، وأن طريقة الإرشاد الديني تهمنا في مجتمعنا الذي يضع الدين والسلوك الديني في وضع هام، وأن الأسلوب الديني هو الأسلوب المشترك الذي يعرفه كل الناس
…
وهكذا.
الإرشاد الفردي
INDIVIDUAL COUNSELLING:
يكاد بعض الكتاب يقصدون بالإرشاد الفردي المصطلح الإنجليزي Counselling، وأنه العملية الرئيسية في خدمات التوجيه Guidance Services، ويقابله الإرشاد الجماعي Group Counslling، وسوف نذكر أوجه الشبه والاختلاف بينهما بعد قليل:
والإرشاد الفردي هو إرشاد عميل واحد وجها لوجه في كل مرة، وتعتمد فعاليته أساسا على العلاقة الإرشادية المهنية بين المرشد والعميل، أي أنه علاقة مخططة بين الطرفين، تتم في إطار الواقع وفي ضوء الأعراض وفي حدود الشخصية ومظاهر النمو "لورانس بارمر وإيفيريت شوستروم Brammer & shostrom؛ 1977""انظر شكل 67".
والإرشاد الفردي هو أوج عملية الإرشاد، ويعتبر أهم مسئولية مباشرة في برنامج التوجيه والإرشاد، ويعتبر نقطة الارتكاز لأنشطة أخرى في كل من عملية الإرشاد وبرنامج الإرشاد.
ومن الوظائف الرئيسية للإرشاد الفردي، تبادل المعلومات وإثارة الدافعية لدى العميل وتفسير المشكلات ووضع خطط العمل المناسبة.
ويحتاج الإرشاد الفردي إلى توافر أعداد كافية من المرشدين النفسيين، بحيث يقابلون الحاجات الفردية للإرشاد.
حالات استخدام الإرشاد الفردي:
يستخدم الإرشاد الفردي مع الحالات الآتية:
- الحالات ذات المشكلات التي يغلب عليها الطابع الفردي والخاصة جدا، كما في حالات وجود محتويات ذات طبيعة خاصة في مفهوم الذات الخاص، وحالات المشكلات والانحرافات الجنسية
…
إلخ.
- الحالات التي لا يمكن تناولها بفاعلية عن طريق الإرشاد الجماعي.
إجراءات الإرشاد الفردي:
الإرشاد الفردي هو تطبيق عملي لكل ما عرفناه من إجراءات العملية الإرشادية" والتي يجب أن تكون مفهومة لدى العميل، ابتداء من المقابلة الأولى حتى إنهاء عملية الإرشاد ومتابعتها، ومن ثم فلا داعي للتكرار "راجع الفصل السادس".
الإرشاد الجماعي
GROUP COUNSELLING:
إن العميل الذي يأتي إلى الإرشاد النفسي لا يأتي من فراغ أو عزلة، ولا يعود إلى فراغ أو عزلة، إنه يأتي من جماعات ويعود إلى جماعات، ومعظم خبرات العميل تحدث في مواقف اجتماعية، ومهما كانت أهمية الفروق الفردية، فإن دراسة علم النفس الاجتماعي وسيكولوجية الفرد والجماعة تعلمنا أن كل فرد يشترك سلوكيا مع غيره في كثير من خصائص السلوك وأنماطه، فهو فريد في بعض أنماط سلوكه ومثل غيره في بعض أنماط السلوك الأخرى.
والإرشاد الجماعي هو إرشاد عدد من العملاء الذين يحسن أن تتشابه مشكلاتهم واضطراباتهم معا في جماعات صغيرة، كما يحدث في جماعة إرشادية أو في فصل.
ويعتبر الإرشاد الجماعي عملية تربوية، إذ أنه يقوم أساس على موقف تربوي، ومن ثم لفت أنظار المرشدين والمربين، ويعتبر كذلك طريقة المستقبل، ومن ثم تأتي أهميته الخاصة "كابلان Caplan؛ 1957، وين رايت Right؛ 1959، كوهن وآخرون. Cohn et al؛ 1960، ليو جولدمان Goldman؛ 1959".
الأسس النفسية والاجتماعية للإرشاد الجماعي:
يقوم الإرشاد الجماعي على أسس نفسية واجتماعية أهمها ما يلي:
- الإنسان كائن اجتماعي، لديه حاجات نفسية واجتماعية لا بد من إشباعها في إطار اجتماعي مثل الحاجة إلى الأمن، والنجاح، والاعتراف، والتقدير، والمكانة، والشعور بالانتماء، والشعور بالمسئولية، والحب والمحبة، والمسايرة، وتجنب اللوم، والانقياد، والسلطة والضبط والتوجيه
…
إلخ.
- تتحكم المعايير الاجتماعية التي تحدد الأدوار الاجتماعية في سلوك الفرد وتخضعه للضغوط الاجتماعية.
- تعتمد الحياة في العصر الحاضر على العمل في جماعات، وتتطلب ممارسة أساليب التفاعل الاجتماعي السوي واكتساب مهارات التعامل مع الجماعة.
- يعتبر تحقيق التوافق الاجتماعي هدفا هاما من أهداف الإرشاد النفسي.
- تعتبر العزلة الاجتماعية سببا من أسباب المشكلات والاضطرابات النفسية.
الجماعة الإرشادية:
تضم الجماعة الإرشادية عددا من العملاء. وهي تكون إما جماعة طبيعية قائمة فعلا مثل جماعة طلاب في فصل، أو جماعة مصطنعة يكونها المرشد بهدف الإرشاد، وتتم عملية الإرشاد مع الجماعة كوحدة، ومن ثم فلا بد أن يعرف جميع أفراد الجماعة أهدافها وأسلوب العمل الجماعي ومسئولياتهم.
ويجب أن يعتني المرشد عناية خاصة بتكوين الجماعة الإرشادية، وتنمية العلاقات والتفاعل الاجتماعي بين أعضائها، وإنهاء التفاعل الاجتماعي عند انتهاء عملية الإرشاد الجماعي.
القوى الإرشادية في الجماعة:
للجماعة قوى إرشادية هائلة يجب استغلالها، وتعريف أعضاء الجماعة الإرشادية بهذه القوى حتى يمكن الاستفادة منها. وتعبر القوى الإرشادية في الجماعة عن فائدة الجماعة الإرشادية "ميرل أولسين Ohlsen؛ 1970". وفيما يلي أهم القوى الإرشادية في الجماعة.
التفاعل الاجتماعي: للتفاعل الاجتماعي -أي الأخذ والعطاء والتأثير المتبادل بين أعضاء الجماعة الإرشادية- تأثيره الفعال، فهو يجعل الأعضاء يندمجون في النشاط الاجتماعي، ويصبح للإرسال والاستقبال الاجتماعي تأثير إرشادي ملموس بين جميع أعضاء الجماعة، فلا يعتمد الإرشاد على المرشد وحده بل يصبح العملاء أنفسهم مصدرا من مصادر الإرشاد1.
الخبرة الاجتماعية: تتيح الجماعة -كنموذج مصغر للمجتمع- فرصة لتكوين علاقات اجتماعية جديدة، واكتساب خبرات ومهارات اجتماعية تفيد في تحقيق التوافق الاجتماعي، وتعمل الجماعة على إظهار أنماط السلوك الاجتماعي العام إلى جانب السلوك الفردي الخاص، وأنماط السلوك المعياري إلى جانب أنماط السلوك الشاذ "تيلور Taylor؛ 1971".
الأمن: يؤدي انتماء العميل إلى جماعة إرشادية إلى الشعور بالتقبل، والتخلص من الشعور بالاختلاف، والاقتناع بأنه ليس وحده الشاذ وأن المشكلات النفسية تواجه الناس جميعا2. كذلك فإن سماع العميل غيره وهم يتحدثون عن مشكلاتهم، يزيد من اطمئنانه ويقلل من مقاومته للتحدث عن مشكلاته وخاصة عندما يجد أنها مشكلات مشتركة، فهو يرى من هو أسوأ منه حالا فيهدأ روعه، ومن هم أحسن منه حالا فيزداد أمله في التحسن. كذلك فإن العميل يجد في رفاقه من أعضاء الجماعة سندا انفعاليا ومجالا مناسبا للتنفيس والتفريغ والتطهير الانفعالي، وهذا كله يشعره بالأمن.
الجاذبية: للجماعة جاذبيتها الخاصة لأعضائها، وذلك بتوفيرها لأنشطة جماعية تتيح إشباع حاجات أعضائها وإشعارهم بالأمن وتحقيق الأهداف.
المسايرة: الجماعة يكون لها معاييرها التي تحدد السلوك الاجتماعي المتوقع، وتعتبر المعايير بمثابة:"نورموستات" Normostat السلوك الفردي "منظم السلوك الفردي" التي توفقه عند الحدود المقبولة اجتماعيا. ويلتزم أعضاء الجماعة بمسايرة هذه المعايير، ومن أهم المعايير في الجماعة الإرشادية الكلام عن المشكلات في تعبير حر صادق، وإتاحة الفرصة لمناقشتها بهدف الوصول إلى حلها وتغيير السلوك، هذا وتضغط الجماعة على أعضائها لمسايرة هذا المعيار وعدم مغايرته.
1 يقول الشاعر:
وقد يواسي حزين أخاه في الأقدار
…
كما يواسي غريب أخاه في الأسفار
2 يقول الشاعر:
في كل بيت محنة وبلية
…
ولعل بيتك إن شكرت أقلها
ويقول آخر:
ما جل خطب ثم قيس بغيره
…
إلا وهونه القياس وصغرا
ويقول المثل العامي: "اللي يبص لبلوة غيره هانت عليه بلوته".
ومما يبرز أهمية القوى الإرشادية للجماعة، ودراسة فيرنر Werner؛ "1972" عن مدى تأثير ونجاح عملية الإرشاد الجماعي في جماعات بدون قائد "ومن المتخلفين دراسيا"، وأظهرت دراسة عملية الإرشاد الجماعي "عن طريق شرائط التسجيل المسموعة والمرئية" فعالية القوى الإرشادية للجماعة حتى بدون قائد في نجاح عملية الإرشاد.
حالات استخدام الإرشاد الجماعي:
يستخدم الإرشاد الجماعي في عيادات ومراكز الإرشاد النفسي في الحالات الآتية:
- إرشاد جماعات الأطفال والشباب والراشدين والشيوخ والمغتربين
…
إلخ.
- توجيه الوالدين للمساعدة في إرشادهم أولادهم.
- الإرشاد الأسري.
- الإرشاد المهني في المدارس والمؤسسات.
- أصحاب الحالات ذات المشكلات العامة المشتركة مثل مشكلات التوافق الاجتماعي والمدرسي.
- حالات التمركز حول الذات والانطواء والخجل والصمت والشعور بالنقص.
- حالات التحويل الذي يطرأ في عملية الإرشاد الفردي، حيث تساعد الجماعة في فطام العميل نفسيا من علاقة التحويل ذات البعد الواحد بينه وبين المرشد فتشعبها وتحيلها إلى علاقة متعددة الأبعاد بينه وبين أعضاء الجماعة، وبذلك يسهل التخلص التدريجي من التحويل.
هذا ويجب ألا تضم الجماعة الإرشادية والأفراد الذين لديهم مشكلات متطرفة، أو المرضى النفسيين أو الجانحين "كوهن وأخرون.Cohn et al؛ 1963".
بحوث في الإرشاد الجماعي:
مما يوضح أهمية الإرشاد الجماعي أن العديد من البحوث والدراسات تدور حوله، فمثلا: وجد بريكبيل Brechbill؛ "1972" أن الإرشاد الجماعي له فعالية تتساوى مع فعالية الإرشاد الفردي في تقليل مشاعر الانطواء والاغتراب الاجتماعي والقضاء على السلوك اللاتوافقي. وهذه النتيجة لها أهميتها في صالح الإرشاد الجماعي الذي يوفر الوقت والجهد والمال.
ودرست كارول لامبيرت Lambert؛ "1971" استخدام شرائط الفيديو في جلسات الإرشاد الجماعي، وأسمت طريقتها Video- model Counselling، وأكدت أهمية أسلوب الإرشاد الجماعي باستخدام شرائط الفيديو.
ودرس ويست West؛ "1972" تأثير الإرشاد الجماعي على التوافق الشخصي والانفعالي والأسري والتغير في مفهوم الذات، وقارن أثر وجود مرشد واحد بوجود مرشد ومرشدة "بهدف تهيئة جو أسري" ووجد أن وجود مرشد واحد أنجح وأسرع "أكثر اختصارا" من وجود مرشد ومرشدة.
الإعداد للإرشاد الجماعي:
الإعداد للإرشاد الجماعي عملية هامة متعددة الجوانب، تتضمن استعداد المرشد وإعداد أعضاء الجماعة، وإعداد العيادة أو المركز للإرشاد الجماعي "مكجي McGee؛ 1969".
أما عن استعداد المرشد، فإنه يدور أساسا حول استعداده، للقيام بدوره في عملية الإرشاد الجماعي، فالمرشد مسئول عن عملية الإرشاد، وعن تهيئة الجو الإرشادي المناسب -كما سبق تحديده في الفصل السابق، ويقوم المرشد بدوره من داخل الجماعة، ويفضل البعض أن يتم الإرشاد بطريقة غير مباشرة أو غير موجهة، بينما بعض المرشدين يميلون إلى اتباع طريقة الإرشاد المباشر، والأفضل هو أن يكون لدى المرشد اتجاه خياري بالنسبة لطرق الإرشاد.
ويشارك المرشد مع زملائه أعضاء فريق الإرشاد النفسي كأعضاء في الجماعة الإرشادية، وليس كقيادة، ويقوم المرشد بدور الإثارة والضبط والتركيب والتفسير والشرح والتعليق، ويهيئ المجال للتفاعل الاجتماعي الحر بين أعضاء الجماعة، ولا يحتكر المناقشة بل يشجع الأعضاء على النشاط والمشاركة والتعليق، هذا ويجب أن يحيط المرشد علما وخبرة وعملا بسيكولوجية الفرد وديناميات الجماعة لأن الإرشاد الجماعي عملية اجتماعية.
وأما عن إعداد أعضاء الجماعة، فيلاحظ فيه ما يلي:
- يتراوح عدد أعضاء الجماعة الإرشادية عادة بين 3-15 عميلا. ويرى البعض أن العدد الأمثل هو 7-10 أفراد، إلا أن العدد قد يصل إلى 50 فردا في بعض الحالات الخاصة.
- يحسن أن تتشابه مشكلات أعضاء الجماعة، مما يكون عاملا مشتركا بينهم، ويعتبر أساس لتماسك الجماعة لوجود اهتمام وتعاطف متبادل ومشاركة انفعالية.
- يفضل أن تكون الجماعة متجانسة عقليا واجتماعيا حتى يتمكن المرشد من التعامل مع جميع أعضائها على مستوى يناسب الجميع، ويرى البعض أن من الأفضل عدم تجانس أو تشابه أعضاء الجماعة، ويفضلون أن تتضمن الجماعة أفرادا من الجنسين ومتفاوتين في المستوى الاجتماعي والاقتصادي وتختلف مشكلاتهم، وذلك حتى يتحقق التوازن في التفاعل الاجتماعي في الجماعة، ويقولون إن ذلك أقرب إلى الواقع في الحياة الاجتماعية، ويتيح
فرصة تعلم الأعضاء وتدريبهم -مشاهدين ومشاركين- على كيفية حل مشكلات أخرى -غير المشكلات الحالية- قد طرأ عليهم مستقبلا.
- يقوم المرشد بإجراء مقابلة فردية مع كل عميل، تخصص لعملية الفحص والتشخيص وإعداده قبل انضمامه إلى الجماعة، ويجب تهيئة العميل بتعريفه بفائدة الانضمام إلى الجماعة بحيث يشعر بالثقة في رفاقه أعضاء الجماعة ويشعر بالراحة، ويتحمل ضغط الجماعة الإرشادية، حتى يستفيد من الجلسات الإرشادية، ويجب تعريفه أنه يستطيع أن يترك الجماعة ويتحول إلى الإرشاد الفردي في أي وقت يشاء.
- في المدارس والمؤسسات التي يعرف العملاء فيها بعضهم بعضا، يحسن استخدام مقياس العلاقات الاجتماعية "الاختبار السوسيومتري" في تكوين الجماعة ضمانا لتماسكها.
وأما عن إعداد العيادة والمركز للإرشاد الجماعي، فمنه إعدد حجرات الإرشاد الجماعي المتسعة والأثاث المناسب والأدوات المطلوبة والأجهزة اللازمة حسب أسلوب الإرشاد الجماعي، مثل إعداد مكان كمسرح في حالة استخدام أسلوب التمثيل النفسي المسرحي
…
وهكذا.
أساليب الإرشاد الجماعي:
تتعدد أساليب الإرشاد الجماعي وذلك حسب المعايير الآتية:
- أعضاء الجماعة ومشكلاتهم النفسية من حيث مدى التشابه أو الاختلاف، ومن ناحية الجنس والسن والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، ومن حيث نوع المشكلات.
- طريقة تكوين الجماعة من حيث كونها عشوائية أو يراعى فيها بناء العلاقات الاجتماعية "السوسيومتري".
