الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " الْمُعْتَرِضُ مُسْتَظْهِرٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ " أَنَّ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ فِي الْأَوَّلِ وَيَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ قَاطِعٌ ; إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا. وَأَنْ يَمْنَعَ فِي الثَّانِي الدَّلِيلَ الْمُتَمَسَّكَ بِهِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ.
[إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ]
ش - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ - وَهُوَ السُّكُوتِيُّ، وَالْمَنْقُولُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ - لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ.
وَإِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ هَلْ يُوجِبُ الْكُفْرَ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: يُوجِبُ الْكُفْرَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ إِنْكَارَهُ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ سَنَدٍ قَاطِعٍ، وَإِنْكَارُ السَّنَدِ الْقَاطِعِ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ صِدْقِ الرَّسُولِ عليه السلام الْمُوجِبَ لِلْكُفْرِ.
وَالثَّانِي: لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ أَصْلِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ. فَالْإِجْمَاعُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعُ. فَلَا يَكُونُ إِنْكَارُهُ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ.
وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: إِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي أَمْرِ عِلْمٍ قَطْعًا كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ، كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، كَانَ إِنْكَارُ حُكْمِهِ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِلَّا فَلَا.
[التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ]
ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، صَحِيحٌ. مِثْلَ رُؤْيَةِ الْبَارِي وَنَفْيِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِمَا ; لِأَنَّا قَبْلَ الْعِلْمِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ الشَّرِيكِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ صِحَّةَ الْإِجْمَاعِ.
وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، مِثْلَ الْآرَاءِ وَالْحُرُوبِ قَوْلَانِ فِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِهِ.
لَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَلَّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ.
[اشْتِرَاكُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ]
[مقدمة]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَبْحَاثِ الْمَخْصُوصَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ الثَّلَاثَةِ، شَرَعَ فِي الْأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَقَالَ:" وَيَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. فَالسَّنَدُ: إِخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ ".
أَعْنِي بَيَانَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، بِطَرِيقِ ثُبُوتِهِ، إِمَّا بِالتَّوَاتُرِ أَوِ الْآحَادِ.
[الخبر
والإنشاء]
[الخبر]
ش - أَيِ الْخَبَرُ اسْمٌ لِقَوْلٍ لَهُ صِيغَةٌ وَمَعْنًى مَخْصُوصَانِ. وَاخْتَلَفَ فِي تَحْدِيدِهِ. فَقِيلَ: لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ لِعُسْرِهِ، كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ.
ش - قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: الْخَبَرُ غَنِيٌّ عَنِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ:
ص - مَسْأَلَةٌ: التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ، صَحِيحٌ. كَرُؤْيَةِ الْبَارِي، عز وجل، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ.
وَلِعَبْدِ الْجَبَّارِ فِي الدُّنْيَوِيَّةِ قَوْلَانِ. لَنَا دَلِيلُ السَّمْعِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[اشْتِرَاكُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ] ص - وَيَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. فَالسَّنَدُ: الْإِخْبَارُ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ.
ص - وَالْخَبَرُ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ لِلصِّيغَةِ وَالْمَعْنَى. فَقِيلَ: لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ.
ص - وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ ضَرُورَةً. فَالْمُطْلَقُ أَوْلَى.
ص - وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ ضَرُورِيٌّ، لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا. بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُصُولِهِ ضَرُورَةً.
ص - وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ ضَرُورَةً وَلَا نَتَصَوَّرُهُ. أَوْ بِتَقَدُّمِ تَصَوُّرِهِ.
وَالْمَعْلُومُ ضَرُورَةً ثُبُوتُهَا أَوْ نَفْيُهَا. وَثُبُوتُهَا غَيْرُ تَصَوُّرِهَا.
ص - الثَّانِي: التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ضَرُورَةٌ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ:" أَنَا مَوْجُودٌ " مِنْ حَيْثُ وُقُوعٌ بِالنِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ. فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا.
ش - هَذَا جَوَابُ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، يُنَافِي دَعْوَى ضَرُورَتِهِ; لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ هُوَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ وَنَظَرٍ.
وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، لَا عَلَى حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، لَا يُنَافِي كَوْنَ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّ تَوَقُّفَ ضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِالْخَبَرِ عَلَى الدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ، لَا يَسْتَلْزِمُ تَوَقُّفَ ضَرُورَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِمَا.
بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً ; فَإِنَّهُ يَكُونُ مُنَافِيًا لِكَوْنِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ ضَرُورِيًّا، وَضَرُورَتُهُ نَظَرِيَّةٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الثَّانِي لَا يُنَافِي دَعْوَى ضَرُورَتِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِلْمَ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةُ تُصَوِّرِهِ أَوْ تَقَدُّمِ تَصَوُّرِهِ ; لِأَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ. وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَصَوُّرُ الْخَبَرِ لَا حُصُولُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا، يَكُونُ تُصَوُّرُ الْخَبَرَ أَيْضًا ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ تَصَوُّرُهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا. وَثُبُوتُ النِّسْبَةِ غَيْرُ تَصَوُّرِهَا.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَا قَالَ: إِنَّ حُصُولَ الْخَبَرِ هُوَ تُصَوُّرُهُ، بَلْ قَالَ: الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ، هُوَ تَصَوُّرُهُ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ غَيْرُ تَصَوُّرِهِ.
ش - الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا نُدْرِكُ بِالضَّرُورَةِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَسْبُوقَةٌ بِتَصَوُّرِهِمَا، فَيَكُونُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدِيهِيًّا، لِأَنَّ السَّابِقَ عَلَى الْبَدِيهِيِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَدِيهِيًّا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: " وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ ". وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِتَصَوُّرِهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ.
ش - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.
فَـ " الْكَلَامُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْخَبَرَ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ " يُخْرِجُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَسَائِرَ الْإِنْشَاءَاتِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي كُلِّ خَبَرٍ ; لِأَنَّ الْوَاوَ يَقْتَضِي الْجَمْعَ. لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا لَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ أَصْلًا، مِثْلَ قَوْلِنَا: الِاثْنَانِ فَرْدٌ، وَالثَّلَاثَةُ زَوْجٌ.
وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ أَصْلًا، كَالْبَدِيهِيَّاتِ، لَا سِيَّمَا فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِي خَبَرِ اللَّهِ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً، لَا لِنَفْسِ كَوْنِهِ خَبَرًا، بَلْ لِخُصُوصِيَّةِ كَوْنِهِ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ.
ص - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْخَبَرُ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَهُوَ مُحَالٌ. لَا سِيَّمَا فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى. أَجَابَ الْقَاضِي بِصِحَّةِ دُخُولِهِ لُغَةً.
فَوَرَدَ أَنَّ الصِّدْقَ: الْمُوَافِقُ لِلْخَبَرِ، وَالْكَذِبَ نَقِيضُهُ. فَتَعْرِيفُهُ بِهِ دَوْرٌ. وَلَا جَوَابَ عَنْهُ. وَقِيلَ: التَّصْدِيقُ أَوِ التَّكْذِيبُ، فَيُرَدُّ الدَّوْرُ.
وَأَنَّ الْحَدَّ يَأْبَى " أَوْ ". وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ، قَبُولُ أَحَدِهِمَا.
ص - وَأَقْرَبُهَا قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ: كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً. قَالَ: " بِنَفْسِهِ " لِيُخْرِجَ نَحْوَ " قَائِمٍ " ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ [عِنْدَهُ] كَلَامٌ، وَهِيَ تُفِيدُ نِسْبَةً مَعَ الْمَوْضُوعِ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ بَابُ " قُمْ " وَنَحْوُهُ ; فَإِنَّهُ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، إِمَّا لِأَنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ الطَّلَبَ مَنْسُوبٌ.
ص - وَالْأَوْلَى: الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ نِسْبَةٌ خَارِجِيَّةٌ. وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ.
فَنَحْوُ طَلَبْتُ الْقِيَامَ، حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، بِخِلَافِ " قُمْ ".
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقَدْ قِيلَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ مُتَقَابِلَانِ، وَالْمُتَقَابِلَانِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُتَقَابِلَيْنِ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، أَمَّا فِي زَمَانَيْنِ فَلَا. وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، بَلْ تَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا مُطْلَقًا.
أَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْخَبَرَ الصَّادِقَ [صَحَّ] دُخُولُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ لُغَةً، أَيْ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُهُ لُغَةً، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْمَادَّةِ. [وَكَذَا صَحَّ دُخُولُ الصِّدْقِ عَلَى الْخَبَرِ الْكَاذِبِ] .
وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالضَّرُورِيَّاتُ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ مِنْ خَارِجِ مَفْهُومِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالضَّرُورِيَّاتِ، يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ كَاذِبَةً.
وَلَمَّا اعْتَبَرَ الْقَاضِي فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ صِحَّةَ دُخُولِهِ لُغَةً، سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ.
وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْخَبَرِ وَالْكَذِبَ نَقِيضُهُ، أَعْنِي الْخَبَرَ الْغَيْرَ الْمُوَافِقِ لِلْخَبَرِ، فَيَتَوَقَّفُ تَعْرِيفُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ. فَتَعْرِيفُ الْخَبَرِ بِهِمَا دَوْرٌ. وَلَا جَوَابَ عَنْ لُزُومِ الدَّوْرِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
قِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الدَّوْرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ عَرَّفْنَا الْخَبَرَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمُصْطَلَحَيْنِ، وَهُمَا بِالْخَبَرِ الْمُصْطَلَحِ. أَمَّا لَوْ عَرَّفْنَاهُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ اللُّغَوِيِّينَ أَوْ بِالْمُصْطَلَحَيْنِ، ثُمَّ عَرَّفْنَاهُمَا بِالْخَبَرِ اللُّغَوِيِّ، لَمْ يَلْزَمِ الدَّوْرُ.
وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْدُقُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْخَبَرِ مَفْهُومَانِ، لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مَفْهُومَهُمَا اللُّغَوِيَّ بِعَيْنِهِ مَفْهُومُهُمَا الِاصْطِلَاحِيُّ، فَلَا يَسْقُطُ الدَّوْرُ.
قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ لُزُومِ الدَّوْرِ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّقَ بِهِ لَفْظُ الْخَبَرِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، مُتَمَيِّزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ حَيْثُ عُلِّقَ بِهِ لَفْظُ الْخَبَرِ، فَعَرَّفَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُسَلِّمْ بَدَاهَتَهُ. وَفِي تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ الصِّدْقَ بِالْمُوَافِقِ لِلْخَبَرِ تَسَاهُلٌ.
وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ: إِنَّهُ الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوِ التَّكْذِيبُ. وَالِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ اسْتِلْزَامُ اجْتِمَاعِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ - لَمْ يَرِدْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
هَهُنَا ; لِأَنَّ " أَوْ " لَا يَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ، وَلَكِنْ يَرِدُ الدَّوْرُ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقًا فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الصَّادِقِ، وَالصَّادِقُ عَلَى الصِّدْقِ، وَالصِّدْقُ عَلَى الْخَبَرِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَفِي هَذَا الدَّوْرِ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِثَلَاثِ مَرَاتِبَ، وَفِي الْأَوَّلِ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَيْضًا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى لَفْظِ " أَوْ " وَهُوَ لِلتَّشْكِيكِ وَالتَّرْدِيدِ، وَالْحَدُّ يَأْبَاهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْخَبَرَ يَدْخُلُهُ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَلَيْسَ فِي دُخُولِ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ تَرَدُّدٌ، بَلِ التَّرَدُّدُ فِي دُخُولِ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَدِّ.
ش - قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ لِلْخَبَرِ إِلَى الصَّوَابِ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ: الْخَبَرُ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْمُرَادُ مِنَ النِّسْبَةِ: إِضَافَةُ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ بِحَيْثُ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: " يُفِيدُ ".
وَإِنَّمَا قَالَ: " بِنَفْسِهِ " لِيُخْرِجَ عَنْهُ نَحْوَ " قَائِمٍ " مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ وَالْأَفْعَالِ ; فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَدِّ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ عِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ كَلَامٌ، لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، بَلْ يُفِيدُ مَعَ الْمَوْضُوعِ، فَإِنَّ " قَائِمٌ " فِي قَوْلِنَا " زِيدٌ قَائِمٌ " يُفِيدُ نِسْبَةَ الْقِيَامِ إِلَى ضَمِيرِ " زَيْدٍ " لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ " زَيْدٍ " الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ.
وَيَرُدُّ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ بَابُ " قُمْ " أَيْ فِعْلُ الْأَمْرِ وَنَحْوُهُ، كَالنَّهْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ ; فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا هَذَا التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّهَا كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً ; لِأَنَّ " قُمْ " يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةَ الْقِيَامِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، أَوْ نِسْبَةَ الطَّلَبِ إِلَى الْأَمْرِ. وَقِسْ عَلَيْهِ بَاقِي الْإِنْشَاءَاتِ.
ش - اعْلَمْ أَنَّ أَوْلَى الْحُدُودِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لِلْخَبَرِ أَنَّهُ: الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ.