الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آراؤهم:
ومن أشهر آراء الخوارج ما يأتي:
أ- رأيهم في الخلافة:
أ- يقول الخوارج بصحة خلافة أبي بكر وعمر، لصحة انتخابهما، وبصحة خلافة عثمان في صدرها الأول؛ فلما حاد عن سيرة أبي بكر وعمر وجب عزل عزله، وبصحة خلافة على إلى أن قبل التحكيم.
ب- ويقولون بكفر على لما قبل التحكيم، وبكفر معاوية، وأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ويطعنون في أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة.
جـ- ويرون أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، ولا يشترط أن يكون الخليفة قرشيا، خلافة لنظرية الشيغة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي، ولكثير من أهل السنة القائلين بأن الخلافة في قريش، وإذا تم اختيار الخليفة صار رئيسا للمسلمين، ولا يصح أن يتنازل أو يحكم، ويجب أن يخضع خضوعا تاما لأمر الله، وإلا وجب عزله؛ فإن لم يقبل وجب قتله.
ب- رأيهم في الإيمان والعمل:
أ- يرى الخوارج أن العمل بأوامر الدين كلها جزء من الإيمان، كالصلاة، والصوم، والزكاة، والصدق، والعدل، وليس الإيمان الاعتقاد وحده، أو الاعتقاد مع الإقرار باللسان.
ب- وإذا كان العمل بأوامر الدين جزء من الإيمان -وهو كذلك عند أهل السنة والجماعة- فإنهم يرون أن من لم يعمل بأوامر الدين، أو يرتكب الكبائر يكون كافرا.
فقالوا بتكفير أهل الذنوب، ولم يفرقوا بين ذنب وذنب، بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنبا، ولذا كفروا عليا رضي الله عنه بالتحكيم، واستدلوا على ذلك بظواهر.
كثير من النصوص: منها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين} 1 وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وفي الصحيحين كذلك:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، وغير ذلك من النصوص.
وهذه النصوص عند أهل السنة والجماعة، لا يراد بها الكفر الذي يخرج من الملة، ولا نفي حقيقة الإيمان، إنما يراد بها نفي كماله.
وقد اختلف الخوارج على أنفسهم، وأصبحوا فرقا شتى، لكل فرقة آراؤها، ولكنهم يشتركون إجمالا في النظريتين السابقتين: نظرية الخلافة، ونظرية الإيمان والعمل.
ومنهم من كان يرى أنه لا حاجة بالأمة إلى إمام وعلى الناس أن يعملوا بكتاب الله من أنفسهم، ولهذا روي عن علي رضي الله عنه.. أنه لما سمعهم يقولون: لا حكم إلا لله، قال:"كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: "لا إمرة إلا لله"، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمع فيها الكافر، ويبلغ الله منها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوى، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر".
وقد قال ابن أبي الحديد: إن الخوارج كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الإمام، ثم رجعوا عن ذلك لما أمروا عليهم عبد الله ابن وهب الراسبي.
أشهر فرقهم:
وذكر بعض الباحثين أن فرق الخوارج بلغت نحو العشرين، كل فرقة تخالف الأخرى في بعض تعاليمها، ومن أشهر فرقهم:
1 آل عمران: 97.
2 المائدة: 44.
1-
الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق من بني حنيفة، وكان من أكبر فقهائهم، وقد كفر جمع المسلمين من عداهم، واستباح قتل النساء والأطفال وأهل الذمة، وحرم التقية؛ لأن الله يقول:{إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} 1 واستحل الغدر بمن خالفه، وأشهر من تولي إمارة الأزارقة بعد نافع، قطري بن الفجاءة المازني التميمي الذي قاتله المهلب بن أبي صفرة قتالا مريرا حتى هزمه بأرض فارس.
2-
النجدات: أتباع نجدة بن عامر، من بني حنيفة كذلك، ويرى أن الدين أمران: أحدهما: معرفة الله ومعرفة رسوله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب أموالهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة، فهذا واجب على الجميع، والجهل به لا يعذر فيه.
والثاني: ما سوى ذلك -فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلام والحرام.
بايعه خوارج اليمامة سنة 66 هـ وغزا بهم البحرين وعمان واليمن والطائف؛ لكنه لم يبسط نفوذه إلا في البحرين.
خالف النجدات عامة الخوارج، فقالوا بالتقية، أي أن يظهر الخارجي أنه جماعي حقنا لدمه، ولا يستحلون قتل الأطفال، وأهل الذمة.
3-
الإباضية: أتباع عبد الله بن إباض التميمي، وكانوا أقل غلوا في الحكم على مخالفيهم، ونزعتهم أميل إلى المسالمة، فهم أبعد الخوارج عن الشطط، يرون أن مخالفيهم كفار نعمة، لا كفار في الاعتقاد، فتجوز شهادتهم، ومناكحتهم، والتوارث معهم، ولذا بقي لهم فقه جيد، ولهم أتباع في ساحل عمان وزنجبار.
4-
الصفرية: أتباع زياد بن الأصفر، وهم لا يختلفون كثيرا في تعاليمهم عن الأزارقة وإن كانوا أقل تطرفا منهم، وأشهد من غيرهم، فلا يكفرون بالذنوب كلها، إنما يكفرون بالذنوب التي فيها حد، ولا يحكون بقتل أطفال مخالفيهم، ولا
1 النساء: 77.
يرون كفرهم وتخليدهم في النار خلافا للأزارقة، وقد انتشروا في الموصل وأرض الجزيرة.
وأكثر الذين اعتنقوا مبدأ الخوارج كانوا عربا بدوا، انضم إليهم قليل من الموالي.
ومن أخص صفات الخوارج تشددهم في العبادة وإخلاصهم لعقيدتهم وشجاعتهم النادرة، وعروبتهم الخالصة، وأدبهم الرفيع شعرا ونثرا.
فقه الخوارج:
1-
لقد كان من آثار اهتمام الخوارج بالناحية العملية وتشددهم في سلوك المسلم أنهم ترفعوا في مقاييسهم الفقهية بأمور العبادات؛ فاعتبروا المعاني الأخلاقية والروحية بإزاء العمل البدني؛ ففي طهارة البدن للصلاة مثلا، يرون أن الطهارة إنما تكون بطهارة اللسان من الكذب والقول الباطل، الذي يوقع الناس في الأذى، وعلى هذا جعلوا من مبطلات الوضوء: الوشاية، والعدواة، والبغضاء بين الناس، والقول الفاحش، أي أنهم راعوا مع الطهارة البدنية، الطهارة المعنوية.
2-
ومن فرق الخوارج من غلا في أخذ الأحكام من مصادر الشريعة، واعتبر القرآن وحده المصدر الحقيقي، ولم يعترف بغيره، وقد نجم عن هذا مخالفتهم لإجماع المسلمين في بعض المسائل، محتجين بأن القرآن يبطلها.
أ- قالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم، ورجم الأئمة بعده، والله تعالى يقول في الإماء:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} 1، والرجم إتلاف للنفس لا يتبعض؛ فكيف يكون على الإماء نصفه؟ والمحصنات ذوات الأزواج وفي هذا دليل على أن المحصنة حدها الجلد، وهو الذي ورد في القرآن لقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 2.
ب- وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث"، والله يقول: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن
1 النساء: 25.
2 النور: 2.
ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين1 والولدان وارثان على كل حال لا يحجبهما أحد عن الميراث؛ فهذه الرواية في الوصية خلاف كتاب الله عز وجل.
جـ وقالوا: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها"، وأنه قال:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} 2 إلى آخر الآية:..... ولم يذكر الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، ولم يحرم من الرضاع إلا الأم المرضعة، والأخت بالرضاع، ثم قال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 فدخلت المرأة على عمتها وخالتها، وكل رضاع سوى الأم والأخت فيما أحله الله تعالى.
د- وقالوا: إنكم ترون أن حد القذف يثبت على على من يقذف المحصنين من الرجال ونحن نقول: إن حد القذف لا يثبت إلا على من يقذف محصنة بالزنا؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 4 فذكر رمي المحصنات ولم يذكر رمي المحصنين.
وقد ذكر ابن قتيبة هذه المسائل وغيرها نقلا عن الخوارج في كتابه "تأويل مختلف الحديث"5 ورد عليها، ولهذه النزعة أثر عند بعض الناس في عصرنا الحاضر الذين يرون الاكتفاء بالقرآن وحده.
1 البقرة: 180.
2 النساء: 23.
3 النساء: 24.
4 النور: 4.
5 انظر ص 192 ط مكتبة الكليات الأزهرية.