الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإرشاد النفسي الديني:
ذكرنا عند الكلام عن الأسس العامة للتوجيه والإرشاد النفسي أن الدين ركن أساسي "راجع الفصل الثاني".
ونحن نعلم أن من أهم أهداف التربية والصحة النفسية في مجتمعنا العربي الإسلامي تنمية الإنسان العربي المسلم الصالح، والإنسان الحر صاحب الإرادة والعقيدة والإيمان، والفرد الذي يعيش في سلامة وسلام.
والتربية بمعناها الواسع تشمل التربية الدينية، والنمو بمعناه الشامل يتضمن النمو الديني والأخلاقي، والصحة النفسية بمعناها الكامل تشمل السعادة في الدنيا والدين.
والهدف الأسمى للإرشاد مهما كانت طريقته، هو تحقيق الصحة النفسية والتوافق النفسي.
ويأتي الإرشاد النفسي الديني كطريقة أجمع المرشدون على اختلاف أديانهم سواء كانوا يهودا أو مسيحيين أو مسلمين، على أنه إرشاد يقوم على أسس ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية روحية أخلاقية، مقابل الإرشاد الدنيوي، الذي يقصد به بقية طرق الإرشاد النفسي التي تقوم على أسس ومفاهيم ومبادئ وأساليب وضعها البشر.
وهناك فرق كبير بين الإرشاد النفسي الديني وبين الوعظ الديني، فالوعظ الديني فيه تعليم وتوجيه غالبا من جانب واحد، وهو مثل ما نسمع في المساجد وفي البرامج الدينية في الإذاعة والتليفزيون مثلا، ويهدف الوعظ الديني إلى تحصيل معلومات دينية منظمة، أما الإرشاد النفسي الديني فهو يتم بتكوين حالة نفسية متكاملة نجد فيها السلوك متمشيا ومتكاملا مع المعتقدات الدينية، مما يؤدي إلى توافق الشخصية والسعادة والصحة النفسية، والمرشد النفسي يستطيع أن يقوم بالإرشاد النفسي الديني، ولكنه لا يستطيع أن يقوم به وحده "نوردبيرج Nordberg؛ 1970".
وهناك من الدراسات والبحوث العربية حول أهمية الدين ودوره في الإرشاد والعلاج النفسي ما يضيق المجال عن تفصيله، فمثلا يؤكد المؤلف "حامد زهران، 1985" على أهمية دور الإرشاد النفسي المنبثق من الشريعة الإسلامية في معالجة مشكلات الشباب العربي المعاصر. ويقدم سيد صبحي "1987" نموذجا للإرشاد النفسي الإسلامي، ويضيف حامد زهران وإجلال سري "1990" دراسة عن الرعاية النفسية للأولاد في هدي القرآن الكريم. وتوجد دراسات وبحوث يقوم بها علماء يعتنقون أديانا أخرى حول نفس الموضوع، فمثلا درس تيفان Stephan؛ "1971" دور علماء الدين كمرشدين، ووجد أن عددا كبيرا منهم يقوم فعلا بدور إرشادي وخاصة في الإرشاد الزواجي وأنهم ينجحون في ذلك، ووجد أن أصعب أدوار الإرشاد عندهم هو ما يتعلق بحالات الإدمان، واضطرابات الشخصية، ووجد أن علماء الدين يفضلون الإرشاد الفردي والتعاطف والمساندة واتباع طريقة الإرشاد غير المباشر، وعبر معظمهم عن حاجتهم الماسة إلى مزيد من التدريب في الإرشاد النفسي، ولاحظ ستيفان أن الوعظ يغلب على عملية الإرشاد كما قرروا، وأنهم لا يتبعون الأساليب الحديثة في عملية الإرشاد.
وهنا نؤكد ضرورة "رقابة" الدين، حيث يجب أن تستعرض كل النظريات والطرق والأفكار المستوردة من الخارج بحيث تجاز كما هي إذا كانت خالية من التعارض أو الضرر، أو تعدل إذا كان بها بعض الاختلاف، أو تمنع إذا كانت من الممنوعات، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} .
أسس الإرشاد النفسي الديني:
أما عن أسس الإرشاد النفسي الديني فإنه يقوم على أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، والله يعلم من خلق. قال الله تعالى:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . وقال
تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} والله يعرف كيف يصير الإنسان سويا، ووضع لذلك القوانين السماوية والله يعرف أسباب فساد الإنسان وانحرف سلوكه. وهو الذي يعرف طرق وقايته، وصيانته، وهو بقدرته وحكمته حدد الحاجات النفسية للإنسان، ودبر لها الإشباع عن طريق الحلال، وهو الذي يعرف طرق علاجه وصلاحه، وفيما نرى أن المرشدين يجب أن يستفيدوا من الدين في الإرشاد النفسي، وأن يلتزموا بقوانين الخالق، لأنهم ليسوا أعلم بالإنسان من الله الذي خلقه1. وفي عقيدتنا الإسلامية، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} . خاتم الأديان وجامعها، ولذلك فنحن نسترشد بالقرآن الكريم لأنه خاتم الكتب السماوية، ونسترشد بالحديث النبوي الشريف لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين2. وقال الله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} وقال الله تعالى عن القرآن الكريم: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي".
1 يقول الشاعر أحمد شوقي:
الدين لله من شاء الإله هدى
…
لكل نفس هوى في الدين داعيها
الكتب والرسل والأديان قاطبة
…
خزائن الحكمة الكبرى لواعيها
محبة الله أصل في مراشدها
…
وخشية الله أس في مبانيها
وكل خير يلقى في أوامرها
…
وكل شر يوقى في نواهيها
ويقول أيضا:
فهناك طب الروح طب
…
العالمين من الضلالة
2 يقول الشاعر أحمد شوقي:
خذ بالكتاب وبالحديث وسيرة السلف الثقات
…
وارجع إلى السسن الخليقة واتبع نظم الحياة
ويقول شاعر آخر:
ليس كالدين مصلحا لقلوب
…
أفسدتها طبائع الأزمان
ليس كالدين منقذا لنفوس
…
حطمتها نوازع الشيطان
أسباب الاضطراب النفسي في رأي الدين:
من الأسباب الرئيسية للاضطراب والأمراض النفسية من وجهة نظر الدين ما يلي:
الذنوب: الذنب هو مخالفة القوانين الإلهية واتباع هوى النفس الأمارة بالسوء، وتعتبر الذنوب والخطايا واقتراف الآثام وارتكاب المعاصي للقلب كالسموم إن لم تهكله أضعفته، وهي لا تصدر إلا عن قلب ضعيف الإيمان فعلا.1 قال الله تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْأِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} .
الضلال: إن الضلال عن سبيل الله والكفر والإلحاد والبعد عن الدين، ومعصية الله ورسوله، وعدم ممارسة العبادات، وتشويش المفاهيم الدينية، يؤدي إلى اضطراب السلوك، قال الله تعالى:{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} ومن الضلال اتباع الشيطان الذي يضل أولياءه ويزين لهم أعمالهم مما يؤدي إلى انحراف السلوك، قال الله تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} ومن الضلال الإعراض عن ذكر الله مما يؤدي إلى الشقاء، قال الله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} . ومن الضلال الغفلة. قال الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وقال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ومن الضلال ارتكاب ما حرم الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق المحارم تكن أعبد الناس".
الصراع: أخطر الصراعات لدى الإنسان هو الصراع بين قوى الخير وقوى الشر فيه، وبين الحلال والحرام، وبين الجانب الملائكي والجانب الحيواني في الإنسان، أي أن الصراع قد ينشأ بين
1 يقول الشاعر:
رأيت الذنوب تميت القلوب
…
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
…
وخير لنفسك عصيانها
النفس اللوامة وبين النفس الأمارة بالسوء، فيتأثر بذلك اطمئنان النفس المطمئنة ويحيلها إلى نفس مضطربة، ونحن نعرف أن الصراع إذا استحكم صرع الإنسان وأدى إلى القلق الذي يؤرقه ويخيفه، والصراع بين الخير والشر عند الإنسان دائم ومستمر، وهو كالصراع بين جيشين مع كل منهما سلاحه فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ضعيفا والفرد شهوانيا، والحظ قليلا من التوكل والتوحيد، انتصر الشر على الخير، وحين ينتصر الشر على الخير تتسلط الوساوس "شمس الدين بن قيم الجوزية 1957"، وكم يقابل الفرد من صراعات نتيجة للفرق بين القيم المتعلمة والقيم الفعلية والفرق بين المثل التي يتبناها الفرد وبين الواقع الفعلي "حامد زهران، 1967، 1977أ".
ضعف الضمير: يقول البعض إن الأمراض النفسية ومظاهر سوء التوافق النفسي هي أمراض الضمير، أو هي حلية هروبية من تأنيب الضمير، ويضاف إلى ضعف الضمير الضعف الأخلاقي والانحراف السلوكي الذي يترتب على ذلك "مصطفى فهمي، 1970".
أسباب أخرى: هناك أسباب أخرى كثيرة منها الأنانية وإيثار الحياة الدنيا والتكالب عليها، واتباع الغرائز والشهوات، والتبرج والإغراء، والغيرة والحقد وحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، والشك والارتياب.
أعراض الاضطراب النفسي في رأي الدين:
تعتبر أعراض الاضطراب النفسي في رأي الدين استجابة غير سوية لضمير الفرد بسبب ما تعرض له من إهمال، أو نتيجة لقيامه بسلوك يتضمن نوعا من التحدي السافر لتعاليم الدين، ومن الأعراض الرئيسية للاضطراب النفسي من وجهة نظر الدين ما يلي:
الانحراف: ويشمل الانحرافات السلوكية وعلى رأسها الانحرافات الجنسية، ويشمل أيضا الانحرافات الاجتماعية المختلفة مثل الكذب، والسرقة والعدوان والتمرد والإدمان، وغير ذلك من أشكال السلوك المنحرف.
الشعور بالإثم: ويكون الشعور بالإثم والخطيئة والذنب نتيجة لما ارتكبه الفرد من أعمال وسوس إليه بها الشيطان وكان يود ألا يرتكبها، ويعتبر عنصرا أساسيا في تكوين العصاب، وهذا مما يثقل كاهل الإنسان ويجعله يتوقع العقاب، ونحن نعرف أن محور العصاب هو الخطيئة والشعور بالإثم مما يهدد الذات ويسبب حالة عدم الاتزان النفسي وسوء التوافق الاجتماعي، وقال الله تعالى:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ} .
الخوف: ونقصد الخوف المرضي الدائم المتكرر الذي لا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه، والذي يمتلك سلوك الإنسان المخطئ ويحكمه ويصاحبه سلوك عصابي قهري.
القلق: هو آفة عصرنا الذي أصبح يطلق عليه "عصر القلق" وهو خوف غامض غير محدد مصحوب بالتوتر والضيق والتهيب وتوقع الخطر، وعدم الاستقرار العام، مما يعوق الفرد عن الإنتاج، ويجعل سلوكه مضطربا.
الاكتئاب: وهو حالة يشعر فيها الفرد بالكآبة والكدر والغم والحزن الشديد وانكسار النفس والتشاؤم دون سبب مناسب أو لسبب تافه، فيفقده لذة الحياة، ويرى أنها خالية من الأمن والسلام، لا معنى لها ولا هدف له فيها، فتثبط عزيمته ويفقده اهتمامه بعلمه وشئونه، وقد يكره الحياة.
الإرشاد النفسي الديني والوقائي:
يوجه المرشدون اهتماما كبيرا إلى الوقاية الدينية من الاضطراب النفسي، أو ما يطلق عليه "التحصين النفسي الديني". ولأغراض الوقاية وتحقيق التوافق والصحة النفسية يجب الاهتمام ببناء ونمو شخصية المسلم كما حددها الدين "مصطفى عبد الواحد، 1970".
وفيما يلي أهم معالم الوقاية من الاضطراب النفسي من وجهة نظر الدين:
الإيمان "التربية الدينية": لقد أجمعت الأديان السماوية على أن السعادة النفسية هي ثمرة مؤكدة للإيمان1. ويتضمن الإيمان والتربية الدينية ما يلي:
- الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر واليوم الآخر: هذا هو عماد الحياة الروحية ومنبع طمأنينة النفس ومصدر سعادتها، بشرط أن تظهر آثار هذا الإيمان في سلوك الإنسان وعمله الصالح، وهو طريق الهداية ويبعد الإنسان عن اقتراف المعاصي التي تشعره بالإثم، ويبعده عن اليأس والجزع، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ
1 يقول الشاعر:
أراح نفسي إيماني بخالقها
…
ثم الرضا بقضاء الله والقدر
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} .
