المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

وأما مؤلفاته ورسائله فكانت منهلًا عذبًا يردها الموحدون، ويأخذ بها أهل المعرفة المتقون، فما هي إلا روضةٌ حفت بنور ربيعها تسرح فيها الأفكار، وتتمتع فيها الأنظار، لما لها من القبول عند الأتقياء والأخيار، وكانت مملؤة بالنكت والفوائد توحيدًا وفقهًا وأصولًا وفروعًا ونحوًا وصرفًا وغير ذلك من فنون العلم.

فمنها "مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام" وهو رده على المرتاب عثمان بن منصور لما أقذع في مسبة علم الأعلام ومشيد دعائم الإسلام ومردي عبادة الأوثان والأصنام، فقام هذا الملحد وألف مؤلفًا سماه جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة والمراد بالأمة عنده هم عبدة الأصنام، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، وانتصر فيه لعبادة الأصنام وذبّ عن أهلها وضلل أهل التوحيد وذمهم.

فلما جرى منه ذلك انتدب له هذا السميدع وأوهى شبهه وخزعبلاته وترهاته حتى عادت كنسيج العنكبوت وأصبح بنيانها في العرى ضعيف الثبوت وقطع كلما يتعلق به المبطل وأزال بالبراهين والدلائل كل مشكل، ونصب دبوس الحق على أم رأسه ليرتدع من هو من أجناسه ليعلم من في قلبه مرض أن في الحياض من يذود عنها وأن الحمى فيه من قعد بثغرة المرمى.

وكان رحمه الله قد بعث إليه رسالة قبل أن يتبين من أمره ما تبين، وقبل أن يتضح شأنه وتعين ما تعين، وقبل أن يظهر للناس حاله وتنتشر مصنفاته ويتلون بالخبث مقاله، لكنه قد يظهر من حاله ويلوح من صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يغمص به، وتنسب إليه هفوات وشيء من البدع والمعضلات، فبعث إليه رسالة يحذره فيها من ورود تلك المعاطب وارتكاب ما يبدو منه من المثالب مع أنه تقدم له مقامات في الدين كشرحه لكتاب التوحيد وانتمائه إلى صالح العبيد، فيا له من رجل لو استقام، وصارم لولا ما عراه من الأنثلام، فلما تبين أمره

ص: 248

وأضغانه وانهد من القواعد بنيانه وأبان للناس ما لديه، وكشف عورته بيديه، تصدى له الشيخ ودحض حجته.

ومن مؤلفات الشيخ رحمه الله رده على داود بن جرجيس، وكان داعية للكفر وعبادة الأوثان، فرد عليه بما شفى وكفى، ولما وقف الشيخ عبد القادر أفندي البغدادي الحنفي في رده على داود بن جرجيس أثنى عليه ثناءً جميلًا وقرظّ عليه بهذه الأبيات:

عبد اللطيف جزاه الله خالقنا

يوم الجزاء بأجرٍ غير ممنون

هو الهمام الذي شاعت فضائله

في الشرق والغرب من نجد إلى الصين

بحرٌ من العلم يبدي من معارفه

بديع رد غزير القدر مكنون

حمى طريق رسول الله عن شبه

منسوبةٍ لجهولٍ غير مأمون

وساوس وأقاويل ملفقةً

كأنها بعض أقوال المجانين

ظن ابن جرجيس من جهل ومن سفهٍ

لم يبق في الناس ذو علم وتمكين

فقال ما قال من زورٍ ومن كذبٍ

ومن خرف قد تبدي غير موزون

ولم يكن عنه يغني الظن فانعكست

ظنونه في مجالٍ غير مظنون

إذ رده ناكصًا يدعو النجأ على

أعقابه بخسر الدنيا مع الدين

أن ابن جرجيس برذون وذا أسدٌ

وهل تقاس أسود بالبراذين

دلائل تعتلي كالشهب أرسلها

عبد اللطيف رجومًا للشياطين

جزاه مولاه عنا كل صالحةٍ

من جنة الخلد في يوم الموازين

أما رسائله ونصائحه فقد جمعها الشيخ الموفق المعاصر سليمان بن سحمان وجعلها منسوقة واعتنى بضبطها والتعريف بها، وجعل لكل رسالة مقدمة فيما تحتوي عليه، ولم يفته منه إلا النادر، ويا ليته اعتنى بترتيب الرسائل وذكر وقت التاريخ لوضع المؤلف لها، وها هي منشورة في مجموع الرسائل والمسائل النجدية، فعلى من أحب مراجعتها فليراجعها فإن فيها مالا عين رأت ولا أذنٌ سمعت، بيد أنه يجمل ترتيبها ووضع تاريخ لكل رسالة أن تيسر ذلك، وساقها

ص: 249

الله إلى خبير بتلك البضاعة، فيا حسنها والإخلاص قد كساها، وعلم القبول يلوح بين أسطرها وجلاها، ويباهي شمس الضحى حسنها وسناها، وقد وضعها الشيخ المعاصر في نحو من عشرين كراسة سماها عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، فناهيك بها أمارات أعربت عن قدر منشئها ومنزلته، وأجوبة أفصحت عن براعته ودرجته.

فمنها رسالته إلى علماء الحرمين الشريفين زادهما الله تشريفًا وتعظيمًا إلى يوم الدين، وسبب ذلك لما ورد أمر السلطان العثماني بأن يعطل الأذان في الحرمين الشريفين، وأن تكشف النساء عن وجوههن للفجرة والفاسقين، فغار الشيخ لهذا النبأ الفادح وحملته الغيرة الدينية والحمية الإسلامية والأنفة العربية على مكاتبتهم في شأن هذا الأمر العظيم والحدثان الفظيع الذميم. ودفع مفاسد ما أراده أعداء الله رب العالمين، وما أحدثه أضداد الملة والدين، وما انتحلوه من تغيير شعائر الإسلام وهدم معالمه العظام، فصدر هذه الرسالة بالحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وجعلها بعد إهداء التحية لأنصار الملة الحنيفية والحماة للشريعة المحمدية ولم يعين إنسانًا بعينه وحثهم على نصرة الدين وأنهم إذا تخلوا عنه فكيف ينصر.

كفى حزنًا للدين أن حماته

إذا خذلوه قل لنا كيف ينصر

وتلطف في هذه الرسالة لعلماء الحرمين لعل الله أن يبطل ما أسس من هذه الضلالة، فانظر إلى ما أعطاه الله من الحكمة وحسن التخلص بأن جعلها لحماة الشريعة والمدافعين عن كيانها، وإن هذه الفادحة ملقاة على عاتقهم.

ومنها رسالة وضعها رحمه الله وتغمده بإحسانه وصب عليه من شأبيب بره وامتنانه، وهذه إلى سائر المسلمين أرسلها يحرضهم فيها على الجهاد في سبيل الله والتزام أصول الدين والاعتصام بحبل الله المتين، ويذّكرهم نعمة الله التي أمنن بها عليهم بدعوة شيخ الإسلام وقدوة العلماء الأعلام الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" أجزل الله له الأجر والثواب إذ كانوا قبله على جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وبدعة صماء لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.

ص: 250

ومنها رسالة إلى محمد بن عون من أهل عمان، وذلك أنه أورد عليه جهمي من ضلال الجهمية النفاة أسئلة شنيعة تدل على قلة بضاعة متعسفها، فبعث بها إلى الشيخ الإمام عبد اللطيف، فلما وردت عليه أجاب وأفاد وقرر وأجاد: إفادة لمحمد بن عون إذ كان من أهل التوحيد والإثبات، وممن جاهد الجهمية في تلك الجهات، وإلا فليس هذا الجهمي الكافر كفوء للجواب لأنه من العجم الطغام وأضلّ من سائمة الأنعام، وقدموه هذا الجهمي الكافر بهذه السفسطة والجعجعة وهرقع بهذه المخرقة والقعقعة، وظن أن ليس في حمى التوحيد من أهله ضيارم ولا لتلك الشبه المتهافتة من عالم مصارم كلا والله إن الليث مفترش على براثنه لحماية حمى التوحيد وقاطنه، فأجاب الشيخ وأبان وأوضح الحق حتى علا واستبان، فرحمة الله عليه من إمام جهبذ ألمعي ومقول بارع لوذعي أحكم وأبرم من الشريعة المطهرة أمراسها، وأوقد منها للورى نبراسها، وسقى عللًا بعد نهل غراسها، فأورقت وبسقت أشجارها وأينعت بحمد الله ثمارها، فجنى من ثمارها كل طالب مسترشد، وورد من معينها الصافي كل موحد.

ومنها رسالة له قدّس الله روحه ونور مرقده وضريحه في توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة، أبلغ فيها غاية البلاغة وأفصح في ترصينها وترصيعها بأوضح عبارة، فحقيق لمن نصح نفسه ولها عنده قدر وأحب سعادتها وسعى في نجاتها وتخليصها، وأراد إفادتها أن يتحقق بما اشتملت عليه من العلوم النافعة واللطائف، ويسيم ثاقب فكره في مروج معانيها وما احتوت عليه من الحقائق والمعارف لأن ما اشتملت عليه هو أهم الأشياء وأجلّ العلوم، وعليه المدار وعنه السؤال يوم القيامة.

وأمر هذا شأنه حقيق بأن تثنى عليه الخناصر ويعضّ عليه بالنواجذ، ويقبض فيه على الجمر، فحقيق بالمؤمن أن يتدبرها فإن فيها مالا يوجد في المطولات بأتم عبارة، وأوضح بيان لأهل العقول المستنيرات.

ومنها رسالته إلى زيد بن محمد آل سليمان وهو من أعيان المسلمين وعلمائهم

ص: 251

يعاتبه فيها بعض المعاتبة، وهذه الرسالة بديعة أودعها من الفصاحة والبلاغة ما يعجز عنه فحول الرجال وتتضاءل عندها أفهام أولي النهي من الأمثال.

ولقد أثنى الشيخ سليمان على المترجم وأثنى على آبائه وأجداده الذين قاموا في نصر هذا الدين وأشادوا معالمه وأبادوا الشرك وأهله ومظالمه، وذلك لما أراد إدراجها مع رسائله فباح بالأبيات الآتية، وكان الشيخ عبد اللطيف في بعثه لهذه الرسالة إلى زيد قد وجد منه عند تلك الحوادث والكوارث فتورًا، ورأى منه في حق من تجانف أو تساهل في ذلك تقصيرًا أو قصورًا، وقد وضح الحق في ذلك واستبان، وكان من ذوي المعرفة والإتقان وخاصةً خلاصة الإخوان، فعاتبه الشيخ بهذه المعاتبة الرصينة المباني وأفصح له بهذه الرسالة البليغة المعالني، قال الشيخ سليمان في مقدمة هذه الرسالة يمتدح المترجم: -

