الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة 1269 ه
ـ
ففيها أنزل الله الغيث في أوائل الموسم ثم إنها تتابعت الأمطار والسيول وعم الحياء بلدان نجد، وكثر الخصب ورخصت الأسعار جدًا، فبيعت الحنطة ثلاثين صاعًا بالريال، وبيع الأقط من ثمانية وعشرين صاعًا إلى ثلاثين صاعًا بالريال، وكثرت الكمأة حتى أنها بيعت في تلك السنة خمسين صاعًا في ريال قلت يا عجبًا سبحان المتصرف في ملكه فإن الكمأة يومنا هذا تساوي خمسين صاعًا منه خمسمائة ريال كما أن الأقط الآن كذلك في القيمة، وبيع التمر في تلك السنة ستين وزنة بريال، وفي بعض البلدان سبعين وزنة، وبيع السمن ثلاث عشرة وزنة بريال.
وفيها حصل بين عائض بن مرعي رئيس بلدان عسير وبين العساكر المصرية عدة وقعات نصره الله فيها عليهم إلى أن استأصلهم قتلًا وأسرًا، وكانت الدولة العثمانية تحاول بذلك الاستيلاء على اليمن وعسير، ولما نزلت جيوشها بقيادة توفيق باشا في الحديدة استرجعت أولًا الحكم من الشريف حسين بن علي بن حيدر، كان هذا من أبي عريش الذين كانوا يحكمونها ثم عاد الشريف بعد ذلك إلى مقره أبي عريش؛ ولما نزل توفيق باشا بلد الحديدة بانتداب الدولة استولى على أبي عريش، وتقدم بجيوشه إلى صنعاء، ولكنهم لم يستولوا عليها ولا تمكنوا من البقاء في اليمن الأعلى إلا أن الثورات في تهامة ولحج أضعفت شوكة الإمامة، وقسمت البلاد، ولما نصر الله تبارك وتعالى عائض بن مرعي على العساكر المصرية كتب إلى الإمام فيصل بشارة بذلك وأرسل إليه هدية معها قصيدة لقاضيهم علي بن الحسين الحفظي يذكر فيها مفاخر قومه وما أعطاه الله أميرهم عائض بن مرعي من الظفر والنصر على الأعداء في وقائع سماها وهي هذه القصيدة العظيمة:
أيا أم عبد مالك والتشرد
…
ومسراك بالليل البهيم لتبعدي
وما أواك أوصاد الكهوف توحشًا
…
ومثواك أفياء النصوب وغرقد
وما جاوزت ساقاك من سفح رهوة
…
واشعافها ما بين عال ووهد
ومسراك من ذات العميق وكوثر
…
ونهران من در القذال الملبد
وما السران بدلت قصرًا مشرفا
…
وعرشًا وفرشًا بالعرى والنلدد
فما مثل هذا منك إلا لضيقة
…
من العيش أو من سوء أخلاق معتد
فقالت رويدا يا أبا عبد إنما
…
أضاف بنا ذرعًا شديد التوعد
عرمرم جيش سيق من مصر معنفا
…
لهتك أستار النساء ويعتد
ويسبي ذراري الأكرمين جبارة
…
وينظم سادات الرحال بمقلد
فقلت لها مهلًا فدونك منهم
…
ضروب حماة بالحديد المهند
وضرب يزيل الهام عما ربت به
…
ويظهر مكنونات أجواف أكبد
وطعنًا ترى نفذ الأسنة لمعا
…
من القوم يعوى جرحها لم يسدد
قفي وانظري يا أم عبد معاركًا
…
يشيب لها الولدان من كل أمرد
وإن كنت عنها في البعاد فسائلي
…
ففيها أسود من مغيد بمرصد
وفيها ليوث الأزد من كل شيعة
…
يصالون نار الحرب حربًا لمعتد
وفيها رئيس عائض حول وجهه
…
حياض المنايا أصدرت كل مورد
خليفة عصر للحنيفي مثقف
…
لما اعوج منه في حجاز وأنجد
فيالك من يوم الحفير وما بدا
…
لريدة من طول القتام مشيد
