الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو حنيفة من تقديم القياس، حتى على خبر الآحاد، ويمنع الاجتهاد بالرأي إذا لم يكن نص من كتاب أو سنة يقيس عليه؛ فالقول بغير خبر ولا قياس على الخبر غير معتبر، وهذا معنى قوله:"إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد لا يكون إلا على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل والدلائل، هي: القياس".
وانتقد الشافعي القول بالاستحسان الذي يراه الأحناف وأبطله، ويقول في كتاب "إبطال الاستحسان" ما نصه:"كل ما وضعت مع أنا ذاكر من حكم الله ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حكم جماعة المسلمين دليل على أنه لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم، ولا أن يفتي إلا من جهة خير لازم وذلك: الكتاب ثم السنة، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا، ولا يفتي بالاستحسان إذا لم يكن الاستحسان واجبا، ولا في واحدة من هذه المعاني".
وبين أن الاستحسان لا ضباط له، ولا مقاييس يقاس بها الحق من الباطل؛ فلو جاز لكل مفت أو حاكم أو مجتهد أن يستحسن فيما لا نص فيه، لكان الأمر فرطا، ولاختلفت الأحكام في النازلة الواحدة على حسب استحسان كل مفت.
انتشار مذهبه:
ذكر ابن خلدون في المقدمة ابتداء مذهب الشافعي وانتشاره فقال:
"أما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر من سواها، وقد انتشر مذهبه بالعراق، وخراسان، وما وراء النهر، وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار، وعظمت مجالس المناظرات بينهم، وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم، ثم درس كله بدروس المشرق وأقطاره، وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على ابن عبد الحكم بمصر، أخذ عنه جماعة من بني
عبد الحكم، وأشهب، وابن القاسم، وأبو المواز، وغيرهم، ثم الحارث بن مسكين وبنوه، ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول فيها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يدي صلاح الدين يوسف بن أيوب، ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام، فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه، واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام، وعز الدين بن عبد السلام أيضا، ثم ابن الرفعة بمصر، وتقي الدين بن دقيق العيد، ثم تقي الدين السبكي بعدهما، إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد، وهو سراج الدين البلقيني؛ فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر، وكبير العلماء بها، بل أكبر العلماء من أهل العصر".
ومن هذا النص يتضح أن مذهب الشافعي انتشر في العراق، وبلاد فارس، وما وراء النهر، وانتشر في الشام، ولكن انتشاره كان أقوى في مصر.
ولم يكن لمذهب الشافعي حظ في بلاد المغرب والأندلس، حيث كانت الغلبة هناك للمذهب المالكي.