المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

ثم أخذ ينشر الدعوة، ويحذرهم من بطش ذي النقمة والسطوة، ولكن أين الثريا من يد الملتمس، قد انعكست قلوبهم وعمي عليهم مطلوبهم، لسان حالهم ينادي أنترك يا سفيه الرأي فحل الفحول، والغار الفلاني الذي لجأ إليه فلان فشفى مريضًا؛ والشجرة الفلانية التي ما قصدها أحد فخاب، فما أنت إلا سفيه لا تحترم الأولياء ولا تتأدب مع الأنبياء، ويلك يا ابن عبد الوهاب ما أكبر جراءتك؛ فلما رأى هذه الحالة لم ييأس من هداهم؛ ولم يدع نصحهم، وعزم بأن الدين لا يزول كما زال فيما مضى، ولكن من أين المساعد وأين المعاضد من حماة الدين، وحزب الله الموحدين، فيا طوبى له من وحيد على كثرة الجيران، ومن غريب مع كثرة السكان بين أناس رؤيتهم حمى الأرواح، وغيض القلوب لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا.

ولما تجرد للدعوة، وعرفوا ما يريد، نصبوا له الحبائل، وبغوا له الفوائل، واختلقوا له المشاكل، وأجلبوا عليه بخيلهم وأرجلهم وصاحوا به من أقطار الأرض مشدد ساحر، غالٍ، كذاب، كاهن، وشوهوا سمعته، وقامت عليه قيامتهم، وشنوا عليه غارتهم، ذلك بأنه دعاهم إلى ما يخالف تلك العادات، ولا تلائم طبائعهم التي عاشوا بها على الكفر والشركيات، قد خلعوا من رقابهم ربقة الدين، وسلكوا سبيل الهالكين، وتعلقوا بالأولياء والصالحين، ونسوا مولاهم رب العالمين، نسوا الله وذكروا الجمادات، وولعوا بما لديهم من التخيلات والحكايات والمنامات، وأغشتهم العوائد والمألوفات، وصدتهم الشبهات والجهالات عن نيل الهدى من النصوص المحكمات.

‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

قد أحببنا ذكر شيء من غربة الإسلام، واندراسه بين الأمة لتعلم ما لهذا الشيخ الذي أقام الله به معالم الملة، وكشف به البدع والضلالات، فأما أهل نجد فلا تسأل عما هم فيه، إذ ذاك من الغباوة، فقد كانوا في بدع مظلمة، وفتن مدلهمة، وقد أعيت مشكلتهم الأطباء وأمثالهم، إذ ذاك كثير، إن أهل نجد قد بالغ الشيطان في كيدهم

ص: 18

وجد، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب وقبته معلقين آمالهم به، يرون أنه يقضي لهم الحوائج، ويزعمون أنه من أكبر الوسائل، وكانوا يترددون إلى قبر زيد بن الخطاب ويدعونه رغبًا ورهبًا بفصيح الخطاب قائلهم؛ يقول شيء تقضيه يا ابن الخطاب، شيء لله يا كاشف العذاب، وكانت هذه القبة من أعظم أصنام أهل نجد، تراق حولها الدماء، ويصاح عندها، وتعفّر الجباه، وتستقبل وتقبل بالشفاه. وتخضع الأكابر لديها وتنكسر الرؤوس، فتعالى الله الملك القدوس، ويترددون إلى قبر يزعمون أنه قبر ضرار بن الأزور، ولا شك أنه كذب ظاهر وبهتان مزور؛ وكذلك أيضًا عندهم نخل فحال، ينتابه النساء والرجال، ويفعلون عنده أقبح الفعال، وكانت المرأة إذا تأخر عنها الزواج، ولم ترغب بها الأزواج، تذهب إليه وتضمه بيديها برجاء وابتهال، معرضة عن الملك ذي الجلال، وتقول يا فحل الفحول؛ أريد زوجًا قبل الحول.

وشجرة عندهم تسمى الطريفية أغراهم الشيطان بها، وأوحى إليهم التعلق عليها، وأنها ترجى منها البركة، فكانوا يأتونها طوائف وفرق، ويعلقون عليها الخرق، وقد تشبث بها الشيطان واعتلق؛ يفعلون ذلك لعل الأولاد يسلمون وعن الموت يجارون، ولكن قد قال من يقول للشيء كن فيكون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وفي أسفل الدرعية غار كبير؛ يزعمون أن الله فلقه لامرأة تسمى ابنة الأمير، أراد بعض الفسقة أن يظلمها ويظير، فصاحت داعية الله فانفلق لها بإذن الولي الكبير، وكان الله لها من ذلك السوء مجير، فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز ويهدون، ويبعثون إليه ويقربون، فعياذًا بالله مما يعملون، وفي وادي غبيراء يجري من الهجر والمنكر؛ ما لا يعهد مثله ولا يتصور، كذلك قرية في الدرعية يزعمون أن فيها بعض الصحابة مقبور؛ فأصبح حظهم من عبادته موفور.

ومن العجائب المضحكة أن بعض هذه الآلهة بل غالبها لا يعرف لها أصل ولا فضل، بل زين لهم الشيطان عبادتها ابتلاءً وامتحانًا، نسأل الله العافية.

ص: 19

كما جرى لأهل العارض إذ ذاك في عبادتهم "تاج" وطلبهم منه البركة والإفراج، وكان يدعى الولاية فيأتون إليه، ويرغبون فيما عنده من المدد بزعمهم ولديه، فتهافت الحكام والظلمة، ويلوذون به في الأمور الملحمة، ويزعمون أن له تصرفًا وفتكًا بمن عصاه، ومقدرة مع ما يحكونه عنه من الأمور الشنيعة، التي تدل على انحلاله من الملة والشريعة، وهكذا سائر بلدان نجد على ما وصفنا، وقد فشت هذه الاعتقادات الباطلة، والمذاهب الضالة والعوائد الجائرة، والطرائق الخاسرة، وعمت وطمت حتى بلاد الحرمين الشريفين.

فمن ذلك ما يفعل عند قبر محجوب؛ وقبة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فيأتون للاستغاثة عند نزول المصائب، وحلول الأزمات والنواكب بالسماعات والعلامات، لنيل المطالب فكانوا يعظمونها غاية التعظيم، فلو أنه أتى سارق أو غاصب أو ظالم إلى قبر أحدهما، لم يتعرض له أحد، لما يرون لهما من وجوب الاحترام والمكارم، ويفعل عند قبر ميمونة أم المؤمنين وعند قبر خديجة زوج خاتم النبيين، ما تشمئز منه قلوب المؤمنين وتنكره فطر العالمين، من اختلاط النساء هناك بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات وسيء الأفعال، ويشقون الجيوب ويرفعون الأصوات، ويفعلون من الشرك والضلال أعظم المنكرات، وهكذا كانت سائر القبور في مكة والمدينة، قد نصبت عليها القباب وتمرغ المشركون في تلك الرحاب شرفهما الله وطهرهما من لوث أهل الارتياب.

أما قبر ابن عباس في الطائف، فكان ينتابه الفقراء وذوو الإفلاس، من أهل الكفر والنفاق والإبلاس، ويستمدون منه الرزق والغوث وكشف الضر والبأس، ويقف السائل عند القبر متضرعًا مستكينًا، ويبدي الفاقة إليه مستعينًا، فيفعل عنده من الأمور الشركية، ما لا تبلغه العبارة ولا تحصره الإشارة، وقد ذكر محمد بن حسين النعيمي الزبيدي رحمه الله، أن رجلًا رأى ما يفعل في الطائف من الشرك، فقال إن أهل الطائف لا يعرفون الله، إنما يعرفون ابن عباس، فقال له بعض من يترشح بالعلم معرفتهم لابن عباس كافية لأنه يعرف الله.

ص: 20

فانظر يا أخي إلى هذا الشرك الوخيم، والغلو القبيح الذميم، المجانب للصراط المستقيم، كيف أن الشيطان إذا استولى على قلب العبد، فإنه يورده المهالك.

