الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَكَذَلِكَ الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْبَعَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ، لَمْ تُنْقَلْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا ; فَإِنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ، ضَعُفَ دَوَاعِي نَقْلِ الْمُعْجِزَاتِ الْأُخَرِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ صِدْقُ رِسَالَتِهِ، قَدْ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ، فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِالْقُرْآنِ عَنِ اسْتِمْرَارِ نَقْلِ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ مُتَوَاتِرًا.
وَأَمَّا الْفُرُوعُ الَّتِي هِيَ إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ، وَتَرْكُ الْبَسْمَلَةِ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا.
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تُوَفُّرَ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، فَإِنَّمَا لَمْ تُنْقَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا لِكَوْنِهِ مُسْتَمِرًّا فِي الْأَنَامِ أَوْ فِي الْأَعْوَامِ، فَاسْتُغْنِيَ بِاسْتِمْرَارِهَا عَنْ نَقْلِهَا مُتَوَاتِرًا. أَوْ كَانَ الْأَمْرَانِ، أَيْ إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتُهَا، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ وَقِرَانُهُ، وَالْبَسْمَلَةُ وَتَرْكُهَا، شَائِعِينَ، فَنَقَلَ كُلٌّ بَعْضَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَتَوَاتَرْ لِذَلِكَ.
[التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]
ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّعَبُّدَ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عَقْلًا، أَيْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَقْلًا أَنْ يَقُولَ الرَّسُولُ: إِذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِحَدِيثٍ [عَنِّي] وَظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ فَاعْمَلُوا بِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَخَالَفَهُمُ الْجِبَائِيُّ. لَنَا: أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُرُودَ الشَّرْعِ بِالتَّعَبُّدِ بِهِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا، فَيَكُونُ جَائِزًا عَقْلًا ; إِذْ لَا يُعْنَى بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ إِلَّا ذَلِكَ.
ش - الْجِبَائِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَالُوا: لَوْ جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَقْلًا، لَأَدَّى إِلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ، أَيْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ إِذَا جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَقْلًا، جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ عَقْلًا; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَإِذَا جَازَ عَقْلًا التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ وَاحِدٍ، أَدَّى إِلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُرْمَةِ فِعْلٍ وَآخَرُ بِحَلِّهِ، وَجَازَ التَّعَبُّدُ بِهِ عَقَلَا، فَيُؤَدِّي إِلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِمَا، فَيَلْزَمُ تَحْلِيلُ مَا حُرِّمَ، وَبِالْعَكْسِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ فِي الِاجْتِهَادِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا، فَلَا نُسَلِّمُ تَحْلِيلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مَا حُرِّمَ وَعَكْسُهُ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْمُصِيبِ حِينَئِذٍ هُوَ الثَّابِتُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِحُكْمِ الْمُصِيبِ لَيْسَ هُوَ بِحُكْمٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ مَأْمُورًا بِالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ، كَمَا فِي التَّعَبُّدِ بِالْإِفْتَاءِ وَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ ; فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ خَطَأً.
وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ تَحْرِيمُ مَا حَلَّ وَعَكْسُهُ ; لِأَنَّ حُكْمَهُمَا لَيْسَ هُوَ بِحَكَمٍ ثَابِتٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ; أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِمَّا الْحِلُّ أَوِ الْحُرْمَةُ.
وَأَنْ كَانَ [كُلُّ] مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فَلَا يَرِدُ أَيْضًا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.
قَوْلُهُ: " وَإِنْ تَسَاوَيَا " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ رَاجِحًا وَالْآخَرُ مَرْجُوحًا، لِيَلْزَمَ سُقُوطُ الْمَرْجُوحِ الْمُخَالِفِ لِلصَّوَابِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْخَبَرَانِ تَسَاوَيَا، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ.
تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسَاوِي الْخَبَرَيْنِ ; فَإِنَّ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَبَرَيْنِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرُّجْحَانُ، كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ. أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ.
وَالتَّخْيِيرُ أَوِ الْوَقْفُ يَمْنَعُ لُزُومَ اجْتِمَاعِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ.