المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وذكر مشايخه وتلامذته - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌وذكر مشايخه وتلامذته

يبينون ويعلمون كما سير في هذا التاريخ، فقال في كتابه لما رأى من الأمور الشركية والبدع الوخيمة والوثنية في تلك الجهات، أنه يجب الدعاء للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإن فضله علينا أعظم من آبائنا وأمهاتنا، ولا يعرف قدر للشيخ إلا من شاهد مثل ما شهدنا من البدع والكفر، فيجب علينا أن نقدمه بالدعاء له قبل آبائنا وأمهاتنا لأنه أخرجنا من ظلمات الجهل إلى نورا لعلم والتوحيد، وصدق هذا القائل فقد بلغت الحال بالشيخ محمد إلى أن قام بالملتزم يدعو الله أن يهدي خلقه؛ وذلك لما أراد نشر دعوته في نجد وغيرها، فرحمة الله عليه من إمام جدد معالم الإسلام وسعى في هداية الأنام، وجاهد في سبيل الله حتى أبلج الحق واستقام، فعليه من الرحمن أعظم الرحمة والسلام.

‌وذكر مشايخه وتلامذته

أما مشايخه فإنه أخذ عن والده عبد الوهاب وأشتغل في العلم بين يدي أبيه وجد في الطلب، وذلك قبل رحلته لطلب العلم في كثير من البلاد وكان والده يتوسم فيه الفضل والعلم ويحدث أخا الشيخ سليمان بذلك حتى قال له لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام، وأخذ عن الشيخ المدني محمد حياة السندي وأخذ عن الشيخ عبد الله بن سيف وأخذ عن الشيخ محمد المجموعي صاحب البصرة وغيرهم.

أما تلامذته الذين أخذوا عنه فإنهم علماء كبراء من بنيه وبني بنيه وغيرهم من علماء النواحي والأقطار فمنهم أبناؤه الأربعة العلماء الأذكياء والقضاة الفضلاء الذين جمعوا أنواع العلوم الشرعية، واستكملوا الفنون الأدبية، وهؤلاء حسين وعبد الله وعلي وإبراهيم وكل هؤلاء جهابذة نجباء فلا تسأل عما كانوا عليه من التدريس والحفظ والذكاء الذي فاقوا به الأقران، ونفعوا به الغرباء والسكان، ولكل واحد منهم قرب بيته مدرسة فيها طلبة العلم من الغرباء ونفقتهم من بيت المال ويأخذون عنهم فنون العلم في كل وقت.

ص: 48

فأما حسين فهو الخليفة بعد أبيه والقاضي في بلد الدرعية وله عدة بنين طلبة علم وقضاة.

وأشهرهم علي بن الحسين وحمد وحسن وعبد الرحمن وعبد الملك.

فأما علي فهو الشيخ الفاضل وحاوي الفضائل العلامة في الأصول والفروع، الجامع بين المعقول والمشروع، كاشف المشكلات، ومفتاح خزائن أسرار الآيات، قاضي الدرعية بوجود أعمامه وخليفتهم فيها إذا غابوا زمن سعود وابنه عبد الله ثم القضاء للإمام تركي بن عبد الله آل سعود في حوطة بني تميم؛ ثم كان قاضيًا في بلد الرياض للإمام فيصل بن تركي، وكان له معرفة تامة في الحديث والفقه والتفسير وغير ذلك، وأما حسن فولي قضاء الرياض زمن تركي بن عبد الله، وله معرفة تامة في الفقه وغيره ولكنها لم تطل حياته فقد مات 1245 وأما عبد الرحمن بن حسين فقد ولي القضاء في ناحية الخرج لتركي بن عبد الله ثم لابنه فيصل وله معرفة ودراية في الفقه والتفسير والنحو وغير ذلك، وأما حمد وعبد الملك فطلبة علم ولديهم معرفة.

وأما عبد الله بن الشيخ فهو الخليفة بعد أخيه حسين في القضاء وكان هو قاضي الدرعية زمن سعود بن عبد العزيز، وكان آية من آيات الله في العلم والمعرفة، وله خبرة في الحديث ورجاله وفنون العلوم وكذا كان ابنه سليمان بن عبد الله فقد كان آية من آيات الله في العلم ولديه معرفة تامة في الحديث ورجاله وصحيحه وحسنه وضعيفه والفقه والتفسير والنحو وكان آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم وكان حسن الخط؛ فما كان في زمنه من يكتب مثل كتابته وله كتاب شرح التوحيد سماه تيسير العزيز الحميد ولكنه مع الأسف لم يكمله وقد أخذ العلم عن أبيه عبد الله والشيخ حمد بن ناصر بن معمر وأخذ العربية عن حسين بن غنام وغيره.

قتله إبراهيم باشا في وقعة الدرعية بعدما تهدده وأرغمه بآلات اللهو من

ص: 49

الرباب وغيرها ثم أمر أن يثوروا فيه البنادق والقرابين (1) فثوروها فيه فتمزق لحمه رحمه الله، ثم إنه جمع لحمه بعد ذلك قبح الله قاتله ولا بد من فصل القضاء بين الخلائق يوم المعاد وكان ذلك 1233 وقد كان لعبد الله ابن آخر اسمه عبد الرحمن أجلى معه إلى مصر وهو صغير فصار في رواق الحنابلة في الجامع الأزهر وعنده طلبة علم وله معرفة تامة.

وأما علي بن الشيخ فكان عالمًا جليلًا وورعًا كثير الخوف من الله تعالى وكانت الأمثال تضرب به في بلد الدرعية بالورع والديانة وله معرفة بالفقه والتفسير وغير ذلك وراودوه على القضاء فأبى ويعرف له ابن اسمه محمد طالب علم وذو معرفة.

وأما إبراهيم بن الشيخ فكان مدرسًا في العلوم ولديه معرفة تامة لكنه لم يل القضاء وأخذ عن الشيخ الإمام محمد بن ابنه الشيخ العالم الفاضل، وقدوة الأفاضل وعين الأقران والأماثل عبد الرحمن بن حسن رئيس قضاة المسلمين ومجد الفضلاء والمدرسين وناهيك به من عالم احتاج إلى تفريغ منطوقة الأكابر وأحيا مدارس العلم بعدما كانت رباعها دواثر، فعمرت بدروسه المساجد وجثا بين يديه العلماء الأماجد ولا بد من ذكر ترجمته في سنة وفاته وأخذ عن الشيخ أيضًا الماهر العظيم الورع الزاهد الذي طبق علمه الآفاق، وشهد له بالفضل كل أهل الاتفاق خلى عدوًا من أهل الخبث والنفاق، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين الناصري شيخ أبي بطين قاضي الوشم زمن الإمام عبد العزيز وابن سعود وابن عبد الله وأخذ عن الشيخ أيضًا العالم الجليل؛ والجهبذ الحبر النبيل، الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر قاضي الدرعية في زمن سعود، وأخذ عنه أيضًا الشيخ العالم العامل الزاهد الفاضل سعيد بن حجي قاضي حوطة بني تميم في ناحية الجنوب زمن الإمام عبد العزيز وابنه سعود، وأخذ عن الشيخ أيضًا العالم العلامة

(1) نوع من سلاح تركيا.

ص: 50

القاضي في بلد الدلم وناحية الخرج الشيخ محمد بن سويلم وذلك في زمن الإمام عبد العزيز؛ وأخذ عنه أيضًا العام عبد الرحمن بن خميس إمام قصر آل سعود في الدرعية ثم تولى القضاء في بلد الدرعية في زمن الإمام عبد العزيز وابنه سعود، وأخذ عن الشيخ عبد الرحمن بن نامي قاضي بلد العيينة ثم كان قاضيًا في الأحساء زمن سعود وابنه عبد الله، وأخذ عن الشيخ أيضًا محمد بن سلطان العوسجي قاضي المحمل ثم كان قاضيًا أيضًا في الأحساء زمن سعود، وأخذ عنه أيضًا عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسين القاضي في حريملاء وبلد الزلفى وغيرهما زمن سعود وابن عبد الله، وأخذ عنه أيضًا العالم عبد العزيز بن سويلم القاضي في ناحية القصيم زمن عبد العزيز وابنه سعود وابنه عبد الله وأخذ عن الشيخ أيضًا حمد بن راشد العريني القاضي في ناحية سدير زمن عبد العزيز وأخذ عنه أيضًا من القضاة ممن لا يحضرني الآن ذكره خلق كثير ومن لم يل القضاء من الرؤوساء والأعيان جم غفير من هؤلاء الإمام عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود وأخذ عنه أيضًا العالم الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود.

وبالجملة فبركات هذا الشيخ وسبقه عظيم وله من المناقب والمآثر ما لا يخفى على أهل الفضائل والبصائر لأنه العالم الذي لا يشق غباره ولا تبلغ في البحث والإفادة آثاره.

فسبحانه من خصه بتلك الخصال والله يختص بفضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وكان جهوري الصوت إذا أخذ في الخطبة فإنه يسمع من في المسجد على العموم وكان سنه حين وفاته نحو اثنتين وتسعين سنة وقد ثقل في آخر عمره فكان يخرج لصلاة الجماعة يهادي بين رجلين حتى يقام في الصف.

ولما نشر السنة وأمات البدعة وعمرت به معالم الملة بعد ما كان الإسلام غريبًا، ونشرت راية الجهاد بعد أن كانت الخلائق في فتن وضلال، وعرف الناس التوحيد

ص: 51

الكبير والصغير واجتمع الناس على الصلوات والدروس، والسؤال عن أصل الدين وفرعه، وتعلم العلم القاري والأمي، وانتفع بعلمه سائر الآفاق لأنهم سألوا عما يأمر به وينهى عنه، فاتضح أنه يأمر بتوحيد الله وينهى عن الشرك، وأن هدفه الذي يرمي إليه وهو طلب طريقة الرسول وأصحابه فهدمت القباب والمشاهد التي بنيت على القبور وغيرها من جميع المواضع الشركية من الحرمين واليمن وتهامة وعمان والأحساء ونجد وغيرها من سائر الأقطار، حتى لا تجد في جميع من شملته ولاية المسلمين الشرك الأصغر فضلًا عن الأكبر، اللهم إلا ما كان بين العبد وبين ربه، وأمر جميع أهل البلدان من أهل النواحي يسألون الناس في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبين العشاء عن معرفة ثلاثة الأصول، وهي معرفة الله ومعرفة دين الإسلام وأركانه، وما ورد عليها من الأدلة في القرآن، ومعرفة محمد صلى الله عليه وسلم ونسبه ومبعثه وهجرته وأول ما دعا إليه وهي لا إله إلا الله بمعرفة معناها، ومعرفة البعث بعد الموت وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، وفروض الوضوء ونواقضه وما يتبع ذلك.

أقام على ذلك يحث المتمسكين بالدين على الثبات ويشجعه حتى توفاه الله تعالى في آخر ذي القعدة 1206 هـ، فجبر الله القلوب بفقده، وأحسن العزاء، ونسأل الله تعالى أن يغفر له ويرفع درجاته في الجنان، وأن يجمعنا وإياه في دار الرضوان إنه هو الكريم المنان، ولا أتاه نازل القدر والقضاء وطارق الموت والفناء الذي لا يمنع منه حصن ولا يدفعه مغالب، وانتزعه من بين الأحباب والأصحاب، وأخلى منه المنازل والرحاب رثاه العلماء من أهل الإيمان والتحقيق والعرفان فقال الشيخ العالم حسين بن غنام هذه القصيدة يرثاه بها رحمه الله:

إلى الله في كشف الشدائد نفزع

وليس إلى غير المهيمن مفزع

لقد كشف شمس المعارف والهدى

فسالت دماء في الخدود وأدمع

أمام أصيب الناس طرا بفقده

وطاف بهم خطب من البين موجع

وأظلم أرجاء البلاد لموته

وحل بهم كرب من الحزن مفضع

ص: 52

شهاب هوى من أفقه وسمائه

ونجم ثوى في الترب وأراه بلقع

وكوكب سعد مستنير سناؤه

وبدر له في منزل اليمن مطلع

وصبح تبدي للأنام ضياؤه

فداجي الدياجي بعده متقشع

لقد غاض بحر العلم والفهم والندى

وقد كان فيه للبرية مرتع

فقوم جلا عنهم صدا الدين فاهتدوا

فأسماعهم للحق تضغي وتسمع

وقوم ذووا فقر وجهد وفاقة

حووا واقتفو ما فيه للعيش مطمع

لقد رفع المولى به رتبة الهدى

بوقت به يعلي الضلال ويرفع

إبان له من لمعة الحق لمحة

أزيل بما عنه حجاب وبرقع

سقاه نمير الفهم مولاه فارتوا

وعام بتيار العارف يقطع

فأحيا به التوحيد بعد اندراسه

وأقوى به من مظلم الشرك مهيع

فأنوار صبح الحق باد سناؤها

ومصباحه غال ورياه ضيع

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها

سواه وحاذا فناها سميذع

وشمر في منهاج سنة أحمد

يشيد ويحي ما تعفى ويرقع

وينفي الأعادي عن حماه وسوحه

ويدمغ أرباب الضلال ويدفع

يناضر بالآيات والسنة التي

أمرنا إليها في التنازع نرجع

فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها

وأمسى محياها يضيء ويلمع

وعاد به نهج الغواية طامسًا

وقد كان مسلوكًا به الناس تربع

وجرت به نجد ذيول افتخارها

وحق لها بالألمعي ترفع

فأثاره فيها سوام سوافر

وأنواره فيها تضيء وتلمع

لقد وجد الإسلام يوم فراقه

مصابًا خشينا بعده يتصدع

وطاشت أولوا الأحلام والفضل والنهى

وكادت له الأرواح تتري وتتبع

وطارت قلوب المسلمين بيومه

وظنوا به أن القيامة تقرع

فضجوا جميعًا بالبكاء تأسفًا

وكادت قلوب بعده تتفجع

ففاضت عيون واستهلت مدامع

يخالطها مزج من الدم يهمع

ص: 53

بكته ذو الحاجات يوم فراقه

وأهل الهدى والحق والدين أجمع

فمالي أرى الأبصار قلص دمعها

وليست على فقداه تهمي وتدمع

ومالي أرى الألباب تهدي قساوة

وليست على ذكراه يومًا توجع

لقد غدرت عين تضن بمائها

عليه وكبد قد أبت لا تقطع

يحق لأرواح المحبين أن ترى

مقبوضةً لما خلت منه أربع

وتتلو سريرًا فوقه قمر الهدى

وشمس المعالي والعلوم تشيع

فما بالها قرت بأشباح أهلها

ولم تك في يوم الوداع تودع

فيالك من قبر حوى الزهد والتقى

وحل به طود من العلم ممرع

لئن كان في الدنيا له القبر موضع

فيوم الجزاء يرجى له الخلد موضع

سقا قبره من هاطل العفو ديمة

وباكره سحب من البر همع

وأسكنه بحبوحة الفوز والرضا

ولا زال بالرضوان فيها يمتع

وكان بن غنام هذا هو صاحب التاريخ المشهور وصاحب العقد الثمين الذي في شرح أحاديث أصول الدين.

وكان أعني ابن غنام له اليد الطولى في معرفة العلم وفنونه، وقد ذكر في تاريخه انه ابتدأ بالشيخ مرضه في شوال ثم ذكر معبرًا عن عبادته من صلاة وصيام تطوعًا وترنمه بالقرآن في دجا الظلام، إذ كان دأبه إحياء غالب الليل وأنه كان على حالة في الزهد مرضية، وقد مات ولم يخلف دينارًا ولا درهمًا بل كان عليه دين كثير فأوفى الله عنه الجليل والحقير؛ وكان قد ذكر عن المترجم شيئًا عظيمًا من الفضل وخفض الجناح واحتمال الأذى حتى أظهر الله دعوته ونصره على كل من أراده بسوء، ولا ريب أن شهرة الشيخ أعظم من ذكره، وقد أحببنا الاختصار ولو بسطنا لاحتاج إلى عدة أسفار، وخير الكلام ما لم يطل فيمله السامعون.

وقال الشيخ العالم العلامة القطب اليماني محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار رحمة الله عليه يرثي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب وأدخله الجنة بغير حساب لما نعيت له وفاته، وكانت هذه المرثية عظيمة،

ص: 54

ولا غرور ولا بدع فمن البحر يستجلب الدر، وبذلك تعرف قدر الشيخ عند ذوي الإيمان وورثة سيد ولد عدنان.