ووازن بينه وبين قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقوله في الآية الأخرى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].

وقد لعن الرسول اليهود والنصارى، باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يعبد الله فيها، فما بالك بمن عبد الصالحين ودعاهم.

وكذلك ما يفعل عند قبر حمزة وفي البقيع، من الفعل الذميم، والأمر الشنيع ما يكل عنه اللسان ولا يبلغه البيان، فلو رأيت تلك القباب وعكوف أهل الشرك والارتياب، معتقدين أنها تضيء على العالمين، وتذكر بأهلها للنفع والضر، لقلت لم يبق شيء لمالك يوم الدين، ومدبر الخلائق أجمعين، فجزى الله من هدمها وأزالها وسواها.

وفي بندر جدة ما قد بلغ من الضلال حده، وعندهم قبر طوله ستون ذراعًا، يزعمون أنه قبر حوى، وقد بلغ عنده من الضلال الغاية القصوى، فمن لم يبذل الحطام لسدنة قبر أمه من الأنام فإنه يعد من اللئام، ولا يدخل عليها للسلام فتجدهم يجبون من الأموال، ما لا يخطر بالبال أو يدور في الخيال، وهذا القبر قد وضعه بعض الشياطين، فأكثروا في شأنه من الإفك وبالغوا في الكذب.

وكان عندهم معبد يسمونه العلوي، بالغوا في تعظيمه والغلو به حتى جاوزوا جميع الخلائق، حتى لو دخله قاتل نفس أو غاصب أو سارق لم يتعرض له بمكروه مؤمن ولا فاسق، ولم يجسر أحد أن يكون مخرجًا له أو يناله بسوء.

ولقد انكسر رجل تاجر من أهل جدة بمال عظيم لأهل الهند وغيرهم يقدر ذلك المال تسعمائة ألف، فلما رأى ما وقع به الإفلاس وليس لديه مقابل، ذهب إلى مشهد العلوي مستجيرًا به ولاذ بأعتابه، ولجأ إليه فلما رأى ذلك غرماؤه لم

ص: 21

يتقدم إليه منهم شريف ولا وضيع ولم يتجاسر أحد من الملوك والحكام على هتك ذلك المشهد، وترك الرجل وبيته ولم يرزأ بشيء احترامًا للمشهد، واجتمع طائفة من التجار وجعلوا له منهج الإنضار والتيسير واتفقوا على تنجيمه مدة سنين، وذلك بإرشاد من أهل العلم إذ ذاك والدين، وكان ذلك في 1210، فلو أن هذا المنكسر لاذ بالله وتعلق بأستار بيته لما التفتوا إليه، ولم يرعوا لله حرمه بل أخذوه وغلوه وهتكوه وعذبوه، فانظر كيف كان قدر هذا العلوي أعظم عندهم من قدر الله تبارك وتعالى قبحهم الله أنى يؤفكون.

أما بلاد مصر وصعيدها وأعمالها فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية، والدعاوي الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، ولا يحصره خطاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدونها من أعظم الفضائح قد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وكان عنهم مشهد البدوي الذي لا يعرف له أصل ولا فضل ولا عبادة، بل قد افتتنوا به وصرفوا له الألهية من دون الله، وقد جاوزوا به وبأمثاله عندهم من المعبودين ما ادعته الجاهلية لآلهتهم، وجمهورهم يرى له من تدبير الربوبية والتصرف في الكون بالمشيئة والقدرة العامة ما لم ينقل مثله عن أحد بعد الفراعنة والنماردة، وبعضهم يقول القطب أحمد يرجعون إليه.

وكثير منهم يرى أن الأمور شورى بين عدد ينتسبون إليه، وكانوا يتداولون بينهم حكايات، ويحكون في محافلهم مجريات من أفحش المنكر والضلالات، فيقولون فلان استغاث بفلان فأغيث، وفلان شكى لصاحب القبر حاله وأمره فأغاثه. وكشف ضره.

وكان بعض أهل مصر يعتقدون أن أحمد البدوي يتصرف في الكون، وبعضهم يقول إن الذين يتصرفون في الكون سبعة ويعده معهم، وبعضهم يقول أربعة، وكانوا بزعمهم البدوي والرفاعي، والدسوقي، وأبو العلاء، وهؤلاء في مصر.

وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمة الله عليه أنه في حال لبثه بمصر، وجد فيها عالمًا متفننًا إذا أخذ يعبر عن المسائل الأصولية، والفرعية، فكأنه البحر

ص: 22

الذي لا ساحل له فأعجب به الشيخ عبد الرحمن، وأبدى من إعجابه بذلك العالم لرجل من أهل الدين يثق به هناك فأجابه ذلك الرجل بقوله لا تغتر بكلامه، فإنه مشرك، وسأطلعك على شركه إن شئت، فجمع بينهما بمصر وسأله كمسترشد قائلًا يا أستاذ كم الذين يتصرفون في الكون، فتكلم ذلك العالم المشار إليه بالتعظيم بأن قال: يا بني سبعة هم الله والبدوي، والرفاعي، والدسوقي، وأبو العلاء، وعبد القادر الجيلاني، وسابعًا أسماه لهم، فأما أحمد البدوي فلا يدخل مصر ذرة ولا يخرج منه ذرة إلا بإذنه، فالتفت صاحب الشيخ عبد الرحمن إليه قائلًا له: احمدوا الله يا أهل نجد على ما من به عليكم من معرفة التوحيد.

وذكر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن أنه رأي في أيام رحلته إلى مصر لطلب العلم مجتمعًا هائلًا أعظم من اجتماع المسلمين عشية عرفة عند جبل الرحمة فسأل عنه فقيل هذا مولد البدوي، ورأى سوقًا طويلًا للبغايا اللائي قد أوقفن فروجهن في ذلك اليوم للسيد البدوي، ويأتي الفساق فيقعون عليهن متصدقات بذلك له في هذا المجتمع، وكان يحصل في مصر من الكفر بالله والإشراك به ما لم يصل إليه كفر أبي جهل وأشياعه، فالله المستعان.

وإنها لحالة تضحك العقلاء، ويستحي والله من ذكرها فيعاذ بالله من هذا الهوس الذي بلغ منهم إلى هذه الغاية، وكذلك ما يفعل باليمن؛ ما هو منحرف عن أوضح السنن، بل كان أعظم الشرك والمحن، وأكثر من أن يستقصى، أو يعد ويحصى.

وكان في شرقي صنعاء قبر يسمونه الهادي، فترى كلًا من الضلال على دعوته، والاستغاثة به رائحًا وغادي، فتأتيه المرأة إذا تعسر عليها الحمل وكانت عقيمًا، وتقف وتقول عنده كلامًا قبيحًا ذميمًا. فسبحان الله من كان على جهل خلقه حلمًا.

وكذلك ما يجري في بلد برع من عبادتهم القبر الذي يؤتى إليه من مسيرة أيام وليالي لطلب الغوث منه، وشكاية الحال، وما يجري من أهل الهجرية ومن حذا

ص: 23

حذوهم، فيأتون قبر بن علوان، ويصدونه في نوائب الزمان، ويستغيث به كل لهفان، ويسميه الغوغاء منهم منجي الغارقين، كما حكاه بعض السامعين، وكانوا ينذرون له في البر والبحر، وبفعلون في حضرته أمورًا تريوا على العدو الحصر؛ يطعنون أنفسهم بالسكاكين والدبابيس، وقد جعلها لهم عبادة إبليس، ويقولون وهم يرقصون، ويغنون له ويطربون، قد ملأ الوجد منهم ألبابا، وذهنًا يا سادتي قلبي بكم معنى، ويفعلون عند قبره الموالد، ويجتمع عنده أنواع الكفار لفعل المعاصي والمفاسد؛ فليس في أقطار اليمن في ذلك الزمان من يساويه في الاشتهار، بل ولا في سائر الأقاليم والأقطار، فيا ليت شعري أما علموا أنه مخلوق مربوب، وبمعاصيه مطلوب، وإنه من جملة الأموات الذين لا يستطيعون زيادة في الحسنات، ولا نقصًا من السيئات. فسبحان من يحلم على العصاة، ولا يعاجل بالعقوبات.

وأما أهل حضرموت والشحر ويافع وعدن؛ فقد ثوى فيهم الغي وقطن، وعندهم العيدروس الذي كابروا فيه بغلوهم المحسوس، يقول قائلهم عند قبره وهو مستجير، وقد التفت عن السميع البصير شيء لله يا عيدروس، شيء يا محي النفوس، وكذلك ما يفعل في بلدان الساحل.

وما يجري من أهل المخا عند قبر علي بن عمر الشاذلي، وأهل الحديدة في قبر صديق، فإنه قد أقبل على تعظيمه، والغلو به كل فريق وأدى بهم الحال إلى أنه لا يمكن أحدًا يريد ركوب البحر، والنزول منه حتى يجيء إليه ويسلم عليه، ويطلب منه الإعانة والمدد.

وأما أهل اللحية فعندهم الزيلعي، يسمونه الشمس من غير اختلاف، فيه عندهم ولا لبس، وسبب هذه التسمية لأنه ليس عليه قبة، بل هو مكشوف، وكان أهل البادية منه يزعمون أنه كان رسولًا في حاجة فضايقه غروب الشمس، فقال لها: قفي فوقفت وامتثلت أمره؛ والله يعلم ظاهر الحال وسره، فبذلك كان لديهم معروف، وجميع نوع من النذر إليه مصروف.

(وكذلك قبر رابعة فلا يحلف صادق الإيمان إلا بها).

ص: 24

وفي أرض نجران يجري عندهم من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان، ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن، من ذلك رئيسهم المسمى بالسيد، عبدوه بأنواع العبودية؛ وصرفوا له رسمًا من الألوهية، وأتوا من طاعته وتعظيمه، وتصديره، وتقديمه، والغلو فيه ما مضى بهم إلى عبادة الأوثان والأصنام، وخلع ربقة الملة والإسلام.

وكذلك حلب ودمشق، وسائر بلاد الشام فيها من تلك المشاهد والنصب، والأعلام ما لا يوافق عليه أهل الإيمان، ولا تلائمه الأديان.

وكذلك الموصل وبلاد الأكراد ظهر فيها من أنواع الشرك والفجور والفساد فوق ما يذكر ويراد.

فتعالى من لا يعاجل بالعقوبة على الجرائم ولا يهمل الحقوق والمظالم وقد بلغوا من الضلال ما يتنزه العاقل عن ذكره ووصفه ولا يمكن الوقوف على غاياته وكشفه مما تستنكر عن ذكره المسامع ولا يتمكن من وصفه ناظم أو ساجع. فناهيك بقوم إستخفهم الشيطان وعدلوا عن عبادة الرحمن، وباؤا بالخزي والهوان.

أما العراق فقد كان فيه المشهد الحسيني قد اتخذته الرافضة وثنًا بل ربًا مدبرًا، وخالقًا ميسرَا وأعادوا به المجوسية، وأحيوا به معاهد اللات والعزى وما كان عليه أهل الجاهلية وكانوا يأتون مشهد العباس ومشهد علي فيركع فيه له أحدهم ويسجد ويدعوه بخالص الدعاء من دون الله ومنهم من يزعم أن زيارته أفضل من سبعين حجة، ولقد غلوا في تلك المشاهد وأتوا من الشرك القبيح أعظم مما يفعل النصارى في المسيح وكذلك ما يفعلونه في مشهد الكاظم وغيره وإذا كان يوم عاشوراء فإن الرافضة قد جعلته مأتمًا فهذا يصرخ وهذا يحثو التراب على رأسه يدعو بالويل والثبور وهذا يضرب صدره بالحديد والخشب حتى يكون كأنما أصابه لهب، وكان من الرافضة من يصلي لتلك المشاهد، ويركع ويسجد لها الساجد، وقد صرفوا من الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث والقبور ما لا يحصل عشر معشاره للعزيز الغفور، ويفعلون عند

ص: 25

قبر أبي حنيفة، ومعروف الكرخي من الدعاء والاستغاثة، وسفح العبرات والدموع، والتعظيم والذل، والخضوع، ما لا يصدر بين يدي الله في الصلاة من الحضور والخشوع، ويقولون قبر معروف الترياق المجرب.

وأما عبد القادر الجيلاني فقد فتن به أهل العراق، فيأتون ضريحه في بغداد ويسجدون لحضرته، ويرون أنه لداعيه يسمع من مدة بعيدة، وأجمعوا على أنه يسمع الشكايات؛ ويغيث اللهفات، وزين لهم الشيطان عبادته فاعتقدوا أنه يطفيء الحريق، وينجي الغريق، وصرفوا له العبادة من دون الله، وبالجملة فهم شر أهل تلك الأمصار، وأعظمهم نفورًا عن الحق، والاستكبار.

وكذلك أيضًا ما حوالي البصرة، وما توسط فيها مثل قبر الحسن البصري، والزبير، فقد أكثروا هناك الدعاء والاستغاثة، وأقبلوا على تلك المشاهد والتجؤ إليها عند الشدائد، وليس هناك منكر لها ولا زاجر، ولا رادع.

وهكذا جميع قرى الشط والمجرة على غاية من الجهل، وكان في القطيف، والبحرين من الرفض والبدع، والشرك، والأحداث المجوسية؛ والمقامات الوثنية، ما يضاد الملة المحمدية، ويصادم الطريقة الحنفية، فلما تفاقم هذا الخطب، وتلاطمت أمواج بحور الشرك والكفر، وادرست أعلام الملة، وانطمست أثارها وخيمت البدع والضلالات.

تجرد هذا الشيخ رحمة الله عليه للدعوة إلى الله تعالى، ورد الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح، والإحسان، وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار والغيران، وغيرها، فاستحسن بعض الناس ما يقول ممن سبقت له من الله السعادة، وكان على بصيرة وهدى من ربه، ولكن لظهور الجهل والجاهلين، لم يتمكنوا من إزالة بدع المبتدعين، ولم يقدروا على رد هؤلاء الشاردين، ثم إن الشيخ طلب من والده عبد الوهاب أن يسمح له بالحج إلى بيت الله الحرام فأجابه إلى طلبه، وبادر الشيخ

ص: 26

بالحج إلى بيت الله الحرام، وأدى المناسك، ثم إنه قصد المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأقام بها شهرين.

ثم إنه رجع إلى وطنه وأشتغل بالقراءة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، ثم بعد ذلك رحل لطلب العلم، وذاق حلاوة التحصيل، والفهم وزاحم العلماء والكبار، وذهب إلى الحجاز والبصرة مرارًا.

ولما أن وصل المدينة، وجد فيها الشيخ العالم عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي من آل سيف رؤساء بلد المجمعة، فأخذ الشيخ عنه، وذكر أنه كان عنده يومًا من الأيام فقال له عبد الله بن سيف المذكور: تريد أن أريك سلامًا أعددته للمجمعة، فقال له نعم، فأدخله في منزل قد مليء بكتب كثيرة فقال هذا الذي أعددنا لها ثم إن الشيخ رحمه الله كان عنده، وأخذ بيده مرة فمضى به إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني فأخبره بالشيخ محمد وعرفه به وبأهله، فأقام الشيخ عنده وأحبه، وأخذ عنه ولما كان ذات مرة في حال إقامته في المدينة وقف عند الحجرة النبوية، وإلى جانبه الشيخ محمد حياة فرأى الشيخ أناسًا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستغيثون بالحجرة، ويطلبون الحاجات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت الشيخ محمد إلى الشيخ محمد حياة وقال له ما تقول يا شيخ في هؤلاء، فرفع محمد حياة إصبعه إليهم، وقال:{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فقال له الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ما منعك من الإنكار عليهم، قال لا أقدر، أنا ولا أنت على ذلك فوثق به الشيخ، واتخذه صديقًا، وأقام في المدينة ما شاء الله، ثم خرج منها إلى نجد، وتجهز إلى البصرة يريد الشام، ولما أن وصلها جلس فيها عند عالم جليل من أهل المجموعة، قرية من أعمال البصرة في مدرسة فيها، وهذا العالم كان اسمه محمد المجموعي، فأقام مدة يقرأ عليه فيها، وينكر أشياء من البدع، وأعلن بالإنكار واستحسن شيخه ذلك، وقرر له التوحيد، وانتفع به وحكي عن رجل في مجموعة البصرة، إن أولاد ذلك العالم كانوا أحسن أهل بلدهم صلاحًا ومعرفةً للتوحيد، ذلك لما نشره الشيخ بين ظهرانيهم، ولا أن قام بالدعوة، هناك اجتمع عليه أناس من رؤساء أهل البصرة، وغيرهم، فنافروه وآذوه أشد الأذى، وأخرجوه منها

ص: 27

وقت الهاجرة، ولحق شيخه أيضًا منهم أذى فسار الشيخ رحمه الله إلى الزبير، غير أنه لما كان في منتصف الطريق أدركه العطش، وأشرف على الهلاك لأنه كان يسير إذ ذاك راجلًا وحده، فوافاه صاحب حمار مكاري يقال له أبو حميدان من أهل بلد الزبير، فرأى عليه الهيبة والوقار، وكان على حالة عجيب من العطش فسقاه وحمله على حماره حتى وصل الزبير فجعل يقلب حيلته فيمن يبدأ بدعوته، فأراد أن يسير على الشام فضاعت نفقته فثنى عزمه، وإنما أراد أن يبدأ بالشام لظنه أنه أسهل انقيادًا من نجد.

ولما أراد الله الذي سبقت إرادته أن يجمع أهل نجد بعد الفرقة ويكثرهم بعد القلة، وأن تعمر تلك الرباع بالتوحيد بعدما تدثرت سار الشيخ من تلك الديار إلى جهة الأحساء، ولما أن وصل إليها نزل على الشيخ العالم عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي.

ثم أنه خرج من الأحساء وقصد بلد حريملا، وكان والده عبد الوهاب قد انتقل إليها من العيينة سنة 1139 هـ بعد وفاة أمير العيينة عبد الله بن معمر في الوباء المشهور الذي وقع في العيينة، وكان لما أن توفي تولى بعده بن ابنه محمد بن حمد الملقب خرفاش فوقع بينه وبين عبد الوهاب منازعة أدت إلى عزل عبد الوهاب عن القضاء، فعزله خرفاش وجعل مكانه أحمد بن عبد الله بن عبد الوهاب بن عبد الله، فانتقل والد الشيخ إلى حريملا فقدم إليها الشيخ محمد واستقر هناك فيها، فجعل ينكر في حريملا ما يفعل الجهال من البدع والشرك في الأفعال والأقوال، وكانوا إذا مرض المريض فالسبب لعافيته اذبحوا له خروفًا بهيمًا أسود أو تيسًا أصمع، ولا تسموا الله على ذبحه، وأعطوا المريض منه كذا وكذا، وكلوا منه كذا واتركوا كذا وكذا، فربما يشفي الله المريض فتنة لهم واستدراجًا وامتحانًا، وربما يوافق وقت الشفاء المحتوم فيكون فتنة لكل مفتون، واشتد نكير الشيخ لهذه الأمور حتى وقع بينه وبين أبيه نزاع بل وقع بينه وبين أهل البلد النزاع أيضًا، غير أنه تمكن أن ينكر المنكر مدة سنين حتى توفى والده عبد الوهاب في 1153 هـ.

ثم بعد ذلك أعلن الشيخ بالدعوة واشتد نكيره على أهل الأوثان والأصنام، وقام

ص: 28

بأوامر الله ورسوله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهجر ما كان عليه الخلوف من البدع والأغيار، وجادل وقرر الحجج والبينات، وبذل نفسه لله، وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عن سواء السبيل، وما زال هذا دأبه حتى ظهر الإسلام في الأرض، واستجاب له من أراد الله هدايته من الحاضر والباد، وانقمع به أهل الشرك والضلال والفساد.

وكان أهل حريملا إذ ذالك قبيلتين أصلهما قبيلة واحدة، وهم رؤساء أهل البلد، وكل قبيلة ترى أن الأمر لها وليس لواحدة منهما سلطة على الأخرى، وما كان للبلد رئيس يرجع إليه ويزع الجميع بل كان الأمر يكاد أن يكون فوضى، لأن بلدًا لا رئيس له تكثر المنازعة فيه، وما حصل الشقاق في قديم الدهر وحديثه إلا عن عدم الرؤوساء القدراء الذين بإمكان الواحد منهم أن يوقف كل معتد عند حده فثار عبيد لإحدى القبيلتين يقال لهم الحميان، قد كثر فسقهم واعتداؤهم بين الأمة على الشيخ وأرادوا الفتك به، وأن يبيتوه ليلًا وتعاقدوا سرًا على ذلك، لما كان من منعه لهم عن الفساد والمنكر والغي، فلما تسوروا عليه الحائط ليلًا علم الناس فصاحوا وهرب العبيد فتبين من هذه الخطة التي أجمعوا كيدهم بها للشيخ أنه مهدد بالخطر الفادح.

فانتقل من حريملاء إلى العيينة، وكان رئيسها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر فرحب به وتلقاه، وأكرمه وتزوج فيها الجوهرة بنت عبد الله بن معمر، وعرض على الأمير عثمان ما قام به، ودعا إليه وقرر له التوحيد، وشجعه على نصرته، وقال إني أرجوا أن أنت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله وتملك نجدًا وأعرابها، فساعده عثمان بن معمر في بادئ أمره وأعلن الشيخ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبعه أناس من أهالي العيينة فقوي عزمه وقام لإزالة أشجار بها تعظم ويعلق عليها، فبعث إليها سرًا من يقطعها بأجرة من ماله فقطعت.

ومن ضمن هذه الأشجار شجرة عظيمة عندهم من أعظم الأشجار لم يتمكن من قطعها مباشرةً فخرج بنفسه سرًا لذلك غير أنه وجد عندها راعي غنم أهل البلد فصده عنها، وخافه الشيخ بأن ينم عليه فأعطاه أحد أسلابه التي عليه فلان له الراعي، وتركه وشأنه فقطعها.

ص: 29

ثم أنه صار أمره في ازدياد وظهور، واجتمع مع عصابة نحو من سبعين رجلًا فيهم من هو من رؤساء آل معمر فعزم الشيخ على أن يهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه التي عند الجبيلة وهذه والتي بعدها هي سبب قيامة الأعداء عليه، وشنهم الإغارة عليه، فطلب من عثمان بن معمر مساعدة فعليه لهدمها قائلًا له دعنا نهدم هذه القبة التي وضعت على الباطل وضل بها الناس عن الهدى، فقال له دونكها فاهدمها، فقال إني أخاف من أهل الجبيلة أن يوقعوا بنا، ولا أستطيع هدمها إلا وأنت معي، فسار معه الأمير بنفسه بنحو من ستمائة مقاتل فلما قربوا منه ظهر عليهم أهل الجبيلة يريدون الدفاع عنها.

فعلم بن معمر بما هموا به فتأهب للحرب وأمر جنوده أن تتعزل للحرب، فكف أهل الجبيلة وخلوا بينهم وبينها فبلغنا عن الأمير عثمان بن معمر لما ظفروا بها أنه قال للشيخ نحن لا نتعرض لها فاهدمها أنت، فأخذ الشيخ فأسًا وهدمها حتى سواها في الأرض، فرجعوا وجعل الهمج والرعاع يتربصون به الدوائر، وماذا يحل به من الفواقر بسبب هدمها فاصبح الشيخ بحال جميلة.

