الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموطأ:
كان مالك أول من عرف بالتدوين والتأليف في الإسلام، لأن كتابه "الموطأ" أقدم مؤلف معروف وإن كان ينسب إليه غيره. قال القاضي عياض: وله تأليف غير الموطأ مروية عنه أكثرها بأسانيد صحيحة في غير فن من العلم؛ لكن لم يشتهر عنه غير الموطأ، وسائر تأليفه إنما رواها عنه من كتب بها إليه أو آحاد من أصحابه، ولم يروها الكافة، وأشهرها رسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية، ثم ذكر منها ما نسب إليه في حساب النجوم، وما نسب إليه في تفسير غريب القرآن، ورسالته إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ. والذي صحت نسبته لدى العلماء من غير تلك، هو "الموطأ" الذي ذاع وانتشر، وتناقلته الأجيال، وهو أول تدوين مأثور في الحديث والفقه، وإن كانت فكرة التدوين قد وجدت من قبل.
قال مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن: "أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزك: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث أو نحو هذا فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء".
ولكن أول تأليف جامع حفظته الأجيال هو الموطأ.
ويذكر أهل السير أن جمع مالك للموطأ كان بناء على طلب أبي جعفر المنصور إذ قال له: اجعل العلم يا أبا عبد الله علما واحدا؛ فقال له مالك: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلاد فأفتى كل في عصره بما رأى، وإن لأهل هذا البلد -أي مكة- قولا، ولأهل المدينة قولا، ولأهل العراق قولا، قد تعدوا فيه طورهم، فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا1؛ وإنما العلم أهل المدينة، فضع للناس العلم، فقال له مالك: إن
1 الصرف: التوبة، والعدل: الفدية.
أهل العراق لا يرضون علمنا؛ فقال له أبو جعفر: يضرب عليه عامتهم بالسيف، ويقطع عليه ظهورهم بالسياط.
ولعل أبا جعفر رغب في توحيد الأقضية بكل الأمصار، فطلب من مالك ذلك، في الوقت الذي توافرت فيه الدواعي عند مالك نفسه لتدوين العلم تحقيقا لقصد طلابه في جمع علم المدينة بصورة أكمل، فجاء طلب الخليفة متفقا مع تلك الدواعي.
أخذ مالك وقتا طويلا في تدوين الموطأ، ولم يتم التدوين في الرواية المشهورة إلا في سنة 159هـ بعد أن توفي المنصور، وكان رأي المهدي كرأي أبيه، ثم كان رأي الرشيد كذلك، أن تنشر نسخ الموطأ في جميع الأمصار ليسير القضاء عليه في الأحكام. ولكن مالكا كان يمانع في ذلك لتفرق العلماء في الأمصار، ولدى كل واحد علم كما ذكرنا.
والموطأ كتاب حديث وسنة وفقه، ومنهج مالك في تدوينه أن يذكر الأحاديث في الموضوع الفقهي الذي اجتهد فيه، ثم يذكر عمل أهل المدينة المجمع عليه، ثم يذكر رأي من التقى بهم من التابعين وأهل الفقه، ثم يذكر الرأي المشهور بالمدينة، فإن لم يكن شيء من ذلك بين يديه في المسألة، اجتهد رأيه على ضوء ما يعلم من الأحاديث والفتاوى والأقضية. والذي يتصفح الموطأ يجد هذا النهج واضحا فيه.
وقد روى الموطأ عدد كبير، والمتداول الآن روايتان، إحداهما رواية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، والثانية رواية يحيى بن يحيى الليثي البربري الأندلسي المتوفى سنة 234هـ وهو من تلاميذ مالك، رحل إليه من الأندلس، ثم عاد إليها ونشر مذهب مالك هناك.
ورواية محمد بن الحسن طبعت في الهند، وهي أقل في أبوابها وأحاديثها من رواية يحيى. ورواية يحيى أكثر تداولا في مصر وبلاد المغرب.