معاني مبانيها الطوامح في العلا

لآليء أصداف البحور الزواخر

ويحتار في مهما مطاوح ما انطوت

عليه من الترصين قس المحاضر

وأبدى بديعًا من عويص غويصه

لئام المعاني المحكمات لسابر

لقد جد في نصر الشريعة والهدى

وسد ينابيع الغواة الأخاسر

وإعلاء دين الله جل ثناؤه

وتأسيس أصل الدين سامي الشعائر

وإحياؤه بعد الدروس ونشره

وقمع لمن ناواه من كل غادر

وإبعاد أعداء الهدى وجهادهم

وتحذيره عنهم بكل الزواجر

وقد رد بل قد سد كل ذريعةٍ

تؤول إلى رفض الهدى من مقامر

ففي أثر آباء كرام أئمةٍ

أولى العلم والحلم الهداة الأكابر

ببذلهمو للجد والجهد في الدعا

إلى الله من قد ند من كل نافر

همو أظهروا الإسلام من بعدما عفى

من الأرض فاستعلى به كل ناصر

فكم فتحوا بالعلم والدين والهدى

قلوبًا لعمري مقفلات البصائر

وكم شيدوا ركنًا من الدين قد وهى

وأقوى ففازوا بالهنا والبشائر

وكم هدموا بنيان شركٍ قد اعتلى

وشادوا من الإسلام كل الشعائر

ص: 252

وكم كشفوا من شبهةٍ وتصدروا

لحل عويص المشكلات الكوادر

وكم سنن أحيوا وكم بدع نفوا

وكم أرشدوا نحو الهدى كل حائر

لقد أطدوا الإسلام بالعلم والهدى

وبالسمر والبيض المواضي البواتر

تغمدهم رب العباد بفضله

ورحمته والله أقدر قادر

وكان بين الشيخ عبد اللطيف وبين الشيخ أحمد بن علي بن مشرف صحبة أكيدة فكتب إليه الشيخ المترجم رسالة يعتب عليه فيها وينادمه وضمنها هذا البيت المنسوب لضمرة بن ضمرة التميمي وهو قوله في قصيدة:

وإذا تكون كريهة ادعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

وبعضهم ينسب هذا البيت لعمرو بن الغوث بن طيء فبعث إليه الشيخ أحمد يقول: بعد التحية، وبعد فقد وصلنا كتابك وهيجنا بديع خطابك واستشهادك بالبيت القديم الذي هو لبعض بني تميم إلى نظم أبيات على تلك القافية، وهي في الاعتذار كافية ثم نسج الشيخ أحمد كعادته في القريض أبياتًا على هذا البيت من بحر الكامل مدحًا للشيخ المترجم ومنادمةً فقال:

الود أصدق والتوهم أكذب

فعلام تلحقنا الملام وتعتب

أتظن أنا قد جفوناكم فلا

أدري أظنك أم عتابك أعجب

الدين يأبى والمروءة والإخا

ما قد ظننت فبرق ظنك خلب

أتظن في أهل الحفيظة والنهى

هجر الصديق بغير ذنبٍ يوجب

أو كفرهم بعض الأيادي بعدما

وجب الجزاء لها بما تستوجب

أو ينكرون أخوة قد أكدت

بقرابة ومناقب لا تحسب

أو لم تكن في الحلم طودًا راسيًا

والعلم بحرًا طاميًا لا ينضب

وأبوك حبر فاضل من علمه

ترجى الهداية والمقال الأصوب

إن خاض في علم الحديث فمسلمٌ

أو علم فقه قلت هذا أشهب

ولمن مضى منكم فضائل جمة

كدنا بها فوق المنابر نخطب

أتقول إذ قد لمتني متمثلًا

بقديم الشعر قاله من يعتب

ص: 253

وإذا أتتك كريهةٌ ادعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

فلكاهما تدعى إليه بحول من

وهب الجزيل ووعده لا يكذب

فاصفح ولاحظنا بعين الرضا

وأقبل إذا اعتذر المحب المذنب

وانظر إلى درر القريض نظمتها

يزهى بها العقد النفيس المذهب

وفي جيد غانيةٍ حكت شمس الضحى

فإذا تجلت كل نجمٍ يغرب

تهدي إليك تحيةً من مولعٍ

من نشرها فاح العبير الأطيب

وبها تأرجت الرياض وأزهرت

فيها الرياض فطيرها يتناوب

ثم الصلاة على النبي محمدٍ

ما لذ في الأسماع صوت مطرب

وعليه تسليم الإله وروحه

ما جاد في الإثنا عليه المطنب

وآل والأصحاب ما مزن بكى

فاهتز يضحك بالنبات المجدب

واعلم أن رتبة هذا العالم رفيعة ومنزلته شريفة، قد تبحر في العلم حتى كأن العلوم نصب عينيه وأثنى عليه العلماء والرؤوساء.

ولما مات بكى لمصابه الشيخ حمد بن عتيق وأشتد نحيبه وظهر عليه الحزن فقيل له يرحمك الله، لقد مات الشيخ أبي بطين فلم نر منك هذا التأثر ومات الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فما وجدت عليه وجدك بالشيخ عبد اللطيف فقال بوفاة الشيخ أبي بطين ووفاة الشيخ عبد الرحمن نسلوا بهذا الخلف، فلما مات هذا الشيخ من أين لنا منه خلف.

وقد قال الشيخ العارف سليمان بن سحمان يمتدحه ويثني وذلك لما أراد جمع رسائله وأعجبته واستحسنها ذكر مقدمة لها وباح بهذه القصيدة التي خرجت من لواعج الإحشاء:

فيا من هو العالي على كل خلقه

وسوى السموات العلى وبناها

وكان لها سبحانه جلّ ممسكًا

بغير عماد في الوجود نراها

وزين أدناها بشهب ثواقب

مصابيح في ديجورها ودجاها

ص: 254

وأطد بالأطواد أرضًا بسيطة

وأحكمها سبحانه ودحاها

بأسمائك الحسنى وأوصافك العلى

أذقه من الفردوس طيب جناها

وأول الرضا هذا الإمام الذي له

مآثر يزهو في الأنام سناها

وبوأه في الفردوس والخلد منزلًا

وألبسه من أثوابها وحلاها

فقد قام في نصر الشريعة جاهدًا

ولم يأل جهدًا في ارتفاع ذراها

ويرد على من ندَّ من كل ملحد

على السنة الغراء ورام حفاها

وقد شيدت أركان سنة أحمد

رسائله اللاتي أضاء ضياها

فأشرف منها الحق للخلق ناصعًا

وأعشى عيون الملحدين سناها

وأجوبةٌ تسمو وتسمق بالهدى

لأسئلةٍ قد أشكلت فجلاها

يضوع لأهل الحق منها نواشر

يفوق عبير المسك طيب شذاها

إذا أرسل النحرير ثاقب فكره

بفيح معانيها وشأو ذراها

أقر له بالفضل والعلم والحجى

وإن قد تسامى للعلى فعلاها

وقال الشيخ سليمان بن سحمان يرثاه لما توفى في هذه السنة وانتقل إلى جوار الغفور التواب وفارق الأحباب والأصحاب بلَّ الله ثراه بوابل الغفران وأسكنه شامخ الغرف في أعالي الجنان.

وهذه المرثية قوية المباني، بديعة المعاني، أنشأها لما فجعت الخلائق برزئه وبكته محابر العلماء وطروس الكتاب وعمت مصيبته الآفاق، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها:

