الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلماء، والمتفقهون، وأهل الرأي جميعا، وذكروا أنه في هذه المقدمة ألف كتاب "الرسالة" الذي وضع به أساس علم الفقه.
قال الرازي: "واعلم أن الشافعي رضي الله عنه قد صنف كتاب الرسالة وهو ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة، وفي كل واحد منهما علم كثير".
وتذكر بعض الروايات أن عبد الرحمن بن مهدي التمس أن يضع له كتابا يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس؛ فوضع الشافعي كتاب "الرسالة"، وعلى هذا فإنه يحتمل أن يكون ألفها وهو بمكة وأرسلها إلى ابن مهدي في العراق.
ولم يطب المقام للشافعي ببغداد -لغلبة العنصر الفارسي- في عهد المأمون، وما كان من تقريبه المعتزلة، وميله إلى مناهج بحثهم. ودعاه آنذاك إلى مصر القرشي الهاشمي "العباس بن عبد الله" ابن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس، فاستجاب لدعوته ورحل إلى مصر، فنشر بها علمه وآراءه وفقهه حتى مات في آخر رجب سنة 204هـ وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاما.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الشافعي كان يجل مالكا، وما كان يعبر عنه إلا بالأستاذ، ولكنه حين رأي غلو أصحابه فيه، وتعصبهم لبعض آرائه، ألف كتبا سماه "خلف مالك" تردد في إعلانه وفاء لأستاذه، ثم استخار الله فنشره إحقاقا للحق.
"
علم الشافعي ومصادره
":
تؤكد الروايات التي رويت عن شيوخ الشافعي وقرنائه وتلاميذه أنه كان علما بين العماء لا يجاري في علمه.
يقول فيه أحمد بن حنبل: "يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة رجلا يقيم لها أمر دينها فكان عمر
ابن عبد العزيز على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى".
ويقول داود بن على الظاهري: "للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره من شرف تسبه، وصحة دينه ومعتقده، وسخاوة نفسه، ومعرفته بصحة الحديث وسقيمه، وناسخه ومنسوخه، وحفظ الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء وحسن التصنيف".
ويقول محمد بن عبد الحكم أحد تلاميذه بمصر: "لولا الشافعي ما عرفت كيف أرد على أحد، وبه عرفت ما عرفت، وهو الذي علمني القياس رحمه الله؛ فكان صاحب سنة وأثر وفضل وخير، مع لسان فصيح بليغ، وعقل صحيح رصين".
ونتاج الشافعي، وما تركه من آثار يشهد له بذلك؛ فقد أوتى علم العربية، وعلم الكتاب، وفقه الحديث، وضبط قواعد السنة. وبرز في فقه الرأي والقياس، وكان يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
قال الربيع بن سليمان: "وكان الشافعي رحمه الله، يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا، وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار".
وقد أرجع الشيخ أبو زهرة هذا النبوغ إلى عناصر:
أولها - مواهبه:
آتى الله الشافعي حظا من المواهب يجعله في الذروة الأولى من قادة الفكر، وزعماء الآراء، كان قوي المدارك، حاضر البديهة، عميق الفكر، بعيد الفهم، يعتمد على الضوابط العامة، والقواعد الكلية في معرفة الجزئيات والفروع، وكان
قوي البيان، واضح التعبير، نافذ البصيرة قوى الفراسة، صافي النفس، طاهر القلب، مخلصا في الله.
ثانيها- شيوخه:
أخذ الشافعي الفقه والحديث عن شيوخ عصره على اختلاف مناهجهم، من شيوخ مكة والمدينة واليمن والعراق، فتلقى فقه مالك عليه، وتلقى فقه الأوزاعي عن صاحبه عمر بن أبي سلمة، وتلقى فقه الليث بن سعد فقه مصر عن صاحبه يحيى بن حسان، ثم تلقى فقه أبي حنيفة وأصحابه على محمد بن الحسن، فاجتمع الكلية التي قدمها للناس في بيان رائع وقول محكم.
ثالثها- دراساته الخاصة وتجاربه:
فقد رحل الشافعي في طلب الحديث والفقه، رحل إلى مالك ولازمه، ثم رحل إلى اليمن عاملا في بعض أعمال ولايتها "نجران" ثم رحل إلى العراق ومصر، ومن شأن هذه الرحلات أن تكسبه خبرات في إدراك معاملات الناس وعاداتهم وأعرافهم، وأن تفتق ذهنه وتنمي مداركه وأن تقف به على المناهج الفقهية المختلفة ليدرسها دراسة الناقد الفاحص، دون أن يتقيد بمذهب أو نحلة أو طائفة، وهكذا كان الشافعي.
رابعها- عصر الشافعي:
ولد الشافعي وعاش في عصر استقرار الدولة العباسية، وتمكين سلطانها، وازدهار الحياة الإسلامية فيها، حيث كانت المدن الإسلامية تموج بنشاط العلماء، واقتباسهم من الفلسفة اليونانية، وآداب الفرس، وعلم الهند، في حركة الترجمة التي تولاها الخلفاء العباسيون بالتنمية والتشجيع، وكان لها أثرها في الفكر الإسلامي.
ونشأ في غضون ذلك الزنادقة الذين كادوا للإسلام، ودبروا الأمر لإفساد الجماعة الإسلامية، مما حمل فريقا من العلماء على رد أباطيلهم والذود عن حمى