الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول مذهبه:
1-
القرآن الكريم:
جاء في تاريخ بغداد ما روي عن أبي حنيفة أن قال: آخذ بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم أجد في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول أصحابه.. آخذ بقول من شئت منهم، وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، وهذا الكلام يدل على أنه يأخذ بالكتاب ثم بالسنة. وأبو حنيفة يجعل قراءة الآحاد إذا كانت مشهورة حجة، فاشترط التتابع في الصوم بكفارة اليمين لقراءة ابن مسعود؛ "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات" لأنها خبر مشهور، والزيادة عنده تثبت بالخبر المشهور. ولئن كان المروي عنده أن القرآن هو النظم والمعنى على الصحيح؛ فإنه لم يجعل النظم ركنا لازما في الصلاة، فمن أصل أبي حنيفة: أن القراءة بالفارسية كالقراءة بالعربية يتأدى بها فرض القراءة في الصلاة، وجمهور العلماء يرفض ذلك لقوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} 1.
2-
التشدد في قبول الحديث:
كان أبو حنيفة يتحرى عن رجال الحديث، ويتثبت من صحة روايتهم؛ فقد لا يقبل الخبر عن رسول الله صلى الله وسلم إلا إذا رواه جماعة عن جماعة، أو اتفق فقهاء الأمصار على العمل به؛ فأصبح مشهورا، وبهذا تضيق دائرة العمل بالحديث.
وقد نقل الشافعي في "الأم" عن أبي يوسف ما يوضح خطته وخطة أبي حنيفه شيخه في ذلك.
قال أبو يوسف: فعليك من الحديث مما تعرفه العامة، وإياك والشاذ منه، فإنه
1 الزخرف: 3.
حدثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر أن رسول الله دعا اليهود فحدثوه؛ حتى كذبوا على عيسى، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس فقال:"إن الحديث سيفشوا على، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو مني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني".
3-
التوسع في القياس:
وحيث ضاقت دائرة الأخذ بالحديث كان التوسع في الأخذ بالقياس، وهكذا كان أبو حنيفة يعمل رأيه في المسألة، ويجتهد في استنباط حكمها دون أن يتقيد بقول سابق للصحابة أو التابعين، ما لم يتبين له صحة نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عنه أنه قال في النص الآنف الذكر:"إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات؛ فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، فلي أن اجتهد كما اجتهدوا".
4-
الاستحسان:
يعتبر الاستحسان من أصول الأدلة في مذهب أبي حنيفة، وإن بالغ في الأخذ به بعض العلماء الأحناف، فقالوا: إن المجتهد له أن يستحسن بعقله، إلا أن المتأخرين منهم على أن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام، ومن أمثلة ذلك:
نص فقهاء الحنفية على أن الواقف إذا وقف أرضا زراعية يدخل حق المسيل وحق الشرب وحق المرور في الوقف تبعا بدون ذكرها استحسانا.
والقياس أنها لا تدخل إلا بالنص عليها كالبيع، ووجه الاستحسان: أن المقصود من الوقف انتفاع الموقوف عليهم ولا يكون الانتفاع بالأرض الزراعية إلا
بالشرب والمسيل والطريق؛ فتدخل في الوقف بدون ذكرها لأن المقصود لا يتحقق إلا بها كالإجارة.
فالقياس الظاهر إلحاق الوقف في هذا البيع، لأن كلا منها إخراج ملك من مالكه، والقياس الخفي إلحاق الوقف في هذا بالإجارة؛ لأن كلا منهما مقصود به الانتفاع، فكما يدخل المسيل والشرب والطريق في إجارة الأطيان بدون ذكرها، تدخل في وقف الأطيان بدون ذكرها1.
5-
الحيل الشرعية:
ينسب كثير من الباحثين إلى فقه أبي حنيفة الحيل الشرعية، وأنها كانت بابا وساعا من أبواب الفقه في مذهبه، وقد تكلم ابن القيم عن الحيل في كتابه "أعلام الموقعين" وشنع على من توسع فيها، وقال: "إن المتأخرين أحدثوا حيلا لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم.
واعتبر هؤلاء الباحثون من أصول أبي حنيفة باب الحيل، ويسمونه "المخارج من المضايق" وفي القاموس وشرحه، الاحتيال والتحول، والتحيل، الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف. وقال صاحب المصباح: الحيلة: الحذق في تدبير الأمور، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود، وأصلها الواو؛ وإنما قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها. وقال ابن القيم في "أعلام الموقعين": إن مباشرة الأسباب حيلة على حصول مسبباتها، فالأكل والشرب واللبس والسفر حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيل على حصول المعقود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيل على حصول مقاصدها منها.
وقد غلب إطلاق الحيلة على ما يكون من الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى
1 انظر: علم أصول الفقه - عبد الوهاب خلاف - طبعة دار القلم- الكويت، ص 80.
حصول العرض بحيث لا يتفطن لها إلا بنوع من الذكاء وبعد النظر، والحيلة بهذا المعنى لا تحمد على الإطلاق، ولا تذم على الإطلاق، بل تتبع في ذلك الطرق المسلوكة إليها، والمقاصد التي تراد بها.
فالطرق والوسائل الخفية التي تستحل بها المحارم، وتسقط بها الواجبات ظاهرا. وكل حيلة تتضمن إسقاط حق الله تعالى أو لآدمي فهي من الحيل المذمومة شرعا، وهذا هو الذي عناه جمهور الفقهاء والمحدثين بالذم.
والحيل عند فقهاء الحنفية تطلق على المخارج من المضايق بوجه شرعي، جاء في شرح الأشباه والنظائر للحموي: الحيل: جمع حيلة، وهي وجودة النظر، والمراد بها هنا ما يكون مخلصا شرعيا لمن ابتلي بحادثة دينية، ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر أطلق عليه لفظ الحيلة.
وما دامت الوسائل مشروعة، وتؤدي إلى مقاصد مشروعة، فإن ذلك يكون جائزا.
وجمهور الفقهاء ولا سيما المالكية والحنابلة لا يسوعون الحيل بأي صورة من الصور لأنهم يقولون بسد الذرائع، وهو أصل مناقض للحيل تمام المناقضة.
وقد أورد القائلون بجواز الحيل شبها ردها المخالفون لهم القائلون بتحريمها ومن هذه الشبه:
1-
أن نبي الله أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مائة ضربة لسبب من الأسباب استدعى ذلك، ثم أذن الله تعالى أن يتحلل من يمينه بحيلة، وهي أن يأخذ ضغثا فيه مائة عود يضربها به ضربة واحدة، كما قال تعالى لأيوب:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 1؛ فهذه حيلة يقاس عليها غيرها.
وقد أجيب عن هذا: بأن موجب هذا اليمن لغة الضرب مجموعا أو مفرقا، فعلى هذا تكون هذه الفتيا موجب هذا اللفظ عند الإطلاق ولا يكون حيلة، إنما الحيلة
1 سورة ص: 44.
أن يصرف اللفظ عن موجبه على الإطلاق، ومن ناحية أخرى فلعل امرأة أيوب كانت معذورة فيما أخطأت فيه حين حلف أيوب هذه اليمين. وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورا خفف عنه، بأن يجمع له مائة شمراخ فيضرب بها ضربة واحدة،؛ فقد روى أحمد وغيره هذا عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة فيما حكاه عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن هذا شرع من قبلنا فلا يكون حجة علينا إذا خالف شرعنا.
2-
ومن هذه الشبه ما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خبر فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكل تمر خيبر هكذا"؟ ، فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا". والجمع: نوع من تمر خيبر رديء، والجنيب، نوع جيد.
فقالوا: إنه يستدل بالحديث على جواز بيع العينة وعلى سائر العقود التي ظاهرها البيع، وباطنها الربا.
وأحيب عن هذا: بأن التحيل على استباحة الربا لو كان مشروعا لم يكن في تحريم الربا حكمة إلا تضييع الزمان بلا فائدة؛ فإن كل إنسان يستطيع بهذا أن يستحل ما حرم الله من أنواع الربا بأدنى الحيل وأقربها، ففي ربا الفضل يمكنه في كل مال ربوي أن يقول: بعتك هذا المال بكذا، ويسمى ما شاء من الثمن، ثم يقول: اشتريت منك هذا "للذي هو من جنسه" بذلك الثمن الذي سماه، وفي ربا النسيئة يمكنه أن يقول: بعتك هذه السلعة بألف إلى سنة مثلا، ثم يقول: ابتعتها منك بخمسمائة حالة، وهكذا ينقض المحتال من أيسر الطرق ما أحكم الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينسب ذلك كله إلى شريعة الله {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم} 1.
