الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نلم بالحالة السياسية لما لها من أثر في الحياة الفقهية.
الحالة السياسية:
جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث ذات يوم على المنبر إلى أصحابه فقال: "إن عبدا قد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده، فاختار ما عند الله".
وفهم أبو بكر ما يقصد بهذه العبارة فقال: "بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا".
ولم يدرك الصحابة حقيقة مغزاها إلا حين اختار الله رسوله للرفيق الأعلى
…
ولم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الحديث حتى أحس بالوجع، فكان يُمَرَّضَ في بيت عائشة، ويخرج إلى الصلاة، فلما ثقل عليه المرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس.
وتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وارتاب المسلمون حين نبئوا بوفاته، وماج بعضهم في بعض، وكان عمر أشدهم شكا، ولكن أبا بكر رضي الله عنه تلا عليهم الآيسة الكريمة من سورة آل عمران:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ،} 1، فثاب المسلمون إلى صوابهم، وذكروا قول الله لنبيه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 2.
لم يكد النبي صلى الله عليه وسلم يفارق أصحابه حتى ظهر بينهم خلال أوشك أن يكون عظيم الخطر على وحدتهم، حيث اختلفوا فيمن يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في سياستهم وتدبير شئونهم.
أما الأنصار فظنوا أن الأمر ينبغي أن يكون فيهم، آووا النبي صلى الله عليه وسلم
1 آل عمران: 144.
2 الزمر: 30.
وسلم والذين هاجروا، وخاضوا المعارك في سبيل الله، فاجتمعوا بالفعل، وأزمعوا أن يبايعوا رجلا منهم بالخلافة، ورشحوا سعد بن عبادة زعيم الخزرج.
ولكن الأمر انتهى إلى زعماء المهاجرين، فأسرع أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة ابن الجراح إلى الأنصار، ودار بينهم شيء من الجدال، وخطب فيهم أبو بكر وقال لهم: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. وأقنعهم بالأمر حتى سمحت نفوسهم، وكرهوا أن يأخذوا الخلافة أجرا على ما أبلوا في دين الله من البلاء، ثم أسرع عمر إلى بيعة أبي بكر، فتبعه الأنصار، وبايع بعد ذلك سائر المسلمين في المدينة، واستقام الأمر لأبي بكر.
ولكن أبا بكر رضي الله عنه واجه خلافا كاد شره أن يستطير ويصبح خطرا على الإسلام، لولا أن الله كتب لهذا الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. فألقى في قلب أبي بكر اليقين، فثبت لهذا الخلاف أروع ثبات، وصمم على حسمه مهما كلفه من عناء.
واجه أبو بكر قوما امتنعوا عن الزكاة، وقالوا: نقيم الصلاة ولا نؤتى الزكاة، فأبى إلا أن يؤدوا إليه ما كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا فرق بين الصلاة والزكاة، وقال كلمته المأثورة:"والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليه ما استمسك السيف بيدي".
وواجه قوما آخرين ظهر منهم كذابون ادعوا لأنفسهم النبوة، وتلوا على قومهم كلاما زعموا أنه وحي من الله، ظهر الأسود العنسي في اليمن، ومسيلمة في بني حنيفة باليمامة، وطلحة في بني أسد، وظهرت سجاح في أحياء من
1 الحجر: 9.
جاء عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر، وواصلت جيوش المسلمين زحفها، ففتحت بلاد فارس، والشام ومصر، من بلاد الروم، وكثرت الغنائم، وواجه عمر مشكلات جديدة في إرسال الجيوش، وإمدادها، وتنظيم الجند، وحكم البلاد التي تفتح بحكم الله، وكلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض كلما كثرت المشكلات.
وقد وفق عمر إلى حل هذه المشكلات وتدبير أمور الدولة في حكم الأقطار البعيدة عنه والقريبة منه توفيقا معدوم النظير، وظلت حياة المسلمين مستقيمة في حياة عمر استقامتها في حياة أبي بكر، كلاهما ساس الناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوسهم أثناء حياته، والتزم عمر القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أبي بكر، ومشورة الصحابة، في حل ما عرض له من المشكلات التي نشأت عن الفتوح، واتساع الدولة، وانتشار الجيوش، وكثرة الغنائم والفيء وتنظيم أمور الأرض التي ظهر عليها المسلمون في البلاد المفتوحة، فكان كلما عرضت له مشكلة التمس حلها في كتاب الله، فإن لم يجد ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد ففي سيرة أبي بكر، فإن لم يجد دعا أولى الرأي من المهاجرين والأنصار، فشاورهم حتى يجد الحل للمشكلة، أو المشكلات التي عرضت له.
وولى أمور المسلمين بعد عمر عثمان رضي الله عنه، فاستقامت له الأمور أعواما. ومضت جيوش المسلمين في الفتح شرقا وغربا، ولكن كرم خلقه، ولين طبعه، ورقة عاطفته - لكن ذلك- أغرى قوما من قريش عامة، ومن بني أمية رهطه خاصة في الحصول على مظاهر الغنى والجاه من ورائه، حتى طمعوا فيه، واستأثروا بكثير من أمره، فلم يلبث أن ضعفت مقاومته للطامعين، وفشت قالة السوء، وانتشرت الفتنة في الأقاليم والأمصار، وحضر الجنود من البصرة، والكوفة، ومصر، يضجون بالشكوى إلى أن انتهت ثائرتهم بقتل الخليفة في وضح النهار.
وبمقتل عثمان تفتحت أبواب الفتنة على مصاريعها حيث أقبل الناس على على رضي الله عنه فبايعوه، واتخذ الكوفة عاصمة الخلافة، وأبي معاوية في الشام أن يؤمن لهذه البيعة.
وذهب فريق من الصحابة مغاضبين إلى البصرة، على رأسهم أم المؤمنين عائشنة بنت أبي بكر، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ثم كانت موقعة الجمل، وتبعتها موقعة صفين، وقصة التحكيم فيها برفع المصاحف على الأسنة من قبل جيش معاوية، دعوة لعلي وأصحابه إلى كتاب الله يحتكمون إليه، وكانت الهدنة بين الفريقين، إلا أن عاقبتها كانت فرقة واختلافا.
فقد رضيت كثرة جيش على بالهدنة، وفرضت على على أن يقبل اختيار أبي موسى الأشعري حكما واختيار معاوية عمرو بن العاص، وأبت قلة من جيش على هذه الهدنة، وأعلنوا أن علينا وأصحابه الذين قبلوا الهدنة قد كفروا، لأنهم حالفوا عن أمر الله في قوله تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 1 ولما كان على قد عرض الصلح على معاوية وأصحابه فرفضوه، ثم كانت الحرب فقد كان من الواجب المضي فيها حتى يقضي الله أمره، ولكن عليا وأصحابه قبلوا التحكيم فيما رأي الخوارج، فحكموا الرجال في دين الله والله وحده أحكم الحاكمين، وما كان ينبغي أن يضع السيوف حتى يفيء معاوية وأهل الشام إلى أمر الله.
ثم عظم أمر الخوارج، فأئتمر نفر منهم بقتل ثلاثة زعموا أنهم ملأوا الأرض شرا وهم: على، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ولم يبلغ أربه من هؤلاء الثلاثة إلا صاحب على: عبد الرحمن بن ملجم، قتلهه في المسجد غيلة.
1 الحجرات: 9، 10.