الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُسْقِطِينَ، لَمْ يَلْزَمْ بُطْلَانُ دَلِيلِنَا، وَلَا الْعَمَلُ بِالْآيَةِ. فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
[الواجب المخير]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، هَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ أَمْ لَا. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: نَعَمْ. وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا مَعْنَى لِلْإِيجَابِ مَعَ التَّخْيِيرِ ; فَإِنَّهُمَا مُتَنَاقِضَانِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْهَا وَاجِبٌ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ.
ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَقْرِيرِ الْمَذَاهِبِ شَرَعَ فِي الِاحْتِجَاجِ، فَبَدَأَ بِإِثْبَاتِ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ. وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مِنْ جُمْلَتِهَا لَا بِعَيْنِهِ.
لَنَا أَنْ نَقْطَعَ بِجَوَازِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَقْلًا، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ سَمْعًا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ تَبْنِيَ هَذَا الْحَائِطَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَيْهُمَا فَعَلْتَ اكْتَفَيْتُ بِهِ.
وَإِنْ تَرَكْتَ الْجَمِيعَ عَاقَبْتُكَ، وَلَسْتُ آمِرًا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، بَلْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ. فَهَذَا الْكَلَامُ مَعْقُولٌ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلْعِقَابِ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْجَمِيعُ مَأْمُورٌ بِهِ ; فَإِنَّهُ صَرَّحَ
ص - لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا وُجُوبُ تَزْوِيجِ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ وَإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ. فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ الْجَمِيعَ - لَوَجَبَ تَزْوِيجُ الْجَمِيعِ، وَلَوْ كَانَ مُعَيِّنًا لِخُصُوصِ أَحَدِهِمَا - امْتَنَعَ التَّخْيِيرُ.
ص: الْمُعْتَزِلَةُ: غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ، وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَيَّنٌ مِنْ حَيْثُ [إِنَّهُ] وَاجِبٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَيَنْتَفِي الْخُصُوصُ، [فَصَحَّ] إِطْلَاقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ.
ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا، مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ، مُبْهَمًا - لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا. فَإِنْ تَعَدَّدَا - لَزِمَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ. وَإِنِ اتَّحَدَا - لَزِمَ اجْتِمَاعُ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ.
وَأُجِيبَ بِلُزُومِهِ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْخَاطِبَيْنِ.
وَالْحُقُّ أَنِ الَّذِي وَجَبَ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ، وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. وَالتَّعَدُّدُ يَأْبَى كَوْنَ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَاحِدًا. كَمَا لَوْ حَرَّمَ وَاحِدًا وَأَوْجَبَ وَاحِدًا.
ص - قَالُوا: يَعُمُّ وَيَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، كَالْكِفَايَةِ. قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ ثَمَّةَ عَلَى تَأْثِيمِ الْجَمِيعِ، وَهَهُنَا بِتَرْكِ وَاحِدٍ.
وَأَيْضًا: فَتَأْثِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِنَقِيضِهِ. وَلَا وَاحِدَ بِعَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّخْيِيرِ. فَلَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَأْمُورُ بِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهِ، دَلَّ عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ. وَأَيْضًا: وُجُوبُ تَزْوِيجِ الْبِكْرِ الطَّالِبَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَحَدِ الْكُفُوَيْنِ الْخَاطِبَيْنِ.
وَوُجُوبُ إِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِ أَرِقَّائِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْجَمِيعِ، لَوَجَبَ تَزْوِيجُ الْخَاطِبَيْنِ، وَإِعْتَاقَ جَمِيعِ الرِّقَابِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
وَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ تَزْوِيجَ وَاحِدٍ [بِخُصُوصِهِ] ، أَيْ عَلَى التَّعْيِينِ، وَكَذَا إِعْتَاقُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، لَامْتَنَعَ التَّخْيِيرُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ضَرُورَةَ تَحْقِيقِ التَّخْيِيرِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِوُجُوبِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لَكَانَ مُوجِبًا لِنَقِيضِهِ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يُنَافِي التَّعْيِينَ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يُجَوِّزُ تَرْكَ الْمُعَيَّنِ وَالتَّعْيِينُ لَا يُجَوِّزُهُ. وَكُلُّ مَا كَانَ مُوجِبًا لِنَقِيضِهِ كَانَ مُمْتَنِعًا.
ش - قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ، وَكُلُّ مَجْهُولٍ لَا يُكَلَّفُ بِهِ ; لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الشُّعُورُ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ.
وَأَيْضًا: غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ وَاقِعٌ، فَهُوَ مُشَخَّصٌ، وَكُلُّ مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٌ، وَكُلُّ مَا يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ [مُعَيَّنٌ] مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
حَيْثُ إِنَّهُ وَاجِبٌ [وَهُوَ] مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ، فَيَنْتَفِي [خُصُوصُهُ] أَيْ تَعَيُّنُهُ الشَّخْصِيُّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ، لَا بِعَيْنِهِ فَصَحَّ إِطْلَاقُ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ انْتِفَاءِ [خُصُوصِهِ] الشَّخْصِيِّ، وَإِطْلَاقِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاجِبًا. فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَيَصِحُّ وُقُوعُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاحِدٌ، لَا بِعَيْنِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ مُبْهَمًا، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ; فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ [فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ [وَاحِدًا، يَكُونُ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا.
وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ التَّالِي يَلْزَمُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا التَّخْيِيرَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ، وَإِمَّا اجْتِمَاعَ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي.