1 النور 16.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الرجل في الحديث ببيع مطلق وشراء مطلق؛ فقال: "بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" والمطلق في لسان الشارع إنما يصدق على الصور التي أحلها لا على الصور التي حرمها. وبيع العينة ومنا في معناه قد حرمه الشارع؛ فلا يمكن أن يصدق على البيوع المحرمة، ما يجيء على لسان الشارع من بيع مطلق أو شراء مطلق.
وكتاب الحيل الذي وردت فيه الحيل غير المشروعة التي يتوصل بها إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال نسبه الخطيب البغدادي في الجزء الثالث عشر من تاريخ بغداد" لأبي حنيفة عندما ترجم له. ولكن المحققين من العلماء يبرئون أبا حنيفة من الكتاب ومما ورد فيه، كما نسب القول بالحيل إلى أبي يوسف وإلى محمد بن الحسن.
وأكثر ما ينسب إلى أبي حنيفة من ذلك ما أفتى به في مسائل تتعلق بالأيمان عامة، وبالطلاق خاصة، ليس فيها تحايل على إبطال الحق؛ ولكنها استنباط فقهي للخروج من مأزق، كأن يحلف الرجل ليقربن امرأته نهارا في رمضان، فيفتيه أبو حنيفة أن يسافر بها نهارا في رمضان، ويحلف آخر وقد رأى امرأته على السلم فيقول: أنت طالق ثلاثا إن صعدت، وطالق ثلاثا إن نزلت، فيفتيه أبو حنيفة أن تقف المرأة على السلم ولا تصعد ولا تنزل ويحتال جماعة يحملون السلم بالمرأة فيضعونه على الأرض
…
وهكذا.
ومنه ما يكون من باب التسبب، أي أن يحدث المكلف سببا يؤدي إلى تغيير الحكم، كما لو دخل رمضان فأنشأ السفر ليأكل، أو كان له مال فوهبه قبل الحول تخلصا من الزكاة.
ولا شك أن أي حيلة تؤدي إلى استحلال الحرام، أو تحريم الحلال فهي خداع وباطل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها، أي أذابوها- فباعوها- وأكلوا ثمنها". متفق عليه.
أما ما يقصد به أخذ حق أو دفع باطل بطريق محرم، أو مباح تفضي إليه بخفاء فهذا لا بأس به، وقد ذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين"، أمثلة لذلك، مثل: أن يكون له على رجل حق فيجحده، ولا بينة له، ويقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق، ومثل أن يكون له على رجل دين وله عنده وديعة، فيجحد الوديعة فيجحد هو الدين، أو بالعكس، ويحلف ما له عندي حق، أو ما أودعني شيئا. ومثل أن تستأجر منه أرضا أو بستانا أو دارا سنين، ثم لا يأمن إذا صلحت الأرض أو البستان أو الدار أن يفسخ المؤجر العقد بنوع من أنواع المكر والغدر، فالحيلة في أمنه من ذلك أن يسمى لكل سنة أجرا معلوما، ويجعل أجرة السنين المتأخرة معظم الأجرة وأقلها للسنين الأولى، فلا يسهل عليه المكر بعد ذلك، وإذا خاف الرجل لضيق الوقت أن يحرم بالحج فيفوته فيلزمه القضاء دون الفوات، فالحيلة أن يحرم إحراما مطلقا ولا يعينه فإن اتسع له الوقت جعله حجا، وإن ضاق عليه الوقت جعله عمرة ولا يلزمه غيرها، وهكذا.
أبوحنيفة ورفض السنة:
أشرنا من قبل في منهج أبي حنيفة إلى أنه كان يتشدد في الحديث فيقبل المتواتر والمشهور ولكنه يتوقف في خبر الآحاد، إذا لم يكن مشهورا، ويشترط فيه شروطا مما أدى إلى اتهامه بقلة بضاعته في السنة، ورده لكثير من أخبار الآحاد الصحيحة إذا خالف مضمونها أصلا من الأصول.
قال عياض في أبي حنيفة: هو ممن سلم لهم حسن الاعتبار، وتدقيق النظر والقياس، وجودة الفقه والإمامة فيه، لكن ليس له إمامة في الحديث، ولا استقلال بعلمه، ولا يدعيه ولا يدعى له، ولذلك لا يوجدي له في أكثر المصنفات الحديثية ذكر، ولا أخرج له أهل الصحيحين منه ولو حرفا....
وقد ناقش بعض الباحثين هذه الدعوى، وأثبت أن النسائي أخرج له في السنن، وأن الترمذي أخرج له في الشمائل، وقال ابن خلدون في المقدمة: وحاشاه أن يكون جاهلا بالسنة، وكيف يتصور جهله بها مع إمامته المسلمة في
الفقه؟ وكيف يأخذه عنه جمهور من الأمة؟ وإنما الذي نفاه عياض: الإمامة والتبرز فيه حتى يكون مثل مالك وابن حنبل مثلا.
وقد حمل بعض الباحثين على أبي حنيفة لهذا المنهج، ونسبوا إليه أنه كان يرد الأحاديث الصحيحة، وأورد الخطيب البغدادي ذلك.
يروي أبو إسحاق الفزاري أنه كان يأتي أبا حنيفة فيسأله عن الفيء من الغزو فسأله عن مسألة فأجاب فيها، فقال له: إنه يروي فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال: دعنا من هذا.
ويذكر أبو صالح الفراء أنه سمع يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أكثر؛ فقلت له: يا أبا محمد
…
تعرفها؟ قال: نعم، قلت: أخبرني بشيء منها. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للفرس سهمان وللرجل سهم" قال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن، وكان النبي يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر. وقال أبو حنيفة: القرعة حرام.
ورد أبو حنيفة حديث المصراة المتفق عليها "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر" وفي رواية: "وصاعا من طعام". ولمسلم "فهو بالخيار ثلاثة أيام" واستدل الحنفية في رده بأعذار، قالوا: إن مضمونه مخالف لما هو أقوى منه في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه} 1 فإنه يحتم الضمان بالمثل، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"، فلا يكون اللبن مضمونا حيث كانت المصراة تحت ضمان المشتري، وقالوا: إن الحديث خالف قياس الأصول؛ فأوجب الرد من غير عيب ولا شرط، وقدر الخيار بثلاثة أيام؛ وإنما يتقيد بالثلاثة خيار الشرط، وأوجب البدل مع قيام المبدل، وقدر بالتمر والطعام والمتلفات إنما تضمن بالمثل أو القيمة واللبن مثلي، وجعل الضمان بالقيمة، ويؤدي إلى الربا إذا كان ثمن المصراة بالتمر حيث يزيد صاعا منه.
1 النحل: 126.
ودافع عن أبي حنيفة كثير من العلماء واستدلوا بقوله عن نفسه: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحل عنه إلى غيره، وأخذنا به، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم.
ويقول زفر تلميذ أبي حنيفة في هذا: "لا تلتفتوا إلى كلام المخالفين؛ فإن أبا حنيفة وأصحابنا لم يقولوا في مسألة إلا من الكتاب والسنة والأقاويل الصحيحة، ثم قاسوا بعد عليها"، ويقول أبو يوسف أكبر أصحابه:"ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث ومواضع النكت التي فيه من الفقه من أبي حنيفة، وكان أبصر بالحديث الصحيح مني".
ويقول ابن خلدون عنه:
"والإمام أبو حنيفة إنما قلت روايته لما شدد في شروط الرواية والتحمل، وضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي، وقلت من أجلها روايته؛ فقل حديثه، لا أنه ترك رواية الحديث، فحاشاه من ذلك.
ويدل على أنه كان من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم، والتعويل عليه، واعتماده ردا وقبولا، فلا تأخذك ريبة في ذلك، فالقوم أحق الناس بالظن الجميل بهم، والتماس المخارج الصحيحة لهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بما في حقائق الأمور".
ويذكر ابن عبد البر أنه قيل لأبي حنيفة: "المحرم لا يجد الإزار، يلبس السراويل؟ قال: لا، ولكن يلبس الإزار! قيل له: ليس له إزار! قال: يبيع السراويل، ويشتري بها إزارا، قيل له: فإن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: المحرم يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، فقال أبو حنيفة: لم يصح في هذا عندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فأفتى به، وينتهي كل امرئ إلى ما سمع، وقد صح عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلبس السراويل، فننتهي إلى ما سمعناه"، قيل له: أتخالف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لعن الله من يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، به أكرمنا وبه استنقذنا".