- مدى استغلال دينامية الجماعة في عملية الإرشاد من حيث ترك المجال للتأثير الحر التلقائي، أو التأثير في شكل تلقين يقوم على إعداد سابق.
- حدود الانفتاح أو الانغلاق، من حيث إشراك أشخاص آخرين في عملية الإرشاد، أو جعل الجلسات مغلقة تضم العملاء والمرشد فقط.
- نوع النظرية التي يتبعها المرشد من حيث تركيزها على دينامية الجماعة، أو على شخصيات الأفراد.
- المكان الذي تتم فيه الجلسات الإرشادية مثل العيادة أو مركز الإرشاد أو المنزل أو المدرسة أو مكان العمل أو النادي
…
إلخ.
وفيما يلي تفصيل الكلام عن أساليب الإرشاد الجماعي:
التمثيل النفسي المسرحي "السيكودراما" Psychodrama:
التمثيل النفسي المسرحي أو التمثيلية النفسية، أو المشكلات النفسية، أو الإرشاد بالتمثيليات النفسية من أشهر أساليب الإرشاد الجماعي، وهو عبارة عن تصوير تمثيلي مسرحي والتمثيليات النفسية من أشهر أساليب الإرشاد الجماعي، وهو عبارة عن تصوير تمثيلي مسرحي لمشكلات نفسية في شكل تعبير حر في موقف جماعي يتيح فرصة التنفيس الانفعالي التلقائي والاستبصار الذاتي، وقد ابتكر هذا الأسلوب يعقوب مورينو Moreno في فيينا سنة 1921، وأنشأ أول مسرح علاجي لتقديم السيكودراما سنة 1972 في الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى مورينو "1966" أن أهم ما في التمثيل النفسي المسرحي هو حرية السلوك لدى الممثلين "العملاء" وتلقائيتهم، بما يتيح التداعي الحر والتنفيس الانفعالي حين يعبرون في حرية تامة في موقف تمثيلي فعلي عن اتجاهاتهم ودوافعهم وصراعاتهم وإحباطاتهم
…
إلخ، بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق التوافق والتفاعل الاجتماعي السليم والتعلم من الخبرة الاجتماعية، ويعتبر ويلز Wells؛ "1962" التمثيل النفسي المسرحي ابتكارا من أهم الابتكارات الثورية في العلاج والإرشاد النفسي.
أما عن موضوع التمثيلية النفسية: فإن القصة عادة تدور حول خبرات مثل: خبرات العميل الماضية، وخبراته الحاضرة، والخبرات المستقبلية التي يخافها ويحتمل أن يواجهها في المستقبل القريب، ويدور موضوع القصة كذلك حول مواقف هدفها التنفيس الانفعالي، وأخرى تهدف إلى حل الصراع وتحقيق التوافق النفسي، ومواقف متخيلة غير واقعية، وأخرى تهدف إلى تشجيع فهم الذات بدرجة أفضل، وقد تشمل القصة موضوعات متنوعة مثل: الاتجاهات السالبة، والأفكار والمعتقدات الخرافية، والأحلام
…
إلخ.
أما عن تأليف موضوع أو قصة التمثيلية النفسية، فيقوم به العملاء أنفسهم مسبقا، وقد يكون التأليف تلقائيا حسب ما يقتضيه الموقف، وفي بعض الحالات قد يساعد المرشد في التأليف، أما عن الحوار "أو السيناريو" فلا يعد لقصة التمثيلية حوار، ولكن يترك ذلك لتلقائية وابتكار العملاء أثناء التمثيل.
أما عن الأدوار التي يلعبها العملاء في التمثيلية، فيمكن أن تتعدد لتغطي أدوار مثل: دور العميل كما هو في الحياة العملية فعلا، ودور المريض النفسي كما يعتقد أن الناس يرونه، ودور المرشد، ودور شخص مهم في حياة العميل كالوالد أو الولد أو الأخ أو المعلم أو التلميذ أو الرئيس أو المرءوس أو الزوج أو الفتى أو الفتاة أو الجار
…
إلخ، ودور شخص معاكس مثل قيام العميل العدواني بدور مسالم أو العميل المنطوي بدور انبساطي، أو المرءوس بدور رئيسه أو الابن بدور الأب أو الزوج بدور الزوجة "والعكس".
أما عن الإخراج، فيقوم به أحد العملاء، وقد يساعده بعض زملائه، وقد يشترك المرشد معهم بما يظهر تفاصيل الموقف ويمكن من تخطيط وتحديد كافة الأدوار التي توزع على المشتركين في التمثيل لإظهار أنماط السلوك اللاتوافقي حتى يمكن ضبطه وتقييمه وتقويمه.
والممثلون هم العملاء أنفسهم، ويكون لأحدهم دور البطل الرئيسي أو الشخصية الرئيسية، ويمثل باقي الأعضاء دور الأشخاص المهمين في حياته مثل الوالدين والإخوة والزوج والرئيس
…
وغيرهم. وقد يشترك المرشد وغيره من أعضاء فريق الإرشاد في التمثيل بغرض التوجيه والتفسير. ويجب إسناد الأدوار بحرص إلى العملاء، بحيث تكون متدرجة في العنف بما يضمن الاستمرار وعدم الانهيار وهذا يتطلب إثارة الدافع القوي لدى العملاء للقيام بتمثيل الأدوار بحيث يعرفون أن ذلك يؤدي إلى التخلص من القلق والإحباط، وحل الصراع في مواقف تشبه مواقف الحياة الواقعية ويمكنهم من تحقيق ذاتهم في موقف اجتماعي.
وفي عملية التمثيل، يحسن أن يختار كل عضو الدور الذي يرغب في تمثيله، وأهم ما يطلب من الممثلين هو الاندماج الكامل في المشاهد التمثيلية، أي ألا يمثلوا ولكن يكون سلوكهم معبرا عن أفكارهم الخاصة الحقيقية بتلقائية، وحرية كاملة، وأن تبتكر المشاهد التمثيلية ابتكارا أثناء التمثيل. ومما يلاحظ أن العملاء يسلكون سلوكا أقرب إلى الواقع منه إلى التمثيل، فهم ليسوا ممثلين محترفين.
ويكون المتفرجون غالبا من أعضاء الجماعة الإرشادية وأعضاء فريق الإرشاد.
وبعد التمثيل، يبدأ الممثلون والمتفرجون في مناقشة أحداث التمثيلية "من ناحية السلوك وليس من الناحية الفنية"، والتعليق عليها ونقدها، واستعراض ما يمكن استنتاجه من مواقف الممثلين وخبراتهم ومشكلاتهم، وما يظهر من اتجاهات وتجارب
…
إلخ.
ويقوم المرشد بتفسير ديناميات التمثيلية وإظهار الشحنات الانفعالية والصراعات الداخلية ومظاهر القلق، مما يزيد استبصار العملاء بهدف تعديل السلوك في الحياة العملية.
وتتعدد فوائد التمثيل النفسي المسرحي. فتأليف التمثيلية وإخراجها يكشف عن نواح هامة في مشكلات العملاء فات ملاحظتها، وقد تكون لازمة للحل. ويكشف التمثيل عن جوانب هامة من شخصية العميل ودوافعه وحاجاته وصراعاته ودفاعاته ومشاعره، مما يفيد في فهم ودراسة حالة وفي عملية الإرشاد، ويؤدي إلى تقمص العميل لشخصيات تتصل بمشكلته وتمثيل أدوارهم كما يخبرها في الواقع، ويؤدي إلى التنفيس الانفعالي والتحرر من التوتر النفسي والقدرة على التعبير عن النفس والاستبصار بالذات، وفهم الآخرين، وشعوره بأن الآخرين يشتركون معه بقصد المساعدة المتبادلة، ويؤدي إلى التنفيس الانفعالي والتحرر من التوتر النفسي والقدرة على التعبير عن النفس والاستبصار بالذات، وفهم الآخرين وشعوره بأن الآخرين يشتركون معه بقصد المساعدة المتبادلة، ويؤدي إلى تدريب العملاء على مواجهة مواقف عملية واقعية يخافون مواجهتها، وتحقيق الكفاية والمرونة في السلوك الاجتماعي. كذلك فإن التفسير الذي يلي التمثيلية يفيد تشخيصيا وإرشاديا.
وقد دأب الباحثون على تطوير التمثيل النفسي المسرحي، ومن ذلك تسجيل أحداث التمثيلية النفسية صوتيا على شريط أو تسجيلها صوتا وصورة على شريط فيديو، وهذا يتيح للمرشد والعملاء فرصة سماعها ومشاهدتها مرة أخرى للاستزادة والنقد الذاتي وتحديد مدى التقدم في عملية الإرشاد، كذلك يستخدم البعض مساعدات إضافية للتحكم في سلوك العملاء وإضعاف مقاومتهم أثناء التمثيل مثل استخدام بعض العقاقير بإشراف الطبيب، وفي بعض الأحيان تستخدم أشكال مساعدة في الأداء التمثيلي مثل ما يسمى "الراقص النفسي Psychodance "فاين وآخرون.Fine et al؛ 1962".
التمثيل الاجتماعي المسرحي"السوسيودراما" Sociodrama: أو التمثيل الاجتماعي المسرحي "السوسيودراما"، والتي تعالج مشكلة عامة لعدد من العملاء، أو المشكلات الاجتماعية بصفة عامة، يعتبر بمثابة توأم للتمثيل النفسي المسرحي، ويطلق عليها أحيانا اسم "لعب الأدوار" Role- Playing "هيد Head؛ 1962".
المحاضرات والمناقشات الجماعية:
المحاضرات والمناقشات الجماعية أسلوب من أساليب الإرشاد الجماعي التعليمي، حيث يغلب فيها المناخ شبه العلمي، ويلعب فيها عنصر التعليم وإعادة التعليم دورا رئيسيا، حيث يعتمد أساسا على إلقاء محاضرات سهلة على العملاء يتخللها ويليها مناقشات. وتهدف المحاضرات والمناقشات، الجماعية أساسا إلى تغيير الاتجاهات لدى العملاء.
ومن رواد استخدام أسلوب المحاضرات والمناقشات الجماعية علاجيا مكسويل جونز Jones أثناء الحرب العالمية الثانية، وكلابمان Klapman؛ "1947" الذي استخدم أسلوب المحاضرات المكتوبة التي يقرأ كل عميل منها فقرة ويلخصها ويعلق عليها ويناقشها الجميع مناقشة حرة. ومن رواد البحوث حول تأثير المحاضرات والمناقشات الجماعية في تغيير الاتجاهات كيرت ليفين Lewin؛ "1947" وكوش وفرينش Coch & French؛ "1948" وقد أدت تجاربهم إلى نتائج تدل على أن المناقشات والقرار الجماعي بين أعضاء الجماعة يؤدي إلى قرار جماعي أكثر صدقا واتزانا من تقدير ورأي فرد واحد مما يؤثر في دقة وكفاية الحكم على إدراك أعضاء الجماعة "انظر حامد زهران، 1984".
وفي مصر، استخدم صموئيل مغاريوس "1960" أسلوب المحاضرة والمناقشة الجماعية بادئا أول الأمر بالمشكلات الاجتماعية العامة ثم متدرجا إلى المشكلات الخاصة لأعضاء الجماعة، وكذلك درست صفاء الأعسر "1970" أثر المناقشة الجماعية في تخفيض مستوى القلق، ووجدت أن الفرد في الموقف العلاجي الجماعي ينشط اجتماعيا وعقليا وانفعاليا ويسهل التنفيس والتعبير عن المشكلات ويزداد الشعور بالانتماء وإدراك التشابه مع الآخرين.