تذكرت والذكرى تهيج البواكيا

وتظهر مكنونًا من الحزن ثاويًا

معاهد كانت بالهدى مستنيرةً

وبالعلم يزهو ربع تلك الروابيا

وآراضها بالعلم والدين قد زهت

وأطواد شرع الله فيها رواسيا

وقد أينعت منها الثمار فمن يرد

جناها ينلها والقطوف دوانيا

وأنهارها للواردين شريعةً

مناهلها كالشهد فعم صوافيا

وقد غردت أطيارها برياضها

يرجعن ألحان الغواني تهانيا

ص: 255

وكنا على هذا زمانا بغبطةٍ

وأنوار هذا الدين تعلو سواميا

فما كان إلا برهةً ثم أطبقت

علينا بأنواع الهموم الروازيا

فكنا أحاديث كأخبار من مضى

وننبيء عنها في القرون الخواليا

لعمري لأن كانت أصيبت قلوبنا

وأوجعها فقدان تلك المعاليا

لقد زادت البلوى اضطرامًا وحرقةً

فحق لنا إهراق دمع المآقيا

فقد أظلمت أرجاء نجد وأطفأت

مصابيح داجيها لخطبٍ وداهيا

لموت إمام الدين والعلم والتقى

مذيق العدى كاسات سم الأقاليا

فعبد اللطيف الحبر أوحد عصره

إمام هدى قد كان لله داعيا

لقد كان فخرًا للأنام وحجةً

وثقلًا على الأعداء عضبًا يمانيا

إمامًا سمى مجدًا إلى المجد وارتقى

وحل رواق المجد إذ كان عاليا

تصدى لرد المنكرات وهدمها

بنته عداة الدين من كل طاغيا

فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها

ويحمي حماها من شرور الأعاديا

حباه إله العرش في العلم والنهى

بما فاق أبناء الزمان تساميا

وقد جد في ذات الإله بجهده

ولم يأل في رأب الثنى والمناهيا

ولما نمى الركبان أخبار موته

وأصبح ناعي الدين فينا مناديا

رثيناه جبرًا للقلوب لما بها

وحل بها من موجعات التأسيا

لشمس الهدى بدر الدجى علم الهدى

وغيض العدا فاليبك من كان باكيا

لأن ظهرت منا عليه كآبةً

وحل بنا خطب من الرزء شاجيا

فقد كسفت للدين شمس منيرةٌ

يضيء سناها للورى متساميًا

سقى الله رمسًا حله وابل الرضا

وهطال سحب العفو من كل غاديا

ولا زال إحسان الإله وبره

على قبره ذي ديمة ثم هاميا

وأسكنه الفردوس فضلًا ورحمةً

وألحقه بالصالحين المهاديا

عليه تحيات السلام وإن نأى

وأضحى دفينًا في المقابر ثاويا

يفوق عبير المسك عرف عبيرها

ويبهر ضوء الشمس أزكى سلاميا

ص: 256

فيا معشر الإخوان صبرًا فإنما

مضى لسبيل كلنا فيه ماضيا

فإن أفل البدر الفريد وأصبحت

ربوع ذوي الإسلام منه خواليا

فقد شاد أعلام الشريعة واقتفى

بآثار آباءٍ كرام المساعيا

همو جددوا الإسلام بعد اندراسه

وأحيوا من الأعلام ما كان عافيا

وكم لهمو من منحةٍ وفضيلةٍ

يقصر عن تعدادهن نظاميا

مناقبهم لا يحصها النظم عدةً

وليس يواريها غطاء المعاديا

فيا رب جد بالفضل منك تكرمًا

وبالعفو عنهم يا مجيب المناديا

وأبق بينهم سادةً يقتدى بهم

إلى الخير يا من ليس عنا بلاهيا

ونسألك اللهم ستر عيوبنا

ومحو الذنوب المثقلات الشواحيا

فعفوك مأمول لكل مؤمل

وسترك مسدول على الخلق صافيا

وأحسن ما يحلو القريض بختمه

صلاةً وتسليمًا على خير هاديا

وأصحابه والآل ما ماضٍ بارقٍ

وما أنهل صوب المدجنات الغواديا

خلف الشيخ عبد اللطيف أنجالًا فضلاء وهم: عبد الله وإبراهيم ومحمد وعبد الرحمن وعمر وصالح وعبد العزيز وأحمد وسيمر في هذا التاريخ ذكرهم إن شاء الله تعالى.

وفيها تولى الخلافة السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد خان العثماني، ويعد في خلفاء الدولة العثمانية كأحسن خلفائها لأنه لجأ إلى سياسة جمع المسلمين تحت لواء الخلافة، ومحاسنه معاملة العرب وخصص المبالغ الطائلة لإنشاء التعميرات وبناء دور الحكومة التي لا تزال موجودة حتى الآن، وله همةٌ ونشاط في تقدم الدولة، وامتدت سلطته قدرًا من ثلث قرن، وبعدها بات الفشل في الدولة العثمانية.

وفيها جرت وقعة بين أهل شقراء وبين الشيابين من عتيبة وقتل في هذه الوقعة رجل من الشيابين، وقتل من أهل شقراء صالح بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وهذه القبيلة من عتيبة يسكنون أراضي الحجاز ولهم نهمة في الاختلاس ممن مر بهم من الحجاج وغيرهم قبل عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود.

ص: 257