الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها مدينة هافا، التي أخذتها إنجلترا منهم ثم ردتها إليهم بعد احتلال عشرة أشهر، وكانت قد أطلقة حرية التجارة بها قبل هذه السنة باثنتين وثمانين سنة وبلغت من الثروة ما لم تبلغه جزيرة من جزيرة أنقيلة وقد شبت بها جملة ثورات تمكنت إسبانيا من إخمادها إلا ثورة قبل هذه السنة بثلاث سنين، فإنها قصرت قوتها عن إطفائها حتى انتدبت أمريكا لحربها إنقاذًا للجزيرة من جور الإسبان وظلمهم واستبدادهم، وقد تحقق مرادها وفازت على إسبانيا بنصر مبين، ونالت الجزيرة استقلالها التام ولم يبق لإسبانيا شيء بأمريكا أصلًا، وانطوى ذكرها من أرضها بعد أن كانت تملك أمريكا الجنوبية كلها ونصف أمريكا الشمالية فأكثر، وتنازلت إسبانيا عن كل حق وسيادة لها في جزيرة كوبا وبورتوريكو وأضيفتا إلى الولايات المتحدة وأبرمت الاتفاقية في هذه السنة.
ثم دخلت سنة 1317 ه
ـ
في هذه السنة أكثر ابن رشيد من شن الغارات على ابن صباح وعلى الكويت، وقامت الدولة العثمانية تسعى ضده، فقد بعثت طوابيرها وقواتها نحوه فيا عجبًا لك يا مبارك بن صباح، هذا ابن رشيد يهاجم كالذئب الغشوم والدولة العثمانية قد جهزت قواتها عليك، ويوسف بن عبد الله يؤلب القبائل ويشحذ عزمها بالأصفر الرنان.
وقد كان المال محبوبًا فلما رأى ما أصبح به من الأخطار وما أحاط به من البلى، وأن يديه قد انطلقتا جاء أبو عجيمي سعدون فخرج معه بعشائره آل المنتفق ضد ابن رشيد، وأيضًا جعل حليفه الأكبر عبد الرحمن بن فيصل وعبد الرحمن وإن كان يومئذ، قليل ذات اليد وخلوًا من القوى المادية إلا أن لديه قوة أدبية كبرى، وهي عطف أهل نجد عليه لأنه صاحب نجد السابق، وكان أيضًا عنده في الكويت، فتعاهد هو عبد الرحمن على أن يكونا يدًا واحدة على ابن رشيد، وحصل لابن صباح مقصودة منه، فإن ابن رشيد لما اصطدم به هناك أظهرت هذه الصدمة له
عدوًا جديدًا لأهل بيته، وهذا العدو وهو عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي قام يشمر عن ساق الحرب ويريد هذا المغتصب لديار أبائه وأجداده، ولما أن تعاقد مبارك وعبد الرحمن على هذا الأمر، دعا به مبارك وأدخله خزائن مملوءة بالبنادق والبارود والسلاح والنقود والفلوس، وبعد ما أطلعه عليها قال: اعلم يا عبد الرحمن بأني أقسم بعزة الله وقدرته لأحاربن ابن رشيد ما بقي من هذه فلس، فاشتد عضد عبد الرحمن، وخرج بجيش من الكويت فأغار على عشائر قحطان في روضة سدير ومع أن الدولة تجهز على ابن صباح والأخطار محيطة به فإنه لم يفقد من عزمه شيئًا ولا تسأل عما فيه من الدهاء وحق له أن يسمى الحواقة فإنه قدر رمي بشبكتين في بحر السياسة دفعا للحرب واستعداد لها.
ثم إنه بعث إلى ابن رشيد نبأ يفاوضه في السلم والصلح فأبى الصلح وتجبر وعتى هذا وأبو عجيمي يطارده بعشائره، وكان ابن رشيد قد وصل أطراف العراق وهزم أبا عجيمي فبعث أبو عجمي إلى مبارك يستنجده ويطلب المدد، فعند ذلك جهز مبارك جيوشًا وخرج يقودها بنفسه، وقعد أخوه حمود، ثم إنه نزل الجهرى.
