الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وورث العصر الحاضر هذه المؤلفات بما احتوته من علم زاخر، وكنوز فقهية ثمينة لا يصبر على دراستها والرجوع إليها إلا الجهابذة المتفرغون المتخصصون.
وليس الأمر قاصرا على وعورة مسلك هذه الكتب؛ وإنما جاوزه إلى التعصب المذهبي، والوقوف عند رأي المذهب بإغلاق باب الاجتهاد والغلو في شروط المجتهد.
ولم ينج من هذه الظاهرة سوى القلة النادرة من المصلحين المجددين، الذين عولوا على مقاصد الشريعة، وقواعدها العامة، وأدلتها الكلية، ونهجوا خطة المتقدمين في التأليف، وفي مقدمة هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ الفقه الإسلامي؛ حيث اعتمد في اختياراته الفقهيه على النظر في الأدلة، والأخذ بالأقوى من آراء الفقهاء السابقين، واستخرج أحكاما للقضايا الجديدة في عصره.
ورث العصر الحاضر ذلك التراث الفقهي القديم بما له وما عليه، في الوقت الذي تطورت فيه أساليب التأليف، وشملت التجديد في كل مادة من المواد، وأحس الناس بالحاجة إلى التجديد في أنماط التأليف الفقهي، فلجئوا تارة إلى الإخراج والتحقيق، وأخرى إلى البحث الموضوعي المقارن مع المذاهب، أو مع المذاهب والقوانين الوصعية، وكان للرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه" أثرها الطيب في ذلك، وإن كان أثرا محدودا.
الواقع الدراسي:
كانت الدراسات الإسلامية في العصور الأولى أساسا للتعليم، فهي المحور الذي تدور عليه العلوم كلها، وأول ما يتلقى الدارس إنما يتلقى هذه الدراسات في القرآن الكريم، والحديث الشريف، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، والفقه، وأصوله، مع ما يستوجبه ذلك من دراسة اللغة العربية بعلومها، ثم تكون دراسة العلوم الأخرى المعاصرة.
وكانت الغاية من الدراسات الإسلامية هي استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية فيما يجد للناس من حوادث، وما يعرض لهم من مشكلات، والفقه الإسلامي بمصادره هو الأصل الذي يحكم سلوك الأفراد وتصرفاتهم، وحياة الجماعة، ونظام الحكم، وشئون الاقتصاد، والسياسة.
ولكن الضعف السياسي الذي لحق الأمة الإسلامية في عصورها الأخيرة بعد نجاح آمر أعدائها عليها، وتمزيق شمله، وما تبع ذلك من تخلف فكري وغزو ثقافي
…
لكن هذا وذاك أتاح الفرصة لأعداء الإسلام في إشاعة اتهامه بالقصور، وعجزه عن تلبية حاجات العصر، ولا سيما أن الدراسات الفقهية ظلت جامدة متخلفة، فنشأ جيل من أبناء الأمة أرضع لبان الفكر الغربي، واستهواه الاستغراب في ديار الإسلام؛ فأراد استبدال دراسةالحقوق القانونية الغربية بدراسة الفقه الإسلامي، وكان له ما أراد وساعد على ذلك غياب الإسلام عن مجال الحكم كما سيأتي في الفقرة التالية.
لقد تسرب هذا الدخيل في بلادنا عن طريق الدراسة بما يسمى: "بكليات الحقوق" أو "معاهد الحقوق". والدراسة في هذه الكليات: لحمتها وسداها: الحقوق الغربية، وما يتفرع عنها من قوانين وضعية؛ حيث لا يدرس الفقه الإسلامي إلا في مادة واحدة تتعلق بأحكام الأسرة، تعرف "بالأحوال الشخصية".
وهكذا وقع الازدواج في الدراسات الفقهية؛ حيث توجد "كليات الشريعة" في معظم البلاد الإسلامية لدراسة الفقه الإسلامي ومصادره في جميع مجالات الحياة، وتوجد كذلك "كليات الحقوق" لدراسة الحقوق الغربية وقوانينها الوضعية، وزاحمت هذه تلك، وتوشك أن تضيق عليها الخناق، لتطمس معالم الدراسات الفقهية، كما هو معهود لدينا في بعض البلاد.