وأن قيام بن معمر معه لهدمها ومساعدته تلك المساعدة ليحمد عليها.

ولكنه مع الأسف لم يثبت على تلك المناصرة، واستفزه الذين لا يوقنون فيا له من صارم لولا ما عراه من الأنثلام، وأراد الله أن يفوز بنصرة هذا الشيخ المجدد غيره.

ثم إن امرأة أتت إلى الشيخ واعترفت عنده بالزنا وأنها محصنة، وأقرت على نفسها أربعًا، فسال عن عقلها فإذا بها عاقلة فقال لعلك مغصوبة فنفت ذلك وأقرت بما يوجب الحد، فأمر بها فرجمت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الغامدية، وماذا على شيخنا إذا تأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم وأقام الحدود وأجرى أمر الشربعة على الأرض بعدما اندثرت أعلامها فخافه لذلك أهل الزنا والريب والنفاق واستشاط لهذه الفعلة أرباب الفسق والشقاق، ورن صدى هذه الفعلة في مشارق الأرض ومغاربها، وعظم أمر الشيخ وثقل على أعداء الإسلام شأنه، وعجزت عن حملها الأعناق وطبق ذكرها الآفاق.

ص: 30

وبعث قائد الأحساء والقطيف وما حولها من العربان إلى بن معمر يتهدده بقطع راتبه إن لم يقتله، وذلك لما قيل له أن في بلد العيينة عالمًا هذه فعاله، هدم القباب وقطع الأشجار، ورجم الزناة، فأرسل هذا القائد المعروف بسليمان بن محمد بن غرير الحميدي بكتاب إلى عثمان بن معمر قال فيه: إن هذا المطوع الذي عندك فعل كذا وكذا، وفعل وفعل ثم تهدده، وقال اقتله فإن لم تفعل قطعنا خراجك الذي عندنا في الأحساء، وكان قدره بلغ ألفا ومئتي أحمر وما يتبعها من طعام وكسوة، فلما ورد عليه كتاب بن غرير، باع الدين بالدنيا وسارع إلى نيل حطامها خائفًا من ذهاب العاجل، نسأل الله العافية، ولما أن قرأ كتابه وما جاء فيه من التهديد لم يسعه مخالفته، وعظم أمره في صدره لأنه لم يتمكن التوحيد فيه، ولم يعلم قدره وما لمن نصره، وقام به من العز والتمكن والسعادة في الدنيا والآخرة.

فبعث إلى الشيخ يقول له إنه أتانا كتاب من سليمان قائد الأحساء وليس لنا طاقة بحربه ولا إغضابه، فقال له الشيخ إن هذا الأمر الذي قمت به ودعوت إليه كلمة "لا إله إلا الله" وأركان الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أنت تمسكت به ونصرته فإن الله سيظهرك على أعدائك فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك فإن ناصيته بيد الله، وإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة ما ستملك بلاده وما ورائها، وما دونها، فاستحيا بن معمر وأعرض عنه، ثم إنه تعاظم في صدره أمر صاحب الأحساء، وباع العاجل بالآجل عياذًا بالله فأرسل إلى الشيخ ثانيًا وقال: إن سليمان أمرنا بطردك ولا نقدر على غضبه، ولا مخالفة أمره لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم والمروءة أن نقتلك في بلادنا فشأنك ونفسك، وخل بلادنا، فامر فارسًا عنده الفريد مع خيالة معه منهم طوالة الحمراني، وقال اركب جوادك وسر بهذا الرجل إلى ما يريد، فقال الشيخ أريد الدرعية، فركب الفارس جواده والشيخ يمشي راجلًا أمامه، وليس معه سوى مروحته، وكان ذلك في شدة الحر في فصل الصيف، وأوعز بن معمر إلى فارسه بأن إذا بلغت به موضع أخيه يعقوب فاقتله عنده، وكان يعقوب هذا رجلًا صالحًا قتل ظلمًا بين الدرعية والعيينة، وجعل في غار هناك على

ص: 31

قارعة الطريق، ونسب الشيخ إلى إخوته لأجل الصلاح، فسار الفارس والشيخ أمامه لا يلتفت بل يلهج بقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ والفارس لا يكلمه، فلما أن بلغ به الموضع المشار إليه سل سيفه وهم بقتله، والشيخ لا يشعر فوقفت يده بإذن الله تعالى، وأصابه رعب شديد حتى لم يستطع المشي قدمًا، وبطل كيده فصرف جواده منصرفًا إلى ابن معمر، يروي له هذه الخارقة، ويعبر عن خوفه ورعبه وكيف كانت الحالة التي صدته عن قصده، فمن مبلغًا دحلان وشيعته وأتباعهم عن خوارق العادات لهذا الشيخ، وما قام به من الثبات، وما أجراه الله له من النصر والتمكين، ولكن قد قال أحكم الحاكمين:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزخرف: 40].

وقد أحسن الشيخ محمد بن أحمد الحنفي حيث يقول:

شيخ الهدى محمد المحمدي

الحنبلي الأثري الأحمدي

دعا إلى الله وبالتهليلة

يصرخ بين أظهر القبلية

مستضعفًا وماله من ناصر

ولا له معاون موازر

في ذلة وقلة وفي يده

مهفة تغنيه عن مهندة

كأنها ريح الصبا في الرعب

والحق يعلو بجنود الرب

قد أذكرتني درة لعمر

وضرب موسى بالعصا للحجر

ولم يزل يدعو إلى دين النبي

ليس إلى نفس دعا أو مذهب

إلى أن قال:

ومن أجاب داعي الله ملك

ومن تولى معرضًا فقد هلك

والسابقون الأولون السادة

آل سعود الكبراء القادة

هم الغيوث والليوث والشنف

ونصرة الإسلام والشم الأنف

فأقبلوا والناس عنه أدبروا

وعرفوا من حقه ما نكروا

حفوا به كأسد العرائن

وكم وكم لله من ضنائن

ص: 32

ثم إن الشيخ قصد بلد الدرعية فوصل أعلاها في وقت العصر، فنزل على محمد بن سويلم العريني في بيته ونزل في ضيافته، ولما أن دخل عليه ضاقت عليه داره، وخاف على نفسه من أمير الدرعية محمد بن سعود فوعظه الشيخ، وسكن جأشه، وقال سيجعل الله لنا ولك فرجًا ومخرجًا فياله من امتحان وابتلاء لهذا الشيخ، ولكن كما قيل في كلام الحكمة: اشتدى كربة تنفرجي.

قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

وقال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]

فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أذاه أهل مكة وخرج منها إلى الطائف يريد النصرة فخذله أهل الطائف، ورجع منها مهمومًا مكسوف البال فلا تباعه فيه أسوة.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فعلى المؤمن الموفق أن يوطن نفسه وينتظر الفرج ويعلق أماله بربه، وكفى به حسيبًا.

ولما أن علم بقدومه خصائص من أهل الدرعية زاروه خفية فقرر لهم التوحيد وأستقر في قلوبهم فأرادوا أن يخبروا الأمير محمد بن سعود، ويشيروا عليه بنصرته، ولكنهم هابوه وخشوا سطوته، فاستعانوا عليه بزوجته موصي بنت أبي وهطان، وكانت نبيهة وذات عقل ومعرفة وهي من آل كثير فأتوا إليها وأخبروها بمكانة الشيخ ومنزلته، وما يأمر به وينهى عنه، وعلقوا آمالهم بعد الله عليها يطلبون مساعدتها لهم نحو الأمير، فوقر في قلبها معرفة التوحيد، وقذف الله حب الشيخ في قلبها، وانبعثت إلى زوجها تشجعه وتحثه على النصرة، وأخبرت الأمير بشأن الشيخ وطلبته مناصرته، وقالت له إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله إليك فأكرمه وعظمّه، واغتنم نصرته، فإن الله ناصرك ومؤيدك، فقبل الأمير مقالتها

ص: 33

وسمع نصيحتها، وأصغى لها، ورق لحالة الشيخ وألقى الله سبحانه وتعالى في قلبه محبته، وأراد أن يرسل إليه فقالت له زوجته وإخوته سر إليه برجلك في مكانه، وأظهر تعظيمه والاحتفال به فلعل الناس أن يكرموه ويعظموه.