ولما أن رجع عبد الرحمن بن فيصل من غزوته، أرسل إليه مبارك أن لا يقدم الكويت ولا يشاهد عائلته، وكان له بذلك مأرب من السياسة، فقدم عليه عبد الرحمن بن فيصل وكان معه مبادرًا إلى نجدة أبي عجيمي، وزحف بجنوده إلى السماوة متتبعًا ساقة ابن رشيد التي هزم أبا عجمي، وبلغ في إغارته أطراف العراق، وكانت الحملة التي جهزتها الدولة لحرب ابن صباح قد تأنت في المسير وأبطأت وذلك لكمال حظ مبارك بن صباح، فلبثت ستة أشهر بين بغداد والزبير كل هذا لعل الأمر ينقضي قبل وصولها، وأيضًا فإن الدولة تستجلب في عدم السرعة زيادة الأطماع التي بذلت لها من غير حسبان، ولما بلغ مبارك في زحفه ما بين الزبير والخميسية مانعت حكومة البصرة من سيره، فاستغرب ذلك مبارك وطلب مقابلة الوالي فوافاه إلى قرب الزبير، وبعد المفاوضة أذن لأخيه حمود وعبد الرحمن بن
فيصل أن يطاردا ابن رشيد فتتبعاه، ولما بلغ جيشهما عين صيد رجل عبد العزيز بن رشيد من السماوة ثم عاد حمود وعبد الرحمن من مطاردة ابن رشيد.
فعند ذلك شرع مبارك بن صباح يعد القوة للغزوة الكبرى غزوة نجد، فاستفز القبائل واستثارها يريد مقابلة ابن رشيد، فلبته مطير بأجمعها ولباه العجمان وآل مرة وغيرهم من بوادي الجنوب، ثم جاء أبو عجيمي السعدون بعشائره من الشمال مع من كانوا كاتبوه من زعماء نجد، يعدونه بالمساعدة كآل سليم أمراء عنيزة وآل مهنا أمراء بريدة وغيرهم، ذلك لما قاسوه من حكم آل رشيد، فانضم عدد كبير منهم إلى جيشه وأصبح عدد جيش مبارك بن صباح عشرة آلاف مقاتل، وزحف هذا الجيش العرمرم الجرار يقوده أمير الكويت فجعل ابن رشيد يستجذبه شيئًا فشيئًا حتى وسطه من نجد، وجرى ما سنذكره في السنة التي بعدها.
وممن توفى فيها من الأعيان الشيخ المخضوب صاحب الخطب المشهورة:
وهو الشيخ العارف المحقق عبد الله بن حسين المخضوب صاحب ديوان الخطب، وكانت خطبه حسنة جميلة في بابها، وقد سلمت من الإلحاد والتعطيل كما يستعمله بعض من قلت بضاعته من العلم في الأسماء والصفات، وكان المترجم مقتبسًا من علماء هذه الدعوة، وآخذًا عنهم وبينه وبينهم مراسالات ومجاوبات، وهو من بني هاجر من قحطان، وكان قاضي بلد الخرج، ووفاته في جمادى الأولى.
وفيها عقدت اتفاقية بين الحكومتين الإنكليزية والمصرية بحق السودان مشتركًا بينهما، ذلك بعدما تسلطت مطامع الدول الأوربية على السودان، فجاءت إيطاليا واستولت على كسلا، ثم تقدمت فرنسا من جهة الكونغو على أقليم بحر الغزال، فلما رأى الإنكليز تطفل الأوربيين على السودان انتدبوا لاسترجاعه ووافقهم السعد على ذلك، وبعد استرجاعه أخذوا في تنظيم إدارته، وبعد ذلك عقدت هذه الاتفاقية.
وممن توفى فيها من الأعيان الشيخ نعمان أفندي الآلوسي الحنفي البغدادي، وكانت وفاته في محرم في هذه السنة.