الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها.
والجنايات من أحكام الدماء وما يليها. وأيضا فإن حفظ الدين فيها، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها، وما خرج عن المقرر فيها فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما أن غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبني عليها، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب وجدتها كذلك حذو القذة بالقذة" أهـ.
مميزات المكي والمدني:
الذي يقرأ القرآن الكريم يجد للآيات المكية خصائص، ليست للآيات المدنية في وقعها ومعانيها، وإن كانت الثانية امتداداً للأولى في الأحكام والتشريع، فحيث كان القوم في جاهلية تعمى وتصم، يعبدون الأوثان ويشركون بالله، وينكرون الوحي، ويكذبون بيوم الدين.
{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُون} 1
وهم ألداء في الخصومة، أهل ممارات ولجاجات في القول. عن فصاحة وبيان، حيث كان القول. كذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة، وشهبا منذرة، وحججا قاطعة، يحطم وثنيتهم في العقيدة، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية، ويهتك أستار فسادهم، ويقيم دلائل النبوة، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة، وما فيها من جنة ونار، ويتحداهم على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى، فتجد في مكي القرآن ألفاظا شديدة القرع على المسامع، تقذف حروفها بشرر الوعيد، وألسنة العذاب، فكلا الرادعة الزاجرة، والصاخة والقارعة، والغاشية والواقعة، وحروف الهجاء من فواتح السور، وآيات التحدي في ثناياها، ومصير الأمم السابقة.
1 الواقعة: 47.
2 الجاثية: 24.
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 1. وإقامة الأدلة الكونية، والمجادلة العقلية، كل هذا نجده من خصائص القرآن المكي.
وحين تكونت الجماعة المؤمنة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وامتحنت في عقيدتها بأذى المشركين، فصبرت وهاجرت بدينها، مؤثرة ما عند الله على متع الحياة، حين تكونت هذه الجماعة المؤمنة نرى الآيات المدنية طويلة المقاطع، تتناول أحكام الإسلام وحدوده، وتدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وتفصل أصول التشريع، وتضع قواعد المجتمع، وتحدد روابط الأسرة، وصلات الأفراد وعلاقة الأمم، كما تفضح المنافقين وتكشف عن دخيلتهم، وهذا هو الطابع العام للقرآن المدني:
وأقرب ما قيل في تعداد السور المكية والمدنية إلى الصحة: أن المدني باتفاق عشرون سورة:
1-
البقرة.
2 آل عمران.
3 النساء.
4 المائدة.
5-
الأنفال.
6-
التوبة.
7-
النور.
8-
الأحزاب.
9-
محمد.
10-
الفتح.
11-
الحجرات.
12-
الحديد.
13-
المجادلة.
14-
الحشر.
15-
الممتحنة.
16-
الجمعة.
17-
المنافقون.
18-
الطلاق.
19-
التحريم.
20-
النصر.
وأن المختلف فيها اثنتا عشرة سورة:
1-
الفاتحة
2-
الرعد.
3-
الرحمن.
4-
الصف.
5-
التغابن.
6-
التطفيف.
7-
القدر.
8-
لم يكن.
9-
إذا زلزلت.
10-
الإخلاص.
11، 12- المعوذتان.
1 العنكبوت: 40.
وأن ما سوى ذلك مكي باتفاق، وهو اثنتان وثمانون سورة، فيكون مجموع القرآن مائة وأربع عشرة سورة.
ولا يقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك، فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية، وفي المدنية بعض آيات مكية، ولكنه وصف بحسب أكثر آياتها.
ولذلك يأتي في التسمية: سورة كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية، وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية، كما نجد ذلك في المصاحف.
المكي والمدني:
للعلماء في المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية، كل رأي منها مبني على اعتبار خاص.
الأول: اعتبار زمن النزول، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، وإن كان بغير المدينة. فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة أو عرفة أو غيرهما مدني، كالذي نزل عام الفتح أو بحجة الوداع، كقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} 1.
وهذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره واطراده.
الثاني: اعتبار مكان النزول، فالمكي ما نزل بمكة وما جاورها، كمنى، وعرفات، والحديبية، والمدني، ما نزل بالمدينة وما جاورها، كأحد، وقباء، وسلع.
ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة وحصرها. فما نزل بالأسفار أو بتبوك، أو بيت المقدس، لا يدخل تحت القسمة، فلا يسمى مكيا ولا مدنيا، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيا.
1 المائدة: 3.
الثالث: اعتبار المخاطب، فالمكي، ما كان خطابا لأهل مكة.
والمدني: ما كان خطابا لأهل المدينة.
ويبنى على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاس} مكي.
وما فيه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مدني.
