الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدونة:
سئل مالك عن مسائل كثيرة فأجاب عنها ودونها تلاميذه، وهذا ما يعرف بالمدونة، وأول من كتب ذلك أسد بن الفرات، قاضي القيروان وفاتح صقلية المتوفى سنة 213هـ. سمع الموطأ على مالك، ولما أثكر عليه السؤال أوصاه بالرحيل إلى العراق؛ فارتحل إليها، ودون أسئلة أخذها عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وفقيه العراق، ثم سأل عنها عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك عند عودته في مروره بمصر فأجابه على رأي مالك، فكتب ذلك، وجاء بما كتب إلي القيروان؛ فكتبها عنه سحنون، وكانت تسمى "الأسدية" ثم جاء بها سحنون إلى ابن القاسم سنة 188هـ فعرضها عليه، وأصلح فيها مسائل، ورجع بها إلى القيروان، وقد رتب سحنون أكثر مسائل المدونة، واحتج في بعض المواضع بالآثار من روايته من موطأ ابن وهب وغيره، وبقيت منها بقية لم يتم فيها سحنون هذا العمل، وتعتبر المدونة أساس الفقه عند أتباع مالك وتبلغ مسائلها ستا وثلاثين ألف مسألة، وقد طبعت في مصر سنة 1323هـ بمطبعة السعادة في ستة عشر جزءا في ثماني مجلدات، وذلك تحت اسم "المدونة الكبرى" رواية سحنون، وهو: أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون، ولي قضاء القيروان، وانتهت إليه رئاسة العلم بالمغرب، وصنف كتاب "المدونة" ولد سنة 160هـ، وتوفي سنة 240هـ.
أصول مذهبه:
عمد تلاميذ مالك إلى كتابة "الموطأ" واستخرجوا منه ما يصح أن يكون أصولا لاستنباطك الفروع ويمكن إيجازها فيما يأتي:
1-
القرآن الكريم:
كان مالك يرى أن القرآن قد اشتمل على كليات الشريعة، وأنه عمدة الدين، وآية الرسالة، ولم تكن نظرته إليه كنظرة الجدليين؛ فلم يخض فيما خاض فيه المتكلمون من أنه لفظ ومعنى، أو معنى فقط، وهو عنده اللفظ والمعنى، كما
هو إجماع من يعتد بهم من المسلمين، وروي أنه كان يقول: إن من يقول بأن القرآن مخلوق فهو زنديق يجب قتله، ولذا لم يعتبر الترجمة قرآنا يتلي تجوز به الصلاة؛ بل هي تفسير أو وجه من وجوه المعنى المعقول، وهو يأخذ بنص القرآن، وظاهره ومفهومه، ويعتبر العلة التي يأتي التنبيه عليها.
2-
السنة:
ومالك من أئمة الحديث، كما أنه إمام في الفقه، ورجال الحديث يشهدون له بذلك، وهو يعتبرون سنده في بعض أحاديثه أصح الأسانيد، ويسميها المحدثون بالسلسلة الذهبية.
ومع أن مالكا يشدد في قبول الرواية؛ إلا أنه كان يقبل المرسل من الأحاديث، ما دام رجاله ثقات، وفي موطئه كثير من المرسلات، ومن منقطع الإسناد ومن البلاغات التي يقول فيها مالك: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، وهذا يدل على أنه لم يلتزم الإسناد المتصل في أحاديثه كلها، وكان يكفيه أن يطمئن إلى صحة الحديث.
وقد اختلفوا في تقديم القياس على خبر الواحد، والمشهور في ذلك أنه كان يقدم خبر الواحد على القياس.
3-
عمل أهل المدينة:
ذهب مالك إلى أن المدينة هي دار الهجرة، وبها تنزل القرآن، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام صحابته، وأهل المدينة أعرف الناس بالتنزيل، وبما كان من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحين وهذه ميزات ليست لغيرهم، وعلى هذا فالحق لا يخرج عما يذهبون إليه؛ فيكون عملهم حجة، يقدم على القياس، وعلى خبر الواحد، وفي كتاب الإمام مالك إلى الليث بن سعد:"إن الناس تبع لأهل المدينة، التي إليها كانت الهجرة، وبها تنزل القرآن".
4-
قول الصحابي:
ويرى مالك في مذهبه أنه إذا لم يرد حديث صحيح في المسألة عن النبي
صلى الله عليه وسلم، فإن قول الصحابي إذا لم يعلم له مخالف، يكون حجة، وقد ضمن الموطأ العديد من أقوال الصحابة والتابعين، فالصحابة أعلم بالتأويل، وأعرف بالمقاصد، لأنهم حضروا التنزيل، وسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقولهم أولى بالآخذ يخص به العام ويترك لأجله القياس.
ولكن مالكًا يقدم عمل أهل المدينة على قول الصحابي؛ فقد روى في الموطأن أن عمر بن الخطاب "قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد فسجد الناس معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود، فقال: على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء؛ فلم يسجد، ومنعهم أن يسجدوا".
فعمر يجيز للإمام إذا شاء أن ينزل من على المنبر إذا قرأ السجدة ليسجد، ويعلق مالك عليه بقوله:"ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد"، وحين تتعدد أقوال الصحابة في المسألة الواحدة فإن مالكا يختار منها ما يتفق مع عمل أهل المدينة يروى أن زيد بن ثابت قال:"الصلاة الوسطى صلاة الظهر" وإن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى: صلاة الصبح: ثم يقول مالك: "وقول علي وابن عباس أحب ما سمعت إلى في ذلك"
…
كما رى عن عدد من الصحابة أن الصلاة الوسطى صلاة العصر.
5-
المصالح المرسلة:
والعمل بالمصالح المرسلة أساس من الأسس التي اعتمد عليها مالك في مذهبه، وهي: جلب منفعة، أو دفع مضرة لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين؛ لأن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، ضرورية كانت أم خارجية، أم تحسينية، والضرورية، هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا في الضروريات الخمس الثابتة في الملل جميعا وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.
والحاجية: هي التي تؤدي إلى رفع الضيق، والحرج، والمشقة، والتحسينية هي المتعلقة بمكارم الأخلاق، وكون هذه المعاني مقصودة عرف بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة، مما يدل على مقاصد الشرع؛ ولذا ذهب مالك إلى أن هذه المصلحة تكون حجة.
واعتبر بعض الباحثين القول بالمصلحة من خصوصيات مذهب مالك، وذكر الشاطبي في الاعتصام" أن مالكا يذهب إلى اعتبارها ويكثر من بناء الأحكام عليها. ومن أمثلة عمل مالك بالمصالح المرسلة، ما قاله في الزعفران المغشوش إذا وجد بيد الذي غشه، حيث قال: إنه يتصدق به على المساكين قل أو كثرة، ويقول الشاطبي، إنه يماثل إراقة عمر للبن المغشوش بالماء، ووجه ذلك التأديب للغاش، وهذا التأديب لا نص يشهد له؛ لكن من باب الحكم على الخاصة لأجل العامة.
ومن ذلك إجازة بيعة المفضول مع وجود الأفضل إذا خيف اضطراب أمور الناس، وعدم إقامة مصالحهم إذا لم يبايعس المفضول عندئذ.
6-
القياس:
حيث لا يوجد نص من كتاب أو سنة، أو قول صحابي، أو إجماع من أهل المدينة؛ فإن مالكا كان يجتهد، ويستعمل القياس في اجتهاده، فقد جاء في "الموطأ": سئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماء هل تتيمم؟ قال: نعم، لتتيمم، فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد ماء تيمم". فمالك هنا يقيس الحائض حين تطهر على الجنب في التيمم عند فقد الماء الذي ثبت بالنص القرآني في قوله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} 1، ولهذه المسألة نظائر في القياس عند مالك.
7-
سد الذرائع:
الذرائع، جمع ذريعة وعرفها القرافي في "الفروق" بأنها: هي الوسيلة إلى الشيء، وعرفها الشاطبي في "الموافقات" بأنها: التذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز، وعامة ما ورد في معناها يؤول إلى: ما كان ظاهره الإباحة، ويتوصل به إلى فعل محظور، والمراد بسد الذريعة، الحيلولة دونها، والمنع فيها، لأن ما يؤدي إلى المفسدة -وإن كان مباحا- يكون مفسدة، فيجب الامتناع عنه، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
1 النساء: 43، والمائدة:6.