الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترميم موكولًا إلى الشريف عبد الله بن أمير مكة محمد بن عون، وإلى شيخ الحرم أحمد عزت باشا، فشرعوا في 28 ثامن وعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، وأخرجوا جميع الطبطاب القديم من حاشية المطاف والماشي والأروقة، وجددوه بأتقن مما كان سابقًا، وكان تمام العمل في غاية ذي الحجة سنة 1279 هـ.
وفيها توفى والي مصر سعيد باشا بن عم محمد علي والي مصر المشهور، فأقيم بعده إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي.
ثم دخلت سنة 1280 ه
ـ
في هذه السنة قدم على الإمام فيصل رحمه الله وفد أهل الأحساء وطلبوا منه أن يرد عليهم أميرهم محمد بن أحمد السديري، وكان قد نقله منهم الإمام إلى بريدة وجعله أميرًا على مقاطعة القصيم كما أسلفنا لأنه لا يسد مقاطعة القصيم وغيره.
ولما أن قدم عليه رؤساء أهل الأحساء يطلبونه منه لم يرى بدًا من أن يجيبهم إلى ذلك لا سيما وقد كان في الوفد فضيلة الشيخ أحمد بن علي بن مشرف قد استعانوا به على نجاح هذه المهمة، فكتب الإمام إلى محمد السديري وأمره بالقدوم عليه في الرياض، ولما أن قدم أمره أن يتجهز إلى الأحساء وجعل مكانه في إمارة بريدة سليمان الرشيد من آل أبي عليان.
ووافق أن توفى هذه السنة صالح بن راشد وكيل بيت مال الأحساء للإمام فيصل، ولما بلغ الإمام وفاته جعل مكانه على بيت مال الأحساء فهد بن علي بن مغيصيب.
ثم إن الإمام كسا وفد أهل الأحساء وأعطاهم عطاءً جزيلًا، فتوجهوا إليها وسار معهم الأمير محمد بن أحمد وفهد بن علي بن مغيصيب بعد ما أذن لهم الإمام.
فقال الشيخ أحمد بن علي بن مشرف هذه القصيدة يمتدح فيها الإمام فيصل ويذكر شيئًا من مآثره ومناقبة:
لقد لاح سعد النيرات الطوالع
…
وغابت نحوس من جميع المطالع
غداة أنخنا بالرياض ركابنا
…
بباب إمام تابع للشرائع
حريص على إحياء سنة أحمد
…
وإخماد نيران الهوى والبدائع
يقيم اعوجاج الأمر بالبيض والقنا
…
ويحكم بالوحيين عند التنازع
ويحيي دروسًا للعلوم بدرسها
…
وتقريب ذي علم قريب وشاسع
تقي نقي قانت متواضع
…
ما الفخر إلا بالتقى والتواضع
وما زال للدين الحنيفي ناصرًا
…
بتدمير أوثان وتعمير جامع
يعامل قومًا بالأناة فإن تفد
…
وإلا أفادتهم حدود اللوامع
وإن تسألن عن جوده وسخائه
…
فكفاه مثل المعصرات الهوامع
فإن كنت عن علياه يومًا محدثًا
…
فحدث وقرط بالحديث مسامعي
هو المنهل الطامي يبل به الصدى
…
فرده ودع آل البقاع البلاقع
به أمن الله البلاد فأصبحت
…
لنا حرمًا في الأمن من كل رائع
بمدحته فاه الزمان وأهله
…
فحسبك من صيت له فيه شائع
يربي يتامى المسلمين كأنه
…
لهم والدٌ بر بهم غير دافع
وكم بائسٍ عارٍ كساه برفده
…
وكم أشبعت يمناه من بطن جائع
قصدناه من هجر نؤمل رفده
…
فجاد علينا بالمنى والمنافع
أعذناه بالرحمن من كيد كائد
…
ومن شر شيطان وخب مخادع
ونستودع الله المهيمن ذاته
…
وربى كريم حافظ للودائع
وصل إله العالمين على الذي
…
أتانا بنور من هدى الله ساطع
محمد المبعوث للناس رحمةً
…
بأقوم دين ناسخ للشرائع
كذا الآل والأصحاب ما هبت الصبا
…
وما أطرب الأسماع صوت لساجع
وفي هذه السنة تكسر بعض طوق الحجر الأسود الذهبي الذي ركبه السلطان عبد المجيد وقد تقدم التعريف له، وسرق ما تكسر منه فلم يعلم من أخذه، ثم إنه حشي مكانه زنك أسود.
ولما كان يوم الأربعاء الموافق لعاشر ذي القعدة، أمر السلطان عبد العزيز خان بتجديد سقف المقامات لأنها خربت حتى تكسر بعض خشب مقام الحنفي، فبدأوا بتصليحه مقدمًا على بقيتها، ثم بمقام الحنبلي، ثم مقام المالكي، ثم مقام إبراهيم وزادوا في ارتفاع قبته.
وكان أول من وضع هذه المقامات بعض ملوك الجراكسة وإلا فما كان لها أصل من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عدى مقام إبراهيم فإنه صخرة فيها آثار قدميه لما كان يبني الكعبة، ولا تزال آثار قدميه إلى اليوم هذا تشاهد، غير أن أهل الجاهلية جعلت تمسح هذه الصخرة حتى ذهبت آثار الأصابع ثم جعل عليها حجرة ورفع سقفها، أما هذه المقامات المبتدعة المشار إليها فهي أربعة مقام الحنبلي وهو الواقع في الجهة الجنوبية مقابل لما بين الركن اليماني والحجر الأسود، ومقام الشافعي، وهو مرادف لمقام إبراهيم من جهة الشرق مما يلي بابه، ومقام الحنفي وهو واقع في الجهة الشمالية حذاء الميزاب والحطيم، وقد فاق على بقيتها في الكبر والحسن وجعل له سطح ودرج، ويصلي فيه عدد من المأمومين وفيه مصاحف وهو موضع المنبه في الوقت الحاضر.
أما مقام المالكي فيقع في الجهة الغربية وهو على صفة وضع مقام الحنبلي، وكلها على ضفة حاشية المطاف.
وفيها أعني هذه السنة توفى تركي بن حميد من شيوخ عتيبة.
وفيها حصل اختلاف بين أهل بريدة وبين أميرهم سليمان الرشيد أبو عليان، وكثرت الشكايات على الإمام ضده، فعزله الإمام فيصل وجعل مكانه أميرًا على بريدة مهنا الصالح أبا الخيل، وكان هذا هو أبا الخيل المشهور، ومهنا كان تاجرًا كبير القدر رفيع الذكر، وقد أشار عليه بعض أحبابه أن لا يتولى الإمارة ويكفيه سمو مقامه وعلو قدره، ويكون يعيش في نعمته، فما أصغى لناصح، وإنما أشير عليه بتركها خوفًا عليه من القتل، فإن آل أبي عليان لا يتركون الإمارة لغيرهم ففي هذه السنة كانت إمارته في بريدة.