الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ش - الْقَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، قَالُوا: إِنَّ الْإِبَاحَةَ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ ; لِأَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ثَابِتٌ، وَزِيَادَةُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْإِبَاحَةِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا لَمْ يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ. أَمَّا إِذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، يَثْبُتُ النَّدْبُ ; لِأَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ دَلِيلُ رُجْحَانِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُقْصَدُ بِهِ قُرْبَةٌ.
[إِذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَادِرًا]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ تَقْرِيرَ الرَّسُولِ، عليه السلام وَهُوَ مَا فُعِلَ فِي حَضْرَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ - هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، إِذَا عَلِمَ الرَّسُولُ عليه السلام بِفِعْلٍ صَدَرَ عَنِ الْمُكَلَّفِ وَلَمْ يُنْكِرِ الرَّسُولُ عليه السلام ذَلِكَ الْفِعْلَ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْكَارِهِ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا بَيَّنَ الرَّسُولُ عليه السلام تَحْرِيمَهُ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ نُسَخُهُ، كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ، فَلَا أَثَرَ لِسُكُوتِ الرَّسُولِ عليه السلام اتِّفَاقًا. أَيْ عَدَمُ إِنْكَارِ الرَّسُولِ عليه السلام ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ، نُظِرَ.
فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، دَلَّ عَدَمُ إِنْكَارِهِ عليه السلام عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، يَكُونُ عَدَمُ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
وَالِاسْتِبْشَارَ بِمَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ عَلَى أَصْلِهِ ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحَقِّ لَا تَمْنَعُ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُنْكَرًا. وَإِلْزَامُ الْخَصْمِ حَصَلَ بِالْقِيَافَةِ فَلَا يَصْلُحُ مَانِعًا.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْفِعْلَانِ لَا يَتَعَارَضَانِ، كَصَوْمٍ وَأَكْلٍ ; لِجَوَازِ الْأَمْرِ فِي وَقْتٍ، وَالْإِبَاحَةِ فِي آخَرَ. إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى [تَكْرِيرِ] وُجُوبِ الْأَوَّلِ لَهُ [أَوْ] لِأُمَّتِهِ، فَيَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا.
ص - فَإِنْ كَانَ مَعَهُ قَوْلٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرٍ وَلَا تَأَسٍّ بِهِ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ وَتَأَخَّرَ - فَلَا تَعَارُضَ.
فَإِنْ تَقَدَّمَ - الْفِعْلَ نَاسِخٌ قَبْلَ التَّمَكُّنِ عِنْدَنَا. فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِنَا - فَلَا تَعَارُضَ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَنَا وَلَهُ - فَتَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوِ الْقَوْلُ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ ظَاهِرًا فِيهِ، فَالْفِعْلُ تَخْصِيصٌ كَمَا سَيَأْتِي.
ص - فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَكَرُّرٍ وَتَأَسٍّ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي الْأُمَّةِ. وَفِي حَقِّهِ، الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ.
فَإِنَّ جُهِلَ - فَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: الْوَقْفُ ; لِلتَّحَكُّمِ.
فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِنَا - فَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِ. وَفِي الْأُمَّةِ، الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ.
فَإِنْ جُهِلَ - فَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ ; لِأَنَّهُ أَقْوَى ; لِوَضْعِهِ لِذَلِكَ، وَلِخُصُوصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْسُوسِ، وَلِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلِإِبْطَالِ الْقَوْلِ بِهِ جُمْلَةً. وَالْجَمْعُ، وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى.
قَالُوا: الْفِعْلُ أَقْوَى ; لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْقَوْلُ، مِثْلَ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا عَنِّي " وَكَخُطُوطِ الْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا. قُلْنَا: الْقَوْلُ أَكْثَرُ.
وَإِنْ سُلِّمَ التَّسَاوِي - فَيَرْجِعُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْوَقْفُ ضَعِيفٌ لِلتَّعَبُّدِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَدَمُ إِنْكَارِهِ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُهُ، وَعَلَى النَّسْخِ فِيمَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ، لَزِمَ أَنْ يَرْتَكِبَ الرَّسُولُ عليه السلام فِعْلًا مُحَرَّمًا ; لِأَنَّ تَرْكَ إِنْكَارِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ، يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الرَّسُولِ، عليه السلام. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَرَامِ لَا يَجُوزُ صُدُورُهُ عَنِ النَّبِيِّ.
فَإِنِ اسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ عليه السلام بِذَلِكَ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، كَانَ اسْتِبْشَارُهُ عليه السلام بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْضَحَ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَلِهَذَا تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي جَوَازِ إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ بِاسْتِبْشَارِ النَّبِيِّ عليه السلام، - وَتَرْكِ إِنْكَارِهِ لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ حَيْثُ نَظَرَ الْمُدْلِجِيُّ إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَهُمَا تَحْتَ قَطِيفَةٍ، وَقَدْ ظَهَرَتْ لِلْمُدْلِجِيِّ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ.
فَذَكَرَ قِصَّتَهُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام، فَاسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ عليه السلام بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. فَلَوْلَا أَنَّ الْقِيَافَةَ حَقَّةٌ، يَجُوزُ إِثْبَاتُ النِّسَبِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِهَا، لَمَا اسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ عليه السلام بِقَوْلِهِ، وَلَأَنْكَرَهُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ تَرْكَ إِنْكَارِ الرَّسُولِ عليه السلام لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُدْلِجِيِّ مُوَافِقٌ لِلْحَقِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْعِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ، لَا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْقِيَافَةِ.
وَاسْتِبْشَارُ الرَّسُولِ عليه السلام بِقَوْلِهِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إِلْزَامِ الْخَصْمِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَعَرَّضُوا لِنَسَبِ أُسَامَةَ، فَطَعَنُوا فِيهِ، وَلَمْ يَعْتَقِدُوا ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِظَاهِرِ الشَّرْعِ، وَكَانُوا [يَعْتَقِدُونَ] بِالْقِيَافَةِ فِي إِثْبَاتِ النِّسَبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْقِيَافَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ طَرِيقًا صَالِحًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، لَمْ يَجُزْ لِلنَّبِيِّ عليه السلام تَرْكُ إِنْكَارِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِلْحَقِّ، لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحَقِّ لَا تَمْنَعُ الْإِنْكَارَ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُنْكَرًا ; لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ يُوهِمُ حَقِّيَّةَ الطَّرِيقِ. وَإِلْزَامُ الْخَصْمِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالْقِيَافَةِ الْمُتَقَرِّرَةِ عِنْدَهُ.
وَإِنْكَارُ الرَّسُولِ عليه السلام الْقِيَافَةَ لَا يَرْفَعُ إِلْزَامَ الْخَصْمِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إِلْزَامُ الْخَصْمِ بِالْأَصْلِ الَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْزِمُ مُنْكِرًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ.
وَحِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ الْإِلْزَامُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْإِنْكَارِ. فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا لَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَسْتَبْشِرْهُ بِهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِبْشَارَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِلْزَامِ وَيُوهِمُ حَقِّيَّةَ الْقِيَافَةِ.