الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتوحات الإسلامية
ومقتضياتها:
أخذ الفتح الإسلامي يبسط نفوذه في عهد الخلفاء الراشدين على الأقطار المجاورة للجزيرة العربية، ودخل تحت لواء الإسلام من أصحاب الحضارات القديمة ناس من الفرس والروم، لهم من العقائد والتقاليد والأنظمة، ما يتنافى - كله أو جله مع العقيدة الإسلامية وشريعتها الغراء، وطبيعة هذا الفتح تستوجب ثل المسئولية، وعظيم التبعية على المسلمين الفاتحين، وتستدعي من الخلفاء أن يواجهوا هذا بتنظيم الجيوش وإمدادها، وتولية الولاة على البلاد المفتوحة، وإدارة شئونها.
وباتساع الفتوحات الإسلامية تتجدد مشكلات الناس، وتجد أقضية لم تكن معهودة من قبل، وليس لها نص في كتاب أو سنة، وإذا كانت مدارك الصحابة، ودرجاتهم في الفهم متفاوتة، فذلك من شأنه أن يوقع الاختلاف فيما بينهم، وهكذا كان موقفهم من القضايا الجديدة، فمنها ما اتفقوا فيه على رأي ومنها ما اختلفوا فيه.
أهم القضايا التي اتفق عليها الصحابة:
1-
كانت القضية الأولى التي واجهها الصحابة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: قضية الخلافة التي أشرنا إليها في صدر هذا البحث، حيث كان الخلاف بين المهاجرين والأنصار، وأراد الأنصار هذا الأمر لأنفسهم، واختاروا سعد بن عبادة من قبلهم، ولكن مبادة أبي بكر وعمر، وأبي عبيدة في الذهاب إلى الأنصار، حسمت هذا الخلاف بعد مجادلة وتفاهم، وتمت البيعة لأبي بكر الذي استخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس قبل وفاته، ولم يشذ عن هذه البيعة أحد سوى ما ذكره المؤرخون عن سعد بن عبادة الأنصاري.
لقد ذكر ابن كثير في البدايةوالنهاية قصى سقيفة بن ساعدة وروى ما جاء عن ذلك في كتب السنة وروى البخاري في فضائل الصحابة، عن عائشة.
رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله وسلم، مات، وأبو بكر بالسنح1 قال إسماعيل2ك تعنى بالعالية، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك 3. وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا، والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر، جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 4 وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} 5 قال: فنشج الناس يبكون، قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا منا أمير ومنكم أمير، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أنى قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارا6 وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر بن الخطاب، أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله
1 السنح: بضم السين وسكون النون وتضم كذلك: منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي، وبينه وبين المسجدس النبوي، ميل.
2 هو إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري أراد تفسير قول عائشة: بالنسح.
3 يعني عدم موته صلى الله عليه وسلم حينئذ.
4 الزمر: 30.
5 آل عمران: 144.
6 أي قريش.
صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده وبايعه، وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة 1 فقال عمر: قتله الله"
وذكرت الروايات أنه لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد، كانت بيعة العامة
2-
وكانت القضية الثانية التي واجهها الصحابة هي "امتناع جماعة من العرب عن أداء الزكاة" فعزم أبو بكر أمره على قتالهم، ولم يكن من رأي عمر باديء الأمر قتال هؤلاء، لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فظل أبو بكر يراجعه حتى شرح الله صدره للقتال، واتفق الصحابة عليه.
فعن أبي هريرة قال: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه:"كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدري لما شرح له صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق". رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
1 أي كدتم تقتلونه. وقوله "لا يذيقك الله الموتتين أبدا" رد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أي رجال، لأن لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره، كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذي مر على قرية، وقيل: لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره، إذ يحيا ليسئل ثم يموت، لأن حياته في القبر لا يعقبها موت، بل يستمر حيا، وقيل: كني بالموت الثاني عن الكرب، أي لا تلقي بعد كرب هذا الموت كربا آخر.
3-
وأرادت فاطمة أن ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها أبو بكر وتم الاتفاق على أنه لاحق لأحد من الورثة في ذلك، فقد روى البخاري في كتاب فضائل الصحابة عن عائشة: "أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث: ما تركناه فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل وإني والله لا أعز1 شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث المتفق عليه "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة". فكان هذا مخصصا لآية الميارث وزال الخلاف.
4-
واختلفوا في موضع دفنه صلى الله عليه وسلم، ثم اتفقوا على أن يدفن موضع فراشه حيث قبض صلى الله عليه وسلم، عندما روى لهم أبو بكر الصديق أنه لا يدفن نبي إلا حيث يموت. جاء في كتاب الجنائز من موطأ مالك: أن مالكا بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحدا، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفى فيه" قال الحافظ ابن عبد البر: صحيح من وجوه مختلفة.
وفي كتاب الجنائز من جامع الترمذي حديث عائشة لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله
1 أعز: من وعز، بمعنى وأمر.
عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال:"ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه في موضع فراشه.
وفي كتاب الجنائز من سنن أبن ماجه عن ابن عباس: لما اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده وقال قائلون يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر:"إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض".
5-
ومن القضايا التي اتفقوا عليها كذلك "جمع القرآن" فقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن قد جمع في مصحف واحد، وليس هناك من كتاب أو سنة ما يدل على جمعه، ولكن عمر رأي ضرورة ذلك بعد موقعة اليمامة كما ذكرنا من قبل، وظل يراجع أبا بكر حتى اقتنع بذلك، وصار هذا إجماعا من الصحابة1.
6-
وشاور عمر في تدوين الدواوين، وكان قد اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس في الأعطية، فلما جاء فتح العراق رأي التفضيل فيما بينهم بقدر بلاء الرجل وجهاده، واستشار في ذلك فأقره الصحابة.
يقول عمر: "ما من أحد إلا له في هذا المال، وما أنا فيه إلا كأحدهم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته".
ويذكر المؤرخون أن عمر أراد آخر حياته أن يرجع إلى المساواة كما صنع أبو بكر، ومات قبل أن يفعل ذلك.
1 انظر ص 191 وما بعدها في هذا الكتاب.
جاء في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، باب فرض الأعطية من الفيء ومن يبدأ به فيها، عن محمد بن عجلان، قال: لما دون لنا عمر الديوان قال: بمن نبدأ؟ قالوا: بنفسك فابدأ، قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا، فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب فالأقرب.
وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج، في فصل "كيف كان فرض عمر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم" أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقسم العطاء بين الناس بالسوية، على الصغير والكبير، والحر والمملوك والذكر والأنثى، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله: إن قسمت هذا المال فوسيت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فصلت أهل السوابق والفضل بفضلهم؟ فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك، وإنما ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة، فلما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجاءت الفتوح، فضل، وقال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففرض لأهل السوابق والقدم من المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا خمسة آلاف، ولمن لم يشهد بدرا أربعة آلاف، وفرض لمن كان إسلامة كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدرا دون ذلك، أنزلهم على قدر منازلهم من السوابق، وساق أبو يوسف الروايات التفصيلية الواردة في ذلك، ثم ذكر رواية محمد بن السائب عن زيد1 عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "والله الذي لا إله إلا هو ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه، وما أحد أحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجل وتلاده في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو
1 هو زيد بن أسلم العدوي مولى عمر، روى عن أبيه وعن ابن عمر.