الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آل سعود، فإذا حصل له ذلك فإن آل مهنا ليسوا بذوي أهمية، وما كان محمد بن عبد الله ليناصرهم لحظ أنفسهم إنما ذلك منه لأمر يريده، وكان ميل الإمام عبد الله بن فيصل إلى نصرة آل أبي عليان أضرم حقدًا عظيمًا في قلوب آل مهنا على عبد الله بن فيصل وإخوانه، وصار هذا الحقد كامنًا في نفوسهم كالنار في الزناد.
وفيها توفي والي الحجاز محمد رشدي باشا ومن مناقبه أنه كان له مكتبة أوقفها وجعل فيها كتبًا وموضعها عن يمين الخارج من باب أم هانيء من أبواب المسجد الحرام رحمة الله على أموات المسلمين.
ثم دخلت سنة 1293 ه
ـ
في هذه السنة قدم على الإمام عبد الله بن فيصل آل أبي عليان رؤساء بلد بريدة في الماضي، وهؤلاء عبد الله بن عبد المحسن آل محمد ومحمد بن عبد الله بن عرفج وحمد بن غانم، وإبراهيم بن عبد المحسن بن مدلج آل عليان، وكان قدومهم من عنيزة، لأن مهنا قد أجلوهم عن بريدة؛ وكان معهم كتاب من زامل بن عبد الله آل سليم أمير عنيزة يطلب من الإمام القدوم عليه في عنيزة ويعده القيام معه ومساعدته على استيلائه على بريدة وطلب عبد الله بن عبد المحسن آل محمد المذكور ومن معه من عشيرته القيام معهم والمساعدة في أخذ بريدة من أيدي آل أبي الخيل، وذكروا للإمام أن لهم عشيرة في البلد وأنهم إذا وصلوا إلى البلد ثاروا فيها وقاموا معهم وفتحوا الباب.
فسار معهم الإمام عبد الله الفيصل بجنوده من المسلمين بادية وحاضرة وقدم بلد عنيزة، ولما أن قدمها كان حسن بن مهنا لما بلغه مسيرهم قد كتب إلى محمد بن رشيد أمير الجبل يستحثه في المناصرة فخرج بن رشيد من حائل بجنوده واستنفر من حوله من بادية حرب وشمر وهيثم وبني عبد الله نزح بهم متوجهًا إلى بلد بريدة، فنزل عليها بمن معه من الجنود وكان ابن رشيد قد أرسل إلى أهل عنيزة يلتمس منهم أن لا يساعدوا عبد الله بن فيصل فلم يرجع منهم الرسول بجواب ثم إنه حصل الاتفاق على أن ابن رشيد يرجع إلى الجبل وأن الإمام عبد الله بن فيصل يرجع إلى الرياض وتبقى الأمور على ما هي عليه، وهذا يعتبر أول مسير حصل
بين ابن سعود وابن رشيد، فأما عبد الله بن فيصل فإنه يرجع إلى الرياض، وأما ابن رشيد فإنه أقام على بريدة مدة أيام ثم رجع إلى الجبل.
وفيها توفي الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمة الله عليه، وسبب علته لما سطى محمد بن سعود على فهد بن صنيتان تلك السطوة بمسجد الجامع وهو قريبه من ذوي رحمه فلم يرع حق القرابة ولا حق المسجد. وتلك القتلة أثرت صدعًا في قلب الشيخ حتى توفي رحمه الله.
وهذه ترجمة الشيخ الإمام النبيل، والعالم العلامة الجليل، الألمعي الماهر الهمام، والحبر السميدع المقدام، البحر الزاخر، والعلم الظاهر، ذو الأخلاق الزكية، والمناقب الجلية، شيخ الإسلام، وقدوة العلماء الأعلام، عبد اللطيف بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، أسكنه الله فسيح جنته وصب عليه في لحده شابيب رحمته، فلله دره من إمام تحلى بذكره المجالس ويحذى بمناقبه على ممر الهواجس، كساه الله ثوبًا من البهاء والإجلال ما كان يملأ ذكر المسامع ويقنع الباحث والمراجع:
فيا حي يا قيوم يا من له الثنا
…
ويا من على العرش استوى فهو بائن
أنله الرضا والعفو فضلًا ورحمةً
…
فإن الفتى يجزي بما هو دائن
وقد بذل المجهود في نصرة الهدى
…
وإعلائه حتى علالًا يداهن
وأبدى كنوزًا في العبادة للورى
…
لكي يستبين الرشد من هو مائن
أماط القذى عنها وصفى معينها
…
لوا ردها للصادي وما هو شائن
قرد منهلًا عذبًا زلالًا فإنه
…
يزيل الصدى والحق كالشمس بائن
كان عبد اللطيف معظمًا محترمًا تهابه الملوك وسائر الرعية، ولما حمل إلى مصر مع من نقل إليها على أثر نكبة نجد، أخذ عن علماء من أهل مصر فمنهم الشيخ العلامة مفتي الجزائر محمد بن محمود الجزائري الحنفي، وأخذ أيضًا عن الشيخ إبراهيم البيجوري شيخ الجامع الأزهر، وأخذ عن الشيخ مصطفى الأزهري، والشيخ أحمد الصعيدي وغيرهم.
