المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[شرط المطلوب الإمكان] - بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ١

[أبو الثناء الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الكتاب] [

- ‌مقدمة الشارح]

- ‌[مقدمة الماتن]

- ‌[المبادئ]

- ‌[المبادئ الأصولية]

- ‌[حد أصول الفقه لقبا]

- ‌[حد أصول الفقه مضافا]

- ‌[فَائِدَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[استمداد أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْمَبَادِئُ الْكَلَامِيَّةُ]

- ‌[الدليل]

- ‌ النَّظَرِ

- ‌ الْعِلْمَ

- ‌[الاعتقاد والظن والوهم والشك]

- ‌[أقسام العلم: التصور والتصديق]

- ‌[مادة المركب]

- ‌[الْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ]

- ‌[شروطُ الْحُدُودِ الثَلَاثَةٌ]

- ‌[الذاتي]

- ‌[الجنس والفصل والنوع]

- ‌[العرضي]

- ‌[صُورَةُ الْحَد]

- ‌[خلل الحد]

- ‌[اختصاص الرَّسْمِيُّ بِاللَّازِمِ الظَّاهِرِ]

- ‌[حصول الْحَدُّ بِالْبُرْهَانِ]

- ‌[القضية]

- ‌[قِسْمَةٌ الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ]

- ‌[قطعية مُقَدِّمَاتُ الْبُرْهَانِ]

- ‌[الْأَمَارَات]

- ‌[الضَّرُورِيَّاتُ]

- ‌[صُورَةُ الْبُرْهَانِ اقْتِرَانِيٌّ واسْتِثْنَائِيٌّ]

- ‌[الموضوع والمحمول والوسط]

- ‌[النقيضان]

- ‌[شرائط النقيضين]

- ‌[العكس المستوي]

- ‌[عكس النقيض]

- ‌[الأشكال الأربعة]

- ‌[مقدمة الأشكال الأربعة]

- ‌[الشكل الأول]

- ‌[الشكل الثاني]

- ‌[الشكل الثالث]

- ‌[الشكل الرابع]

- ‌‌‌[الاستثنائي (المتصلوالمنفصل) ]

- ‌[الاستثنائي (المتصل

- ‌[الاستثنائي المنفصل]

- ‌[رد الاستثنائي إلى الاقتراني]

- ‌[الْخَطَأُ فِي الْبُرْهَانِ لِمَادَّتِهِ وَصُورَتِه]

- ‌[مَبَادِئُ اللُّغَةِ]

- ‌[مقدمة مَبَادِئ اللُّغَةِ]

- ‌[الأول: حَدِّ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌الْمُفْرَدِ

- ‌[الثَّانِي أَقْسَامُ الموضوعات اللغوية]

- ‌[تعريف المفرد]

- ‌[أقسام الْمُفْرَد]

- ‌[دلالة المفرد]

- ‌[المركب وأقسامه]

- ‌[تَقْسِيمٌ آخَرُ للْمُفْرَدِ]

- ‌الْمُشْتَرَكِ

- ‌[وقوع المشترك]

- ‌[وقوع المشترك في القرآن]

- ‌[الْمُتَرَادِفُ]

- ‌[وقوع المترادف]

- ‌[ترادف الحد والمحدود]

- ‌[وقوع كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ]

- ‌‌‌الْحَقِيقَةِوَالْمَجَازِ

- ‌الْحَقِيقَةِ

- ‌[تعريف الحقيقة]

- ‌[أقسام الحقيقة]

- ‌[المجاز]

- ‌[ضرورة العلاقة]

- ‌[اشتراط النَّقْلُ فِي الْآحَادِ]

- ‌[وجوه معرفة المجاز]

- ‌[كون اللفظ قبل الاستعمال حقيقة أو مجازا]

- ‌[كون المجاز في التركيب]

- ‌[دوران اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ]

- ‌[الحقيقة الشرعية]

- ‌[وقوع المجاز]

- ‌[وقوع المجاز في القرآن]

