الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
وأحمد بن محمد بن الحجاج "أبو بكر المروذي" أخص أصحاب أحمد، وهو الذي روى كتاب "الورع" عنه، وكان أحمد يثق في عقله وورعه.
ثم جاء أحمد بن محمد بن هارون "أبو بكر الخلال" الذي صحب أبا بكر المروذي إلى أن مات، وجمع فقه أحمد في الجامع الكبير.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": وكان أحمد رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه، جدا؛ فعلم الله حسن نيته وقصده فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفرا، ومن الله سبحانه وتعالى علينا بأكثرها لم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير، فبلغ نحو عشرين سفرا أو أكثر، ورويت فتاواه ومسائله، وحدث بها قرنا بعد قرن، فصارت إماما وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى أن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد، والمقلدين لغيره يعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها من النصوص وفتاوي الصحابة.
تعدد الروايات في مذهب أحمد:
تكثر الروايات عن أحمد في المسألة الواحدة بنسبة تفوق سائر الأئمة، وإذا كان مجال الاجتهاد يؤدي إلى هذا، لأن المجتهد قد يعدل عن رأيه، فيأتي من ينقل عنه ويروي القولين في الموضوع الواحد.
فقد أشار ابن القيم إلى سبب آخر يرجع إلى منهج أحمد نفسه؛ فإنه كان يروى أقوال الصحابة أحيانا. وقد يختار منها، وربما جاء الذين أخذوا عنه واستنبطوا من موقفه قولا آخر، وذكروا الأقوال جميعا، وبهذا تختلف الأقوال المنسوبة إلى أحمد. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين". إذا اختلفت الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتابة والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم؛ فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول.
وقد بذل رجال من شيوخ المذهب بعد ذلك جهدا مشكورا في تصحيح الروايات أو ترجيحها على غيرها، أو التوفيق بينها ما كان التوفيق ممكنا.
ويرى الباحثون أن مذهب أحمد لم ينتشر في البلاد الإسلامية انتشار غيره مع كثرة علمائه، وعلل ابن خلدون ذلك بقوله:"وأما أحمد بن حنبل فقلده قليل لبعد مذهبه عن الاجتهاد، وأصالته في معاضدته الرواية، وللأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها، وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث".
ولم يسلم الشيخ أبو زهرة بهذا التعليل الذي ذكره ابن خلدون، لما ثبت في المذهب من فتح باب الاجتهاد، وإن أرجع هذا إلى عوامل أخرى منها: أنه كان آخر المذاهب الأربعة وجودا، وأن أتباعه لا يحبون الولاية والقضاء.
والمعروف أن مذهب أحمد اليوم هو المذهب السائد في "نجد" خاصة، وفي المملكة العربية السعودية عامة، وهي الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية في شئون الحياة كلها؛ سواء في ذلك الأحوال الشخصية، والمعاملات المالية، والقصاص والحدود وقد أكسب هذا مذهب أحمد انتشارا وقوة.