الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم، وحاصل هذا النزاع أن المخالفين للشيخ يقولون بجواز التوسل إلى الله بذوات العلماء والصلحاء، وجواز السفر إلى بلدان المشركين والإقامة بها، ويقولون أن الهجرة منقطعة لقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية.
ولا ريب أن هذه الأقوال مطروحة، وهذا الحديث يفيد أنه لا يهاجر من مكة بعد ما فتحت وكانت بلادًا إسلامية.
وقد نتج عن هذا الخلاف افتراق وتحزب لذلك أحزاب، وتوترت العلاقات بين القائلين بالجواز والمانعين منه، حتى كان لكل طائفة ردود ومؤلفات وانتصارات، وامتدت هذه المحنة قريبًا من ربع قرن، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والمسألة يطول شرحها وتفاصيلها، وتحتاج إلى بسط لا يتسع له هذا الموضع.
ولا ريب أن الحق الذي لا مرية فيه هو ما كان عليه الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وأتباعه رفع الله قدره وأشاد في العالمين ذكره، وما كان مع المخالفين ما يستند عليه، وندين الله تعالى بقول الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم: ونعتقده ونسأل الله تعالى الثبات عليه إلى أن نلقاه إنه جواد كريم.
ثم دخلت سنة 1307 ه
ـ
ففيها في 2 ربيع الثاني توفى
الإمام عبد الله بن فيصل
رحمه الله وعفا عنه (1)
و
هذه ترجمته:
هو العاهل الهمام والرئيس المقدام عبد الله بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود البطل الشجاع، كان هو القائد العام للجيش السعودي في حياة والده فيصل، موفقًا في حروبه إذ ذاك، ولا تزال رايته خفاقة منصورة كما قد جرى ذلك في الواقعات المتقدمة.
(1) والقول الثاني أن وفاته في مستهل هذه السنة.
ولما مات والده الإمام كان ولي عهده غير إنه حصل اختلاف بين أبناء فيصل، وعظم الشقاق كلٍ يخطب الملك لنفسه، فشمّرت الحرب عن ساق بينه وبين أخيه سعود، فكان لكل واحد أعوان وشوكة، وكان الإمام عبد الله قصير القامة، وكان لسعود هيكل عظيم، ويعجب الأعراب من قائدهم أن يكون له شخصية بارزة، فالتف إلى سعود جمع غفير، وإذا كان القائد ذا هيكل عظيم وكان شجاعًا مع ذلك كان موضع إعجابهم، واستمرت الفتن حتى مات سعود بن فيصل، فقام أبناؤه خلفًا في شقاق عمهم والوقوف في نحره، حتى تشتت الشمل واختلفت الكلمة، واشتدت البلية، وعظمت الرزية، وتضعضع الملك، واجتمع على الإمام عبد الله خلاف عشيرته ومنازعة ابن رشيد له ومقاومته ومضادة آل مهنا، حتى أصبحت إمامته منغضة عليه وقد ناصر آل عليان على ضدهم آل مهنا فلم تنجح المسألة بل حصل على مقاومة آل مهنا، فأثر ذلك أحقادًا في صدورهم لآل سعود، أضف إلى ذلك أن الإمام عبد الله قد أبعد بعض المنتسبين إلى العلم، وقدم عليهم ضدهم وأصغى إلى نصح من لا ينفع نصحه، وبعث يستنجد الدولة العثمانية على أخيه سعود.
ولا شك أن هذه زلة منه والله يعفو عنه، فمناصرته لآل عليان وهم مغلوبون أثار عليه أحقاد آل مهنا، فكانت مراجل حقدهم لا تزال تغلي عليه وحالفوا محمد بن رشيد فكانوا يدًا واحدة عليه.
وأما الشقاق الذي حصل بينه وبين أخيه وبنيه فإنه كف بساط ملكه عن غالب نجد، وكانت فرقًا وظهور محمد بن رشيد بمطامعه وسياسته ضعضع ملك آل سعود، وآخر أمره حبس فاستنجد بمحمد بن رشيد فأنجده وقتل أبناء أخيه غدرًا، ولما أخرجه من السجن بعث به إلى حائل كأسير، ثم رده إلى الرياض ليعيد له الإمارة فمات ولم يحصل عليها.