- حب الله وحب رسوله: حب الله هو الإيمان الحق الذي تبدو آثاره في سلوك الإنسان، ومن أحب الله وأحب رسوله وجد حلاوة الإيمان قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". ومن أحب الله أحبه الله وأحبته الملائكة وأهل السماء وأهل الأرض، والله يحب من عباده ذوي السلوك السوي ويزيدهم هدى إلى الطريق المستقيم، ففي القرآن الكريم ما يوضح أن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب المتقين، ولا يحب الخائنين، ولا يحب المعتدين، ولا يحب من كان مختالا فخورًا.
- تقوى الله: تتضمن تقوى الله أن يتقي الإنسان ما يضره أو يضر غيره وما يغضب ربه، مما يجعله في وقاية من عذاب الله وسخطه في الدنيا والآخرة، وأن يقف عند حدود الله وأن يطيع أوامره التي فيها الخير، وأن يجتنب نواهيه عما يضر1. قال الله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} والتقوى تنير البصيرة وتجعل الإنسان قادرا على التفريق بين الحق والباطل، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} ومن ثمرات التقوى الأمن النفسي والتوفيق والتأييد والنصر في الدنيا والثواب والرحمة في الآخرة قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} والتقوى تفرج الأزمات وتحل المشكلات، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} .
1 يقول الشاعر:
وكل زاد عرضة النفاد
…
إلا التقى والبر والرشاد
- خشية الله: خشية الله والخوف منه تؤدي إلى طاعته والبعد عن الشر والشهوات وتربي الضمير وتؤدي بالإنسان إلى السلوك السليم. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} وقال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} .
- الشكر لله: هذا يعني حمد الله والاعتراف بفضله وإحسانه والثناء عليه، وظهور آثار نعم الله على لسان الإنسان ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهادة محبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. والشكر يتضمن كل خير يصلح به سلوك الإنسان. والشكر واجب على الإنسان نحو ربه مصدر كل النعم، وفيه منفعة تعود على الشاكر حيث يظهر نفسه ويقربها من الله ويوجهها الوجهة الصالحة في إنفاق النعم في وجوهها المشروعة، قال الله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال تعالى {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} .
التدين "السلوك الديني": قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ومن المؤكد أن الإنسان المتدين حقا الذي يترجم الإيمان إلى سلوك ديني يرضاه الله، لا يعاني قط من الاضطراب النفسي، والإيمان والتدين عقيدة خاصة وعمل مخلص، والسلوك يجب أن يكون وفقا لذلك، والسلوك الذي يخرج على الدين، والذي يأخذ شكل العبادة الآلية، والذي يحاكي السلوك المستورد دون تنقية، قد يؤدي إلى نكسة سلوكية وسلوك منحرف يؤدي إلى تشويه الشخصية الفردية والاجتماعية "محمد كامل النحاس، 1964".
ويتضمن التدين والسلوك الديني ما يلي:
- عبادة الله: إن عبادة الله هي سبيل السعادة والطمأنينة النفسية، وهي تحرر الإنسان من الطغيان. وقد خلق الله الخلق ليعبدوه، قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . ولقد أرسل الله الرسل لدعوة الناس إلى عبادته وحده. قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} . وعبادة الله تتضمن إقامة دعائم الدين وهي الصلاة والصوم وإيتاء الزكاة والحج، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .
- الإخلاص لله: هذا يتضمن أن يكون سلوك الإنسان سويا خالصا غايته رضى الله قياما بالواجب في سائر العبادات وكافة الأعمال، مسبوقا بالنية الحسنة قاصدا وجه الله، ومخالفا أهواء النفس مما يعود بالخير على الفرد والجماعة، قال الله تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
- المسئولية: يأتي على رأسها مسئولية الاختيار. فالإنسان بنعمة العقل مخير. قال الله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وقال تعالى: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} وقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها على طالب العلم رضى بما يصنع".
- العزة والقوة: في الشعور بالعزة والقوة كسب كبير لشخصية المسلم، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".
الأخلاق "السلوك الأخلاقي" الدين هو أساس بقاء ودوام القيم الأخلاقية التي تعتبر إطارا مرجعيا لسلوك الفرد وأسلوب حياته، وبيان ما ينبغي أن يكون عليه التفاعل الاجتماعي السليم، والأخلاق هو الدعامة الأولى لحفظ كيان المجتمع1.
ولقد جاءت رسالات الأنبياء والرسل كلها تحث على الأخلاق الفاضلة، ومن أصول التربية الإسلامية تربية الأخلاق المستمدة من الدين، التي تنظم السلوك وتنمي في الشخصية ضميرا حيا يحاسب الفرد إن هو أخطأ أو انحرف عن الطريق المستقيم.
ولقد وصف الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم كما أحسنت خَلقي فأحسن خُلقي". وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا". وسأل الصحابة السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن"، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:"نعم الحسب الخلق الحسن".
والأخلاق الفاضلة كما يدعو إليها الدين تقوم على أسس ودعائم أهمها ما يلي:
- الاستقامة: أي الاستقامة على طريق الهدى. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد غيرك، قال:"قل آمنت بالله ثم استقم".
- إصلاح النفس: هذا يؤدي إلى إصلاحها، قال الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
- تزكية النفس: أي الطهر من الدنس والسمو عن النقائص، وترفع النفس ورارتفاع قدرها، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} وقال تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} .
1 يقول الشاعر أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
…
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول:
على الأخلاق خطوا الملك وابنوا
…
فليس وراءها للعز ركن
ويقول:
كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم
…
ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب
ويقول:
ومن طلب الخلق من كنزه
…
فإن العقيدة كنز عتيد
- معارضة هو النفس: وخاصة النفس الأمارة بالسوء. قال الله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، وقال تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
- ضبط النفس: ويتضمن ذلك الحلم والتحكم في انفعال الغضب وكظم الغيظ، قال الله تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
- الصدق: وهو يؤدي إلى الثقة والتعاون الاجتماعي، ومن أنوع الصدق صدق الوعد. قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} .
- الأمانة: وهي فضيلة اجتماعية، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
- التواضع: وهو فضيلة هامة: ومن تواضع لله رفعه، قال الله تعالى:{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور} .
- معاشرة الأخيار: وهذه تؤدي إلى الخير والنعمة، قال الله تعالى:{اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} وقال بعض الحكماء: "نبئني من تصاحب أنبؤك من أنت".
- الكلام الحسن: هو مصدر النجاح الاجتماعي وتعبيره عن الذكاء الاجتماعي، ومصدر لمحبة الناس وكثرة الأصدقاء، قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} .
- احترام الغير: هذا يؤدي إلى وحدة الجماعة وتماسكها ونشر المودة فيها. قال الله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} .
- الإصلاح بين الناس: هو صفة أخلاقية فاضلة تصدر عن إنسان نبيل يحب الخير قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} .
- حسن الظن: وهو أفضل من سوء الظن. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} .
- التعاون: أي التعاون على الخير للنهوض بالحياة الاجتماعية مما يؤدي إلى سعادة الفرد ورفاهية الجماعة. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
- الاعتدال: ويتضمن القناعة والحد من الإسراف في الشهوات من طعام وجنس وغير ذلك من متع مادية. قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} .
- الإيثار: وهو صفة كريمة تتحلى بها النفوس الكبيرة الخالية من الأثر الساعية لخير الإنسانية وخدمة المجتمع، قال الله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
- العفو: ويتضمن التسامح والرحمة، والعفو حين يصدر عن نفس كبيرة وعقل راجح يطيب النفوس ويؤدي إلى الصداقة، قال الله تعالى:{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الله تعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
- العفة: يحث الدين على العفة ويشجع على الزواج وينهى عن الزنا. قال الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} .
- الإحسان: أي السلوك الحسن، ومن صفات المحسن حسن عبادة الله، واتباع هدى رسوله، والجهاد في سبيله والتصدق، والصبر، ورعاية ذوي القربى واليتامى والمساكين والجيران والأصدقاء. قال الله تعالى:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} . وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} . وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وقال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .
- السلام: هو تحية الإسلام: والسلام والتحية والاستئذان من أفضل الآداب الاجتماعية والأخلاق العالية، قال الله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} .
- الضمير: والضمير الحي هو الوازع النفسي القوي الذي يرشد الإنسان للسلوك السوي ويبصره بعواقب السلوك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
معالم طريقة الإرشاد النفسي الديني:
الإرشاد النفسي الديني طريقة توجيه وإرشاد وعلاج وتربية وتعليم، وتقوم على معرفة الفرد لنفسه ولربه ولدينه والقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية "انظر عبد المنان بار، 1993".
وهدف الإرشاد النفسي الديني تحرير الشخص المضطرب من مشاعر الإثم والخطيئة التي تهدد طمأنينته وأمنه النفسي، ومساعدته على تقبل ذاته وتحقيق وإشباع الحاجة إلى الأمن والسلام النفسي.
ويحتاج الإرشاد النفسي الديني إلى المرشد المؤمن ذي البصيرة القادرة على الإقناع والإيحاء والمشاركة الانفعالية، الذي يتبع تعاليم دينه ويحترم الأديان السماوية الأخرى1.
ويمكن أن يمارس الإرشاد الديني كل من المرشد النفسي والمربي وعلماء الدين، حبذا لو كان ذلك في شكل فريق متكامل.
إن الإرشاد النفسي الديني عملية يشترك فيها المرشد والعميل، والمرشد يتناول مع العميل موضوع الاعتراف والتوبة والاستبصار، ويشتركان معا في عملية تعلم واكتساب
1 قول الشاعر الأسمر:
رجال الدين أقدر من سواهم
…
على جلب السعادة بعد يأس
أطباء النفوس همو فمن لي
…
بشيخ أو بحبر أو بقس
اتجاهات وقيم. والعميل يلجأ إلى الله بالدعاء مبتغيا رحمته، ومستغفرا إياه ذاكرا صابرا على كل حال، متوكلا على الله مفوضا أمره إليه.
وفيما يلي أهم معالم طريقة الإرشاد النفسي الديني:
الاعتراف: نظرية الاعتراف بالذنب وظلم النفس أمام الله نظرية قرآنية، وضرب القرآن الكريم مثلا من الاعتراف بالذنب بما صدر عن آدم وحواء عليهما السلام عند مخالفتهما أمر الله، إذ قالا كما جاء في قوله تعالى:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وذكر في قصة سيدنا يونس عليه السلام، قال الله تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} والاعتراف يتضمن شكوى النفس من النفس طلبا للخلاص وللغفران، إن الاعتراف فيه إفضاء الإنسان بما في نفسه إلى الله. وهو يزيل مشاعر الخطيئة والإثم ويخفف من عذاب الضمير، ويطهر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها1، ويظهر مفهوم الذات الخاص حيث يكشف الفرد عن "عورته النفسية" بقصد الإرشاد. ولذلك يجب على المرشد مساعدة العميل على الاعتراف بخطاياه وتفريغ ما بنفسه من انفعالات ومشاعر الإثم المهددة، ويتقبل المرشد ذلك في حياد، ويتبع الاعتراف التكفير عن الأثم والرجوع إلى الفضيلة.
التوبة: هي طريق المغفرة، وأمل المخطئ الذي ظلم نفسه وانحرف سلوكه وحطمته الذنوب وهو في حالة جهالة، أي اندفاع وطغيان شهوة، وصحا ضميره2، قال الله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} والتوبة
1 يقول المثل العامي: "من قر بذنبه غفر الله له".
2 يقول الشاعر:
يا نفس توبي قبل أن
…
لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنوبك
…
الرحمن غفار الذنوب
وقال آخر:
وأنا إذا أخطأت يا ربي فعفوك منتظر
…
لست الملاك ولا النبي وما أنا إلا بشر
وقال ثالث:
وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه
…
محا الذنب كل المحو من جاء تائبا
تحرر المذنب من آثامه وخطاياه وتشعره بالتفاؤل والراحة النفسية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". والتوبة تؤكد الذات وتجعل الفرد يتقبل ذاته من جديد بعد أن كان يحتقرها. ونحن نعرف أن "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} والتوبة كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي "في إحياء علوم الدين" لها أركان ثلاثة: علم وحال وفعل، فالعلم هو معرفة ضرر الذنب المخالف لأمر الله، والحال هو الشعور بالذنب، والفعل هو ترك الذنوب والنزع نحو فعل الخير، والتوبة لا بد أن يتبعها تغير السلوك المنحرف إلى سلوك سوي صالح. قال الله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ومن شروط التوبة العزم على عدم العودة إلى المعاصي والذنوب، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وفي الحديث القدسي قال الله عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله أفرح بتوبة عبده، من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول".
الاستبصار: هو الوصول بالفرد إلى فهم أسباب شقائه النفسي ومشكلاته النفسية والدوافع التي أدت إلى ارتكاب الخطيئة والذنوب وفهم العميل نفسه وطبيعته الإنسانية ومواجهتها، وفهم ما بنفسه من خير ومن شر، وتقبل المفاهيم الجديدة، والمثل العليا، ويتضمن هذا نمو الذات التي تحكم السلوك السوي للإنسان في ضوء بعدين رئيسيين: البعد الرأسي الذي يحدد علاقة الإنسان بربه، والبعد الأفقي الذي يحدد العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، قال الله تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} وقال تعالى: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} .
التعلم: ويتضمن تغير السلوك نتيجة خبرة التوجيه والإرشاد واكتساب مهارات وقيم واتجاهات جديدة، ومن خلال ذلك يتم تقبل الآخرين، والقدرة على ترويض النفس وعلى ضبط الذات وتحمل المسؤليات، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على التضحية وخدمة الآخرين، واتخاذ أهداف واقعية مشروعة في الحياة مثل القدرة على الصمود وعلى العمل والإنتاج، وهكذا يتم تكوين وتنمية النفس اللوامة أو الضمير أو الأنا
الأعلى كسلطة داخلية أو رقيب نفسي على السلوك، ويتم تطهير النفس وإبعادها عن الرغبات المحرمة اللاأخلاقية واللااجتماعية، ويستقيم سلوك الفرد بعد أن يتبع السيئات الحسنات فتمحوها، وتطمئن النفس المطمئنة، قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} .
الدعاء: هو سؤال الله القريب المجيب والاستعانة به والتضرع إليه والالتجاء إليه في كشف الضر عند الشدائد1. قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} وقال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". وفي الدعاء سمو روحي يقوي الفرد بالإيمان، وهو علاج أكيد للنفس التي أشرفت على الهلاك حين يطلب الإنسان العون من القوي القادر فيشعر بالطمأنينة والسكينة ويزول عنه الخوف ويتخلص مما هو فيه من الهم والتوتر والضيق والقلق، قال الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ويجب أن يستمر الدعاء في السراء والضراء. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دعوة ذي النون، إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له".
ابتغاء رحمة الله: وفي ذلك قوة روحية تؤدي إلى التفاؤل والأمل وتخلص من الآلام والمتاعب، وبالإيمان والأمل يعالج الفرد ما يعتريه من مشكلات متذرعا بالحكمة والصبر مترقبا رحمة الله وانفراج الأزمة، قال الله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} وقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .
الاستغفار: إن الإنسان -غير المعصوم من الخطأ- إذا أخطأ وشعر أنه ظلم نفسه وصحا ضميره، لا يقنط من رحمة الله بل يذكره ويستغفره2، واثقا في قوله تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ
1 يقول الشاعر:
من يسأل الناس يحرموه
…
وسائل الله لا يخيب
2 يقول الشاعر:
أتوب إلى الله من زلتي
…
وأستغفر الله من فعلتي
غَفُورًا رَحِيمًا} . وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} وقال الله عز وجل في حديث قدسي: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم"، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ذكر الله: ذكر الله غذاء روحي يبث الطمأنينة والهدوء والسعادة في الإنسان ويبعد الهم والقلق ويبعد الأفكار الوسواسية والسلوك القهري، ويبعد الشيطان الرجيم1، قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} .
الصبر: الصبر مفتاح الفرج، والصبر تفويض الأمر إلى الله فضيلة خلقية ونفحة روحية يعتصم بها الإنسان فيهدأ ويسكن قلبه ويطمئن، والصبر يبعد الشيطان ويرضي الرب ويسر الصديق ويسوء العدو، والصبر عون نفسي هائل يقي الإنسان من الانهيار أمام الشدائد والبلايا والمصائب، ومن الصبر المثابرة على العبادة، ومنه الشجاعة على المكاره، ومنه كتمان الأسرار، ومنه تحمل أذى الناس، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقال تعالى: {بَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال بعض الحكماء: "العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعل الجاهل بعد أيام"2.
1 يقول الشاعر:
يا رب ذكراك ملء قلبي
…
في كل آن وملء نفسي
فيالها من نعيم أمن
…
ويالها من نعيم أنس
2 يقول الشاعر:
ومن يستعن بالصبر نال مراده
…
ولو بعد حين إنه خير مسعد
ويقول آخر:
إني رأيت وفي الأيام تجربة
…
للصبر عاقبة محمودة الأثر