الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيمة خلفها السابقون من المجتهدين، فيما دون من كتب في مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، واتصل بنفسه بالشافعي، فاستثمر هذا الفقه فيما لديه من علوم السنة، وتميز بمنهجه الفقهي الذي يغلب عليه طابع السنة فإن دراسة السنة في عهده قد نضجت كذلك، وعنى العلماء بها دراية ورواية، واهتم أحمد بتحصيلها، وأكب على دراستها؛ فكان إماما في الحديث والفقه، وفي مسنده خير شاهد على إمامته في الحديث.
وفي عصر أحمد اشتد الاحتكاك الفكري وكثر الجدل بين الفقهاء من جانب، وبينهم وبين علماء الكلام من المعتزلة والجهمية والمرجئة من جانب آخر، وكذلك بين قول أهل الكلام أنفسهم ولم يكن أحمد بعيدا عن هذا، فاتجه إلى تحصيل السنة، والتعرف على فتاوى الصحابة، وكبار التابعين، ونفر من الجدل والمجادلين، وإن كان موقفه من القول بخلق القرآن يشهد بعظم فضله.
حياة أحمد "164- 241ه
ـ":
ولد أحمد رضي الله عنه في شهر ربيع الأول سنة 164هـ، وكانت وفاته في نفس الشهر سنة 241 إحدى وأربعين ومائتين، وهو عربي الأصل، شيباني في نسبه لأبيه وأمه، وشيبان قبيلة من ربيعة، عدنانية، اشتهرت بالإباء، والهمة، والصبر كانت منازلها بالبصرة وباديتها.
وأبوه محمد بن حنبل، وجده حنبل بن هلال، وقد نشأت أسرته بالبصرة إلا أن جده قد انتقل إلى خراسان، وكان واليا على "سرخس" في العهد الأموي، ثم انضم إلى صفوف الدعوة العباسية، وأوذي في ذلك، وانتقلت الأسرة بعد هذا إلى بغداد حيث كانت ولادة أحمد.
مات أبوه على الأرجح وهو طفل، فقامت أمه على تربيته مستعينة في نفقتها بما تركه أبوه من عقار ببغداد، فساعد ذلك النسب الرفيع وهذا اليتم في نشأته.
على سمو نفسه، وذكائه، وعلو همته، ونمو مواهبه، وتعرفه على أحوال مجتمعه.
وكانت بغداد التي نشأ فيها أحمد حاضرة العالم الإسلامي، ومهدا للعلوم المختلفة الشرعية، واللغوية، والعقلية، تموج بأنواع المعارف والفنون، وتزخر بالمشارب المختلفة، والأفكار المتباينة، وقد اختارت أسرة أحمد له منذ صباه، أن يتجه لخدمة الدين، فحفظ القرآن وتزود من علوم العربية، وظهرت ألمعيته وعرف بين أقرانه ورفاقه بالتقوى والاستقامة، وحسن الخلق، ولما شب عن الطوق وجد أمامه في بغداد منهجين لطلب الشريعة، أحدهما: منهج الفقه، والآخر: منهج الحديث، فراد طريق الفقهاء باديء ذي بدء على مذهب أهل الرأي، وأخذ عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثم مال من بعد إلى طريق المحدثين، وانصرف إلى الحديث، وإن لم ينقطع انقطاعا كاملا عن الفقه.
قال الخلال في تاريخ الحافظ الذهبي: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها، ثم لم يلتفت إليها.
وقد أخذ الحديث عن علماء في الأمصار كلها في العراق، والشام، والحجاز، ومسنده على أنه جمع الحديث جمعا متناسبا من هذه الأمصار، وبدأ من ذلك بالأخذ عن شيوخ الحديث في بغداد، ثم رحل إلى البصرة، والكوفة، والحجاز، واليمن، منذ سنة 186هـ وهكذا يبدأ الناشئ علمه بالتلقي عن أهل بلده، فلازم في بغداد إماما من أئمة الحديث، هو: هشيم بن بشير "أبي حازم الواسطي" المتوفى سنة 183هـ، روى عنه ابنه صالح، كما في "المناقب" لابن الجوزي فقال: كتبت عن هشيم سنة تسع وسبعين، ولزمناه إلى سنة ثمانين، وإحدى وثمانين، واثنتين وثمانين، ومات في سنة ثلاث وثمانين، كتبنا عنه كتاب الحج: نحوا من ألف حديث، وبعض التفسير، وكتاب القضاء وكتبا صغارا، وسأله ابنه صالح بعد ذلك القول: يكون ثلاثة آلاف؟ قال: أكثر.
وبعد موت هشيم، تلقى أحمد الحديث من سائر شيوخ بغداد، حتى بلغ العشرين عاما، ثم بدأ في رحلاته المتوالية لتلقي الحديث من رجاله شفاها، فرحل