قال الشوكاني

مصاب دها قلبي فأذكى غلائلي

واصمي بسهم الافتجاع مقاتل

وخطب به أعشار أحشائي صدعت

فأمست بفرط الوجد أي تواكل

ورزء تقاضاني صفاء معيشتي

وأنهنلني قسرًا أمر المناهل

فعدت به رهن التباع ولاعج

حليف أسا للقلب غير مزايل

أسير جوى أفنى فؤادي رسيسه

وقلب من الحزن المبرح ذاهل

مصاب به قامت على قيامتي

ومن كرب لاقيت أعظم هائل

مصاب به ذابت حشاشة مهجتي

وعن حمله قد كل متني وكاهلي

مصاب به قد أظلم الكون كله

وكان على حال من الحزن هائل

مصاب به الدنيا قد أغبر وجهها

وقد شمخت أعلام قوم أسافل

رميت به عن قوس أبرح لوعة

يها نجم روحي كان أسرع آفل

به هد ركن الدين وأنبت حبله

وشد بناء الغي مع كل باطل

وقام على الإسلام جهرًا وأهله

نعيق غراب بالمذلة هائل

وسيم منار الأتباع لأحمد

هوان انهدام جاء من كل جاهل

وهبت لنار الأتباع سمائم

بسم لنفس الدين مرد وقاتل

فيا مهجتي ذوبي أسا وتأسفًا

ويا كبدي انقشي بحزن مواصل

ويا لوعتي دومي وزيدي ولازمي

ويا فجعتي للقلب ما عشت نازلي

ويا مقلتي نحي الكرى عنك جانبًا

وجودي بدمع دائم السكب هاطل

ويا جزعي لا غبت كن متجددًا

ويا سلوتي ولي وللقلب زائلي

فقد مات طود العلم قطب رحى العلا

ومركز أدوار الفحول الأفاضل

وماتت علوم الدين طرا بموته

وغيب وجه الحق تحت الجنادل

ص: 55

إمام الهدى ماحي الردا قامع العدا

ومروي الصدى من فيض علم ونائل

جمال الورى رحب الذرا شامخ الذرا

وجم القري صدر الصدور الأوائل

عظيم الوفا كنز الشفا معدن الصفا

وجالي الخفا عن مشكلات المسائل

بهي السنا عذب الجنا طيب الثنا

منيل المنى من سيبه كل آمل

إمام الورى علامة العصر قدوتي

وشيخ الشيوخ الجد فرد الفضائل

محمد ذو الجد الذي عز دركه

وجل مقامًا عن لحوق المطاول

إلى عابد الوهاب يعزى وأنه

سلالة إنجاب زكي الخصائل

عليه من الرحمن أعظم رحمةً

تبل ثراه بالضحى والأصائل

لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

وقام مقامات الهدى بالدلائل

إمام له شأنٌ كبير ورتبةً

من الفضل تثني همة المتطاول

في يد كمال في العلوم فهل ترى

له في تقارير لها من مماثل

تأخر ميلادًا وفي حلبة العلى

وميدان فخر سابق للأوائل

على خلق يحكي النسيم لطافه

وكامل أوصاف وحسن شمائل

وقلب سليم للمهيمن خاشع

منيب وعن مولاه ليس بغافل

وجنب تجافيه المضاجع في الدجا

وجفن بهتان المدامع هامل

وعن ذكر رب العرش في السر دائمًا

وفي الجهر طول الدهر ليس بذاهل

* * * * *

عفو عن الجاني صفوح وحلمه

إلى الشيم يعزي ليس يهفو لعاجل

يقابل من لاقى ببشر ومبسم

ضحوك ووجه البشاشة باذل

ويأمر بالمعروف في كل حالةٍ

وعن منكر ينهي وليس يقابل

ولم يأل جهدًا في نصيحة مسلم

برأي وتدبير وحسن تعامل

* * * * *

يحازي بإحسان إساءة غيره

وبالجاه عن مستوجه غير باخل

ص: 56

تقمص بالتقوى وبالخشية ارتدى

ولم يمض منه العمر في غير طائل

ومن شأنه قمع الضلال ونصره

لمن كان مظلومًا وليس بخاذل

وكم كان في الدين الحنيف مجاهدًا

بماضي سنان دامغ للأباطل

وكم ذبّ عن سامي حماه وذاد من

مضل وبدعى ومغو ونائل

* * * * *

ففيم استباح أهل الضلال لعرضه

وما نكست أعلامه بالأراذل

وليس له شيء عن الله شاغل

ولا عن وصال الاعتبار بفاصل

فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزًا

ولا اشتد للإسلام ركن المعاقل

ولا كان للتوحيد واضح لاحب

يقيم اعوجاج للسير من كل عادل

فما هو إلّا قائم في زمانه

مقام نبي في إماتة باطل

ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت

سيبكيه عني جفن طل ووابل

وتبكيه أقلامي أسا ومحابري

ويبكيه طرسي دائمًا وأناملي

عجبت لقبر ضمه كيف لم يكن

يميد ببحر فائض العلم سائل

ولله نعش كان حامل جسمه

هنيئًا له إذ كان أشرف حامل

ولا غرو أن يبكي الزمان لفقده

فقد كان غيث الجود كهف الأرامل

فآها على ذاك المحيا وحسنه

وآها على تلك العلوم الجلائل

وآها على تحقيقه ودروسه

وتوضيحه للمعضلات المشاكل

* * * * *

فمن للبخاري بعده ولمسلم

يبين المخبا منهما للمجادل

ومن ذا لتفسير الكتاب ومن ترى

لأحكام نقد الدين من للمسائل

ومن لمسانيد سمت ومعاجم

وكشف لثام الحكم عند النوازل

ألم ترى أن الدهر نصف كأبة

عليه وذو جسم من الحزن ناحل

ومن للمعاني والبيان ومنطق

وردع أخي الجهل الغوي المجامل

ص: 57

ومن لك بالأصلين واللغة التي

بها أنزل القرآن أشرف نازل

ومن بعده للصدع بالحق قائم

بجدٍ ولا يخشى ملامة عاذل

* * * * *

أفق يا معيب الشيخ ماذا تعيبه

لقد عبت حقًا وارتحلت بباطل

نعم ذنبه التقليد قد جذ حبله

وفل التعصب بالسيوف الصياقل

ولما دعا لله في الخلق صارخًا

صرختم له بالقذف مثل الزواجل

أفيقوا أفيقوا أنه ليس داعيًا

إلى دين إباء له وقبائل

دعا لكتاب الله والسنة التي

أتانا بها طه النبي خير قائل

فوا أسفا والهف قلبي وحسرتي

عليه ويا حزني لأكرم راحل

ويا ندمي لو كان يجدي من الفضا

ولكن قضاء الله أغلب حائل

ولو كان من ريب المنية مخلص

لكنت له بالجهد أي محاول

وما مات كلا بل إلى جنة العلى

أتاه من الرحمن أكرم ناقل

ولما له الفردوس زاد اشتياقها

وكان لها كفوًا وأسرع واصل

وكان على حسن الأرائك في ذرا

أظلتها أهنا وارفة قائل

شدت ورق أغصان الهناء ترجعا

تقول له قد فزت يا خير عامل

وخاطبه التاريخ فالًا بقوله

هنيئًا برغد في رفيع المنازل

* * * * *

فيا سائر الأولاد للشيخ إنني

أعزيكم ومع ذي انتساب ابن وائل

وأوصيكم بالصبر طرا والرضا

يجاري القضاء في عاجل ثم آجل

بتسليم أمر الله ثم احتساب ما

لديه تعالى من أجور جزائل

فما جزع يومًا بنافع جازع

وما الحزن ردًا للقضاء بعاجل

ومثلكم لا يعتريه تزلزل

ولا وهن في فادحات النوازل

فإن كان للجنات والدكم مضى

فقد كان فينا معقبًا كل كامل

ص: 58

وأنتم بحمد الله عنه خلائف

بعلم وفضل شامخ القدر شامل

وإنا لنرجوا أن تكونوا أئمةً

بكم يقتدي في دينه كل فاضل

وللخير والإحسان من كل وجهةً

تحث إليكم مضمرات الرواحل

ونسأل رب العرش يعظم أجوركم

ويحميكم من طراقات الغوائل

ويجبر صدع القلب والكسر منكم

ويعقبكم طرًا جمال المحافل

ولازلتمو غيظ القلوب لكل من

يعاديكم من كل حافٍ وناعل

ولا فجعت في الدهر ساحة سوحكم

برزء لموصول المسرة فاضل

عليكم سلام الله ما هب ناسم

وجمل زاكي ذكركم كل عاطل

أو في الثنا مني عليكم مكررا

وأزكى تحيات سوام كوامل

وأضعافها للمقرنيين كلهم

هداة الورى من محتدي فرع وائل

هم الناس أهل الباس يعرف فضلهم

جميع بني الدنيا فما للمجادل

لقد جاهدوا في الله حق جهاده

إلى أن أقاموا بالضبا كل مائل

فناد يهمو في كل نادٍ مبجل

فحقهم التبجيل بين القبائل

سعود مضى والسعد حالف نجله

كما حالف الآباء ليس براحل

لقد نصروا دين الإله وحزبه

كما دفعوا داعي الهوى بالقنابل

عليهم سلام الله ما ذر شارق

وما اهتزت الأزهار في صبح هاطل

وأزكى صلاة الله ثم سلامه

على المصطفى الهادي كريم الشمائل

محمد المختار من فرع هاشم

وآل وأصحاب كرام أفاضل

وهذا آخر ما أردنا إيراده من ترجمة الشيخ على جهة الاختصار والإشارة.

ونرجع إلى ما نحن بصدده، فنقول لا قام الشيخ في الدعوة إلى الله عز وجل وأبى أكثر الخلق إلا العناد، وفل آل سعود راية الجهاد لنصرة الدين حصلت غزوات وقامت ساق الجهاد، وشمرت الحرب وأكثر ما كانت الخيانة والعداوة والمقاطعة من دهام بن دواس بحيث آذى أهل الدعوة، وما زال يحمل عليهم الحملات المنكرة حتى رجف الله به وفر على وجهه تاركًا الرياض معه أولاده وأتباعه فأبادهم الله تعالى

ص: 59