ولما مات عبد الله بن فيصل وانتقل إلى ربه، كتب الإمام عبد الرحمن بن فيصل وهو إذ ذاك مقيم في الرياض إلى محمد بن رشيد يخبره بذلك ويسأله أن يعزل عامله
حسب العهد المذكور، وحقًا على ابن رشيد أن يعزله ويكون أمير الرياض عبد الرحمن بن فيصل الهمام، أليس ابن سعود وأخا عبد الله وأوى الناس بالإمارة، أليس ابن فيصل الرئيس المقدام، ولما أن كتب إليه بذلك ما كان جوابه له إلا أن عزل أميره فهد بن رخيص، وعين مكانه أميرًا في الرياض سالم بن سبهان أي أنه نكث عهده، وما كان مراقبًا سعوديًا ولا غيره، ففي هذه السنة ولي سالم بن سبهان إمارة الرياض للمرة الثانية.
كان سالم هذا لا قيمة لعهده عنده ولا ميثاق، ولما أن كان في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة في هذه السنة بعث إلى عبد الرحمن بن فيصل بأن يجمع له آل سعود ليسلم عليهم ويهنئهم بعيد الأضحى، ويلقي عليهم كلامًا من ابن رشيد، وكان من نيته وعزمه أن يفتك بهم ويقتلهم جميعًا كما فعل بأبناء سعود في السنة المتقدمة قبل هذه، نسأل الله العافية، هذه نتيجة هذا السلام وهذه التهنئة.
ولما علم عبد الرحمن بن فيصل بما بيته لهم من الغدر وما انطوى عليه من المكر، احتاط للأمر وأعدّ له أهبته، فاجتمع بأفراد أسرته وخدمه وأطلعهم على الأمر وعما كان يبيته له سالم بن سبهان، وعندما وصل ابن سبهان بجنوده وكانوا أربعين رجلًا مسلحين أمر عبد الرحمن بن فيصل رجاله أن يسبقوه إلى شبه ما يريد، وكان من بينهم ابنه فيصل بن عبد الرحمن وابن عمه فهد بن جلوي وعبد العزيز بن جلوي؛ وفهد بن إبراهيم بن مشاري وغيرهم من أتباعه، فوثبوا عليه وعلى رجاله وقتلوا منهم عددًا وألقوا القبض على سالم وبقية رجاله وجردوهم وسجنوهم؛ وقد همّ الإمام عبد الرحمن أن يقتل سالمًا وبقية رجاله انتقامًا لقتل أبناء أخيه سعود؛ غير أنه فكر أنه إذا قتلهم فإن ابن رشيد سيقتل جماعة آل سعود الذين كانوا عنده في حائل، ومنهم عبد العزيز بن تركي وعبد الله بن جلوي، وسعد بن جلوي وهذلول بن ناصر بن فيصل، وفعلًا فإنها تحققت أمنيته ووقع ما كان يتوقعه، فإن آل سعود المقيمين بحائل قد ساروا منها إلى الرياض قبل وصول الخبر إلى ابن رشيد بيوم واحد، ثم إنه بعث في طلبهم ثلاثين رجلًا من خدمه فأدركوهم على ماء العدوة
فألقوا القبض عليهم وقيدوهم بالحديد ورجعوا بهم إلى بلدة حائل، ولما أن كان بعد رجوعهم بثلاث جمع جموعة وجنوده، وزحف بجيش خميس من حائل إلى الرياض؛ ومعه آل سعود لبث سالم بن سبهان في مركزه، وكان أهل القصيم لما أن بلغهم خبر الحادث الذي جرى بين الإمام عبد الرحمن الفيصل وبين سالم السبهان، كتبوا إلى عبد الرحمن بن فيصل يعاهدونه على السمع والطاعة والتعاون والتعاضد، وحينما مر ابن رشيد في مسيره بالقصيم، وقف أهل القصيم في الطريق وصدوه عن جهته فوعدهم وعاهدهم بأنه سيعطيهم بادية مطير مضافًا إليها الخوة التي كانت تفرض على الحجاج، وسول لهم فرضوا بذلك وتركوه وشأنه رافضين عهودهم مع عبد الرحمن الفيصل، ثم إنه والى زحفه إلى الرياض بعدما جاوز القصيم، ونزل على