الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
" طَلَّقْتُكِ " سُئِلَ عَنْهُ مَاذَا تُرِيدُ بِقَوْلِكَ، إِيقَاعَ الطَّلَاقِ أَوِ الْإِخْبَارَ عَنِ الطَّلَاقِ السَّابِقِ؟ وَلَوْلَا الْفَرْقُ، لَمْ يُسْأَلْ.
[الْخَبَرُ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ الْخَبَرِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهِ. وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى صِدْقٍ وَكَذِبٍ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْخَبَرِ إِمَّا مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا، فَهُوَ صِدْقٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَهُوَ كَذِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَذَهَبَ الْجَاحِظُ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ إِمَّا مُطَابِقٌ أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ. فَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا.
وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا.
فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ. وَالْأَوَّلُ مِنْهَا - وَهُوَ الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ - صِدْقٌ وَالرَّابِعُ - وَهُوَ الْخَبَرُ الْغَيْرُ الْمُطَابِقِ مَعَ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ - كَذِبٌ. وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ.
فَقَوْلُهُ: " وَالثَّانِي فِيهِمَا " إِشَارَةٌ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ; لِأَنَّ الْمُطَابِقَ مَعَ نَفْيِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ انْقَسَمَ إِلَى قِسْمَيْنِ. وَغَيْرُ الْمُطَابِقِ مَعَ نَفْيِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ انْقَسَمَ أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِثَالُ الصِّدْقِ قَوْلُنَا: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، إِذَا كَانَ فِيهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ فِيهَا. مِثَالُ الْكَذِبِ قَوْلُنَا: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا. وَاسْتَدَلَّ الْجَاحِظُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ.
وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ الرَّسُولُ عليه السلام عَنْ نُبُوَّةِ نَفْسِهِ حَصَرَ الْكُفَّارُ [إِخْبَارَهُ النُّبُوَّةَ] فِي الِافْتِرَاءِ، أَيِ الْكَذِبِ، وَإِخْبَارِ مَنْ بِهِ جَنَّةٌ، حَصْرًا عَلَى مَنْعِ الْخُلُوِّ. وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ كَذِبًا ; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ [قَسِيمَ] الْكَذِبِ، وَقَسِيمُ الشَّيْءِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ. وَلَيْسَ بِصِدْقٍ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَهُ. فَيَثْبُتُ قِسْمٌ آخَرُ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْإِخْبَارُ فِي حَالِ الْجُنُونِ دَاخِلٌ فِي الْكَذِبِ ; لِأَنَّ الِافْتِرَاءَ هُوَ الْكَذِبُ عَنِ التَّعَمُّدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَسِيمًا لِلْكَذِبِ عَنْ تَعَمُّدٍ، أَنْ لَا يَكُونَ كَذِبًا.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْكَذِبِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْكَذِبِ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَاسِطَةَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: الِافْتِرَاءُ هُوَ الْكَذِبُ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ تَعَمُّدٍ أَوْ لَا، وَالتَّقْيِيدُ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا، لَمَا قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالُوهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: افْتَرَى فِي هَذَا الْإِخْبَارِ، أَوْ لَمْ يَفْتَرِ، بَلْ بِهِ جُنُونٌ. وَكَلَامُ الْمَجْنُونِ لَيْسَ افْتِرَاءً، سَوَاءٌ قُصِدَ بِهِ الْإِفْتِرَاءُ أَوْ لَمْ يُقْصَدْ لِلْجُنُونِ ; فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ خِبْرَتِهِ كَلَامُهُ ; لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ [يُعْتَدُّ بِهِ] وَلَا شُعُورَ فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ خَبَرًا. فَيَكُونُ مُرَادُهُمُ الْحَصْرَ فِي كَوْنِهِ خَبَرًا كَذِبًا أَوْ لَيْسَ بِخَبَرٍ. فَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا.
ش - الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ الْوَاسِطَةِ قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها اعْتِذَارًا عَمَّنْ ظَهَرَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ خَبَرِهِ: مَا كَذَبَ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ. نَفَتِ الْكَذِبَ عَنْ خَبَرِهِ، وَالصِّدْقُ أَيْضًا مُنْتَفٍ [عَنْهُ] بِالِاتِّفَاقِ. فَثَبَتَ خَبَرٌ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَجَابَ بِأَنَّهَا مَا نَفَتِ الْكَذِبَ، بَلْ نَفَتِ الْكَذِبَ الْمُتَعَمَّدَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْكَذِبِ الْمُتَعَمَّدِ عَنْهُ انْتِفَاءُ الْكَذِبِ مُطْلَقًا.
ش - قِيلَ: إِنَّ الْخَبَرَ مُنْحَصِرٌ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْجُمْهُورُ.
بَيَانُهُ أَنَّ الْخَبَرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ وَمُعْتَقِدًا مُطَابَقَتَهُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ صِدْقٌ، وَالثَّانِي كَذِبٌ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّدْقِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَالصِّدْقِ بِتَفْسِيرِ الْجَاحِظِ. وَأَمَّا الْكَذِبُ فَهُوَ أَعَمُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِنَ الْكَذِبِ عِنْدَ الْجَاحِظِ ; فَإِنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ عِنْدَ الْجَاحِظِ، تَكُونُ كَذِبًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُطَابَقَةِ فِي الصِّدْقِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَّبَ الْمُنَافِقِينَ فِي إِخْبَارِهِمْ عَنْ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ، عليه السلام.