فقام الأمير محمد بن سعود وسار بنفسه إلى الشيخ في بيت بن سويلم جعلها الله خطوات قائدة له إلى الجنان العالية في دار الأخرة وشكر سعيه، وجزى الله زوجته خيرًا، ولما دخل عليه في بيت آل سويلم رحب بالشيخ وبدره قائلًا أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل بموجبها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم فإن قمت بهذا الأمر فلا يقاومك أحد إلا أن كانت هذه العنز تقاوم هذا الجبل.

ثم أخبره الشيخ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه وما عليه أصحابه رضي الله عنهم من بعده، وما أمروا به وما نهوا عنه، وإن كل بدعة بعدهم ضلالة، وكيف أعزهم الله بالجهاد في سبيله وأغناهم به، وجعلهم إخوانًا ثم أخبره بما عليه أهل نجد إذ ذاك من الشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والجور والظلم.

فلما تحقق الأمير محمد بن سعود معرفة التوحيد وعلم ما فيه من المصالح الدينية والدنيوية، وأنه لا خير إلا في طاعة الله عز وجل، ولا شر إلا في معصيته أطرق رأسه وأرسل فكره الثاقب، وجال رايه فيما يلقاه من العجائب، وما يناله من الأذى والنواكب، إذا قام بهذا الدين وتصافرت عليه الأعداء لأنه إذا قام بهذا الأمر ورام تنفيذه فلا بد أن يصبح عليه الجو وتطبق الأمة على حربه وتجفوه عامة أهل الأرض، إلا من شاء الله لكنه لاقى ذلك بالصبر الجميل ثم رفع رأسه وقال يا شيخ: إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين: الأولى إذا قمنا في نصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان فإني أخشى أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا، والثانية أن لي على الدرعية قانونًا أخذه منهم في وقت

ص: 34

الثمار وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئًا فقال له الشيخ: فأما الأولى فأبسط يدك الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها، فوقع تحقيق ظنه رحمه الله، فإنه لما كان ذات مرة أتى الأمير بغنيمة عظيمة فقال له الشيخ هذا أكثر مما كنت تأخذه على أهل بلدك فتركها بعد ذلك.

ثم أن الأمير محمد بسط يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله وإقامة شرائع الله وشعائر الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقام الشيخ مع الأمير ودخل به البلد واستقر عنده في الدرعية.

ولما احتمى بحمى الله ثم حمى بن سعود تسلل إليه عند ذلك شيعته الذين في العيينة، ومن ينتسب إلى الدين ومن ضمن هؤلاء أناس من رؤساء بلد العيينة معاكسين لعثمان بن معمر، وهاجروا إلى الدرعية، وهاجر أيضًا أناس إليها ممن حولهم من البلدان لما علموا بان الشيخ استقر ومنع ونصر، ولولا خشية الإطالة لأتينا بقصيدة نذكر فيها مآثر آل سعود وما لهؤلاء الأئمة الذين رفع الله قدرهم وشاد في العالمين ذكرهم من السبق إلى المكارم، والسمو إلى همم تعلوا على ذوي الهمم ولكن تركنا ذلك خشية أن يضيق الموسع غير أننا نشاطر المحبين بذكر شيء من مناقب هؤلاء المهديين:

محمد الهادي لسنة أحمد

يعيد ويبدي غامضات الفوائد

إذا افتخرت يومًا بقاع بأهلها

فنجد لها فخر على كل سائد

له في كمال السبق باع مطول

وهمة نحرير علت كل جاهد

فبادر إلى كشف له قد أتى به

ليدفع غيا قاله كل مارد

يحل به شبهًا تضل عن الهدى

فأوهى بناء شاده كل كائد

بآي كتاب الله يردي لملحد

ونصر رسول الله ختم الأماجد

فيا طالبًا للحق يبغي حصوله

هلم إلى كتب له في العقائد

ومن عذبه فاشرب زلالًا عن الضما

لتنجو به يوم الجزاء والموارد

ص: 35

عليه سلام الله ما هبت الصبا

ورحماته تترى كثير التوارد

وهذه أبيات تتعلق في مديح آل سعود في مناصرتهم للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب:

لقد أتى الشيخ مطرودًا ومضطهدًا

من البرية لا تلقاه منصورا

قد أعرض الناس عن أقواله وجفوا

وقابلوا دعوة دعا بها زورا

واستبدلو الخير بالشر المشوم وقد

استأثروا بخرافات وتسطيرا

وكان في بلدة الدرعية العظما

أكرم بهم نصرة للدين بل سورا

رئيسهم ماجد تسمو مناقبه

نجل السعود أبو الأشبال مشهورًا

رباعهم للهدى مأوى وملتجا

سبحان من زادهم فضلا وتبصيرًا

يقول يا شيخ أهلًا إن مقدمكم

لقد هدى أمة نالوا به نورا

وقام يشدد له ازرًا ويعضده

مقدما نفسه إذ ذاك تقديرا

شرع إلا له فلا نبغي له بدلًا

ومن يرم غير ذا نرديه مدحورا

ولي من أبيات في مديح آل سعود بمناصرتهم للشيخ:

بآل سعود أيد الله حزبه

وعاد بهم نجم الردى شرايب

أتى نحوهم شيخ الوجود لنصره

بوقت به ضاق الفضا من معائب

محمد الموصوف بالعلم والهدى

فوائده يهدي بها كل ناكب

رجال يدينون الإله بشرعه

سيماهم التوحيد مع قطع شائب

ويسعون في نيل الفضائل جهدهم

يريدون من رب الورى حسن عاقب

فقاموا بإكرام على حسب قدرهم

وما المرء إلا ذكره في المراتب

أحاط بهم من حزب الإله بطانة

عليهم بهاء الصدق ليس بكاذب

وما زال يسعى الشهم أعني محمدا

سليل سعود في اقتحام المعاطب

يريد جهادًا بالنفيس ونفسه

وأنجاله الغر الكرام الأطايب

على حسب ما يرسم له من طريقة

تعود على الإسلام في كل صائب

ص: 36

على كل ما يرزا به يلق صابرًا

صبورًا على الشدات عند النوائب

لقد نصر الإسلام بالبيض والقنا

وبالنفس حتى دان كل محارب

فلا زال من أبناءه الغر قادةً

يحامون عن دين الهدى كل خائب

أولئك الأنجاب من آل مقرن

ليوث لدى الهيجاء لكسر الكتائب

فمن مثلهم في الناس جودًا وعفةً

وحزمًا وإقدامًا غيوث المساغب

فما أحسن التقوى وأبهى لباسها

مجملة أصحابها في النوائب

ولما هاجر المهاجرون إلى الدرعية واستوطنوها كانوا في عيش ضيق وحاجة شديدة وابتلوا بلاء شديدًا في ضيق المعيشة، فكانوا في الليل يحترفون بالأجرة، وفي النهار يتعلمون من الشيخ حلقًا في المساجد، يذاكرون في الحديث وفنون العلم، أضف إلى ذلك أن أهل الدرعية إذ ذالك في غاية الضعف، وضيق المؤنة، ولكن قد قال المبعوث إلى كافة الناس في وصيته للحبر ابن عباس:"واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"، وجعل الشيخ رحمه الله يتحمل الذين الكثير في ذمته عن المهاجرين لمؤنتهم، وما يحتاجون إليه، وفي حوائج الناس وجوائز الوفود إليه من البلدان والبوادي، وكان استيطانه للدرعية سنة 1158 هـ.

وقد قدم عليه عثمان بن معمر في الدرعية لما علم أن بن سعود قد أواه ونصره، وأن أهل الدرعية فرحوا به وأقبلوا عليه، كما أنه قد هاجر إليه من العيينة أناس وفيهم من هم من أسرته، وتركوه وبلاده، وكان قد ركب إليه في عدة رجال من أهل العيينة ورؤسائها، وندم على طرده وخاف منه أمورًا تتفاقم عليه.

ولما أن قدم على الشيخ في الدرعية حاوله على الرجوع معه، ووعده النصرة والمنعة، فقال له الشيخ: ليس هذا لي إنما هو إلى محمد بن سعود، فإن أراد أن أذهب معك ذهبت، وإن أراد أن أقيم عنده أقمت، ولا أستبدل برجل المقاني غيره إلا أن يأذن لي، فأتى عثمان إلى أمير المؤمنين محمد بن سعود يطلب منه الشيخ فأبى عليه،

ص: 37

ولم يجد إلى ذلك سبيلا فرجع خائبًا إلى بلده، وأبى الله أن يكون ظهور الدين إلا على يدي الأمير ابن سعود وأنجاله، ثم إن الشيخ أخذ يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم ويبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وأمرهم أن يتعلموا معنى لا إله إلا الله، وأنها تنفي وتثبت، فلا إله تنفي جميع المعبودات وإلا الله تثبت العبادة لفاطر الأرض والسموات، ثم أمرهم بتعلم ثلاثة الأصول؛ وهي معرفة الله تعالى بآياته ومخلوقاته الدالة على ربوبيته، والهيته كالشمس والقمر والليل والنهار، ومعرفة دين الإسلام وأنه الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، وأنه ثلاث مراتب، ومعرفة الني محمد صلى الله عليه وسلم والتفريق بين دينه ودين أبي جهل وأتباعه، فلما أن استقر في قلوبهم معرفة التوحيد بعد الجاهلية أشرب في قلوبهم محبة الشيخ وأحبوا المهاجرين، وأووهم، وكانوا قبل ذلك قد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر، وتهاونوا بالصلاة والزكاة، فلا للأحكام يعرفون، ولا بالشريعة يتقيدون، ثم إنه ألّف الرسائل والكتب، وحذر فيها من طرق الغي والرذائل، وبثها مفسرة بأوضح البراهين والدلائل، وكتب إلى أهل البلدان ورؤسائها وفقهائها، ومدعى العلم منهم وباح بما عنده، فمنهم من قبل واتبع الحق وفاز بسعادة الدنيا والآخرة، فاستجابوا لدعوته بعد أن كانوا في بيداء الضلالة واستضاؤا بنور الوحي والرسالة وهم الأقلون، ومنهم من عصى وهم الأكثرون، وأعرضوا عن دعوته، واتخذوه سخريًا ونسبوه إلى الجهل، ومنهم من نسبه إلى السحر، وأن مذهبه مذهب خامس، وأنه يريد أن يدعى النبوة وغير ذلك من أمور اختلقوها من تلقاء أنفسهم، قبحهم الله، ومن لم يراقب الله ولم يصن وجهه ولم يرع مخلوقًا، فليفعل ما شاء، نعوذ بالله من الخذلان فيا ويحهم إذا وقفوا بين يدي رب الأرباب، وشهدت عليهم الجلود والأسماع والأبصار، ويا خجلهم من ارتكاب سبيل هذه الورطة التي لوا بها عن الصراط المستقيم، وسكلوا لأجلها طريق الشقاء والجحيم.

ومما قاله الشيخ المرسوم بالدين والإيمان المدعو بملا عمران بن علي بن رضوان

ص: 38

صاحب لنجة من بنادر العجم في ذبّه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما افتراه عليه أعداء الإسلام، وأهل الضلال من الطغاة:

جاءت قصيدتهم تروح وتغتدي

في سبب دين الهاشمي محمد

قد زخرفوها للعوام بقولهم

إن الكتاب هو الهدى فيه اقتدي

لو أن ناظمها تمسك بالذي

قد قال فيها أولًا إذ يبتدى

إلى أن قال:

الشيخ شاهد بعض أهل جهالة

يدعون أصحاب القبور الهمد

تاجا وشمسان ومن ضاهاهما

من قبة أو تربة أو مشهد

يرجون منهم قربة وشفاعة

ويؤملون كذاك أخذًا باليد

ورأوا لعباد القبور تقربا

بالنذر والذبح الشنيع المفسد

ما أنكر القراء والأشياخ ما

شهدوا من الفعل الذي لم يحمد

بل جوزوه وشاركوا في أكله

من كان يذبح للقبور ويفتد

فأتاهم الشيخ المشار إليه

بالنصح المبين وبالكلام الجيد

يدعوهم لله أن لا تعبدوا

إلا المهيمن ذا الجلال السرمدي

لا تشركوا ملكًا ولا من مرسل

كلا ولا من صالح أو سيد

فتنافروا عنه وقالوا ليس ذا

إلا عجيب عندنا لم يعهد

ما قاله آباؤنا أيضًا ولا

أجدادنا أهل الحجى والسؤود

أنا وجدنا جملة الآباء على

هذا فنحن بما وجدنا نقتدي

فالشيخ لما أن رأى الشأن من

أهل الزمان اشتد غير مقلد

نادا هموا يا قوم كيف جعلتموا

لله أندادًا بغير تعدد

قالوا له بل إن قلبك مظلم

لم تعتقد في صالح متعبد

* * * *

قد عيروه بأنه قد كان في

وادي حنيفة دار من لم يسعد

قلنا لهم ما ضر مصر فإنها

كانت لفرعون الشقي الأطرد

ص: 39

إن النماردة الفراعنة الأولى

كانوا بأرض الله أهل تردد

ذا قال أنا رب وذا متنبئ

هم في بلاد الله أهل ترددي

يمنًا وشامًا والعراق ومصرها

من كل طاغ في البرية مفسد

فبموتهم طابت وطار غبارها

وزهت بتوحيد الإله المفرد

إن المواطن لا تشرف ساكنًا

فيها ولا تهديه إن لم يهتد

من كان لله الكريم موحدًا

لو مات في جوف الكنيف المطرد

وبعكسه من كان يشرك فهو لم

يفلح ولو قد مات وسط المسجد

خرج النبي المصطفى من مكة

وبقي أبو جهل الذي لم يهتدي

إن الأماكن لا تقدس أهلها

إن لم يكونوا قائمين على الهدى

لو أنصفوا لرأوا له فضلًا على

إظهار ما قد ضيعوه من اليد

ودعوا له بالخير بعد مماته

ليكافئوه على وفاق المرشد

قالوا له غشاش أمة أحمد

وهو النصيح بكل وجه يبتدي

هل قال إلا وحدوا رب السما

وذروا عبادة ما سوى المتفرد

وتمسكوا بالسنة البيضا ولا

تتنطعوا بزيادة وتردد

عجبًا لمن يتلو الكتاب ويدعى

علم الحديث مسلسلًا في المسند

ويقول للتوحيد غشا إن ذا

خطر على من قال فليتشهد

ويجدد الإسلام والإيمان

معتقدًا بأن الشيخ خير مجدد

ما ذنبه في الناس إلا أنه

هدم القباب وتلك سنة أحمد

إلى أن قال:

قالوا صبأتم نحوه قلنا لهم

الحق شمس البصير المهتد

ما بيننا نسب نميل به ولا

حسب قريبًا له يتودد

أيضًا ولا هو جارنا الأدنى الذي

نمتار نعمته ولم نسترفد

لكنها شمس الظهيرة قد بدت

لذوي البصائر فاهتدى من يقتد

ص: 40

إلى آخر القصيدة وكلها من هذا النمط لكننا أحببنا الاختصار.

وقال أيضًا رحمه الله لما جد واجتهد في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله والذب عن أهل الإسلام الموحدين فلقبوه بالوهابي فانشأ هذه القصيدة:

إن كان تابع أحمد متوهبًا

فأنا المقر بأنني وهابي

أنفى الشريك عن الإله ليس لي

رب سوى المتفرد الوهاب

لا قبة ترجى ولا وثن ولا

قبر له سبب من الأسباب

كلا ولا شجر ولا حجر ولا

عين ولا نصب من الأنصاب

أيضًا ولست معلقًا لتميمة

أو حلقة أو ودعة أو ناب

لرجاء نفع أو لدفع بلية

الله ينفعني ويدفع ما بي

والابتداع وكل أمر محدث

في الدين ينكره أولو الألباب

أرجو بأني ولا أقاربه ولا

أرضاه دينًا وهو غير صواب

ثم ذكر عقيدته التي يدين الله بها حيث أنها عقيدة الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة وعقب ذلك بقوله:

وبعصرنا من جاء معتقدًا به

صاحوا عليه مجسم وهابي

جاء الحديث بغربة الإسلام

فليبك المحب لغربة الأحباب

هذا زمان من أراد نجاته

لا يعتمد إلا حضور كتاب

خير له من صاحب متهجم

ذي بدعة يمشي كمشي غراب

مهما تلى القرآن قال عبارة

أي أنه كمترجم لخطاب

وإذا تلى آي الصفات يخوض بها

تأويلها خوضًا بغير حساب

فالله يجمعنا ويحفظ ديننا

من شر كل معاند سباب

ويؤيد الدين الحنيف بعصبة

متمسكين بسنة وكتاب

لا يأخذون برأيهم وقياسهم

ولهم إلى الوحيين خير مآب

لا يشربون من المكدر إنما

لهم من الصافي ألذ شراب

ص: 41

قد أخبر المختار عنهم أنهم

غرباء بين الأهل والأصحاب

في معزل عنهم وعن شطحاتهم

وعن الغلو وعن بناء قباب

وقال عالم صنعاء الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني يمتدح إمام الدعوة ويثني عليه.

قفي واسألي عن عالم حل سوحها

به يهتدي من ضل عن منهج الرشد

محمد الهادي لسنة أحمد

فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

لقد أنكرت كل الطوائف قوله

بلا صدر في الحق منهم ولا ورد

وما كل قول بالقبول مقابل

ولا كل قول واجب الطرد والرد

سوى ما أتى عن ربنا ورسوله

فذلك قول جل يا ذا عن الرد

وأما أقاويل الرجال فإنها

تدور على قدر الأدلة في النقد

لقد سرني ما جاءني من طريقه

وكنت أرى هذي الطريق لي وحدي

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه

يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهرًا ما طوى كل جاهل

ومبتدع منه فوافق ما عندي

ويعمر أركان الشريعة هادمًا

مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد

أعادوا بها معنى سواع ومثله

يغوث وود بئس ذلك من ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها

كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوحها من عقيرة

أهلت لغير الله جهرًا على عمد

وكم طائف حول القبر مقبل

ومتسلم الأركان منهن باليد

وقال بعض أدباء أهل بريدة لما ذكر ما لفقه أعداء الشريعة من الأكاذيب على الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأتى بالرد عليهم بعد ذلك بقوله:

أقول فلما أعلنوا الثلب للهدى

وصاروا به فوق المنابر يخطبوا

وكتبهم في ذا تروح وتغتدي

بتزوير قول نمقوه وأسهبوا

أكاذيب أن تقصد تحقق ما حكوا

تجده سجايا كاذب فهو خلب

ص: 42

فكم حركتني لا لنفسي غيرة

ولكن لنهج الحق ذاك المسلحب

لا دفع ما قد قذروه وعدتي

من الآى مع نص الأحاديث اشطب

إذا صادف الأعناق منهم أبانها

لكي يدر نمر الزور أنه ثعلب

إلى أن قال:

ولكن علمي أن بدر ذوي الهدى

سيقصر عنه النبح لو جدأ كلب

يهون ما قد حل بي وكذا إذا

ذكرت سيجزي الكل ما كان يكسب

وإلا فما شيخ الهداة يذم أو

سبيلهم فهو السبيل الأطيب

فجدد دين الله يدعو لشامهم

بهند ومصر والعراق ويثرب

على فترة قد جاء نجدًا وقد فشى

بها الجهل حتى جاء يدعو ويسلف

فريدًا دعا للحق من غير ناصر

ولكن دين الله يعلو ويغلب

فقام على ساق اجتهاد مشمرا

إلى الله يدعو لا من الضد يرهب

فمهما يكيدوه بأمر تجده في

مكائدهم يشتد حقًا ويصلب

ومن أجل ذا لما اعتقدت اعتقاده

أبنت بنظمي ما لدي محبب

توهبت لا أن رأيت أولي النهى

أنابوا إلى سبيل الهدى وتوهبوا

فما هو إلا سنة نبوية

وآيات قرآن تقال وتكتب

فإن قيل قال النبي فإنني

أهش إلى تلك المقال وأطرب

وما أنا أرضى غير هدي محمد

ففيه إلى رب الهدى أتقرب

إلى آخر قصيدته التي وضحت مذهب الوهابية وأنه مذهب الإمام أحمد بن حنبل والأئمة المرضيين.

ولا نطيل بذكر ما امتدحه به الشيخ سليمان بن سحمان لأن لو أتينا بما ينبغي لضاق الموسع غير أننا نأتي بأنموذج من كلام حسان السنة في وقته محي السنة ومميت البدعة الشيخ المشار إليه قال رحمه الله في رده على بابصيل بعد أبيات أبان فيها عقيدة الشيخ ثم قال بعد ذلك:

ص: 43

فاظهر مولانا بفضل ورحمة

وجود وإحسان أمامًا مفهما

تقيا نقيًا ألمعيًا مهذبًا

نبيلًا جليلًا بالهدى قد ترسما

تبحر في كل الفنون فلم يكن

يشق له فيها غبار ولن وما

وسباق غايات وطلاع أنجد

وبحر خضم إن تلاطم أو طما

فاطد للتوحيد ركنًا مشيدًا

وأرشد حيرانًا لذاك وعلمًا

وحذر عن نهج الردى كل مسلم

وهدى من الإشراك ما كان قد سما

فأقوى وأوهى كل كفر ومعبد

بجد وأعلى ذروة الحق فاستما

وجادله الأحبار فيما أتى به

وكل امرء منهم لدى الحق أحجما

وألزم كلًا عجزه فتألبوا

عليه وغادوه عنادًا ومأثمًا

فلم يخش في الرحمن لومة لائم

ولا صده كيد من القوم قد طما

وكل امرء أبدى العداوة جاهدًا

وبالكفر والتجهيل والبهت قدر ما

فأظهره المولى على كل من بغى

عليه وعاداه فما نال مغنما

وكيف وقد أبدى نوابغ جهلهم

فكم مقول منهم تحدى فأبكما

وألقمه بالحق والصدق صخرةً

وكان إذا لاقى العداة عثمثما

وقد رفع المولى به رتبة الهدى

بوقت به الكفر ادلهم وأجهما

فزالت مباني الشرك بالدين وانمحت

وفل حسام كان بالكفر لهذما

وحالت معاني الغي واللهو والهوى

بإشراق نور الحق لما تبسما

ولا نطيل بمدح العلماء له إذ المقصود الإشارة إلى شيء من ترجمته.

ولما أبى أكثر الخلق عن اتباع الحق ورأى تصميم الأكثر على ما هم عليه قبل ذلك، أمر بالجهاد وحث عليه فاستعد أهل الدين وامتثلوا، فأول جيش غزا سبع ركائب، وكانوا لم يعتادوا ذلك؛ فلما ركبوها وأخذت النجائب في سرعة السير سقطوا من أكوارها، ثم أغارت هذه النجائب على بعض الأعراب فغنموا ورجعوا سالمين، وصبر الأمير محمد بن سعود لأول وهلة وصدمة لأن الحرب سجال، ثم إنها تتابعت الغزوات؛ وكان الشيخ رحمه الله هو الذي يجهز الجيوش، ويبعث

ص: 44