الرياض بجيشه فحاصرها أربعين يومًا ونهب كل ما وجده في ضواحيها من إبل وأغنام، وقطع نخيلها ودمر بساتينها وشدد الحصر عليها وأهلها يدافعون عنها أشد الدفاع، وأخذ يغير على طرق تموينها وأهالي القرى المنعزلة له المحيطة بها فيدمر مزارعهم ونخيلهم حتى قيل أنه قطع ما لا يقل عن ثمانية آلاف نخلة، وبعد أربعين يومًا قضاها ابن رشيد في مثل هذه العمليات العقيمة، اقترح على عبد الرحمن أن يتفاوضا لعقد الصلح وتسوية الخلافات بالحسنى فوافق على ذلك الإمام عبد الرحمن، وخرج من الرياض وفد مؤلف من محمد بن فيصل، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رئيس القضاة، والشيخ حمد بن فارس، ومعهم نجل عبد الرحمن بن فيصل عبد العزيز بن عبد الرحمن وعمره إذ ذاك في الحادية عشرة، وبعد المفاوضة تم الصلح على أن تكون إمارة الرياض وتوابعها من بلدان العارض والمحمل وسدير والوشم وبلدان الجنوب من الخرج والأفلاج والحوطة والحريق تابعة للإمام عبد الرحمن، وأن ينقل ابن رشيد حاميته من الرياض، وأن لا يكون لابن رشيد نفوذ في الرياض ولا غيرها من البلدان التي وقع الصلح عليها وأن يفرج عن الأسراء الذين اتقلهم من آل سعود، وعلى أن يخلي الإمام عبد الرحمن سبيل الأسرى الذين كانوا عنده في الرياض سالم بن سبهان ورجاله ورجع ابن رشيد إلى حائل، وكان
هذا الصلح مموهًا لأن ابن رشيد لم يتمكن في الحصار من فتح الرياض ولا تمكن أهالي الرياض من رده عنها، وبكل حال فإنه عاد هذه المرة خائبًا، فلما مرّ في مسيره بالقصيم عائدًا إلى الجبل، قام أهل القصيم يطلبون منه الوعد الذي وعدهم فسوف وتردد، فنهضوا ثانيةً عليه وحشدوا قواتهم للحرب وما كان هذا الشمري ليرد طالبًا، وكان قد وافق أن الأمير حسن بن مهنا قد تذامر وأمير عنيزة زامل بن عبد الله على أن يكون يد واحدة على بن رشيد، فلما رأى نهوض أهل القصيم عليه، استنفر قبائله وعشائره والتقى بأهل القصيم في القرعاء.
وجرت واقعة المليداء التي سأذكرها بعد ذلك.
وفيها في جمادى الأولى وفاه صديق حسن القنوجي ملك مدينة "بهويال".
كان عالمًا له مؤلفات عديدة، منها الروضة الندية، وأبجد العلوم، والإذاعة لما بين يدي الساعة، وألف القماط لإصلاح ما استعملته العامة من الأغلاط، وغيرها.
وفيها شرع الأمير حسن بن مهنا في بناء مسجد عود الرديني فهدمه وزاد فيه وجعل بناءه مهندسًا يدعى العوفي وحرص على أن تكون نفقته طيبة، فجيء بالخشب وجريد النخل من روضة مهنا، وكان هذا المسجد طويلًا من جهة الشمال والجنوب أما شرقًا وغربًا فليس بواسع ويقع في جنوبي بريدة وله منارة طويلة.
وقد جعل الله له قبولًا بين الأمة ويأنس فيه قاصده.
ولا يخلو في غالب الأوقات من حلق الذكر ومجالس الذكر.
ومن أشهر أئمته محمد بن عبد العزيز الصقعبي كان له صوت جهوري ونغمة حسنة، وقد استمر في إمامته عن أمر رئيس بريدة حسن بن مهنا، ثم إنه كان في إمامته الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وازدحمت عليه فيه حلق الذكر، كما سنشير إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.