الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواقع التطبيقي:
الإسلام هو شريعة الله الخالدة، وقد تناولت الشريعة الإسلامية شئون الحياة كلها، عقيدة وعبادة، واجتماعا واقتصادا، وسياسة، وحكما، وحددت النصوص الشرعية أصول الأحكام في الأحوال الشخصية، والمعاملات، والعقوبات، واستمد فقهاء الإسلام من هذه الأصول من الكتاب والسنة -الأحكام الجزئية التي تتجدد بتجدد الأحداث في كل عصر، وظلت أحكام هذه الشريعة الغراء تبسط نفوذها على أمة الإسلام في عصور التاريخ المختلفة. وإن ذكرت بعض المصادر توقف العمل بالأحكام الشرعية عندما دخل هولاكو بغداد ولم يقبل أحد من حكام المسلمين التهاون في حكم من الأحكام لأن تحكيم الشريعة الإسلامية من أصول الإيمان بهذا الدين {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا،} 1. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} و {الظَّالِمُونَ} و {الفَاسِقُونَ} 2
…
في آيات متتاليات.
فلما كثر احتكاك المسلمين بالغرب، وتأثر بعض المسلمين بالثقافة الغربية، وضعفت الدولة العثمانية، تسرب الفكر الغربي إلى ديار الإسلام، وبدأ التهاون في التزام أحكام الشريعة، ثم كان استبدال القوانين الوضعين بها مرحلة مرحلة.
وأول عدوان على أحكام هذه الشريعة كان عدوانا على أحكام الجنايات والحدود -أي ما يسمى بالعقوبات- وذلك يشمل: القصاص في النفس وما دونها، وحدود الزنا، والقذف، والسرقة، والشرب، والردة والبغي، والحرابة؛ وذلك حين أحدثت الخلافة العثمانية قانون الجزاء العثماني، سنة 1840م وهو ترجمة لقانون الجزاء الفرنسي، مع شيء من التعديل، فسرى هذا القانون على عامة البلاد الإسلامية، وبذلك تعطل جانب من جوانب الفقه الإسلامي في مجال التطبيق.
1 النساء: 65.
2 المائدة: 44، 45، 47.
وانحسر عن أنحاء العالم الإسلامي لولا ما خص الله به الجزيرة العربية من الاستمساك بالشريعة الإسلامية.
أما أحكام العلاقات المدنية: كالبيوع والإجارة، والضمان، والكفالة، والخوالة، والرهن، والأمانات، والودائع، والهبة، والغصب، والإتلاف، والحجر، والشفعة، والشركات، وما يتبع ذلك؛ فقد ظلت الدولة العثمانية تطبق فيه الفقه الإسلامي على المذهب الحنفي وإن كانت قد نظمت ذلك فيما يسمى "مجلة الأحكام الشرعية" وأخذت البلاد التابعة للدولة العثمانية بأحكام المجلة.
أما مصر التي كانت قد انفصلت عن الخلافة العثمانية؛ فقد استنكف حاكمها الخديوي إسماعيل باشا عن تطبيق المجلة الشرعية، وترجم القانون المدني الفرنسي الأول "قانون نابليون" وطبقة في بلاده، وكان هذا بداية التقنين الوضعي في أحكام المعاملات، وما كان الشعب المصري المسلم ليقبل هذا بسهولة، لولا أن الخديوي استخدم بعض العلماء1 في الكتابة عن ذلك، لبيان أن هذا القانون مستمد من مذهب الإمام مالك.
والحق أن هذه تكأة باطلة، يحاول أصحابها أن يعطوا القانون الوضعي صفة شرعية؛ فإن الحضارة الغربية- وإن كانت قد تأثرت بالحضارة الإسلامية إلا أنها كيفتها بما يتفق مع فلسفتها عن الحياة ومفاهيمها العامة، التي تختلف عن فلسفة الإسلام ومفاهيمه؛ فلا يقال: إن القانون الوضعي مستمد من الفقه الإسلامي، فهو غربي الفكرة والروح، والفقه الإسلامي في أصالته غني عن أن تنسب إليه هذا اللقيط، والتوافق في بعض الأحكام لا يعنى أن هذا هو فقه الإسلام.
وحين زحف الاستعمار الغربي على العالم الإسلامي بعد أن مزق باقي أوصالهن زحفت معه القوانين الوضعية، وسادت أحكام القانون المدني الغربي، حتى في تركيا التي انسلخ قادتها من حضارة الإسلام، وتقمصوا الحضارة الغربية.
1 هو الشيخ مخلوف المنياوي.