الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أخيه ولم تتفق الحال، فصارت الهمة فيما يدفع الفتنة ويجمع الكلمة ويلم الشعث ويستدرك البقية، فرأى الشيخ بثاقب رأيه ونبل معرفته النزول إلى هذا المتغلب والتوثق منه ودفع صولته، وخرج رؤساء البلد والمعروفون من رجال الرياض بأمر الشيخ فبايعوا سعودًا بعدما أعطاهم على دمائهم وأموالهم محسنهم ومسيئهم عهد الله وميثاقه وأمانه عهدًا مغلظًا، وقد بذل الشيخ جهده ودافع ما استطاع حتى حصل أهل الرياض على ذلك.
ثم كتب الشيخ إلى العالم العلامة حمد بن عتيق في بلاد الأفلاج يأمره بلزوم الجماعة وعدم التفرق والاختلاف فوقَ الله شر تلك الفتنة ولطف بالمسلمين، فلما أتى الفادح الجليل والخطب العظيم الذميم الذي طمس أعلام الإسلام ورفع الشرك بالله وعبادة الأصنام في تلك البلاد التي كانت بالإسلام ظاهرة، ولأعداء الملة قاهرة، وذلك بوصول عساكر الأتراك واستيلائهم على الأحساء والقطيف، يتقدمهم طاغيتهم داود بن جرجيس لا حيَّاه الله ولا بيَّاه، فأهون به من ما ذق ما أقبحه، ومن جهول ما أمقته، ومن خبيث ما أفسده، قدم بهم داود بن جرجيس داعيًا إلى الشرك بالله وعبادة إبليس منتهزًا فرصة هذا الخسيس، فانقادت لهم تلك البلاد وأنزلوا العساكر بالحصون والقلاع، ودخلوها بغير قتال، وتوفرت منهم أقبح الفعال، فطاف بهم إخوانهم من المنافقين، وظهر الشرك بالله رب العالمين، وشاعت مسبة أهل التوحيد والدين، ويرقص في هذه الفتنة الشيطان، ولم ينطح لذاك شاتان، فلا حول ولا قوة إلا بالله الملك الديَّان.
ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى
من قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية قد ذكرنا في السنة التي قبلها قدوم عساكر الدولة العثمانية إلى الأحساء والقطيف وأنهم جاءوا بزعمهم لنصرة الإمام عبد الله بن فيصل، فاستولوا بهذه الدعوى على الأحساء والقطيف، وعزموا على قبض الإمام عبد الله وإرساله إلى بغداد.
ولما هرب عبد الله ووصل إلى الرياض واستقبله أهلها، واتفق به الشيخ عبد اللطيف وذاكره النصيحة وعظه بآيات الله وحقه وإيثار مرضاته والتباعد من أعداء الله وأعداء رسوله ودينه، أظهر الإمام التوبة والندم، واضمحل أمر سعود فصار مع شرذمة من البادية حوالي آل مرة والعجمان، وصارت الغلبة للإمام عبد الله.
ثم إن الله تعالى ابتلى المسلمين مرةً ثانية بسعود بن فيصل، فها هو ذا أقبل واستولى على الخرج غير أن مصيبة العثمانين أنست ذلك كله، فتذكر هنا القصيدة التي أنشأها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه فيما يتعلق بذلك، وهي جواب لقصيدة وردت عليه فأنشأ هذه القصيدة ذاكرًا فيها العهد الذي سبق قبل ذلك من ظهور الإسلام بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، فانتشرت بدعوته الملة الإسلامية والطريقة المحمدية، واستقام الإسلام وانتشرت أعلام الجهاد، وانمحت آثار الضلال والفساد.
ثم ذكر ما وقع من مفاسد العساكر، وكانت هذه القصيدة من غرر القصائد وبدائع الفوائد، وأشد ما يكون على الأعداء وثباتها، فتعين لذلك إيرادها وإثباتها، وكان إذ ذاك في شدة مقاسات أهوال تلك الفتن، ومعاناة أثقال تلك الحوادث والمحن، وقلة من المساعد، وكثرة من المكايد والمعاند، تغدو عليه الأرجيف وتروح، وتظهر أنياب النفاق إذ ذاك وتلوح، وثم من يقود المشركين ويؤزهم على عباد الله الموحدين.
وقد ابتلى الناس مع ذلك بجور الأئمة والولاة واستباح الأموال والدماء أشرار طغات من الحضر والبوادي العتات، وأصبح أهل الحق ما بين معاقب مكبل في الحديد، وما بين شريد في القبائل طريد، فاشتد البلاء وأعضل اليأس، وكثر الجهل وعظم الإلتباس، وقلت الديانة في كثير من الناس، وسار والي البلاد التي هجمت عليها العساكر، وظهرت بها أنواع الفسوق والمناكر، وصار لأهل الرفض والشرك بها الصولة، وكان لهم في تلك الجهات الغلبة والدولة، وضيعت بها أحكام الشريعة المطهرة، وظهرت بها أحكام الكفرة الفجرة، فبذل الشيخ الجد والاجتهاد بإرسال الرسائل والنصائح والتحذير من أسباب الندم والفضائح، كما يعرف ذلك من أمعن
النظر في رسائله من التغليظ والنهي عن السفر إلى بلدان الشرك وقبائله، وأبان الخفايا بواضح الحق ودلائله، وهذا نص الأبيات التي وردت عليه:
رسائل شوق دائم متوتر
…
إلى فرع شمس الدين بدر المنابر
سلالة محمد من كرام عشائر
…
يعيد بديعًا من كنوز المحابر
ويبدي لك التوحيد شمسًا منيرةً
…
ولكن أهل الزيغ عمى البصائر
سقى عهدكم عهد الشريعة والتقى
…
وتعظيم دين الله أزكى العشائر
مدارس وحي شرفت بأكابر
…
على ملة بيضاء تبدو لسابر
فيا راكبًا بلغ سلامي وتحفةً
…
تعزية فيما قد مضى في العشائر
وأعظم من ذا يا خليلي كتائب
…
تهدم من ربع الهدى كل عامر
ويبدو بها التعطيل والكفر والخنا
…
ويعلو من التأذين صوت المزامر
فقد سامنا الأعداء في كل خطة
…
واحتل من الإسلام سوم المقامر
أناخ لدينا للضلالة شيعةٌ
…
أبا حوا حمى التوحيد من كل فاجر
وقابلهم بالسهل والرحب عصبةً
…
على أمة التوحيد أخبث سائر
يقولون لكنا رضينا تقيةً
…
تعود على أموالنا والذخائر
فضحك ولهو واهتزاز وفرحة
…
وألوان مأكول ونشوة ساكر
مجالس كفر لا يعاد مريضها
…
يراح إليها في المسا والبواكر
ويرمون أهل الحق بالزيغ ويحهم
…
أما رهبوا سيفًا لسطوة قاهر
وأما رباع العلم فهي دوارس
…
نحن إلى أربابها والمذاكر
مصاب يكاد المستجن بطيبةٍ
…
ينادي بأعلي الصوت هل من مثابر
فجد لي برد منك تبرد لوعتي
…
ويحدى به في كل ركب وسامر
وتنصر خلافي هواك مباعدًا
…
ولولاك لم تبعث به أم عامر
فأكثر وأقلل مالها الدهر صاحب
…
سواك فقابل بالمنى والبشائر
فأجابه الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن قدس الله روحه بما يثلج الصدور ويبعث الانشراح والسرور وهذا نص الجواب: -