الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
هُوَ عِنْدَ الرَّوَافِضِ - يُوجِبُ التَّنْفِيرَ عَنْهُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَيَكُونُ قَبِيحًا عَقْلًا. وَأَمَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ; لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهَا. فَلَوْ جَازَ كَذِبُهُمْ فِيهَا لَبَطَلَ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ صُدُورِ الْكَذِبِ مِنْهُمْ غَلَطًا، فَجَوَّزَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُمْ قَصْدًا وَاعْتِقَادًا. وَمَا صَدَرَ عَنْهُمْ غَلَطًا فَالْمُعْجِزَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْكَذِبِ مِنَ الْمَعَاصِي، فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا، وَالصَّغَائِرُ الدَّالَّةُ عَلَى خِسَّةِ فَاعِلِهِ وَنَقْصِ مُرُوءَتِهِ، كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِهَا مِنْهُمْ.
[فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ عليه السلام هَلْ يَدُلُّ عَلَى شَرْعٍ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا أَمْ لَا؟
الْفِعْلُ الصَّادِرُ عَنِ الرَّسُولِ عليه السلام لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ، أَيْ يَكُونُهُ مُقْتَضَى طَبْعِ الْإِنْسَانِ وَجِبِلَّتِهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ تَخْصِيصُهُ عليه السلام بِحُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، أَوْ لَا.
وَمَا سِوَاهُمَا، إِنْ وَضَحَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلٍ أَوْ قَرِينَةٍ، مِثْلَ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا ". وَكَالْقَطْعِ مِنَ الْكُوعِ، وَالْغَسْلِ إِلَى الْمَرَافِقِ - اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا. وَمَا سِوَاهُ، إِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ، فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ.
وَقِيلَ: فِي الْعِبَادَاتِ. وَقِيلَ: كَمَا لَوْ تَعْلَمُ. وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ - فَالْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَالْوَقْفُ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ - فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ.
ص - لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضَى الْآيَةَ. وَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ، وَظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ - ثَبَتَ الرُّجْحَانُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوفُ [عِنْدَهُ] . وَالْوُجُوبُ زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ.
وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ، فَالْجَوَازُ، وَالْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ. وَأَيْضًا لَمَّا نَفَى الْحَرَجَ بَعْدَ قَوْلِهِ:" زَوَّجْنَاكَهَا "، فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ مَعَ احْتِمَالِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْأَوَّلُ كَالضُّحَى، وَالْوِتْرِ، وَالتَّهَجُّدِ، وَالْمُشَاوَرَةِ، وَتَخْيِيرِ نِسَائِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِينَةِ الدُّنْيَا. فَإِنَّهُ عليه السلام خُصِّصَ بِوُجُوبِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَكَالْوِصَالِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، فَإِنَّهُ عليه السلام مَخْصُوصٌ بِإِبَاحَتِهِمَا لَهُ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. وَالْأَوَّلَانِ وَاضِحٌ أَمْرُهُمَا، لَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِيهِمَا ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا حُكْمُهُ وَحُكْمُ أُمَّتِهِ فِيهِ، الْإِبَاحَةُ. وَالثَّانِي مُخْتَصٌّ بِهِ، لَسْنَا مُتَعَبَّدِينَ بِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَّضِحْ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ وَلَا تَخْصِيصُهُ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلٍ مُجْمَلٍ، أَوْ لَا.
وَالْأَوَّلُ اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا فِي مُقْتَضَى الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ] ، سَوَاءٌ وَضَحَ كَوْنُهُ بَيَانًا لِقَوْلٍ، كَالْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ عَنِ الرَّسُولِ عليه السلام فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ. فَإِنَّهُ وَضَحَ كَوْنُهَا بَيَانًا بِقَوْلِهِ عليه السلام:" «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " وَ " «خُذُوا عَنَى مَنَاسِكَكُمْ» " أَوْ وَضَحَ كَوْنُهُ بَيَانًا بِقَرِينَةٍ، كَمَا إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ حَتَّى وَقَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ، فَفَعَلَ فِعْلًا صَالِحًا لِلْبَيَانِ فَإِنَّهُ وَضَحَ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَيَانًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِآيَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
السَّرِقَةِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. وَكَغَسْلِ الْيَدِ مَعَ الْمِرْفَقِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] .
وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَّضِحْ كَوْنُهُ بَيَانًا لِقَوْلٍ مُجْمَلٍ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تُعْلَمَ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ، أَوْ لَا.
فَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ، فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ عِبَادَةً أَوْ غَيْرَهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْفِعْلُ عِبَادَةً، فَأَمَتُّهُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْخَلَّادِ.
وَقِيلَ: كَمَا لَمْ تَعْلَمْ، أَيْ حُكْمُ مَا عَلِمْتَ صِفَتَهُ كَحُكْمِ مَا لَا تَعْلَمْ صِفَتَهُ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ خَيْرَانَ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الثَّانِي: النَّدْبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
الثَّالِثُ: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
الرَّابِعُ: التَّوَقُّفُ. وَهُوَ مَذْهَبُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
الْخَامِسُ: التَّفْصِيلُ بِأَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَفْعَالَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. ثَلَاثَةٌ [مِنْهَا] لَمْ يَقَعْ فِيهَا نِزَاعٌ. وَاثْنَانِ مِنْهَا - وَهُمَا [الْأَخِيرَانِ] ، أَعْنِي مَا عُلِمَتْ صِفَتُهُ وَمَا لَمْ تُعْلَمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا.
ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ، شَرَعَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهَا فَبَدَأَ بِإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَتَمَسَّكَ بِوَجْهَيْنِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ مَا عُلِمَ صِفَتُهُ فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ.
أَحَدُهُمَا: الْإِجْمَاعُ. وَبَيَانُهُ أَنَا نَقْطَعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِعْلِهِ الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ كُلِّ حَادِثَةٍ، وَيَقْتَدُونَ بِالرَّسُولِ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ أَحَدٍ مِنْهُمْ. كَرُجُوعِهِمْ إِلَى تَقْبِيلِهِ عليه السلام لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَإِلَى تَقْبِيلِهِ عليه السلام لِنِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَذَلِكَ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأُمَّةِ حُكْمُهُ عليه السلام فِي الْفِعْلِ الَّذِي عُلِمَ صِفَتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تُفِدِ الْمُرَاجَعَةُ لَهُمْ.
الثَّانِي: الْآيَةُ. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] .
وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ: أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَلَّلَ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ بِتَزْوِيجِ الرَّسُولِ عليه السلام زَوْجَةَ دَعِيِّهِ زَيْدٍ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأُمَّةِ حُكْمَهُ عليه السلام فِي الْفِعْلِ الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُ، نَفْيُ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.
ص - الْمُوجِبُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7] .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: مَا أَمَرَكُمْ لِمُقَابَلَةِ وَمَا نَهَاكُمْ. قَالُوا: " فَاتَّبِعُوهُ ".
أُجِيبَ: فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، أَوْ فِي الْقَوْلِ، أَوْ فِيهِمَا.
قَالُوا: " لَقَدْ كَانَ " إِلَى آخِرِهَا. أَيْ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ فَلَهُ فِيهِ أُسْوَةٌ.
قُلْنَا: مَعْنَى التَّأَسِّي: إِيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ.
ص - قَالُوا: خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعُوا، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَبَيَّنَ الْعِلَّةَ. قُلْنَا: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " صَلُّوا " أَوْ لِفَهْمِ الْقُرْبَةِ.
قَالُوا: لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّمَتُّعِ، تَمَسَّكُوا بِفِعْلِهِ. قُلْنَا: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " خُذُوا " أَوْ لِفَهْمِ الْقُرْبَةِ.
ص - قَالُوا: لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ، «سَأَلَ عُمَرُ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فَقَالَتْ: فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَسَلْنَا» .
