الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر:
هو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي، كان له شرفف السفارة في قريش، واحترف التجارة ومارسها طوال حياته قبل أن يتولى خلافة المسلمين، ويتفرغ لمصالحهم.
أسلم في السنة السادسة من البعثة، والمسلمون -إذ ذاك- بضعة وثلاثون أو بضعة وأربعون، يستخفون بإسلامهم لقلتهم واضطهاد قريش لهم، ويجتمعون في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي؛ فكان إسلام عمر كسبا كبيرا لهم، ودعما لدعوة الحق، وإعزازا لدين الله، فقد عرف عمر بقوة الشكيمة، وشدة البأس، وعزة الجانب والشجاعة في الحق.
وذكر أهل السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام".
فاستجاب الله دعاءه وأسلم عمر، وقال فيما قاله لرسول الله: علام نخفي ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل، والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان؛ فخرج إلى الكعبة على رأس صف من المسلمين، وخرج حمزة على رأس صف آخر، ففي ذلك في عضد قريش، وأصابها الغم والكآبة، ولهذا سمى الفاروق؛ لأنه اظهر الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر؛ فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا، فصلينا، فما زال يناضل عن المسلمين، وينافح عن رسول الله حتى أذن لهم بالهجرة، فهاجروا مستخفين، إلا عمر، فإنه لشدة بأسه على قريش هاجر على ملأ منهم.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "ما علمت أن أحدا من المهاجرين
هاجر إلا متخفيا إلا عمر بن الخطاب؛ فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا، ثم أتى المقام فصلى، ثم خرج على القول فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تشكله أمه، وييتم ولده، وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحد من المشركين".
وشخصية عمر شخصية متعددة الجوانب، وأهم جوانبها التي تتصل بموضوعنا عبقريته في حصافة الرأي وبعد النظر، ودقة الفهم؛ فقد كان رأيه الصائب سهما من سهام الحق، يقع على المرمى فيصيب الحجة، وحسبك دليلا على ذلك موافقته التي سبقت الإشارة إليها؛ فقد روى الثقات أن عمر بن الخطاب قال: وافقت ربي في ثلاث -أو وافقني ربي- في ثلاث: قلت يا رسول الله
…
لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} 1، وقلت يا رسول الله
…
يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهين أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن، حتى أتت إحدى نسائه فقالت: يا عمر
…
أما في رسول الله ما يعظ النساء حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} 2 الآية.
رواه البخاري، وروى قريبا منه مسلم.
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في أسرى بدر فأشار عمر بضرب أعناقهم وأشار أبو بكر بالعفو والفداء، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء، فأنزل الله:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} 3. الآيات.
وعن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فلما وقت قلت: أعلى عدو الله.
1 البقرة: 125.
2 التحريم: 5.
3 الأنفال: 67.
عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا، والقائل كذا وكذا؟! أعدد أيامه ورسوله الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا أكثرت قال:"يا عمر، أخر عني، إني قد خيرت، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 1 فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها" ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره، حتى فرغ منه فعجبت له ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه} 2، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعد حتى قبضه الله عز وجل، روى ذلك أصحاب السنن وجاء عند البخاري ومسلم.
ولعمر رضي الله عنه أوليات كثيرة في اجتهاده، روى البيهقي قال: أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم الشقفي قال: "قضى عمر رضي الله عنه في امرأة تركت زوجها وأمها والأب، جعل الثلث بينهم سواء، فقال رجل: يا أمير المؤمنين
…
إنك لم تشرك بينهم ما قضينا اليوم، وهذه المسألة هي المعروفة في الميراث، بالمشركة أو المشتركة كما ذكرنا من قبل.
وكتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في القضاء كتاب فريد في بابه، يجمع كثيرا من قواعد الأصول والفقه واستنباط الأحكام، ويدل على أصالة رأي ودقة فهم، وحسن بصيرة، وقد شرحه العلامة ابن القيم في كتابه "أعلام الموقعين" شرحا مستفيضا، واستخلص منه علما غزيرا، ويطول بنا الحديث لو تطرقنا إلى سيرة عمر رضي الله عنه، ووقفنا على فضائله ومزاياه، وقد لقي ربه
1 التوبة: 80.
2 التوبة: 84.