الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
وانتقل الشافعي إلى مصر سنة 199هـ. وقد تكامل نموه، ونضجت آراؤه، ورأي في مصر ما لم يكن قد رآه من قبل؛ فأخذ يدرس آراءه السابقة على ضوء تجاربه اللاحقة في البلد الذي نزل فيه، فأعاد كتابة رسالته في الأصول، وعدل فيها، كما عدل في آرائه في الفروع، وكان له بذلك: قديم قد رجع عنه، وجديد قد اهتدى إليه.
وفي كل دور من هذه الأدوار الثلاثة التي بيناها كان للشافعي تلاميذ تلقوا عنه ونقلوا فقهه؛ فمن أصحابه بمكة أبو بكر الحميدي، وأبو بكر محمد بن إدريس، وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود، ومن أصحابه ببغداد أبو علي الحسن الصباح الزعفراني، وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي، وأبو ثور الكلبي، كما أخذ عنه الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وإن لم يعرفا بالتبعية له في مذهبه.
ومن أصحابه بمصر: حرملة بن يحيى بن حرملة، وأبو يعقوب بن يحيى البويطي، وأبو إبراهيم اسماعيل بن يحيى المزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان بن داوود الجيزي "أبو محمد".
وعلى يد هؤلاء رويت كتب الشافعي.
"
كتاب "الأم
":
ومن أهم الكتب التي كتبها الشافعي أو أملاها كتاب "الأم" قال فيه الشيخ أبو زهرة: وقد أجمع العلماء على صدق ما جاء في "الأم" من آراء منسوبة للشافعي؛ فهذه الحجة الأولى في مذهبه. والنقل الأول الصحيح لآرائه في الجديد.
وكتاب "الأم" يقع في ثمانية أجزاء، وقد نشرته مكتبة الكليات الأزهرية في أربع مجلدات، وأشرف على طبعه محمد زهري النجار من علماء الأزهر.
ألف الشافعي كتاب "الأم" بعد أن استقر به المقام في مصر بالقاهرة، وهو مرتب حسب أبواب الفقه؛ فقد بدأ بعد البسملة بعنوان "الطهارة" وجاء في مطلعه "أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: قال الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} 1 الآية، قال الشافعي: فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان في هذه الآية أن الغسل بالماء2. وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين.
وذكر الماء عاما؛ فكان ماء السماء، وماء الأنهار، والآبار، والقلات3، والبحار، العذب من جميعه والأجاج سواء من أنه يطهر من توضأ، واغتسل منه، وظاهر القرآن يدل على أن كل ما طاهر، ماء بحر وغيره، وقد روى فيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه4. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة -رجل من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول:"سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء؛ فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".
ويتضح من هذا النص أن الشافعي يورد كلامه مستندا إلى الدليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع بيان فقهه في الدليل، وبيان درجة الحديث؛ فهو فقيه أصولي محدث.
1 المائدة: 6.
2 إشارة إلى قوله تعالى بعد في الآية "فلم تجدوا ماء""المائدة: 6".
3 جمع قلت، كسهم وسهام، وهو النقرة من الجبل تمسك بالماء.
4 يقصد الحديث الذي رواه بعد، ويحتمل أن يراد بمن لا يعرفه في إسناده: سعيد بن سلمة أو المغيرة أو كليهما.