الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليم قدس الله روحه ونور ضريحه، وكان لما أن أراد أن يشرع في عمارته قال للملأ من أهالي بريدة: إني قد عزمت على عمارة جامعكم على نفقتي ليس إلا، ومن أراد المساعدة منكم فلا مانع من ذلك وقد قدم الأهالي مساعداتهم وساهموا في هذا المشروع جزى الله المحسنين خيرًا، ولا شك أن الساعي بهذا له أجره مدخورًا عند الله تعالى.
وفيها كثرت الشكايات على ابن رشيد ضد الشيخين عبد الله بن عبد اللطيف ومحمد بن عبد الله بن سليم وأتباعهما، فطلب الحاكم محمد بن عبد الله بن رشيد بعث الشيخ عبد الله إليه في حائل ليراه ويطمئن بجلوسه لديه في حائل ونذكر هنا حالة الشيخ في سفره وإقامته وإيابه فنقول وبالله المستعان.
ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل
لما أكثر الأعداء من مسبته والكلام فيه أمر محمد بن رشيد أميره في الرياض أن يجهزه إليه بكل ما يليق به من حفاوة وإكرام واحترام ليراه ويسلم عليه، وبعث إليه بكتاب خاص قال فيه: نحن بالأشواق إلى رؤيتكم وإلى الجلوس عندنا لنتعلم ونشارك أهل الرياض بعلمكم، ولتنشروا العلم وترشدوا من الجهل.
فسار الشيخ ميّمًا إلى جهة حائل وجعل الله سفره ميمونًا وآثاره مباركةً، فكان إذا مرّ ببلد أو قرية فإنه يظهر دين الله ويرشد ويبين، حتى كان لفوائده آثار هناك كمواقع القطر، ولما قدم بلدة حائل تلقاه الحاكم محمد بن رشيد وأعدّ له بيتًا وفزع الأهالي إلى رؤيته والسلام عليه وضيافته، ووضعوا برنامجًا للموائد والإكرام.
فلما استقر ببيته قال ابن رشيد: أيها الناس إن عشاء الشيخ ما دام مقيمًا فهو عندي ولا يزاحمني فيه أحد، وأما الغداء فشأنكم به، فأبى فضيلة الشيخ عبد الله الذهاب إلى نحو موضع أحد من الناس، وإن من أراد كرامته فليأتي بها إلى بيته، فانطلق أهل الجبل ينقلون نحو بيته أنواع الأطعمة والفواكه من طلوع الفجر كل يوم إلى وقت الضحى، فكان الشيخ يدرس في العلوم والخلائق تزدحم على بيته، قوم للدراسة، وقوم للاستماع، وقوم تعمهم بركة مجلسه فيحصلون على الأكل
والشرب والانبساط، حتى حدثني بعض الثقات أنه رأى في بيت الشيخ يومًا من الأيام خمسة عشر سقاء لبن معلقة، وأقبلت الأمة من كل فج عميق يدرسون ويستمعون ويأكلون ويشربون، فنشر علمه بين العالمين، واهتدى على يديه فئام من المكلفين، وكان من بين من تخرج عليه هناك رجل الدين والخير الشيخ صالح بن سالم آل بنيان، لزمه وحافظ على دروسه، وترك ابن رشيد وأعماله حتى برع من بين الإخوان ونبغ من أولئك الأقران، وأصبح من أعظم أنصار القرآن والسنة، ومن بين خيرة أهل ذلك الزمان، وقد اشتهر الشيخ صالح بقصائد تدل على بصيرته ومقامه في الدين، والرد على الضلال والملحدين.
ولما علّم ودرّس شيخنا في بلدة حائل وضربت إليه أكباد الإبل من كل قطر وجهة، وبان للأمير مقام هذا العالم، أجازه جائزة سنية وأعطاه إبلًا وغنمًا وصرفه إلى وطنه الرياض مصحوبًا بالسلامة.
ومما هو جدير بالذكر أنه أتى على آخر تلك الأدباش وهو في طريقه إلى الرياض، ففي كل منزل ينزله ينحر جزورًا ويذبح أغنامًا للزائرين والرفقة، حتى لم يقدم الرياض بشيء منها، وتلك عادة فطره الله عليها كرمًا وجودًا وإحسانًا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وكان المنافقون والذين في قلوبهم مرض يرتقبون إهانته من ابن رشيد، فما لقي منه إلا الكرامة، فلله الحمد على ذلك.
وفيها حصلت حروب طاحنة بين الحبشة وإيطاليا، وكان سبب هذه الحروب دسائس الإنكليز التي غررت إيطاليا وأغرتها على احتلال سواحل الحبشة والتوغل في بلادها، فأثارت تلك الدسائس الأحباش وأضرمت في وجه إيطاليا حربًا جبريًا أصلت به الإيطاليين نارًا حامية، وانتهى الأمر بفوز الأحباش فوزًا عظيمًا، ورجع الإيطاليون بخفي حنين وباؤا بفشل عظيم ولم ينالوا من سعيهم إلا تكبد الخسائر الباهظة وانحطاط قدر جيشهم أمام عيون الناظرين، وقبولهم الشروط المهينة لشرفهم والماحقة لحقوقهم، ولهذه الدولة جملة مهددات لا محيص