ونقل عنه أن بعض الأزهريين قال له: مسيلمة الكذاب من خبر نجدكم، فقال مجيبًا له وفرعون اللعين رئيس مصركم، فبهت القائل له وسكت، وصدق الشيخ رحمه الله فإن كان مسيلمة قد ادعى النبوة فإن فرعون قد ادعى الربوبية وأين كفر مسيلمة من كفر فرعون لو كانوا يعلمون، مع أن سيئات مسيلمة وفرعون تحمل على ظهورهما.
وأخذ العلم عن الشيخ والده عبد الرحمن بن حسن، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وأخذ أيضًا عن الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الحنبلي، وأخذ عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله.
أما ولادته فكانت في سنة 1225 هـ في الدرعية، فلزم طلب العلم وجد واجتهد حتى كان آية من آيات الله، باهرةً في الحفظ والذكاء وكثرة المطالعة وحتى أصبح عالمًا بارعًا محققًا فاضلًا ملازمًا للتدريس مرغبًا في العلم معينًا عليه، وما زال يتقدم حتى كان سباقًا في العلوم لا يبارى، وجوادًا في نيل الفضائل لا يجارى، وكان قد تفود بوالده في مصر وتخرج عليه حتى أنار الله قلبه بنور العلم والإيمان ومنحه طرائف التوفيق والعرفان فأنعم به من ماهرٍ متكلم وحافظ تتقاصر عنه سورة كل متقدم ولا غرو ولا بدع، فقد كان أصله طيبًا وسلسلته زاكية، فرحمة الله عليه من إمام بلتع وفاضل فصيح مصقع حاز قصب السبق في الفروع والأصول وحوى منها ما سمق وسبق به الأئمة الفحول، فلقد تبحر في جميع فنون العلم وبلغ شأو العلى في رصانة المنثور والمنظوم؛ وهذه رسائله المفيدة وأجوبته القاطعة السديدة قد اشتملت على أصول أصيلة ومباحث قيمة جليلة تدل على فضله وتطلعك على ما هنالك، وثواقب علومه يهتدي بها السائر عن سلوك المعاطب والمهالك.
ثم إنه لما قدم من مصر إلى نجد في سنة 1264 هـ، قدم معه بكتب كثيرة فانتفع الناس بعلمه وجلس لديه حلق للتدريس كبرى، واستعمله الإمام فيصل قاضيًا في الأحساء ثم كان قاضيًا مع أبيه في الرياض، وكان الإمام فيصل يختصه ويسافر به معه، كما خرج به في خروجه لغزو أهل القصيم، فكان الشيخ في معيته إمامًا
وقاضيًا له، وإذا جلس الإمام فيصل في الصيوان وجلس المسلمون حوله قد حفوا به كان الشيخ إلى جهته، فيأمر القارئ بالقراءة بين يديه، وكان على شيء عجيب من البصيرة في الدين وسعة الحلم وكمال الأدب، كما كتب إليه الشيخ حمد بن عتيق في بعض الأيام بكتاب أغلظ فيه القول كعادته يحضه فيه على الصدع بالحق وأساء الأدب معه في الكلام ولم يرع حق من تزدحم على نيل فوائده الآنام، وتثبت فوائده الأقلام، ويحتاج إلى تفريغ منطوقه أولو الإفهام ويقرّ بفضله الخاص والعام، والباعث للشيخ حمد شدة الغيرة كعادته في المراسلات، ولم يمعن النظر فيمن يخاطبه، فبعث إليه الشيخ برسالة أفصحت عما لديه من الميراث النبوي، وبين له فيها الخلق العظيم وسجية المصطفى الكريم، وقال في معرض الجواب:
وبعد فإني أحمد إليك الله سبحانه على نعمه، والخط وصل وصلك الله بما يقربك إليه، وما أشرت إليه صار معلومًا لا سيما الإشارة الخفية والنكت الأدبية التي منها تشبيه أخيك بالطير المبرقع وإيراد المواعظ وأنت بمكان أعلى وأرفع وكنت حال وصوله قد قرأته بمرئى من أهل الأدب ومسمع، فمن قائل عند سماعه هذا الرجل طبعه الغلظة والجمود، وآخر يقول كانه لا يحسن الدعوة إلى ربنا المعبود، فقلت كلا إنه ابن جلا؛ وله سبق في مضمار الديانة العلى، لكن من عادته أن يتجاسر على أحبابه؛ ويزدري رئب أخدانه وأترابه، والمحب له الدلال، والمرء يشرق بالزلال، ثم بين له بعد ذلك طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن الشدة والغلظة إنما تستعمل بعد اللين، ثم أفاده بألطف عبارة وأوجز إشارة.
ثم قال في آخر الرسالة: هذا وقد كنت أظن أنكم تحبون من هاجر إليكم وتراعون حق أسلافه في المشيخة عليكم ومكان العلم وتعليمه.
ولقد جرى في وقته فتن ومحن وشقاق في شأن الإمامة بين أميرين من آل سعود لكل منهما أنصار، وكلاهما يرى أنه أحق بالإمامة من الآخر، وتطلع في هذه الفتن ما كان قد قبع من أتباع الشيطان، ورفع رأسه فيها كل مارد فتان، وفرح بها أهل النفاق والطغيان، فقام رحمه الله بأعباء الدفاع عن بيضة الإسلام وبث رسائله