الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيعة
مدخل
…
2-
الشيعة:
بدأت نواة التشيع لدى هؤلاء الذين يرون أن الخلافة ميراث أدبي وأولى
الناس بإرث النبي صلى الله عليه وسلم من قرابته، أولاهم بالإرث الأدبي، أي الخلافة، وأولى قرابته العباس عمه وعلى ابن عمه، وعلى أولى، كما ذكرنا من العباس لسبقه وعلمه وجهاده وزواجه من فاطمة، ولم يرد عن طريق صحيح ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا للخلافة ونص عليه.
ويروي البخاري عن ابن عباس "أن عليا رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه؛ فقال الناس: يا أبا الحسن
…
كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، فأخذ بيده العباس رضي الله عنه وقال: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفي من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا نسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمناه، وإن كان في غيرنا كلمناه، فأوصى بنا، فقال على رضي الله عنه: أما والله لئن سألناه فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها".
ومع أن عليا بايع أبا بكر رضي الله عنه، ثم بايع عمر وعثمان من بعد فإن النظرة إلى على ومكانته كانت تشير إلى أنه جدير بالخلافة وأنه أحق بها. وقد تأخرت بيعته لأبي بكر ستة أشهر إلى أن توفيت زوجه فاطمة التي كانت ترى أن أبا بكر منعها ميراث أبيها، كما تأخر نفر من الصحابة كانوا يرون أحقية على بالخلافة، ذكر منهم: العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان، والمقداد بن الأسود. والزبير، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر؛ ولكنهم جميعا بايعوا بعد ذلك.
هذه هي الفكرة التي تطورت وقيل في أصحابها شيعة علي، وأصبحت ذات نظريات خاصة في الإمامة، ولكن شيئا من هذه النظريات لم يوجد في عهد الخلاة الراشدة؛ وإنما وجد ذلك في دعاوي الشيعة الكثيرة بعد على رضي الله عنه في الإمامة وغيرها، وقال فيها ابن خلدون في مقدمته حكاية عنهم: "إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة، بل
يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر، وإن عليا رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله عليه، بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم، لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة؛ بل أكثرها موضوع، أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة"1
وقد أدت هذه الفكرة لدى الشيعة إلى أمور:
1-
أدت إلى القول بأن عليا أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأكثرهم خصائص، ومزايا، ومناقب، وأنه معصوم، وكذلك من بعده من الأئمة، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو لله، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين وليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا النبوة.
2-
وأدت إلى الغلو في حب على حتى ألهوه، فمنهم من قال كما ذكر الشهرستاني:
"حل في على جزء إلهي، واتحد بجسده فيه، وبه كان يعلم الغيب؛ إذ أخبر عن الملاحم، وصح الخبر، وبه كان يحارب الكفار، وله النصرة، والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوة ملكوتية، قالوا: وربما يظهر على في بعض الأزمان"2.
وقد تضمن هذا النص فكرة الحلول التي وجدت عند النصارى أيضا، وفكرة الرجعة التي تطورت عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة وأن الإمام المختفي سيعود، ويملأ الأرض عدلا، ومنها نبعت فكرة المهدي المنتظر.
ولعل من أكبر العوامل التي ساعدت على هذه الفكرة، أن أكثر شيعة على
1 انظر المقدمة - الفصل السابع والعشرون، ص 196.
2 انظر ص 78ج 2 "الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم" ومعه "الملل والنحل" للشهرستاني.
كانوا في العراق، من عناصر مختلفة وفي العراق، من قديم مذاهب مختلفة عربية، ومنها ما فيه الزعم بعقيدة الحلول.
أما المسلمون العرب فهم أبعد الناس عن هذا الزعم، وتلك المذاهب، وقد عرفوا عقيدة الفطرة في الإسلام القائمة على وحدانية الله وتنزهه، وقد قال الله في القرآن على لسان رسوله:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 1، فكيف بغيره من الناس؟
وللشيعة فرق شتى، أهمها: الزيدية، والإمامية:
1-
فالزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومذهبهم أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى السنة، فهم لا يرون الإمامة بالنص، ولا يذهبون مذهب الغلاة في الحلول، ويجيزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، ولذا قالوا بصحة إمامة أبي بكر وعمر، ولا يزال سوادهم الأعظم في اليمن حتى الآن، والإمام زيد إمام فقيه، وله في الفقه كتاب "المجموع".
2-
والإمامية: وهم الذين قالوا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم نص على خلافة على، وقد اغتصبها أبو بكر وعمر، وجعلوا الاعتراف بالإمام جزءا من الإيمان، ويختلفون اختلافا كثيرا في الأئمة وتسلسلهم لاختلاف فرقهم، ويقولون بعودة إمام منتظر، ومن أشهر فرقهم، الإسماعيلية، والإثنا عشرية، ولكل فرقة مذهبها الذي يختلف عن غيرها، وقد كان للتشيع أثره في الفقه الإسلامي.
فإن الشيعة لا يعتدون في الأخذ إلا من علمائهم، ولا يفسرون النصوص إلا وفق مبادئهم، ولا يأخذون بالإجماع؛ حيث لا اعتبار لأقوال غيرهم، ولا يقولون بالقياس لأنه رأي، والدين لا يؤخذ بالرأين وإنما يؤخذ عن الله ورسوله وأئمتهم المعصومين، وقد نشأ من ثمار ذلك مخالفتهم لأهل السنة والجماعة في كثير من الأصول والفروع.
1 الكهف: 110.
أ- فقد قالوا بإمامة على وخلافته نصًا ووصاية وأنها لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وليست الإمامة قصية مصلحة، تناط باختيار العامة؛ بل هي ركن الدين الذي لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم إهماله وإغفاله، وتفويضه إلى العامة، وقالوا بوجوب عصمة الإمام عن المعصية، والظلم، والخطأ، والنسيان.
ويرى الإسماعيلية أن التوحيد نفي الصفات عن الله؛ لأنك إذا أثبت الصفات فلا توحيد، وأن القرآن له ظاهر وباطن، وأن أولياءهم وأوتوا علم الباطن، وأن الشعائر الدينية لا تلزم إلا العامة، أما الخاصة فغير مطالبين بها.
ب- وهو يقولون بجواز نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وإنه لم ينسخ، مستدلين بظاهر قوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 1، والجمهور على أن الآية في النكاح الشرعي المعهود، والمراد بالاستمتاع: التمتع الكامل بالدخول بالزوجة من نكاح مشروع، والمراد بالأجور: ما يجب للزوجة من المهر كاملا إذا استمتع بها الزوج، وتسمية المهر أجرا لا تدل على أنه أجر المتعة؛ فقد سمى المهر أجرا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى:{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ} 2 وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} 3 أي مهورهن. وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى" فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا، فتكون من قبيل التفسير للآية وليس بحجة.
ونكاح المتعة كان جائزا في صدر الإسلام رخصة لحالة الغربة في السفر، ثم نسخ عام الفتح، وأجمع الصحابة على ذلك، وما روى عن
1 النساء: 24.
2 النساء: 25.
3 الأحزاب: 50.
ابن عباس من إباحته؛ فقد روي عنه أنه رجع عنه.
جـ- ولا يجيزون أن يتزوج المسلم بالكتابية الظاهر قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر} 1 والآية محمولة عند الجمهور على غير الكتابيات لقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 2.
د- ويخالفون في مسائل كثيرة بالميراث؛ فلا يورثون النساء إلا من المال المنقول، دون الأرض أو العقار، ويجعلون المال كله للقريب ذي الفرض، ويمنعون العاصب مما زاد عن الفرض؛ ففي بنت وأخ مثلا، يجعلون المال كله للبنت ويحرمون الأخ، ويقدمون ابن العم الشقيق على العم لأب، وهذا مبني على عقيدتهم في الخلافة، وإن عليا وذريته مقدمون على العباس وذريته، فعلى ابن عم شقيق والعباس عم لأب. وفاطمة وأولادها مقدمون على غيرهم من العصبات، ويرون أن الأنبياء يورثون.
هـ- ويقولون إن الطلاق لا يقع إلا أمام شاهدين، لقوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 وقال جمهور الفقهاء: إن الطلاق يقع من غير حاجة إلى إشهاد فحضور الشهود شرط في صحة الزواج، وليس شرطا في إنهائه، ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته لاشتراط الشهود لوقوع الطلاق، فتصح الفرقة وإن لم يقع الإشهاد عليها ويشهد بعد ذلك، وإنما أمر الله بالإشهاد على الإمساك أو الفرقة احتياطا من التجاحد وذلك على سبيل الاستحباب. لأن كلا منهما حق للزوج؛ فجاز بغير إشهاد إذ لا يحتاج فيه إلى رضا غيره.
وإذا كان الخوارج قد غلبت عليهم الصراحة لطبيعتهم البدوية، فحاربوا
1 الممتحنة: 10.
1 المائدة:5.
3 الطلاق: 2.