الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بني أمية جهارا، فإن الشيعة قد لجأ أكثرهم إلى العمل سرا، ويعرف هذا بالتقية، أي: المداراة، بأن يتظاهر الشخص بعقيدة أو عمل لا يعتقد بصحته، محافظا على نفسه، أو عرضه، أو ماله؛ بل قال بعضهم: يجب إظهار الكفر لأدني مخافة أو طمع، وإنه لا إيمان لمن لا تقية له.
تفرق العلماء في الأمصار:
بدأت الفتوحات الإسلامية تتسع في عهد عمر بن الخطاب، وظلت موجة المد الإسلامي في المشرق والمغرب، تشق طريقها من بعده وكان لا بد للعرب والمسلمين الفاتحين أن يؤهلوا أنفسهم لحكم البلاد التي فتحوها بالعلم والمعرفة، ولا بد للدين دخلوا في الإسلام من غير العرب أن يتعلموا العربية لدينهم ولدنياهم، فاستتبع الفتح الإسلامي حركة علمية في البلاد المفتوحة، وقد ذكرنا من قبل تفاوت الصحابة في درجاتهم العلمية، وأن عددا منهم ليس بالقليل، كانت له مكانه علمية مرموقة، وقد عدت بضعة من الصحابة هم الطبقة الأولى في العلم، وعد عشرون من الطبقة الثانية، وعد نحو مائة وعشرين من الطبقة الثالثة، وهؤلاء وأولئك تفرقوا في أنحاء الدولة الإسلامية بعد الفتح، ووزعوا على الأمصار أحيانا قصدا إلى تعليمهم؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى اليمن، وإلى البحرين، وكان عمر بن الخطاب يميل إلى استبقاء كبار فقهاء الصحابة بالمدينة، للاستعانة بهم في الفتيا عند عرض المشكلات، والحيلولة بينهم وبين الاشتغال بالحياة الدنيا ومظاهر الحكم، ولكنه مع ذلك أرسل بعض الصحابة معلمين في الأمصار، بعد أن اتسعت الفتوحات.
عن سالم بن عبد الله قال: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت؛ فقلت: مات عالم الناس اليوم، فقال ابن عمر: يرحمه الله اليوم؛ فقد كان عالم الناس وحبرهم فرقهم عمر في البلدان.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى على وقال: رجل أراد جهادا.
يريد الشهادة فلا أحبسه، فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه.
وكتب عمر إلى أهل الكوفة: إني بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا وآثرتكم به على نفسي، فخذوا عنه، فقدم الكوفة ونزلها، وابتنى بها دارا إلى جانب المسجد.
وبعد عهد عمر كثر انتشار الصحابة في البلاد المفتوحة، وقد أنشأ هؤلاء الصحابة العلماء الذين تفرقوا في الأمصار حركة علمية في كل مصر نزلوا فيه، ولدى كل واحد منهم من العلم ما قد لا يكون لدى الآخر، وكونوا مدارس منهجية في تعليمهم، وكان لهم تلاميذ ينقلون عنهم العلم، فتخرج عليهم التابعون، وتأثرت البلاد التي نزلوا فيها بشخصياتهم، ونهجوا في العلم مناهجهم.
ومن الطبيعي أن تزدهر هذه الحركات العلمية في المدن خاصة؛ لأنها أكثر ناسا وأوفر عمرانا.
مكة:
خلف رسول الله صلى الله عليه في مكة بعد فتحها معاذا يفقه أهلها، ويعلمهم الحلال والحرام ويقرئهم القرآن، وهو من أفضل فقهاء الأنصار، علما وخلقا، واعتبر معلم مكة في عهده.
ولما كان الخلاف بين عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير، ذهب ابن عباس إلى مكة وعلم بها؛ فكان يجلس في البيت الحرام، ويعلم التفسير، والحديث، والفقه والأدب، وأشهر من تخرج على يديه من التابعين مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان، وثلاثتهم من الموالي، وقد عد الذهبي وابن سعد طاووسا من علماء اليمن، وعده ابن القيم من فقهاء مكة ومفتيها، لأن هذا كان آخر أمره.
المدينة:
كانت المدينة دار الهجرة ومركز الخلافة، ومقر كبار الصحابة، فكانت أكثر علما وأوفر شهرة.
وأشهر من تفرغ فيها للحياة العلمية، وكثر أصحابه وتلاميذه: زيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
وتخرج على يد علماء المدينة من الصحابة كثير من التابعين، وأشهرهم: سعيد ابن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام، ثم كان ابن شهاب الزهري القرشي الذي أخذ عن كبار التابعين فحفظ فقه علماء المدينة وحديثهم.
الكوفة:
نزل الكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير، وكان أشهرهم في العلم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، إلا أن تأثير ابن مسعود كان أكثر علميا فيها؛ حيث بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة يعلمهم، فأخذ عنه كثير من الكوفيين، وتكونت في الكوفة حركة علمية كبيرة، وكان أشهر تلاميذه الذين تلقوا عنه أكثر علمهم: علقمة، والأسود، ومسروق، وشريح، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير.
البصرة:
كذلك نزل في البصرة عدد كبير من الصحابة، أشهرهم في العلم: أبو موسى الأشعري وأنس بن مالك.
ومن أشهر من خرجته مدرسة البصرة: أبو الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وكلاهما من أبناء الموالي.
الشام:
روي أن يزيد بن أبي سفيان كتب إلى عمر: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن، فأرسل معاذا، وعبادة، وأبا الدرداء، فقضى معاذ آخر حياته بالشام معلما، وانتهت إقامته إلى فلسطين، وتولى عبادة بن الصامت إمرة حمص، واستقر أبو الدرداء في دمشق، وتخرج على يدهم جميعا كثير من التابعين، كأبي إدريس الخولاني، ثم مكحول الدمشقي، وعمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة، ثم كان إمام أهل الشام عبد الرحمن الأوزاعي.