الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب فساد المعنى: بأن يكون الحديث مخالفا لبدهيات المعقول، من غير أن يمكن تأويله، أو مخالفا للقواعد العامة في الأخلاق، أو مشتملا على سخافات يصلت عنها العقلاء، أو مخالفا لصريح القرآن، أو لحقائق التاريخ المعروفة من عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
جـ- موافقة الحديث لمذهب الراوي، كرواية الرافضي حديثا في فضل أهل البيت.
د- اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغه بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.
وقد أشبع الدكتور مصطفى السباعي هذا البحث، فليرجع إليه من شاء في كتابه:"السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي".
تدوين الحديث وأثره:
انقضى عهد الصحابة دون أن يدون من الحديث إلا النزر اليسير؛ حيث كان الاعتماد فيه على الرواية، حتى لا يلتبس القرآن الذي كتبوه بالسنة، إلا أن التفكير في كتابة الحديث قد عرض لعمر رضي الله عنه، ولكنه عدل عن ذلك كما تدل بعض الروايات.
فقد أخرج البيهقي عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له؛ فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني -والله- لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا.
ويتبين من هذه الرواية أن عمر خشى من كتابة الحديث أن ينصرف الناس عن كتاب الله، وهو أساس الدين، كما انصرت الأمم السابقة، أو يلتبس بالقرآن.
فلما كانت الفتنة وانتشر الكذب، وبدأ الوضع في الحديث، نفر العلماء
للذب عن حياض السنة وصيانتها واستلزم هذا التفكير في تدوين الحديث حفظا له من الضياع، وخوفا عليه من الزيادة أو النقص.
وأول من فكر في جمع الحديث وتدوينه كما تذكر الروايات، عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه من التابعين، فإنه كتب إلى عامله وقاضيه على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء.
ولم يكتف عمر بن عبد العزيز بالكتابة إلى ابن حزم، فقد روى أنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه.
ومع هذا فإن الجهد الأكبر في تدوين الحديث يرجع إلى الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الذي ذكر مسلم أن له تسعين حديثا لا يرويها غيره، وقال فيه كثير من علماء عصره: لولا الزهري لضاع كثير من السنة.
ولم يكن تدوين الحديث في هذ العصر مبوبا على أبواب العلم كما صنع البخاري ومسلم وغيرهما من رجال الحديث؛ ولكنه كان جمعا للأحاديث من غير تبويب، ثم شاع التدوين بعد الزهري على أنماط مختلفة كان أكثرها يجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلطا بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، إلى أن قام أئمة الحديث بتآليفهم العظيمة على طريقة المسانيد، ثم على طريقة التبويب.
قال ابن حجر: وأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح المتوفى سنة 160هـ. وسعيد ابن أبي عروبة المتوفى "سنة 156هـ" إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة، وصنف الإمام مالك الموطأ بالمدينة، وعبد الملك بن جريح بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة1. ثم تلاهم كثير من الأئمة في التصنيف، كل على حسب ما سنح له
1انظر مقدمة فتح الباري ص 4 ج1، إدارة الطباعة المنيرية.
وانتهى إلى علمه. ولن نتعرض لوصف هذه التصانيف لأنها ألفت بعد هذا العهد الذي نتحدث عنه.
وكان لتدوين الحديث أكبر الأثر في اتساع دائرة الحركة العلمية للفقه الإسلامي؛ حيث كان سببا في رحلة العلماء للرواية، وطوافهم بالبلدان، يأخذ بعضهم عن بعض فتبادلوا الآراء العلمية، ووقف علماء كل مصر على ما عند الآخرين.
ثم إن السنة جاءت مبينة للقرآن، واشتملت على أحكام لم تأت في كتاب الله عز وجل؛ فكان الاستناد إليها في الأحكام الفقهية أكبر عون للعلماء على استنباط حكم ما يجد من أحداث، وما يعرض للناس من أقضيات؛ ولا سيما أن تدوين الحديث كان أسبق من تدوين الفقه.
وكان لجهود أئمة الحديث وعلمائه في العصور المختلفة أثر كبير في الذب عن السنة والذود عن حياضها وتمييز الصحيح من السقيم فيها. وألف كثير منهم العديد من الكتب في الكشف عن الأحاديث الواهية، أو في تخريج أحاديث بعض الكتب وبيان درجتها أو في الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
ومنهم من أفراد الموضوعات بالتأليف أو عنى بالأمارات الدالة على الوضع، وقد تناولنا المؤلفات في ذلك عند الكلام عن السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
وتواجه السنة اليوم هجمات شرسة من ذوي النفوس المريضة الذين يهدفون من وراء ذلك إلى توهين الثقة في الأحكام الشرعية وحجية السنة، ولم تقتصر هذه الهجمات على المستشرقين الذين ينفثون سمومهم بأساليب شتى؛ بل بلغ السيل الزبي في هجمات أدعياء العلم تارة وذوي الرئاسة القسرية في دنيا العرب تارة أخرى من الجهلاء الأغبياء.
وقد ورد الدكتور مصطفى السباعي في كتابه "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" على شبه أولئك جميعا ردا علميا مستفيضا سواء أكان هذا فيما يتصل بما كتبه "أبو رية" في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" ومطاعنه في أبي هريرة. أو كان متصلا بشبه المستشرقين
…