ويالك من يوم اللحوم سباعه
…
شباع وطير الجو تحظى لمشهد
ويالك من أيام نصر تتابعت
…
بها من شواظ الحرب ذات التوقد
تطامت رقاب الروم فيها عبوقها
…
كاعاق دود للجراد المقدد
فأضحى جثاثًا في البقاع مر كما
…
تزعزعه ريح العشية والغد
ويالك من يوم المرار لواؤه
…
تقنع بالصرعى به كل مقعد
كان تقحام الشريد وعوره
…
قرود نحاها فجاة أعسر اليد
تخرمها نحو الهجير وإنها
…
لتعهد منه فري ناب ومفصد
ويا عجبًا من في حبظي وما دنا
…
لوادي كسان من قتيل مسند
وفي ربوة الشعبين داهية أتت
…
عليهم فما أغنى دفاع بعسجدي
ويوم المقضى قد تقضت أمورهم
…
بفاقرة الظهر التي لم تضمد
ومن قبل ذا يوم العزيزة عزهم
…
ذليل بضرب المشربي المجرد
كتائب فيها صرعوا ثم غودروا
…
بأشلائهم قاني الدماء المكبد
بأيدي رجال من شؤة جدهم
…
رقى بهمو مجدا إلى حذو فرقد
تداعى عليهم من صميم أصولها
…
ثبات وجمع كالمحيط المزبد
ففاخر بهم يا خاطبًا فوق منبر
…
على الناس فاقوا بالحسام وسودد
ليهن من بني قحطان مجد فخارهم
…
مدى الدهر في نادي بواد وأبلد
فيا راكبًا أما لفيت ببيشة
…
وما دفعته من ضراب وفدفد
فسلم على قبر شكبان سالم
…
فقد كان قد فلق دم كل سيدي
يحامي على التوحيد حتى عرى له
…
من الحتف كأس جرعه ذو قردد
ومر على أجزاء ظلفع قف بها
…
قليلًا وما يغنيك عن ضرب معبد
على ظهر قباء الكلى لا يريبها
…
حفا حزن منجاة قفر منكد
تشر الحصا بالخف كالخذف قبلها
…
وقد ضاق هما صدرها للتعبدي
كما ثر من عين برملان وحشة
…
يحفله قناصه بالترصد
توسمت الوسمي أما بكوره
…
فمن نقأ الدهناء سعدانها الندي
وأما ثوانيه فإن زال ضعنها
…
فمن حضن حتى الرشاء الممهد
نعللها منه غواد فاشطأت
…
بقول ورمث زهرها ذو تطرد
فأضحت تسامي في سنام كأنها
…
بنجد تليع الهضب عالي التصعد
فقل لمعد لا تغر بسرحها
…
فتلقى كماة الحي جنبًا بموعد
بسمر العوالي والمراضي ودونها
…
وميض لموضون الحديد المسرد
وأما أجازتك الدخول فحوملا
…
فصبحا فعرضا فالسراديح فاعتد
وسقها إلى نجد يؤمك ليلها
…
بنات لنعش والضحى فيه تهتد
وإن خلأت يومًا لشحط مزارها
…
فأبدل بها عيناء ذات التعرد
ودعها عن التهجير حتى إذا رأت
…
ورودًا بماء من صفار فأورد
وأشرف على وادي اليمامة قائلًا
…
ود معك سفاحًا على الخد والثد
سلام على عبد العزيز وشيخه
…
وتابع رشد للإمام الممجد
دعا الناس دهرًا للهدى فأجابه
…
فئام فمنهم عالمون ومقتدي
وقفاهما حذوًا سعود بسيفه
…
مميز مجود النقود من الرد
وعرج بها ذات اليمين وقد هوت
…
على عرصات للرياض بمقصد
ونادى بأعلى الصوت بشرى لفيصل
…
ومن نسل سادات الملوك مسدد
إليك نظامًا نشره في وقائع
…
على جحفل المصري قد شد باليد
فعشرون ألفًا من قضى الله منهم
…
فما بين مقتول وعار مجرد
ولم ينج منهم غير قواد قومهم
…
على صافنات في قليل معودي
كان أنين الموقمين ومن به
…
جوارح رمي قاصفات لأعمدي
أنين معين زادها داؤها الذي
…
بأكباد آضني عليها لينتدي
أرى ساكني الأمصار قد حل فيهم
…