وبالملاحظة يتبين أن هذا لا يطرد، وأن أكثر سور القرآن لم تفتتح بأحد الخطابين، والقرآن خطاب الله للخلق أجمعين، ويمكننا أن نحصر على وجه الإجمال مميزات كل من المكي والمدني فيما يأتي:
مميزات المكي:
1-
الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة والبعث والجزاء بآيات الله الكونية والرد على المشركين ومجادلتهم، وقطع دابر خصومهم بالبراهين العقلية، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها.
2-
وضع الأسس العامة للتشريع، والفضائل التي عليها يقوم المجتمع، وفضح جريمة المشركين في سفك الدماء وأكل أموال اليتامى ظلما، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.
3-
ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجرا لهم حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصبر على أذاهم، ويطمئن إلى الانتصار عليهم.
4-
قصر الفواصل مع قوة الألفاظ، وإيجاز العبارة بما يصم الآذان، ويشتد قرعه على المسامع، ويصعق القلوب كقصار المفصل، إلا نادرًا.
5-
وصيغة الخطاب في المكي تكون عامة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاس} وقوله: {يَا بَنِي آدَمَ} . أما المدني فصيغة الخطاب فيه غالبًا للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .
ولم يرد في المدني توجيه الخطاب إلى الناس إلا في سبع آيات:
اثنتان في البقرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} 2.
وأربع في النساء أولها:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم} 3.
2-
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} 4
3-
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُم} 5
4-
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُم} 6.
وواحدة في الحجرات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} 7.
6-
يكثر القسم في الآيات المكية، فقد جاء القسم فيها ثلاثين مرة، ولم يأت إلا مرة واحدة في المدينة في قوله تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} 8.
وقد تعرض العلماء إلى تحديد تاريخ نزول سور في حوادث خاصة قبل الهجرة. من ذلك.
1-
سورة النجم: نزلت عند الهجرة إلى الحبشة "في السنة الخامسة" بعد البعثة.
3-
سورة طه: نزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب الذي حصل "في السنة السادسة" قبل الهجرة.
1 البقرة: 21.
2 البقرة: 168.
3-
النساء: 1.
4 النساء: 133.
5-
النساء: 174.
6-
النساء: 170.
7-
الحجرات: 13.
8-
التغابن: 7.
3-
سورة الروم: نزلت عند حرب الروم والفرس، التي وقعت "في السنة السابعة" أو "الثامنة" بعد البعثة.
4-
سورة الجن: نزلت بعد ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وكان بعد موت أبي طالب وخديجة في "السنة العاشرة" من البعثة تقريبا.
5-
سورة الإسراء: نزلت عند حادثة الإسراء والمعراج "في السنة العاشرة" من البعثة تقريبا كذلك.
ونستطيع أن تقسم السور المكية باعتبار موضوعاتها إلى الأقسام الآتية:
1-
السور التي نزلت معارضة للمشركين، وردا على خصوم النبي صلى الله عليه وسلم المعاندين، مثل سورة: الهمزة، والماعون، والتكاثر، والفيل، وتبت.
2-
السور التي تتضمن تسلية للرسول عما كان يناله من إيذاء الكفار له، مثل سورتي الضحى وألم نشرح.
3-
السور التي تصف أهوال يوم القيامة، وما يتبعها من حساب وجنة ونار، كسورة التكوير، وسورة الواقعة.
4-
السور التي جاءت في قصص الأنبياء في آيات قصيرة كسورة نوح، وسورة القمر.
مميزات المدني:
1-
بيان العبادات والمعاملات والحدود والمواريث وفضيلة الجهاد، ونظام الأسرة وصلات المجتمع والدولة، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2-
مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.
3-
الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.
4-
طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة، ويوضح أهدافها ومراميها. وهناك سور مدنية يمكن تحديد تاريخها على وجه التقريب:
أ- سورة البقرة فإن الجزء الأكبر منها نزل "في السنة الثانية" من الهجرة قبيل غزوة بدر، وتناولت تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وتشريع المحرمات من المآكل، وشريعة الصوم، وأحكام الحج، والتفريق بين الزوجين.
ب- سورة الأنفال: نزلت في غزوة بدر، عقب الانتهاء منها، وتناولت حوادث الغزوة، وتقسيم الغنائم وحكم الأسرى.
جـ- سورة النساء: نزلت "في السنة الرابعة" تقريبا، وتناولت تشريعات النكاح، واليتامى، والميراث.
د- سورة الأحزاب: نزلت بغزوة الأحزاب "في السنة الخامسة" من الهجرة، وتضمنت إبطال التبني، ووصف حال المؤمنين والمنافقين في الغزوة، وقصة زينب بيت جحش، وعلاقات النبي وأزواجه بالمؤمنين، وحجاب النساء.
هـ- سورة التوبة: نزلت بعد غزوة تبوك "في العام التاسع للهجرة" وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذن بصدرها، بالحج، فأنهت العهود، وبينت حرمات الأشهر الحرم، وفضحت المنافقين، وتضمنت غزوة تبوك.