الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْجُمْهُورُ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْأَزَلِ، لَا التَّعَدُّدَ الِاعْتِبَارِيَّ.
وَمَعْنَى كَوْنِ كَلَامِهِ وَاحِدًا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ، وَمُتَعَدِّدًا بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ.
فَبِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَوْ فُعِلَ اسْتَحَقَّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ، وَإِنْ تُرِكَ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، يَكُونُ أَمْرًا.
وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَوْ تُرِكَ اسْتَحَقَّ تَارِكُهُ الْمَدْحَ، وَإِنْ فُعِلَ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ يَكُونُ نَهْيًا. وَبِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَا طَلَبَ فِيهِ، يَكُونُ خَبَرًا.
[صحة التَّكْلِيف بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَنِ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ وَقْتِهِ أَمْ لَا؟
فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى صِحَّتِهِ. وَلِأَجْلِ صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا التَّكْلِيفِ بِعِلْمِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ. فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُكَلَّفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِنَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ ; ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ شَرْطِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ عِنْدَ الْوَقْتِ. وَخَالَفَهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةُ.
وَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِمَا جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ عَنِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ. كَمَا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: " صُمْ غَدًا " فَإِنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ الْعَبْدِ غَدًا، وَهُوَ مَجْهُولٌ لِلْآمِرِ.
ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ شَرَعَ فِي إِثْبَاتٍ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَهُوَ صِحَّةُ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَبَيَّنَهُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَعْصِ أَحَدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ أَبَدًا بِتَرْكِ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وُقُوعَ كُلِّ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ - وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ أَوْ بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ - وَهِيَ إِرَادَةُ الْخَلْقِ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. فَإِذَا تَرَكَ الْفَاعِلُ الْفِعْلَ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ وُقُوعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ.
وَأَيْضًا: يُعْلَمُ أَنَّ الْعَاصِيَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ فَيَكُونُ عَالِمًا بِانْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَمْ يُعْلَمْ تَكْلِيفٌ أَصْلًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّكْلِيفَ يَنْقَطِعُ بَعْدَ الْفِعْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَعَ الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ. فَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ بِالتَّكْلِيفِ بَعْدَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ خِلَافَ الْوَاقِعِ. وَقَبْلَ الْفِعْلِ لَا يُجْزَمُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ عِنْدَ وَقْتِ الْفِعْلِ. وَإِذَا لَمْ يُجْزَمْ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزَمْ بِوُقُوعِ الْمَشْرُوطِ. فَلَا يُعْلَمُ التَّكْلِيفُ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: " فَإِنْ فَرَضَهُ مُتَّسِعًا " إِشَارَةٌ إِلَى سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُلَازَمَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُعْلَمْ تَكْلِيفٌ أَصْلًا. وَذَلِكَ لِأَنَّا نَفْرِضُ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ مُوَسَّعًا، كَالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، فَإِنَّهُ إِذَا انْقَضَى مِنَ الْوَقْتِ، الْقَدْرُ الَّذِي تَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ، وَلَمْ يَأْتِ بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ يُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنَ الْفِعْلِ.
تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: نَفْرِضُ زَمَنًا زَمَنًا، أَيْ يَجْرِي الْوَقْتُ الْمُوَسَّعُ إِلَى مَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ.
وَنَقُولُ: التَّكْلِيفُ لَمْ يُعْلَمْ قَبْلَ أَوَّلِ الزَّمَانِ الْمُوَسَّعِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْفِعْلِ، وَلَا مَعَ أَوَّلِ الزَّمَانِ الْمُوَسَّعِ، إِنْ وَقَعَ الْفِعْلُ فِيهِ، وَلَا بَعْدَهُ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ. وَقِسْ عَلَى هَذَا بَاقِيَ الْأَجْزَاءِ.
الثَّالِثُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَعْلَمْ إِبْرَاهِيمُ وُجُوبَ ذَبْحِ وَلَدِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مُكَلَّفًا بِالذَّبْحِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ بِانْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِالذَّبْحِ، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ.
أَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ عليه السلام لَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ الذَّبْحِ لَمْ يَأْخُذْ فِي مُقَدِّمَاتِهِ مِنَ الْإِضْجَاعِ، وَتَلِّ الْجَبِينِ، وَإِمْرَارِ الْمُدْيَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمَنْ أَنْكَرَ عِلْمَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وُجُوبَ الذَّبْحِ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ مُكَابِرٌ.
ش - احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ وَقَالَ: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ قَدْ تَحَقَّقَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ. فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَتَحَقَّقِ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ، لِجَوَازِ ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ الْوُقُوعِ عِنْدَ الْوَقْتِ.
ش - الْمُعْتَزِلَةُ: لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَكُنْ إِمْكَانُ الْمُكَلَّفِ بِهِ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَيْسَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِمُمْكِنٍ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الشَّرْطِ يَكْشِفُ عَنْ تَحَقُّقِ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْعِلْمُ عِلْمًا. وَعَدَمُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ الْمَشْرُوطِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ ; أَحَدُهُمَا نَقَضٌ [تَفْصِيلِيٌّ] وَالْآخَرُ إِجْمَالِيٌّ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْإِمْكَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ بِهِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَادَةً عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَاسْتِجْمَاعُ شَرَائِطِهِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مُمْكِنٌ بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَإِنَّهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ يَتَأَتَّى وُقُوعُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَامْتِنَاعُهُ سَبَبُ انْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَا يُنَافِي هَذَا الْإِمْكَانَ، بَلِ الْإِمْكَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الْفِعْلِ يُنَافِي امْتِنَاعَهُ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ] ) .
وَكَوْنُ هَذَا الْإِمْكَانِ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ، هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا لِإِمْكَانِ شَرْطِ الِامْتِثَالِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ ; فَإِنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْمُكَلَّفِ بِهِ، بَلْ قَدْ يَقَعُ التَّكْلِيفُ لِأَجْلِ الِابْتِلَاءِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ، لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا إِذَا جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.