عقاص فاصماهم على كل مرقد
أتاهم بها إذغاب نجم مشعشع
…
من الجو في مغرابه نحس أسعد
فكل الذي لاقوه يحسب دونما
…
تعكس من حزم الهمام المعمد
فقل لدليل القوم هلا أفاده
…
من العلم أن البغي قتال معقد
ومهما أعادته الأماني بحربنا
…
نصبنا لهم أمثالها بالمحدد
ويا قافلًا أما ثنيت زمامها
…
وأقبلت ما استدبرته للتعودي
ولاح سهيل ضاحكًا لك ثغره
…
وقد لمحته عينها مفلق الغد
فسلم على الأحباب تسليم موجد
…
ولا تنس جيران البجير بألحد
وآخر قولي وابتدائي فيهم
…
صلاة وتسليم علي خير مرشد
وآل وصحب كلما قال منشد
…
أيا أم عبد مالك والتشرد
ولما وردت هذه القصيدة أجاب عليها الشيخ أحمد بن علي بن مشرف رحمه الله بقصيدة فريدة، ذكر فيها مآثر آل سعود ومناصرتهم للشيخ محمد وعرج في آخر القصيدة بمديح الأمير عائض بن مرعي وشيعته وختمها بطلب قبولها والعطف عليها وترك أم عبد ذات التشرد.
وفيها غزا الإمام فيصل بن تركي يريد الجبلان من مطير فزحف من الرياض تحى نزل على رماح، وكتب إلى أمراء بلدان نجد يأمرهم بالقدوم عليه بمن معهم من الغزو فقدموا عليه في ذلك الموضع، فقاد الجيش بنفسه حتى صبح الجبلان على الوفراء، فأخذهم وقفل إلى الرياض ثم أمر ابنه بالمسير بمن معه من جنود المسلمين الحاضرة والبادية وقصد عربان آل مرة وكانوا قد أكثروا الغارات على أطراف الأحساء فصبحهم وهم على النعيرية، وأخذه وقتل منهم عدة رجال ثم زحف منها على نعيم ومعهم أخلاط من بني هاجر والمناصير وهم على سلوى، وأخذهم وأقام هناك أياما وقسم الغنائم وأذن لمن معه من البوادي بالرجوع إلى أوطانهم، ثم توجه بمن معه من الحاضرة إلى عمان، وكان قد بلغه أنه وقع فيهم بعض الاختلاف بين رؤساء البلدان فلما قرب من البلاد تلقاه الرؤوساء والكبراء، والأعيان للسلام وقابلوه بالسمع والطاعة والانقياد، وكان عاقلًا حليمًا عادلًا شهمًا حازمًا حسن التدبير فعاملهم بالرأفة والإحسان فاطمئن الناس واستبشروا بقومه وانهالت إليه الهدايا والتحف، فقبض خراج البلاد، وأقام هناك إلى النصف من ذي القعدة ثم قفل راجعًا إلى بلده وأذن لمن معه من أهالي النواحي بالرجوع إلى أوطانهم.
وفيها وقع الاختلاف بين الأسرتين أسرة راشد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب، وأسرة عقيل بن محمد بن ثامر بن سعدون، وكان قد انحاز مع الآخرين أسرة عيسى بن محمد بن ثامر بن سعدون، وهذا الاختلاف في طلب الرياسة على المنتفق وانقسمت عربان المنتفق عليهم فحصل بينهم وقعة شديدة بالقرب من سوق الشيوخ فصارت الهزيمة على أسرة عقيل وأتباعهم من أسرة عيسى، وقتل رئيسهم عبد الله بن عقيل بن محمد المذكور، وقتل من الفريقين خلق كثير فصارت الرياسة لمنصور بن راشد بن ثامر بن سعدون ثم سار بعد هذه الواقعة محمد بن عيسى بن محمد بن ثامر بن سعدون إلى بغداد، وطلب من الوزير عسكرًا لقتال أسرة راشد فجهز معه عساكر كثيرة، وتوجه بهم لقتال المذكورين، وأمر الوزير آل قشعم وآل بعيج وغزية بالمسير مع محمد