ويفضل أن يكون أعضاء الجماعية الإرشادية -في حالة استخدام أسلوب المحاضرة والمناقشة الجماعية- متجانسين، بمعنى أن يكونوا جميعا يعانون من مشكلات متشابهة مثل المشكلات التربوية والاجتماعية والمهنية.
أما عن موضوعات المحاضرات والمناقشات، فقد تكون الموضوعات عن: الصحة النفسية والمرض النفسي، وأسباب وأعراض المشكلات والاضطرابات النفسية، والعلاقات المتبادلة بين الجسم والعقل، وعمل الجهاز العصبي، وتأثير الحالة الانفعالية على الجسم، والمشكلات الانفعالية، ومشكلات التوافق النفسي، والأحلام، والدين وأثره في السلوك السوي، والإرشاد الديني. وقد يكون الموضوع مناقشة "حالة افتراضية""حالة س" يطرحها المرشد،
ويراعي فيها أن تجمع بين الصفات الغالبة لأعضاء الجماعة الإرشادية أو مناقشة حالة أحد أعضاء الجماعة -بعد استئذانه- دون ذكر اسمه، أو مناقشة رأي، أو اتجاه أو سلوك متطرف لأحد أعضاء الجماعة، أو مناقشة بعض الأفكار الشائعة في "الفولكلور النفسي" أو مناقشة الأفكار الخرافية والمعتقدات الخاطئة التي قد تلاحظ عند بعض أعضاء الجماعة.
أما المحاضرون، فأهمهم عادة المرشد، وهو يعتمد على تأثيره الشخصي على العملاء، وتتضمن محاضرته الكثير من التوجيهات ويلقي بعض المحاضرون مدعوون لهذا الغرض من تخصصات مختلفة مثل الأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والموجهين التربويين وبعض المسئولين في عالم المهنة وبعض علماء الدين
…
إلخ، ويمكن أن يقوم بإلقاء بعض المحاضرات -أو المشاركة فيها- بعض أعضاء الجماعة أنفسهم، مع أقل تدخل من جانب المرشد. ويدعى بعض العملاء الذين تلقوا خدمات الإرشاد من قبل واستفادوا منه لإلقاء محاضرات على العملاء الحاليين تتناول خبراتهم أثناء عملية الإرشاد وخلال تقدمهم نحو حل مشكلاتهم.
وفي المحاضرات، تستخدم الوسائل المعينة الممكنة مثل الأفلام والكتيبات "مثل كيف تذاكر دروسك، كيف تنجح في الامتحان، عالم الوظائف والمهن
…
إلخ، وغير ذلك مما يساعد في الإيضاح.
هذا وتتم أحيانا المزاوجة بين المحاضرات والمناقشات الجماعية وبين الترفيه والسمر والنشاط الفني وغير ذلك من أوجه النشاط التلقائي الحر، حتى لا تأخذ العملية شكلا أكاديميا أكثر من اللازم.
وتكون المناقشة إما بعد المحاضرة أو أثناءها، ويقوم المرشد عادة بإدارة المناقشة، والمناقشة مهمة جدا لأن العميل الذي يستمع إلى المحاضرة هو أدرى من المحاضر بما يحتاج إليه من معلومات يريد معرفتها أو مناقشتها.
وهكذا تؤدي المحاضرات والمناقشات الجماعية إلى نتائج هامة في تغيير اتجاهات العملاء نحو أنفسهم ونحو الآخرين ونحو مشكلاتهم.
ويلاحظ أن أسلوب المحاضرات والمناقشات الجماعية يستخدم بنجاح وعلى نطاق واسع في الإرشاد الوقائي وخاصة في المدارس والمؤسسات.
النادي الإرشادي:
النادي الإرشادي "الخاص" أسلوب من أساليب الإرشاد الجماعي القائم على النشاط العملي والترويحي والترفيهي بصفة عامة، أي أن النشاط العملي يحل محل الكلام.
ويستخدم أسلوب النادي الإرشادي بصفة خاصة مع العملاء الذين يخلطون بين العيادة
النفسية أو مركز الإرشاد النفسي وبين مستشفى الأمراض النفسية، ولا يحبون التردد عليها، فوقع كلمة "عيادة" غير مريح عند هؤلاء وينفع هذا الأسلوب كذلك مع بعض العملاء، الذين يحتاجون إلى تكوين علاقات شخصية بناءة مع أقرانهم، وإلى خبرات جماعية، ومع الذين يحتاجون إلى تكوين علاقات شخصية بناءة مع أقرانهم، وإلى خبرات جماعية، ومع الذين يعانون من الرفض والحرمان والإحباط في الأسرة أو في المدرسة أو في المجتمع بصفة عامة.
ومن الرواد في هذا الأسلوب سلافسون Slavson؛ "1943، 1947".
وتسير الجلسات الإرشادية في النادي في جو اجتماعي نفسي مناسب، وتبدأ عادة بنشاط رياضي مثل ألعاب الكرة أو ألعاب السمر، أو نشاط فني مثل الموسيقى والغناء، أو مشاهدة فيلم أو تمثيلية، وتعد غرف خاصة للأنشطة الترويحية المختلفة المتنوعة وممارسة الهوايات بما يناسب العملاء المنطوين والمنبسطين والعدوانيين
…
إلخ. وفي نهاية الجلسات يجتمع الجميع لتناول الطعام والشراب معا ويتناقشون فيما يرون من موضوعات.
أما عن دور المرشد، فيكون في معظم الأحيان محايدا، ويكون ما يريده العملاء أن يكون، فقد يشاركهم لعبهم وطعامهم ومناقشتهم
…
إلخ، ويتناول ما قد يظهر خلال النشاط الاجتماعي من سلوك منحرف بالتعديل والتصحيح.
وهناك ميزات ينفرد بها أسلوب النادي الإرشادي، ففيه يسلك العميل على سجيته كما يسلك عادة في حياته اليومية، مما يتيح لقطات ذات قيمة من سلوكه الاجتماعي، تفيد في التنفيس الانفعالي كما في الملاكمة أو المصارعة في حالة الرغبة في تفريغ النزعات العدوانية، وتنمو من خلال النشاط في النادي الاهتمامات ويتحسن التوافق الاجتماعي، وتنمو الصداقات الاجتماعية داخل وخارج الجماعة، ويتضاءل الخجل والانطواء والانسحاب. وهذا كله يؤدي إلى تقليل وتخفيف السلوك العدواني والتخريبي والهدام في إطار الجماعة، ويؤدي إلى اختفاء التوتر والمخاوف وزيادة الثقة بالنفس والآخرين.
جماعة المواجهة Encounter Group:
ابتكر كارل روجرز Rogers؛ "1970" أسلوب "جماعة المواجهة" في الإرشاد والعلاج النفسي الجماعي، حيث تتاح فرصة "مواجهة أساسية" في إطار "خبرة جماعية مكثفة" Intensive Group Experience "معظم الوقت" تستمر فترة تتراوح من يومين إلى ثلاثة "كعطلة نهاية الأسبوع مثلا"، لمدة أسبوعين أو ثلاثة، ويستغرق إجمالي الجلسات الإرشادية من 20-60 ساعة.
وهذا الأسلوب يمكن استخدامه في مراكز الإرشاد أو العيادات النفسية أو المدارس أو النوادي أو في أماكن قضاء العطلات.
وتضم جماعة المواجهة من 5-10 أفراد، لديهم مشكلات متشابهة "مثل المشكلات الزواجية". "ريتشارد ديمبسي Dempesy؛ 1980".
ويكون التركيز على الحاضر "هنا والآن" Here and Now.
ويقوم المرشد بدور "الميسر" Facilitator" للتفاعل الجماعي، وتنشيط دينامية الجماعة في مناخ آمن نفسيا.
وتلخص إجلال سري "1990" مراحل وإجراءات الخبرة المكثفة في جماعات المواجهة فيما يلي:
- التجمع: حيث يوضح المرشد "الميسر" في البداية الهدف الإرشادي، ويؤكد على الحرية الكاملة، والمسئولية الشخصية والجماعية عن السرية، وقد تبدأ الجماعة في التفاعل المتنوع غير المحدد.
- المقاومة: حيث يقاوم الأفراد في أول مراحل التفاعل الإفصاح عن محتوى مفهوم الذات الخاص.
- وصف المشاعر السابقة: حيث يبدأ التعبير عن بعض المشاعر السابقة "هناك وآنذاك"، مع بعض الحذر، وعدم كشف الذات تماما في الوقت الحاضر.
- التعبير عن المشاعر المباشرة: حيث قد يعبر البعض عن مشاعر موجبة أو سالبة تجاه بعض أعضاء الجماعة أو نحو المرشد، ويتم ذلك في إطار الحرية التي تتمتع بها الجماعة.
- التعبير عن الخبرات الشخصية: حيث يبدأ الكشف عن الذات وعن الخبرات الشخصية بالتدريج، وبعمق أكثر.
- نمو طاقة إرشادية في الجماعة: حيث تنمو تلقائيا من خلال التفاعل مع خبرات الآخرين، في إطار إرشادي ميسر.
- خلع الأقنعة "المكاشفة": حيث تزداد المواجهة عمقا، وتخلع الأقنعة التي يختبئ وراءها الأعضاء بالتدريج أو بطريقة فجائية ودرامية، ويكشف عن محتويات "مفهوم الذات الخاص" ويعتبر هذا بمثابة "عرى نفسي" أو كشف عن "العورة النفسية"1.
من أساليب التنشيط هنا: الكرسي الساخن "كرسي الاعتراف" ولعب الأدوار، والعين في العين، والطلقات السالبة.
- تلقي التغذية المرتدة: حيث يتلقى كل فرد ردود أفعال الآخرين، وتبدو الجماعة بمثابة مرآة جماعية لكل عضو فيها.
- التحدي "وجها لوجه": حيث يواجه الأفراد أنفسهم، وبعضهم بعضا، أخذا وعطاء، وإيجابا وسلبا.
- علاقة المساعدة الجماعية: حيث تنمو علاقة مساعدة متبادلة بين الأعضاء، داخل وخارج الجلسات الجماعية.
- المواجهة الأساسية: حيث يزداد التفاعل عمقا، وتزداد العلاقات قربا، وتصبح في شكل "أنا وأنت"، وتصبح الجماعة بمثابة "كتف يبكي عليه الأعضاء".
- التعبير عن المشاعر الموجبة: حيث يزداد التعبير عن التقبل والمودة نحو الزملاء ونحو الخبرة الجماعية.
- التغيرات السلوكية الموجبة: وتظهر في شكل اتجاهات موجبة، ومشاعر عميقة، ومودة ظاهرة، وثقة متبادلة، وتلقائية، وانفتاح أكثر، واحترام متبادل، وفهم مستنير.
مزايا الإرشاد الجماعي:
تحتل طريقة الإرشاد الجماعي مركزا ممتازا بين طرق الإرشاد النفسي، وذلك لتوافر ميزات عديدة أهمها ما يلي:
- الاقتصاد في نفقات الإرشاد، وتوفير الوقت والجهد، وخفض عدد المرشدين.
- يعتبر أنسب طرق الإرشاد في البلاد النامية التي تعاني من نقص شديد في عدد المرشدين.
- يعتبر أنسب الطرق لإرشاد العملاء الذين لا يتجاوبون ولا يتعاونون في الإرشاد الفردي.
- يعتبر أنسب الطرق الإرشادية لتناول المشكلات التي تحل بفعالية أكثر في المواقف الاجتماعية مثل مشكلات سوء التوافق الاجتماعي.
- يتيح خبرات عملية وأوجه نشاط متنوعة مفيدة في الحياة اليومية، ويتيح فرصة نمو العلاقات الاجتماعية في مواقف أثرى اجتماعيا من الموقف الفردي، وأقرب إلى مواقف الحياة الواقعية العملية، حيث توجد علاقات متعددة متنوعة، ويتيح فرصة خبرة العميل، ويرد فعل الآخرين لسلوكه السوي وغير السوي على حد سواء، أي أن الجماعة تمكن أفرادها من إجراء "بروفة" للسلوك الاجتماعي المتعلم خلال عملية الإرشاد قبل تطبيقه عمليا في المجتمع.
- يستغل تأثير الجماعة وخبرة التفاعل في تعديل اتجاهات وسلوك أعضائها، فيقلل من السلوك العدواني والمخاوف، ويفتح الطريق أمام نمو واكتساب معايير سلوكية ومهارات وقيم وأنماط سلوكية سوية جديدة.
- يستفيد من ديناميات الجماعة في توفير السند الانفعالي المطلوب في الإرشاد النفسي عن طريق العلاقات الاجتماعية، ويتيح فرصة التنفيس الانفعالي.
- يقلل من حدة تمركز العميل حول ذاته، ويوفر الفرصة لتحقيق الذات وإحراز المكانة والتقدير، مما ينمي الثقة في النفس وفي الآخرين يقوي عاطفة اعتبار الذات واحترام الذات والشعور بالقيمة، ويكفل تصحيح وتعديل مفهوم العميل عن ذات وعن الآخرين وعن العالم الخارجي عموما في اتجاه تقدير الذات والتحقق من قدراته، مما يزيد تقبله للآخرين وتقبل الآخرين له.
- يجمع بين خبرات العميل الشخصية وبين واقع اجتماعي مجسد، ويمكن من نقل خبرات التعلم التي تحدث أثناء العملية الإرشادية بطريقة أسهل إلى موقف الحياة اليومية لأنها أقرب إليها.
- يطمئن العميل إلى أنه ليس الوحيد الذي يعاني من مشكلات نفسية، وأن هناك كثيرين غيره، فيقل شعوره بالانزعاج واليأس، ويشجع العملاء "وخاصة في المدارس" على الإقدام على الإرشاد.
- يتيح فرصة الاستفادة من أخطاء الغير والاتعاظ بها حين يسمع قصصهم وتواريخ حياتهم منهم1.
- يشعر العميل بأنه يعطي ولا يأخذ فقط.
عيوب الإرشاد الجماعي:
على الرغم من مزايا الإرشاد الجماعي، فإن له بعض العيوب التي يجب العمل على التغلب عليها، وأهم عيوبه ما يلي:
- صعوبة عملية الإرشاد الجماعي من الناحية الفنية إذا قورن بالإرشاد الفردي، فهو يحتاج إلى خبرة وتدريب خاص قد لا يتوافر لدى كثير من المرشدين.
- عدم التمكن من إحداث تغييرات جوهرية في البناء الأساسي لشخصية العميل.
- شعور بعض العملاء بالحرج والخجل حين يكشفون عن أنفسهم ويتحدثون عن مشكلاتهم
1 روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: "السعيد من وعظ بغيره، والشقي من انخدع بهواه وغروره".
أمام الآخرين غير المرشد، وقد يعتقدون أن في الإرشاد الجماعي ما قد يهدد مكانتهم الاجتماعية، وهذا يجعلهم يحجمون عن الكشف الكامل عن ذواتهم.
- عدم استفادة البعض بالدرجة المطلوبة في خضم الاهتمام بالجماعة، وقد تتضاءل مشكلات الأفراد الخاصة بالمقارنة بالاهتمام بالمشكلات العامة، وفي نفس الوقت قد تضيع مشكلة فرد واحد وقت الجماعة.
- احتمال ظهور بعض المضاعفات حيث قد يتعلم بعض العملاء أنماطا سلوكية غير سوية لم يكونوا يعرفونها من قبل.
بين الإرشاد الفردي والجماعي:
يعتبر الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي وجهين لعملة واحدة، كل يكمل الآخر، ولا غنى عن أي منهما في أي برنامج متكامل للتوجيه والإرشاد النفسي. فقد يبدأ الإشارد الفردي قبل الإرشاد الجماعي ويمهد له، وقد يبدأ الإرشاد الجماعي كذلك قبل الإرشاد الفردي ويمهد له، وقد يتخلل جلسات الإرشاد الفردي جلسات جماعية، وقد يتخلل الإرشاد الجماعي جلسات فردية "مارجريت بينيت Bennett؛ 1963".
وقد نشطت الدراسات والبحوث حول مقارنة فعالية الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي ومن أمثلتها دراسة سميث Smith؛ "1972" الذي وجد فيها أن تأثير الإرشاد الجماعي أقوى في مجال الإرشاد المهني ومشكلات النمو والتوافق المهني، بينما من المعروف أن تأثير الإرشاد الفردي أقوى في مجال الإرشاد العلاجي للمشكلات الشخصية.
أوجه الشبه بين الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي:
تتمثل أوجه الشبه بين الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي في أوجه الاتفاق بين كل منهما والتي تتلخص فيما يلي:
- وحدة الأهداف العامة، فكل منهما يهدف إلى مساعدة وتوجيه العميل ليفهم ويساعد ويوجه ذاته.
- وحدة الإجراءات الأساسية في عملية الإرشاد كما سبق تناولها في الفصل السادس.
- كلاهما يتعامل مع الأشخاص العاديين وأقرب المرضى إلى الصحة وأقرب المنحرفين إلى السواء.
- كلاهما عرضة لحدوث طوارئ عملية الإرشاد.