الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها
فنقول لما توفى الإمام فيصل تولى بعده نجله عبد الله، وكان خليقًا بالإمامة ولكنه قام ينازعه الإمامة أخوه سعود، وبعد سعود أبناؤه فحصلت قطعية وبات الفشل وتسلط الأعداء، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
وما حصل النقص على أهل الإسلام والفشل وتسلط الأعداء إلا بالتخاذل، وقطيعة الرحم وترك القيام بأوامر الله تعالى وفعل نواهية، وهذه عادة الله بخلقه كلما أحدثوا ذنوبًا غير ما بهم من النعمة.
وقد روى أن رجلًا من المتقدمين كان له عدة بنين، فلما كبر وهرم جمع أبناءه لديه وقال لهم بني إني جمعتكم الأمر فخذوا به فإني خبير بالأمور مجرب، وعانيت ما لم تعانوا من المشاق فأطرق أبناؤه يستمعون وصيته، فأخرج إليهم حزمة من العصي وقال لكبيرهم: حطم هذه الحزمة فأخذها فلم يطق، فقال له ناولها أخاك فأخذها ولم يطق حتى عجزوا كلهم، فقال هكذا كونوا مجتمعين يا بني فإنه أقوى لشوكتكم وأنفذ لأمركم وأقهر لعدوكم، فإن اختلفتم تمزقتم وعبث بكم الأعداء.
ولما حدث من سعود هذا الخلاف الذي يعد من أعظم المصائب على المسلمين وكان منع أخيه الإمام بغزاته على عربان الظفير قرب بلد الزبير، ورجع الإمام بعد ذلك كان هناك منافرة بينهما، وبعد مضي عشرة أيام من قدومهما إلى الرياض هرب سعود إلى ابن عائض فرده خائبًا.
فلما تحقق أن ابن عائض لا يساعده على أخيه عاد من أبها إلى نجران بالخيبة، ولما أن نزل على رئيس نجران المسمى بالسيد أقام عنده وطلب منه النصرة فأجابه إلى ذلك، ووجد العجمان هناك، وكانوا أعداء لعبد الله بن فيصل لحملاته عليهم وكسره لهم ثم إجلائه بقيتهم إلى نجران فاغتنموها فرصة ليداووا كلومهم، فاجتمعوا على سعود وشدوا أزره وقدم عليه فيصل المرخف من شيوخ آل مرة وعلي بن
سريعة من شيوخ آل شامر، وكتب إليه مبارك بن روية رئيس السليل يأمره بالقدوم عليه ويعده القيام معه والنصرة له فاجتمع على سعود بن فيصل خلائق كثيرة من بام وغيرهم، وأمده رئيس نجران بمال وأرسل معه اثنين من أولاده وأمده بجنود من أتباعه، فسار سعود بمن معه من الجنود حتى قدم على مبارك بن روية في السليل واستفحل أمره.
وكانت نتيجة هذه الخلاف بين أولاد فيصل والتنازع أن أضاعوا الملك فانتقضت قحطان وعصت العجمان وتمردت عنزة وتقلبت مطير وتذبذبت عتيبة وصال بنو مرة وتنمر بنو خالد، وقام بعض الأخوة على بعض يتنازعون الملك فكانوا في حروب وأصبحوا مغنمًا لهذه القبائل النازعة إلى الغزو.
قامت القبائل توالي هذا وتناوي هذا وتؤز هذا على أخيه أو ابن عمه طمعًا بنيل كسب أو شفاء غليل فتفتقت نجد بالشرور ونشأت الفتن من جديد، وجرى من المحن ما الله به عليم.
ولما جلس الإمام عبد الله بن فيصل على عرش الحكم وتربع عليه طمع العلماء والأدباء بعد له وتذكروا سير والده فيصل فبذلوا له المديح والنصائح وأثاروا سوكن متحركاته إلى كل فعل جميل لأنه جدير بذلك وشبل الأسد يشبه أباه ومن أشبه والده فما ظلم، فمن ذلك قول الشيخ أحمد بن علي بن مشرف في هذه السنة:
أتقبل عذر الصب أم أنت عاذله
…
بذكرى حبيب عنه شطت منازله
غزال حوى كل المحاسن وإليها
…
يغازلني بعد العشاء وأغازله
فتاة كأن الشمس غرة وجهها
…
فإني يبين البدر حين تقابله
نأت فنأى عن حبها كل عاذل
…
فيا ليتها تدنو وتدنو عواذله
فمن لعذول لا يزال بجهله
…
يجادلني في حبها وأجادله
وما أنا إلا كالفتى في اعتلاله
…
فلا أثر تبديه فيه عوامله
وقد أصبحت سلمى بأبعد شقةٍ
…
يكل بها كوم المطي وهازله
تميمية حلت بتيما ودونها
…
من الجبل الطائي قفار وحائله
فعن مثلها فاثن العنان ميممًا
…
مليكًا عظيمًا لم يخب قط سائله
إله السماء والأرض فاسأله راغبًا
…
تنل كل ما ترجو وما أنت آمله
فنشكو إلى الله الزمان الذي استوى
…
لدى أهله قس الكلام وباقله
به اندرست كل العلوم وأقفرت
…
فأنكر فضل العلم بالعلم جاهله
وقائلةٌ أقصر فما بعد فيصلٌ
…
لذي أدب حظ فماذا تحاوله
أترغب في نظم القريض وجسمه
…
مواري بقبر غيبته جنادله
فقلت دعيني إن يكن مات فيصلٌ
…
فخالفه حي وما فات نائله
فقد ورث المجد المؤثل والندى
…
لنجل زكت أخلاقه وشمائله
أبو النجم عبد الله حامي حمى الهدى
…
بغرته بشرى الندى ومخائله
بنجدٍ حثا المال الجزيل تبرعًا
…
فعاشت به أيتامه وأرامله
وكم غارةً شعواء شن على العدا
…
وكم فارس منهم نعته حلائله
فأثخن حربًا بالحروب فسالمت
…
ودانت له نجد وذلت قبائله
ومن دم سراق الجحيم عتيبة
…
سقى البيض حتى أنهل الرمح حامله
وقائع سل عنها الحجاز وغيره
…
ونجدًا ومن في البحر ينبيك سائله
جهادًا ودرأ للفساد ونية
…
وسعيًا به يرجو المثوبة فاعله
تولى فلم يرض المكوس لدينه
…
عفافًا ومن يعفف تعف عوامله
ولما نمى الركبان أخبار عدله
…
إلينا وشاعت في البلاد فضائله
بعثنا له در القريض بمدحه
…
وخير الثنا مالا يكذب قائله
فأبلغه تسليمًا إذا فض ختمه
…
تارج من أرض الرياض معاقله
فيا أيها الوالي نصرت على العدا
…
وسددت في الأمر الذي أنت فاعله
حنانيك لا تسمع بنا قول كاشحٍ
…
ولا حاسدٍ تغلو علينا مراجله
ولا تصغ للنمام سمعك إنما
…
يجيء به الإفساد والألم حاصله
وما هو إلا فاسقٌ أو منافقٌ
…
يريك صريح النصح والغش داخله
ولا يدخل النمام في الحشر جنةً
…
حديثًا عن المختار يرويه ناقله
وأكرم بني الشيخ الرئيس الذي نهى
…
عن الشرك لما شاع في الأرض باطله
وألف في التوحيد تأليفه الذي
…
شجت في حلوق المشركين دلائله
كذا عابد الرحمن أعني حفيده
…
بنور الهدى يهدي فمن ذا يعادله
ينافح عن دين الهدى كل مبطلٍ
…
فيبطل تمويهاته ويناضله
وعبد اللطيف الحبر لا تنس فضله
…
إمام هدي بالعلم تزهى محافله
فمن رام خذلانًا لهم وتنقصًا
…
لقدرهم بالبغي فالله خاذله
فدونك نظمًا كالزلال عذوبةً
…
صفت للعطاش الواردين مناهله
وكل امرئٍ يهدي علي قدر وسعه
…
فدونك ما نهدي فهل أنت قابله
وختمي صلاة الله ثم سلامه
…
على من به الإرسال عمت رسائله
محمد المبعوث من آل هاشم
…
كذا الصحب ما غنت بروضٍ بلابله
وقال الشيخ سليمان بن سحمان يمتدح الإمام عبد الله بن فيصل ويشجعه ويثني عليه بهذه الأبيات وهي من قصيدة:
أخا المجد عبد الله من شاع ذكره
…
وغار لعمري في البلاد وأنجدا
هو العارض الهطال بالجود والندا
…
إذا كنت عن سيم الحقيقية أرمدا
فما جود من قد جاد إلا مزادة
…
تكسبها من جوده وتزود
فإن عد كعب في السماح أبت له
…
أنامل تهمي عسجدًا وزبرجدا
وحاتم طيء قد تضاءل جوده
…
إلى جنب من يعطي الجزيل إذا جدا
يهاب ويرجى نيله فكعارض
…
مخيف وقل إن كنت في الشعر منشدا
هو البحر غص فيه إذا كان ساكنًا
…
على الدر واحذره إذا كان مزبدا
هو المنهل الطامي لمن رام شربه
…
يزيح بها عند الحرارة والصدا
هو الضيغم العادي إذا استعر الوغى
…
وشب ضرام في الوطيس وأوقدا
فكم من قتيل قد أصاب مجندلًا
…
وكم من أسير في الحديد مصفدا
وكم ليل خطب مدلهم ظلامه
…
حدث بيضه عنا غياهب ما سدا