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، شَرَعَ فِي الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ، إِنْ كَانَ عِبَادَةً فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ [إِمَّا] أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ حَالَ إِتْيَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، الْقُرْبَةَ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَنَدْبٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ الْقُرْبَةَ بِهِ، دَلَّ عَلَى رُجْحَانِ فِعْلِهِ عَلَى التَّرْكِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ رَاجِحًا، لَمْ تُقْصَدْ بِهِ قُرْبَةٌ، فَلَزِمَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الرُّجْحَانِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ.
وَخُصُوصِيَّةُ الْوُجُوبِ - وَهُوَ الذَّمُّ عَلَى التَّرْكِ - زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الذَّمِّ بِتَرْكِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ ثَابِتَةٌ. وَإِذَا كَانَ رَاجِحًا، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ رَاجِحًا.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ - فَمُبَاحٌ، لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَابِتٌ ; إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ [الذَّنْبِ] فِي فِعْلِهِ عليه السلام ; لِأَنَّ وُقُوعَ [الذَّنْبِ] فِي فِعْلِهِ نَادِرٌ، مَغْلُوبٌ، وَالنَّادِرُ الْمَغْلُوبُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَخُصُوصِيَّةُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لَمْ تَثْبُتْ ; إِذْ لَا وُجُوبَ وَلَا نَدْبَ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ. وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ وَانْتَفَى الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ، تَعَيَّنَ الْإِبَاحَةُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْإِبَاحَةُ رَاجِحَةً فِي صُوَرِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ، مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ، لَمَا فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] لِامْتِنَاعِ [تُرَجُّحِ] الْمَرْجُوحِ أَوِ الْمُسَاوِي.
لَكِنْ فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ فَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ رَاجِحَةً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا.
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ فِيمَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ، شَرَعَ فِي تَقْرِيرِ دَلَائِلِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ فِيمَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ.
وَلَمَّا كَانَ دَلَائِلُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، اعْتُبِرَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا، فَذَكَرَ أَوَّلًا الدَّلَائِلَ الْمَأْخُوذَةَ مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ ثُمَّ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْقِيَاسِ.
أَمَّا الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْكِتَابِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] . وَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَخْذِ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ، أَيْ بِإِمْسَاكِ مَا أَتَى بِهِ. لِأَنَّ الْأَخْذَ هَهُنَا هُوَ الِامْتِثَالُ مَجَازًا. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَيَكُونُ امْتِثَالُ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ وَاجِبًا. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَتَى بِهِ فِعْلُهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، فَيَكُونُ امْتِثَالُهُ وَاجِبًا.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7] بِمَعْنَى مَا أَمَرَكُمْ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَمَا نَهَاكُمْ وَالْأَمْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبًا.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّبِعُوهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ. وَالْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، فَيَكُونُ مِثْلُ فِعْلِهِ وَاجِبًا.
أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَابَعَةِ هِيَ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، أَيْ إِنْ كَانَ الرَّسُولُ فَعَلَهُ عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ، كَانَتِ الْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ، فَالْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ. أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْمُتَابَعَةِ هِيَ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَوْلِ، وَهِيَ الِامْتِثَالُ لِقَوْلِهِ. أَوِ الْمُرَادُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مَعًا.
وَعَلَى التَّقَادِيرِ لَمْ يَلْزَمْ وُجُوبُ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ. أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلِأَنَّ الِاتْبَاعَ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا عُلِمَ صِفَةُ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي الْقَوْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ أَنَّ التَّأَسِّيَ بِالرَّسُولِ عليه السلام مِنْ لَوَازِمِ رَجَاءِ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، [وَرَجَاءُ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] هُوَ الْإِيمَانُ بِهِمَا. فَيَكُونُ مَضْمُونُ الْآيَةِ رَاجِعًا إِلَى جُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ [الْآخِرِ] فَلَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي رَسُولِ اللَّهِ. فَوَجَبَ التَّأَسِّي بِفِعْلِ النَّبِيِّ عليه السلام ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّأَسِّي وَاجِبًا، لَجَازَ تَرْكُهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَجُوزُ تَرْكُهُ.
وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ تَرْكُ التَّأَسِّي بِهِ، لَجَازَ تَرْكُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَوَازُ الْكُفْرِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّأَسِّيَ بِهِ لَازِمٌ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَوَازُ تَرْكِ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِ الْمَلْزُومِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنَ التَّأَسِّي ; إِيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ. فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّأَسِّي فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَلَائِلِهِمُ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْكِتَابِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا، شَرَعَ فِي دَلَائِلِهِمُ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ مِنْهَا دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَمَّا خَلَعَ الرَّسُولُ عليه السلام نَعْلَيْهِ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ فَهِمُوا وُجُوبَ الْخَلْعِ عَلَيْهِمْ، فَخَلَعُوا نِعَالَهُمْ. «فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ عليه السلام: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» فَقَالُوا فِي جَوَابِهِ: لِأَنَّكَ خَلَعْتَ. فَأَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ عليه السلام عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَبَيَّنَ عِلَّةَ اخْتِصَاصِهِ بِالْخَلْعِ، حَتَّى حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ:«أَخِي جِبْرِيلُ عليه السلام أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذًى» .
فَلَوْلَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
لَمَا خَلَعُوا، وَلَمَا أَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ عليه السلام عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَلَمَا احْتَاجَ إِلَى بَيَانِ عِلَّةِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ فَهْمَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ قَوْلِهِ:" «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَ هَذَا الْكَلَامُ فَهِمُوا وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ. أَوْ لِأَنَّهُمْ خَلَعُوا لِفَهْمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ بِخَلْعِ [النَّبِيِّ]عليه السلام لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ.
الثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَصْحَابَهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالتَّمَتُّعِ - وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ، أَيْ مَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي تِلْكَ السَّنَّةِ - وَلَمْ يَتَمَتَّعْ. فَقَالُوا: مَا لَكَ تَأْمُرُنَا بِالتَّمَتُّعِ وَلَمْ تَتَمَتَّعْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ فِعْلِهِ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ، وَالرَّسُولُ عليه السلام لَمْ يُنْكِرْ، بَلْ بَيَّنَ عُذْرًا يَخْتَصُّ بِهِ. فَلَوْلَا أَنَّ فِعْلَهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ لَأَنْكَرَهُ الرَّسُولُ، عليه السلام.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا فَهِمُوا وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " أَوْ أَنَّهُمْ مَا فَهِمُوا وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ فِي فِعْلِهِ، بَلْ فَهِمُوا أَنَّ مُتَابَعَتَهُ مَنْدُوبَةٌ بِسَبَبِ فَهْمِ الْقُرْبَةِ مِنْ فِعْلِهِ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِجْمَاعِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنِ [الْتِقَاءِ] الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ، رَجَعَ عُمَرُ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنهما وَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ صلى الله عليه وسلم، فَاغْتَسَلْنَا. فَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ. فَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرْ
قُلْنَا: إِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنْ " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» " أَوْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ وَإِنْ كُنْتُمْ [جُنُبًا] . أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ. أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ.
ص - قَالُوا: أَحْوَطُ، كَصَلَاةٍ، وَمُطَلَّقَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنَا. وَالْحَقُّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا ثَبَتَ وَجُوبُهُ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
عِنْدَهُمْ أَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام وَاجِبٌ، لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ [اسْتَفَادُوهُ] مِنْ حِكَايَةِ فِعْلِهِ عليه السلام بَلْ [اسْتَفَادُوهُ] مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ» " وَإِنَّمَا رَجَعَ عُمَرُ إِلَى عَائِشَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ أَمْرُهُ عليه السلام مُوَافِقًا لِفِعْلِهِ أَمْ لَا.
أَوْ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام وَقَعَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . وَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ اعْتِبَارِ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ.
أَوْ لِأَنَّ الْغُسْلَ شَرْطُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ عليه السلام مُسَاوَاتَهُ لِأُمَّتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ:" «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ".
فَفَهِمُوا وُجُوبَ الْغُسْلِ لِذَلِكَ ; لَا لِأَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبٌ. أَوْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِمَّا حَكَتْهُ عَائِشَةُ، الْوُجُوبَ، فَيَكُونُ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي عُلِمَتْ صِفَتُهُ.
ش - هَذَا دَلِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِيَاسِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ وَلِغَيْرِهِ. فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ، قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَنَسِيَهَا ; فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنِ الْوَاحِدَةُ الَّتِي تَرَكَهَا، حُكِمَ بِوُجُوبِ قَضَاءِ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ أَحْوَطُ.
وَعَلَى وُجُوبِ الْكَفِّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تَتَعَيَّنْ، فَإِنَّهُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَاشْتَبَهَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِهَا، بِأَنْ نَسِيَهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُنَّ جَمِيعًا ; لِأَنَّهُ أَحْوَطُ أَيْضًا.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا ثَبَتَ وَجُوبُهُ، كَالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ.
أَوْ كَانَ الْوُجُوبُ هُوَ الْأَصْلَ، كَيَوْمِ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ. فَإِنَّهُ إِذَا غُمَّ يَوْمُ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
أَوْ كَانَ الْأَصْلُ، كَالثَّلَاثِينَ. وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ - فَلَا.
ص - النَّدْبُ: الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ، وَالْإِبَاحَةُ مُنْتَفِيَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
ص - الْإِبَاحَةُ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ. أُجِيبُ: إِذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَادِرًا. فَإِنْ كَانَ كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ - فَلَا أَثَرَ لِلسُّكُوتِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ.
وَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ - فَنَسْخٌ، وَإِلَّا لَزِمَ ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنِ اسْتَبْشَرَ بِهِ - فَأَوْضَحَ.
وَتَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقِيَافَةِ بِالِاسْتِبْشَارِ وَتَرْكِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ، وَقَدْ بَدَتْ لَهُ أَقْدَامُ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ رضي الله عنهما: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ.
وَأَوْرَدَ: إِنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ لِمُوَافَقَةِ الْحَقِّ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْوُجُوبُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ عَمِلْنَا فِيهِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَقِيسِ، وَلَمْ يَكُنِ الْوُجُوبُ فِيهِ أَصْلًا، فَلَمْ نَعْمَلْ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ.
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ، شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ، وَذَكَرَ دَلِيلًا لَهُمْ.
تَقْرِيرُهُ: أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَلَا مَكْرُوهٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا.
وَالْوُجُوبُ مُنْتَفٍ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ لَاسْتَلْزَمَ التَّبْلِيغَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَعُلِمَ صِفَتُهُ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
وَالْإِبَاحَةُ أَيْضًا مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا حَسَنَةٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَسَنٌ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَتَعَيَّنَ النَّدْبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ وَلَمْ يُبَلِّغْ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ الْوُجُوبِ لِلتَّبْلِيغِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " بَلِّغْ " لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْوُجُوبِ بِالتَّبْلِيغِ.
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَ التَّبْلِيغِ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ، بَلْ بَلَّغَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَاتَّبِعُوهُ ".
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ دَلِيلَكُمْ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ، لَكِنْ يُفِيدُ انْتِفَاءَ النَّدْبِ أَيْضًا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَاسْتَلْزَمَ التَّبْلِيغَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] " وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَعُلِمَ صِفَتُهُ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.
وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْإِبَاحَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ التَّأَسِّي بِهِ، بَلْ حُسْنُ التَّأَسِّي لِأَنَّ الْحَسَنَةَ صِفَةٌ لِلْأُسْوَةِ. فَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَكُونُ التَّأَسِّي بِهَا حَسَنًا، بِأَنْ يُؤْتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ.