الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مَعَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ. وَمِثْلُ هَذَا التَّكْلِيفِ - وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ مَعَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ - غَيْرُ وَاقِعٍ.
[شرطية حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ في التكليف]
ش - ذَكَرَ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ أَمْ لَا؟
فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: لَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَيِ الْحَنَفِيَّةُ: نَعَمْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الشَّيْءِ، كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعَمَّ مِنْهُ.
وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمَشْرُوطِ وَاقِعٌ عِنْدِ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ.
ش - أَقَامَ الْمُصَنِّفُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ قَطْعًا. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ شَرَطَا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ، لَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ عَلَى مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ، وَلَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَمْ يَجِبْ أَيْضًا " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا اللَّامُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالنِّيَّةِ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ التَّلَفُّظِ بِـ " اللَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَكْبَرُ ". وَالْهَمْزَةُ أَيْضًا شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ التَّلَفُّظِ بِاللَّامِ. وَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ الشَّرْطُ - الَّذِي هُوَ حُصُولٌ هَذِهِ الشَّرَائِطِ - انْتَفَى الْمَشْرُوطُ، وَهُوَ وُجُوبُ هَذِهِ الْأُمُورِ.
ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: لَوْ كُلِّفَ الْمُكَلَّفُ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَصَحَّتِ الْعِبَادَةُ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ صُدُورِهِ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. فَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي التَّكْلِيفُ صِحَّةَ الْمُكَلَّفِ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي أَنَّهُ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْمَشْرُوطِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ الْمَشْرُوطِ، كَمَا يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَرْطِهِ، لَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِهِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ لَوْ أَتَى بِهِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْكُفْرِ.
تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا حَالَةَ الْكُفْرِ لَأَمْكَنَ الِامْتِثَالُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي أَنَّ الِامْتِثَالَ إِمَّا حَالَةَ الْكُفْرِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ لِعَدَمِ حُصُولِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَوْ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ أَيْضًا لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وِفَاقًا.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِثَالَ بَعْدَ الْكُفْرِ مُمْتَنِعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَفْعَلَ كَالْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَفْعَلُ.
ش - وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ، ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى وُقُوعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْآيَتَيْنِ.
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان: 68] .
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْمُنْتَهِينَ عَنِ الشِّرْكِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالزِّنَا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. وَأَشَارَ بِلَفْظِ " ذَلِكَ " إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْبَعْضِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَيَكُونُ تَضَاعُفُ الْعَذَابِ وَالْخُلُودِ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْكَفَّارُ مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ لَمَا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ بِفِعْلِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّرْكِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي مَدْخَلٌ فِي الْعَذَابِ لَكَانَ ذِكْرُهُ مَعَ الشِّرْكِ قَبِيحًا.
فَإِنْ قِيلَ: " ذَلِكَ " يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْكُلِّ حُرْمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَرَامًا لَكَانَ غَيْرُ الْحَرَامِ مُنْضَمًّا إِلَى الْحَرَامِ فِي الْوَعِيدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَضَاعُفُ الْعَذَابِ بِسَبَبِ الشَّرَكِ وَالْبَاقِي شَرْطًا لِاقْتِضَاءِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَاقِي مَدْخَلٌ فِي اقْتِضَاءِ اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ لَكَانَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] . وُوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكَفَّارِ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا دُخُولَ النَّارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَحْكُمِ الْعَقْلُ بِكَذِبِهِمْ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ حَقِيقَةً فَتَكُونُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُمَا عِلَّةً لِدُخُولِ النَّارِ. وَحَمْلُ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمُعْتَقَدِينَ انْصِرَافٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ.
ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: تَكْلِيفُ الْكَفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ وَاقِعٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ، لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.