- ‌[وقوع المعرب في القرآن]

- ‌[المشتق]

- ‌[اشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً]

- ‌[اشتقاق اسْم الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ]

- ‌[الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ]

- ‌[ثبوت اللغة قياسا]

- ‌[الْحُرُوفُ]

- ‌[تعريف الحرف]

- ‌[الْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[الثَّالِثُ: ابْتِدَاءُ الْوَضْعِ]

- ‌[قول الأشعري: الاختلاف في ابتداء الوضع]

- ‌[الرَّابِعُ: طريق معرفة الموضوعات اللغوية]

- ‌[الْأَحْكَامُ]

- ‌[مقدمة الأحكام]

- ‌[الحسن والقبح في حكم الله]

- ‌[مَسْأَلَتَانِ عَلَى التَّنَزُّلِ]

- ‌ وُجُوبَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ

- ‌[حكم الأشياء قبل الشرع]

- ‌ الْحُكْمِ

- ‌[أقسام الحكم]

- ‌ الْوُجُوبِ

- ‌[ترادف الفرد والواجب]

- ‌[الأداء]

- ‌[الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ]

- ‌[الواجب المخير]

- ‌[الواجب الموسع]

- ‌[مَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ]

- ‌[مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ]

- ‌[تحريم وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[استحالة كَوْنُ الشَّيْءِ وَاجِبًا حَرَامًا]

- ‌[مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً]

- ‌[هل الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ]

- ‌[هل المندوب تكليف]

- ‌[كون الْمَكْرُوهُ مَنْهِيّا عَنْهُ]

- ‌[إطلاق الْجَائِزُ عَلَى الْمُبَاحِ]

- ‌[الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ]

- ‌[كون الْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ]

- ‌[كون المباح من جنس الواجب]

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌[الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ]

- ‌[الرخصة والعزيمة]

- ‌[الْمَحْكُومُ فِيهِ: الْأَفْعَالُ]

- ‌[شَرْطُ الْمَطْلُوبِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[شرطية حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ في التكليف]

- ‌[لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ]

- ‌[قول الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ حَالَ حُدُوثِهِ]

- ‌[التكليف بالْفِعْلُ حَالَ حُدُوثِهِ]

- ‌[الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: الْمُكَلَّفُ]

- ‌[كون الْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ]

- ‌[تعلق الأمر بالمعدوم]

- ‌[صحة التَّكْلِيف بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ]

- ‌[مقدمة الأدلة الشرعية]

- ‌ الْكِتَابُ

- ‌[تعريف الكتاب]

- ‌[مَا نُقِلَ آحَادًا فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ]

- ‌[حكم البسملة في أول السور]

- ‌[تواتر الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالشَّاذِّ]

- ‌[الْمُحْكَمُ]

- ‌[السُّنَّةُ]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[إِذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَادِرًا]

- ‌[الْفِعْلَانِ لَا يَتَعَارَضَانِ]

- ‌[الْإِجْمَاعُ]

- ‌[تعريف الإجماع]

- ‌[ثبوت الإجماع]

- ‌[أداة حجية الإجماع]

- ‌[وِفَاقُ مَنْ سَيُوجَدُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا]

- ‌[عدم اعتبار قول المبتدع في الإجماع]

- ‌[اختصاص الْإِجْمَاعُ بِالصَّحَابَةِ]

- ‌[ندرة المخالف هل تعتبر إجماعا قطعيا]

- ‌[اعتبار التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ مَعَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[إجماع أهل المدينة]

- ‌[إجماع أهل البيت]

- ‌[اشتراط عدد التواتر]

- ‌[إِذَا أَفْتَى وَاحِدٌ وَعَرَفُوا بِهِ]

- ‌[اشتراط انْقِرَاضُ الْعَصْرِ]

- ‌[لَا إِجْمَاعَ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

- ‌[الإجماع عن قياس]

- ‌[إِذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَأُحْدِثَ ثَالِثٌ]

- ‌[إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ]

- ‌[اتِّفَاقُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ]

- ‌[اتِّفَاقُ الْعَصْرِ عَقِيبَ الِاخْتِلَافِ]

- ‌[عَدَم عِلْمِ الْأُمَّةِ بِخَبَرٍ]

- ‌[ارْتِدَادُ كُلِّ الْأُمَّةِ]

- ‌[قَوْل الشَّافِعِيِّ: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ الثُّلْثُ]

- ‌[الْعَمَلُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِخَبَرِ الْآحَادِ]

- ‌[إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]

- ‌[التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[اشْتِرَاكُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[مقدمة]

- ‌‌‌[الخبروالإنشاء]

- ‌[الخبر

- ‌[الإنشاء]

- ‌[الْخَبَرُ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ]

- ‌[المتواتر والآحاد]

- ‌[مقدمة]

- ‌[الخبر المتواتر]

- ‌[إفادة المتواتر العلم]

- ‌[إفادة المتواتر العلم ضروري أم لا]

- ‌[شروط المتواتر]

- ‌[إِذَا اخْتَلَفَ التَّوَاتُرُ فِي الْوَقَائِعِ]

- ‌[خبر الواحد]

- ‌[تعريف خبر الواحد]

- ‌[حصول الْعِلْم بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]

- ‌[إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَة الرسول وَلَمْ يُنْكِرْهُ]

- ‌[إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ]

- ‌[إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ]

- ‌[التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]

- ‌[وجوب الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]

- ‌[شرائط وجوب العمل بخبر الواحد]

- ‌[الشرط الأول: البلوغ]

- ‌[الشَّرْطُ الثَّانِي: الْإِسْلَامُ]

- ‌[الشَّرْطُ الثَّالِثُ: رُجْحَانُ ضَبْطِ الرَّاوِي لِمَا سَمِعَهُ عَلَى سَهْوِهِ]

- ‌[الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْعَدَالَةُ]

- ‌ الْكَبَائِرِ

- ‌[رواية مَجْهُولُ الْحَالِ]

- ‌[ثبوت الجرح والتعديل بخبر الواحد]

- ‌[هل يكفي في التعديل والجرح إطلاق العدالة والفسق أم لا]

- ‌[تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ]

- ‌[حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ بِالشَّهَادَةِ]

- ‌[عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[تعريف الصحابي]

- ‌[لَوْ قَالَ الْمُعَاصِرُ الْعَدْلُ: أَنَا صَحَابِيٌّ]

- ‌[اشتراط العدد في الرواية]

- ‌[مُسْتَنَدِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ رسول الله]

- ‌[إِذَا قَالَ الصحابي: سَمِعْت رسول الله أَمَرَ أَوْ نَهَى]

- ‌[إِذَا قَالَ الصحابي: أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا أَوْ أَوْجَبَ أَوْ حَرَّمَ]

- ‌[إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا]

- ‌[إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: كُنَّا نَفْعَلُ، أَوْ قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ]

- ‌[مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى]

- ‌[إِذَا كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ]

- ‌[إِذَا انْفَرَدَ الْعَدْلُ بِزِيَادَةٍ وَالْمَجْلِسُ وَاحِدٌ]

- ‌[حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ]

- ‌[خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى]

- ‌[خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ]

- ‌[إِذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَا رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ]

- ‌[الْخَبَر الْمُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ]

- ‌[الْأَمْرُ]

- ‌[حَدُّ الْأَمْرِ]

الفصل: ‌[شرط المطلوب الإمكان]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً.

وَالْعَزِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: الرُّقْيَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ الْمُوَكَّدِ عَلَى أَمْرٍ مَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ، وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ الرُّسُلِ " أُولِي الْعَزْمِ " لِتَأْكِيدِ قَصْدِهِمْ فِي إِظْهَارِ الْحَقِّ.

وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا.

[الْمَحْكُومُ فِيهِ: الْأَفْعَالُ]

[شَرْطُ الْمَطْلُوبِ الْإِمْكَانُ]

ش - الْأَصْلُ الثَّالِثُ الْمَحْكُومُ فِيهِ، وَهُوَ الْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ. وَالْأَفْعَالُ لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً لِذَاتِهَا أَوْ لَا.

وَالْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا، أَيْ مُكَلَّفًا بِهِ. فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ وَقَدْ نُسِبَ هَذَا إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، رحمه الله.

وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا لِغَيْرِهِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ - أَوْ لَا.

ص: 412

ص - الْمَحْكُومُ فِيهِ: الْأَفْعَالُ. (مَسْأَلَةٌ) : شَرْطُ الْمَطْلُوبِ: الْإِمْكَانُ. وَنُسِبَ خِلَافُهُ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. لَنَا: لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ [بِالْمُسْتَحِيلِ] ، لَكَانَ مُسْتَدْعِي الْحُصُولِ ; لِأَنَّهُ مَعْنَى الطَّلَبِ. وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ.

وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ مُثْبَتًا - لَزِمَ تَصَوُّرُ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَّتِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

ص - فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ - لَمْ يُعْلَمْ إِحَالَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِصِفَةِ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ.

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَالثَّانِي لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا وَوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِهِ.

وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ - انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِهِ.

وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، أَيِ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لَكَانَ الْمُحَالُ مُسْتَدْعَى الْحُصُولِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.

أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَالُ مُكَلَّفًا بِهِ، لَكَانَ مَطْلُوبًا ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ: طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَلَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَكَانَ مُسْتَدْعَى الْحُصُولِ ; لِأَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْحُصُولِ مَعْنَى الطَّلَبِ.

وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ ; لِاسْتِحَالَةِ اسْتِدْعَاءِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ. وَإِذَا انْتَفَى الْأَصْلُ، انْتَفَى الْفَرْعُ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُحَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ مُثْبَتًا، أَيْ تُصُوِّرَ وُقُوعُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ - وَهُوَ مُمْتَنِعُ الْحُصُولِ مِنْهُ - لَزِمَ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَتِّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ ; فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مَعَ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ.

ش - هَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ. تَوْجِيهُهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُقُوعُ الْمُحَالِ امْتَنَعَ التَّصْدِيقُ بِإِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ لِلشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. فَالْحُكْمُ بِإِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّصْدِيقِ، فَرْعٌ عَلَى تَصَوُّرِ وُقُوعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.

وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُعْلَمْ " أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ بِهِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُخَصُّ بِالتَّصْدِيقِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: " الْعِلْمُ " فِي قَوْلِهِ: " الْعِلْمُ بِصِفَةِ الشَّيْءِ ". أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُتَصَوَّرَ الْمَحْكُومَ بِنَفْيهِ عَنِ الضِّدَّيْنِ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُضَادَّةً. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ ثَابِتًا لَهُمَا، فَلَا يَلْزَمُ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْمُحَالِ.

وَفِي قَوْلِهِ: " لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا " نَظَرٌ ; لِأَنَّ تَصَوُّرَ السَّلْبِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَصَوُّرِ الْإِيجَابِ ; إِذِ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ابْتِدَاءً. وَلِهَذَا قِيلَ: الْإِيجَابُ أَبْسَطُ مِنَ السَّلْبِ.

ص: 414

قُلْنَا: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا.

ص - فَإِنْ قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذِهْنًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، لَا فِي الْخَارِجِ. قُلْنَا: فَيَكُونُ الْخَارِجُ مُسْتَحِيلًا، وَالذِّهْنِيُّ بِخِلَافِهِ. وَأَيْضًا: يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ. وَأَيْضًا: الْحُكْمُ عَلَى الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَهُ لِلْخَارِجِ.

ص - الْمُخَالِفُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ الْعَاصِيَ مَأْمُورٌ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، وَمَنْ نُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ. وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا حَالَ الْفِعْلِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَقَدْ كُلِّفَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ.

وَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَيْنِ نُسِبَ تَكْلِيفُ الْمُحَالِ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ.

ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الْوُقُوعِ لِجَوَازِهِ مِنْهُ، [فَهُوَ] غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَبِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا تَكْلِيفٌ بِالْمُسْتَحِيلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ [بِالْإِجْمَاعِ] .

ص - قَالُوا: كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ تَصْدِيقَ رَسُولِهِ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقَهُ، فَقَدْ كَلَّفَهُ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ.

ص - وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِهِ. وَإِخْبَارُ رَسُولِهِ كَإِخْبَارِ نُوحٍ عليه السلام.

وَلَا يَخْرُجُ الْمُمْكِنُ عَنِ الْإِمْكَانِ بِخَبَرٍ أَوْ عِلْمٍ. نَعَمْ لَوْ كُلِّفُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ - لَانْتَفَتْ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ.

ص - (مَسْأَلَةٌ) : حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ قَطْعًا، خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي تَكْلِيفِ الْكَفَّارِ بِالْفُرُوعِ. وَالظَّاهِرُ [الْوُقُوعُ] .

ص - لَنَا: لَوْ كَانَ شَرْطًا - لَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ عَلَى مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ، وَلَا قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا اللَّامُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا.

ص - قَالُوا: لَوْ كُلِّفَ بِهَا - لَصَحَّتْ مِنْهُ. قُلْنَا: غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ لَأَمْكَنَ الِامْتِثَالُ. وَفِي الْكُفْرِ لَا يُمْكِنُ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ. قُلْنَا: يُسَلِّمُ وَيَفْعَلُ، كَالْمُحْدِثِ.

ص - الْوُقُوعُ. وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.

ص - قَالُوا: لَوْ وَقَعَ - لَوَجَبَ الْقَضَاءُ. قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ وَلَا صِحَّتِهِ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ.

ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ. فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ: كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْلِ.

وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ: نَفْيُ الْفِعْلِ. لَنَا: لَوْ كَانَ - لَكَانَ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] .

وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] ، كَأَحَدِ قَوْلَيِ الْقَاضِي. وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا وَاسْتَمَرَّ. وَالْقُدْرَةُ تَقْتَضِي أَثَرًا عَقْلًا. وَفِيهِ نَظَرٌ.

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

ش - هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا فِي الذِّهْنِ لِكَوْنِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ ; وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَاصِلٌ فِي الذِّهْنِ، فَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِيهِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ.

أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ. أَحَدُهَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ مُسْتَحِيلٌ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الذِّهْنِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ. فَلَا يَكُونُ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ذِهْنًا، تَصَوُّرَ وُقُوعِ الْحَالِ، بَلْ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْمُمْكِنِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَصَوُّرِ وُقُوعِ الْمُحَالِ.

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

الثَّانِي: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ حُكْمًا بِاسْتِحَالَةِ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الذِّهْنِ الَّذِي هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ فِي الْخَارِجِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُقُوعُهُ فِي الْخَارِجِ، اسْتَحَالَ الْحُكْمُ بِاسْتِحَالَتِهِ فِيهِ.

ش - قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لَمْ يَقَعْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.

بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وُقُوعَ الشَّيْءِ فَرْعُ إِمْكَانِهِ، فَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ مُمْكِنًا، لَا يَكُونُ وَاقِعًا.

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ الْعَاصِيَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ مَأْمُورٌ بِالْإِتْيَانِ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ. وَالْإِتْيَانُ بِهِ مُحَالٌ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ. وَكُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ، يَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ جَهْلُهُ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

فَيَكُونُ مَا يَتْرُكُهُ الْعَاصِي مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ. فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 7] فَوُقُوعُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مُحَالٌ وَلَا يَلْزَمُ كَذِبُ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ. وَالْكَافِرُ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا.

وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْفِعْلِ. وَكَذَلِكَ كَلَّفَ مَنْ نَسَخَ عَنْهُ الْفِعْلَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ. وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ، فَيَكُونُ وَاقِعًا.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا حَالَ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ ; إِذْ لَوْ وُجِدَتِ الْقُدْرَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَكَانَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ مَوْجُودٌ ; لِاسْتِحَالَةِ

ص: 418

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

أَنْ يَكُونَ الْمَعْدُومُ مَقْدُورًا. وَإِذَا كَانَتِ الْقُدْرَةُ مَعَ صُدُورِ الْفِعْلِ يَكُونُ الْفِعْلُ قَبْلَ صُدُورِهِ مُمْتَنِعًا ; ضَرُورَةَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَالتَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ لَا يَكُونُ حَالَةَ صُدُورِ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ صُدُورِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَيَكُونُ قَبْلَ صُدُورِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِهِ [تَكْلِيفًا] بِالْمُسْتَحِيلِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ".

وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لِلْعَبْدِ لَكَانَ الْعَبْدُ خَالِقَهَا، إِمَّا بِالطَّبْعِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ عَالِمًا بِتَفَاصِيلِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِتَفَاصِيلِ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صُدُورُ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ بِالِاخْتِيَارِ. وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُرِيدًا لَهَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَفَاصِيلِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَا تَكُونُ مَخْلُوقَةً لَهُ، فَتَكُونُ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ [تَكْلِيفُ] الْعَبْدِ بِهَا تَكْلِيفًا بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ; لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ مَا وَقَعَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ.

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله إِلَى أَنْ لَا قُدْرَةَ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا حَالَ إِيجَادِ الْفِعْلِ، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَيْنِ نُسِبَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ، فَضْلًا عَنِ الْقَوْلِ بِهِمَا.

ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ فِي نَفْيِ التَّالِي لَا يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُ وُقُوعِهَا مِنَ الْمُكَلَّفِ، لِجَوَازِ صُدُورِهَا مِنَ الْمُكَلَّفِ بِحَسَبِ الذَّاتِ، وَإِنِ امْتَنَعَ صُدُورُهَا مِنْهُ بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، فَيَكُونُ غَيْرَ مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ بِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا اسْتِلْزَامُ كَوْنِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ، كَوْنَ الْفِعْلِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا اسْتِلْزَامُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

كُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ وُقُوعَهُ وَامْتَنَعَ كُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَ وُقُوعِهِ، لَكَانَتِ الْأَفْعَالُ إِمَّا وَاجِبَةً أَوْ مُمْتَنِعَةً، وَالتَّكْلِيفُ بِهِمَا تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ.

ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ ذَكَرُوا دَلِيلًا آخَرَ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ.

تَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ جَائِزٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ تَصْدِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ ; لِأَنَّهُ كَلَّفَهُ بِالْإِيمَانِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ. وَمِمَّا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ ; فَيَكُونُ أَبُو جَهْلٍ مُكَلَّفًا [بِتَصْدِيقِ] الرَّسُولِ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ. [وَهَذَا] الْخَبَرُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِالتَّصْدِيقِ حَالَ عَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَأَمْثَالَهُ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ عليه السلام فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ عليه السلام فِيمَا جَاءَ بِهِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ. وَإِخْبَارُ الرَّسُولِ عليه السلام بِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَهُ، كَإِخْبَارِ نُوحٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] وَالْمُمْكِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ إِمْكَانِهِ بِخَبَرِ الرَّسُولِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، وَبِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى [أَيْضًا] بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ مُمْتَنِعًا بِسَبَبِ الْغَيْرِ.

وَالْعِلْمُ وَالِامْتِنَاعُ بِالْغَيْرِ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ بِحَسْبِ الذَّاتِ. فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفُهُمْ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ تَكْلِيفًا بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ الَّذِي هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ.

نَعَمْ لَوْ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَهُ، لَانْتَفَتْ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ: لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ، الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ

ص: 422