أَمَّا لُزُومُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ; فَلِأَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاحِدَ الْمُخَيَّرَ فِيهِ، أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ كَانَ الثَّانِي، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْوَاحِدِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ غَيْرَ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ.
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ [جَازَ] أَنْ يَخْتَارَ الْمُكَلَّفُ غَيْرَ الْوَاجِبِ، وَغَيْرُ الْوَاجِبِ يَجُوزُ تَرْكُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ [لَا يَأْتِي] الْمُكَلَّفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ; فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ يُنَافِي التَّخْيِيرَ، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ بِاعْتِنَاقِ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِ أَرِقَّائِهِ.
وَفِي صُورَةِ تَزْوِيجِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الطَّالِبَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ الْكُفُوَيْنِ. فَإِنَّ الْوَاجِبَ إِعْتَاقُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ، وَتَزْوِيجُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ.
وَكُلُّ مَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ صُورَةِ النِّزَاعِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَنْعُ إِلْزَامِيًّا لَمْ يَقْتَنِعْ بِهِ وَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ.
فَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ لَيْسَا بِوَاحِدٍ ; فَإِنَّ الَّذِي وَجَبَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. وَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ غَيْرُ مُخَيَّرٍ فِيهِ. وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُعَيَّنٌ ; لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ فِيهِ هُوَ [كُلُّ] وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ.
هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: " لِعَدَمِ التَّعْيِينِ " مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " الَّذِي وَجَبَ ".
وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ " فَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى [تَعَدُّدٍ] وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الَّذِي وَجَبَ مُتَعَيِّنٌ مِنْ حَيْثُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
هُوَ وَاحِدٌ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ. وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَدِّدٌ.
قَوْلُهُ: " وَالتَّعَدُّدُ " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ لَا يَتَّحِدَانِ.
وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّخْيِيرَ يَتَعَدَّدَانِ. وَتُعَدُّدُ الْمُتَعَلِّقِينَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقَانِ، أَيِ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ وَاحِدًا. كَمَا لَوْ حَرَّمَ الشَّارِعُ وَاحِدًا، وَأَوْجَبَ آخَرَ. فَإِنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَاهُمَا - أَيِ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ - وَاحِدًا. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ وَالْوَاجِبُ، التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بَلِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ عَنْهُمْ. وَالْجَامِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْوُجُوبِ مَعَ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَوُرُودُ النَّصِّ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْوُجُوبِ لِلْجَمِيعِ وَسُقُوطَهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ، يَأْثَمُ الْجَمِيعُ بِتَرْكِهِ. وَهَهُنَا إِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ. فَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَقُلْ بِإِيجَابِ الْجَمِيعِ فِي الْمُخَيَّرِ.
الثَّانِي: أَنَّ تَأْثِيمَ مُكَلَّفٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عِقَابُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَلَمْ يَكُنِ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. بِخِلَافِ تَأْثِيمِ الْمُكَلَّفِ عَلَى تَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ ; فَإِنَّهُ مَعْقُولٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُكَلَّفُ عَلَى أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ.
قِيلَ عَلَى الثَّانِي: إِنَّ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
بِخِلَافِ التَّأْثِيمِ عَلَى تَرْكِ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ.
ص - قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْوَاجِبَ. قُلْنَا: يَعْلَمُهُ حَسْبَمَا أَوْجَبَهُ. وَإِذَا أَوْجَبَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
ص - قَالُوا: عَلِمَ مَا يَفْعَلُ فَكَانَ الْوَاجِبَ. قُلْنَا: فَكَانَ الْوَاجِبَ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْهَا لَا لِخُصُوصِهِ ; لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْخَلْقَ فِيهِ سَوَاءٌ.
ص - الْمُوَسَّعُ. الْجُمْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَنَحْوِهِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ.
الْقَاضِي: الْوَاجِبُ: الْفِعْلُ أَوِ الْعَزْمُ، وَيَتَعَيَّنُ آخِرًا. وَقِيلَ وَقْتُهُ أَوَّلُهُ. فَإِنْ أَخَّرَهُ - فَقَضَاءٌ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ إِذَا كَانَ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ أَحَدِهَا عَلَى التَّعْيِينِ. أَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ أَحَدِهَا لَا بِعَيْنِهِ، [لَمْ يَلْزَمْ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ] .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْثِيمَ الْمُكَلَّفِ هَهُنَا بِتَرْكِ وَاحِدٍ ; فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ [لَمْ يَأْثَمْ] بَلِ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ ; فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ، أَثِمَ بِهِ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَعْلَمَهُ الْآمِرُ، وَكُلُّ مَا يَعْلَمُهُ الْآمِرُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
بَيَانُ الصُّغْرَى أَنَّ الْآمِرَ طَالِبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، أَعْنِي الْوَاجِبَ. وَمِنَ الْمُحَالِ طَلَبُ الْمَجْهُولِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بَيَانُ الْكُبْرَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مُتَمَيَّزٌ عَنْ غَيْرِهِ. وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَمَيَّزٌ عَنْ غَيْرِهِ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْكُبْرَى. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ الْآمِرُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآمِرَ يَعْلَمُ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ. وَإِذَا أَوْجَبَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ أَنْ يُعْلَمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. وَكَوْنُ الْمَعْلُومِ مُتَعَيِّنًا بِاعْتِبَارِ تَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْفِعْلِ لَا يُنَافِي عَدَمَ تَعَيُّنِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا بِحَسَبِ النَّوْعِ، غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ بِحَسَبِ الشَّخْصِ.
ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ.