المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

وتقاتلوا قتالًا يشيب من هوله المولود، فما كان إلا قليل حتى كانت الهزيمة على المنتفق والعجمان وألجأهم المسلمون إلى البحر وهو جازر فدخلوا فيه، ووقف المسلمون على ساحل البحر فمد البحر على من فيه من العجمان وأتباعهم فأغرقهم وهم نحو ألف وخمسمائة مقاتل، وقتل منهم خلائق كثيرة، وغنم المسلمون منهم من الأموال مالا يعد ولا يحصى، وذلك في خامس عشر من رمضان من هذه السنة، وأجلى من بقي من العجمان إلى نجران، واشتهرت هذه بواقعة الطبعة، وأقام عبد الله هناك مدة أيام يقسم الغنائم، وأرسل الرسل للبشارة إلى أبيه وإلى بلدان المسلمين.

ولما وصل خبرها إلى الزبير والبصرة حصل لهم بذلك الفرح والسرور، واستبشروا بما حصل على أعدائهم من القتل والذل والثبور، لأنهم كانوا على خوف منهم بعد أن وقع بينهم من القتال في أول السنة، وأرسل باشا البصرة بهدية سنية إلى عبد الله وهو في منزله ذلك مع النقيب عبد الرحمن، وأرسل سليمان الزهري إلى عبد الله بن الإمام، هدية جليلة مع محمد السميط.

ثم إن ابن الإمام قفل بعد ذلك بمن معه من المسلمين راجعًا إلى نجد، ولما أن وصل إلى الدهناء بلغه أن سحلي بن سقيان ومن تبعه من بني عبد الله من مطير على المنسف بالقرب من بلد الزلفي فعدى عليهم وأخذهم وقتل منهم عدة رجال منهم حمدي بن سقيان أخو سحلي، قتله محمد بن فيصل ثم توجه عبد الله إلى القصيم ونزل روضة الربيعية.

ولما بلغ الخبر إلى أمير بريدة عبد العزيز المحمد بن عليان، ركب خيله وركابه هو وأولاده حجيلان وتركي وعلي ومعهم عشرون رجلًا من عشيرتهم وخدمهم وهربوا من بريدة إلى عنيزة ثم خرجوا منها متوجهين إلى مكة.

‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

ـ

وكيفيته وما جرى عليه، قد قدمنا أنه لم يف للإمام فيصل بعهوده من قبل الذين قتلوا بن عدوان، وقد تقدم منه عثرات كثيرة سامحه الله تعالى.

ص: 137

فنقول لما قدم عبد الله بن فيصل إلى روضة الربيعية وفر عبد العزيز المذكور لعظم الوحشة بينه وبين عبد الله بلغ ابن الإمام فراره، وكان في الروضة من يعين ويساعد على قتله لما هنالك من الضغائن فحسن بعض أعدائه قتله، فأرسل عبد الله بن فيصل سرية في طلبهم وجعل عليها أخاه محمدًا فاتبع ساقته وأدركهم في أرض الشقيقة فلما رأى عبد العزيز الطلب وقف وقال على ما يقتلني ابن سعود وما بيني وبينه دم فلا والله لا يصلون إلينا فأنذره خازنه سليمان بن حمد الصقعبي قائلًا له: خذ حذرك فالقوم قد وصلوك فلما غابت الشمس من أحد أيام شوال أدركوهم وقتل الأمير عبد العزيز وأولاده حجيلان وتركي وعلي وقتل معهم سبعة رجال منهم عثمان الحميضي من عشيرة عبد العزيز العليان، والعبد جابس بن سرور وأخوه عثمان بن سرور، وتركوا بقيتهم، وكان من الناجين سليمان الصقعبي لما أن رأى الطمع في الرقاب شق أسفل خرجه الذي فيه النقود فجعلت تساقط على الأرض فاشتغل بها القوم وفر تحت ظلام الليل إلى مكة.

ثم أن عبد الله رحل من روضة الربيعية ونزل في بلد بريدة فأقام فيها مدة أيام وكتب إلى أبيه يخبره بمقتل عبد العزيز المحمد وأولاده ويطلب منه أن يجعل في بريدة أميرًا، فأرسل الإمام فيصل رحمه الله عبد الرحمن بن إبراهيم إلى بلد بريدة واستعمله أميرًا فيها ثم هدم عبد الله بيوت عبد العزيز المحمد وبيوت أولاده، وقدم عليه في بريدة طلال بن عبد الله بن رشيد بغزوا أهل الجبل من البادية والحاضرة.

ولما فرغ من هدم تلك البيوت ارتحل من بريدة بمن معه من جنود المسلمين وعدا على ابن عقيل ومن معه من الدعاجين والعصمة والنفعة من عتيبة وهم على الدوادمي فصبحهم وأخذهم، ثم قفل راجعًا إلى الرياض مؤيدًا منصورًا وأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم، وكان عبد الله بن عبد العزيز المحمد قد غزا مع ابن الإمام عبد الله في هذه الغزوة لأنه كان مقيمًا في الرياض فلما قرب من الرياض شرد من الغزو فالتمسوه فوجدوه قد اختفى في غار هناك فامسكوه وأرسلوه إلى القطيف وحبسوه فيه فمات في حبسه ذلك.

ص: 138

وهذه ترجمة الأمير عبد العزيز المحمد

هو الأمير عبد العزيز محمد بن عبد الله بن حسن آل أبي عليان أمير بريدة بل على سائر القصيم في زمن تركي بن عبد الله، وكان معظمًا عند أهل بريدة، وإذا احتاج مالًا جمعوا له، ويلقب بدمعان، ولقد جاد عليه الأمير تركي وابنه فيصل مع ما يجري منه من المخالفات كما في واقعة اليتيمة التي عادت على أهل القصيم بالهزيمة وكان هو أسبابها فقد ذهل الوالد منهم ولده وفتك بهم بن الإمام فيصل فتكًا عظيمًا بمن معه من أهل الرياض، ولولا أن عبد الله أدركته الرحمة بهم لكان غير ما وقع، وقد خرجت النساء حاسرات يستغثن برب الأرض والسماوات ويستخلفنه لشدة الهول وحدث ضجة عظيمة في سائر القصيم عمومًا، وفي بريدة خصوصًا.

ولما وصل عبد العزيز إلى عنيزة هاربًا بأصحابه أمرهم يغنون ويلعبون وشجعهم للحرب والقتال، وأين هذا منهم في ذلك المجال، والرعب في قلوبهم أمثال الجبال، فانخذل عنه الناس ولم يرفعوا لتشجيعه رأسًا، ثم كتب إلى أخيه عبد المحسن كتابًا يقول فيه أن سعد التويجري وعلي بن ناصر وأناسًا ساعدوهم دخلوا إلى البلاد وتخلفوا عنا في الهزيمة فألزمهم يأتون إلينا.

فكتب إليه عبد المحسن يقول: إني إذا نصحتك أو خالفتك في شيء قلت لي أنت مجنون وإن هؤلاء الذين عددتهم كلهم في المعركة صرعى وهربت ونجوت بنفسك وتركتهم، فحقك عليهم بالأمس مضى، والآن قد نفذ فيهم حكم القضاء، وحقهم عليك أن تدفن أجسادهم وتعزي أولادهم فلما رأى العقوبة اختلف عليه رأيه وتدبيره وكثر الناس يشيرون عليه وبعضهم يعذلونه فتارة يقول دعونا على من كان بالعوشزيات نسير إليهم، وتارة يشير بغير ذلك فلم ينفذ لهم أمل، ولم يساعدهم القدر، فكان لا يرى ما يهتدي به ولا يدري إلى أين بذهب، ولا كيف يصنع، فأتى إليه الشيخ الإمام العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين قاضي القصيم، وقال له يا هذا اتق الله واربأ بنفسك فإن البلد ليست هي لك ولا بيدك

ص: 139

وأمرها بيد أهلها، وليس لك فيها أمر ولا نهي وهم يريدون أن يصلحوا أنفسهم مع الإمام فإن أردت أن تكون كذلك فافعل، فلما رأى انحلال الأمر من يده هرب من عنيزة وقصد بريدة وهربت عنه جنوده وكل مؤازر ومعين.

ثم أن رؤساء أهل عنيزة جاءوا إلى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين وقالوا له إن هذه الأمور التي منا وقعت والحوادث التي قد صدرت لا يصلحها إلا أنت ولا يزيل غضب الإمام ورؤساء المسلمين إلا أنت فقال لهم إنكم تعلمون أني لست من أهل بلدكم ولا عشيرتكم ولا يحسن مني الدخول في هذا الشأن، الذي ركض فيه الشيطان فاعفوني ودعوني وأرسلوا في هذا الأمر غيري فقالوا له إن هذا الأمر قد تعين عليك فعند ذلك قال إني أخشى من إخلاف وعد، أو نكث عهد، أو شيء من الأمور التي يختلف فيها فيجد الإمام في نفسه علي، وأكون مسبة لأهل الإسلام فلما قرروا له ذلك، ركب الشيخ رحمه الله إلى الإمام فيصل في بلد المذنب فأكرمه الإمام، ووقره واحتشمه، ولما سعى بالصلح صفح عن كل صاحب جرم وخطيئة وعفا عفوًا عامًا وأعطاهم الأمان، وكم له من منقبه عليا.

ثم أن الإمام فيصلًا أرسل إلى عبد العزيز المحمد يدعوه إلى السلم أو الحرب فأراد الهرب من بلده فأشار عليه إخوته وأولاده ورؤساء قومه ألا يهرب وقالوا له إن هذا الإمام حليم كريم وعادته العفو والصفح فاجلس في بلدك، ودعنا نركب إليه لعله أن يعفو عنك ويسمح ويصفح، فركبوا إلى الإمام وقالوا له لما جثوا بين يديه أن هذا الرجل قد أسلم، واستسلم ووجهه من الفشل قد تغير وأظلم، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ومقته أهله وأقاربه، ونحن حاولناه على القدوم إليك، والجلوس بين يديك، فأجاب بأنه ليس لي وجه يشاهد إمام المسلمين بعد نقض البيعة وتجنيدي عليهم الجنود ورفع الرايات على الإمام والمسلمين، وإنه يقول إما أن تصلحوا حالي معكم وإلا تركت لكم بلدكم، وقد جئنا إليك فيه متوجهين وفي جناياته شافعين، وأنت أهل أن تدمح زلته، وترحم انكساره وذلته، ومن عاداتك العفو والإحسان لأنك قد عفوت عن الجليل والحقير، وهذا من خُلُقك ووجبلتك، فلا يكون هو المحروم من بين رعيتك.

ص: 140

فقال وفقه الله هذا رجل جرمه كبير ولا بد من قدومه إلينا وأخذ ما بيده من الحلقة والسلاح، فلم يزالوا إليه يشتفعون، وإلى بابه يترددون حتى سمح له أن يسكن البلد فقاموا وضمنوا للإمام على عبد العزيز جميع المخالفات، وبذلوا للإمام السلاح والخيل العتاق، وقاموا بالعهد والميثاق فسمح له أن يسكن، وقبل شفاعة إخوته وأولاده، وجعله أمير في بلدة بريدة، وكان عبد العزيز ليس له قوة ولا شهرة بل كان من أوسط عشيرته، ولكن والد فيصل اختاره واستعمله أميرًا في بريدة وكف عنه عشيرته آل أبي عليان فإنهم من أقوى العشائر، ولهم فتك وطوارئ وصولة من بعضهم على بعض في القتل والقطيعة.

وجعل الإمام تركي يحوطه من أمامه وخلفه خوفًا عليه من أعداءه، حتى هابه بنوا الأعمام والعشيرة وارتفع صيته في هذه الجزيرة، أفيحسن فيمن كان هذا فضلهما، واحسانهما العاملة بالمنابذة والعصيان.

وبعد هذا العفو والإحسان الذي جرى من فيصل، فإن عبد العزيز لم يأمن منه بل لما أقبل الإمام فيصل قافلًا من مغزاه في سنة 1266 ونزل أبا داود الموضع المعروف شمالي القصيم دخل عبد العزيز الخوف والوجل لما تقدم منه من النقض للعهد وحرب المسلمين فأمر أهل بلده بالمغزا، وتجهز معهم فلما خرجوا قاصدين الإمام صرف ركابه وخيله وقصد الشريف محمد بن عون في مكة هو وأولاده وترك نساؤه فلما علم بذلك الإمام فيصل ترحل بالمسلمين ونزل بريدة ودعى إخوة عبد العزيز وقال إن أخاكم هرب من البلد بلا سبب أتاه منا والآن ليس في ذمة الإسلام والمسلمين منه شيء، فخافوا على أمواله، وتلطفوا بالقول للإمام وقالوا عادتك الصفح والإحسان عمن أساء، وقد جرت عادة الله لك فيمن أحسنت إليه وكفر إحسانك أنه لا بد أن يكون في قبضتك، فترك الإمام لهم جميع أمواله واستعمل في بريدة أخاه عبد المحسن بن محمد أميرًا عليها.

ولما وصل عبد العزيز إلى الشريف أهدى إليه ما كان معه من خيل وسلاح

ص: 141

فوعده ومناه حتى استحصل الهدايا فجفاه وأقام عنده مدة أشهر يتودد إليه فقال الشريف، إن هذه الجنود التي عندنا لا تسير إلا بدراهم؛ ولا يمشي الرجل إلا بعطاه قبل ممشاه.

وكان عبد الله بن الإمام قد وصل في مغزاه إلى مران فداخل أهل الحجاز الرعب وانعكس أمر عبد العزيز وعلم أن أمره آل إلي تباب فرجع بعد الفزعة إلى النزعة، وطلب من الشريف أن يشفع له عند فيصل ليرجع إلى بلده ويجتمع بأهله وولده وصارت الرسل تتردد إلى فيصل وهو إذ ذاك في قطر، ويشفع لعبد العزيز أن يرده أميرًا في بلاده ولا عليه بأس، ولا له أمر ولا نهي على أحد من الناس فسمح له فيصل بذلك وأذن له أن يركب مع جلوي غازيًا إلى قطر فرحل جلوي غازيًا بأهل القصيم معه عبد العزيز، ولما قدم على فيصل في العراق عاتبه على ما مضى منه فما أجاب إلا بالاعتراف، وطلب العفو والمسامحة فعفا عنه وسامحه، وأقام معه حتى قفل واستعمله أميرًا في بلده.

أضف إلى ذلك ما جرى منه في واقعة سنة 1257 هـ وما أدراك ما هي إنها واقعة بقعا مشؤمة على أهل القصيم، وذلك بأنها أغارت عنزة من أتباع القصيم على فريق من شمر أتباع بن رشيد فأخذتهم فخرج بن رشيد وأغار على عنزة فأخذهم، فبلغ الخبر الأمير عبد العزيز المحمد وكان بلوغه في ضحى يوم الجمعة فغضب لذلك ووافق أن الخطيب وهو الشيخ سليمان بن علي بن مقبل يخطب على منبر جامع بريدة فقال في موعظته والناس منصتون للاستماع "الفتنة راقدة لعن الله موقضها" يريد بذلك وعظ المسلمين كجاري العادة، فقام الأمير عبد العزيز وسل السيف في ذلك المجمع العظيم وجعل يهزه يرفع قدمًا ويضع أخرى ويرغي ويزبد، يقول يا أيها الناس لا يخذلكم هذا الخطيب فإنه عبد لا يساوي ربعين، فرجلاي هاتان والله لأطئن بهما ابن الرشيد ولأهدمن قصره في حائل، ثم جند الجنود بعد الصلاة، وخرج وأمير عنيزة على ميعاد، ولما توافوا مع وجعان الرأس من شمَّر أخذوا منهم أموالًا كثيرة من الإبل والغنم والأثاث فقال يحيى بن سليمان

ص: 142

أمير عنيزة دعنا يا عبد العزيز نرجع على هذا العز والنصر فحلف أن لا يرجع حتى يقاتل ابن رشيد في بلدة حائل.

ولما ساروا زحف عبد الله بن علي بن رشيد إليهم في بقعا وكان ذلك ليثًا كاسرًا فجرت الهزيمة على أهل القصيم وكانت شنيعة جدًا بعدما ولوا لا يلوى أحد على أحد وبطش بهم ابن رشيد والعياذ بالله بطشًا شديدًا فقتل يحيى وفر عبد العزيز بنفسه وقتل من الأعيان خلق كثير؛ يا عجبًا لك يا عبد العزيز من هذه المخالفات فلا لإمام تخضع، ولا لنا صح تسمع، فلما كان في هذه المرة لم تسلم الجرة وأحاط به أمر رب العالمين وأخذه الله وهو أحكم الحاكمين.

ومما قال الشيخ الأديب العالم العلامة أحمد بن علي بن مشرف تهنئة للإمام المكرم فيصل بن تركي بالنصر في واقعة الطبعة التي دمرت العجمان وتهنئة بهذه الانتصارات في تلك الحوادث:

لك الحمد اللهم يا خير ناصرٍ

لدين الهدى ما لاح نجم لناظر

وما انفلق الإصباح من مطلع الصبا

فجل وجلى حالكات الدياجر

لك الحمد ما هب النسيم من الصبا

وما انهل ودق المعصرات المواطر

على الفتح والنصر العزيز الذي سما

فقرت به منا جميع النواظر

وإظهار دين قد وعدت ظهوره

على الدين طرا في جميع الجزائر

وعدت فأنجزت الوعود ولم تزل

معزًا لأرباب التقى والبصائر

لك الحمد مولانا على نصر حزبنا

على كل باغ في البلاد وفاجر

ومن بعد حمد الله جل ثناؤه

على نعم لم يحصها عد حاصر

نقول لأعداء بنا قد تربصوا

عليكم أديرت سيئآت الدوائر

ألم تنظروا ما أوقع الله ربنا

بعجمانكم أهل الحدود العواثر

بأول هذا العام ثم بعجزه

بأيام شهر الصوم إحدى الفواقر

همو بدلَّوا النعماء كفرًا وجاهروا

بظلم وعدوان وفعل الكبائر

فكم نعمة نالوا وعز ورفعة

على كل باد في الفلاة وحاضر

ص: 143

إذا وردوا الأحساء يرعون خصبها

وفي برها نبت الرياض الزواهر

وكم أحسن الوالي إليهم ببذله

وبالصفح عنهم في السنين الغوابر

وكم نعمة أسدى لهم بعد نعمة

ولكنه أسدى إلى غير شاكر

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يلاقي كما لاقى مجير أم عامر

لقد بطروا بالمال والعز فاجتروا

على حرمة الوالي وفعل المناكر

فمدوا يد الآمال للملك واقتفوا

لكل خبيث ناكث العهد غادر

وأبدوا لأهل الظعن ما في نفوسهم

من الحقد والبغضا وخبث السرائر

همو حاولوا الأحساء ومن دون نيلها

زوال الطلا ضربا وقطع الحناجر

فعاجلهم عزم الإمام بفيلق

رماهم به مثل الليوث الخوادر

وقدم فيهم نجله يخفق اللواء

عليه وفي يمناه أيمن طائري

فأقبل من نجد بخيل سوابق

ترى الأكم منها سجدا للحوافر

فوافق في الوفرى جموعًا توافرت

من البدو أمثال البحار الزواخر

سبيعًا وجيشًا من مطير عرمرما

ومن آل قحطان جموع الهواجر

ولا تنس جمع الخالدي فإنهم

قبائل شتى من عقيل بن عامر

فسار بموار من الجيش أظلمت

له الأفق من نقع هنالك ثائر

فصبح أصحاب المفاسد والخنا

بسمر القنا والمرهفات البواتر

بكاظمة حيث التقى جيش خالد

بهرمز نقلا جاءنا بالتواتر

فلما أتى الجهراء ضاقت بجيشه

وجالت بها الفرسان بين العساكر

فولى العدى الأدبار إذ عاينوا الردى

بطعن وضرب بالظبا والخناجر

فما اعتصموا إلا بلجة مزبد

من البحر يعلو موجه غير جازر

فغادرهم في البحر للحوت مطعما

وقتل لسرحان ونمر وطائر

تفاءلت بالجبران والعز إذ أتى

بشير لنا عبد العزيز بن جابر

فواه لها من وقعة عبقرية

تشيب لرؤياها نواصي الأصاغر

بها يسمر الساري إذ جد في السرى

ويخطب من يعلو رؤوس المنابر

ص: 144

تفوه بمدح للإمام ونجله

ومعشره أهل التقى والمفاخر

كفاه من المجد المؤثل ما انتمى

إليه من العليا وطيب العناصر

فشكرا إمام المسلمين لما جرى

وهل تثبت النعماء إلا لشاكر

فهنيت بالعيدين بالفتح أولا

وعيد كمال الصوم إحدى البشائر

وشكر الأيادي بالتواصي بالتقى

بترك المناهي وامتثال الأوامر

صبرت فنلت النصر بالصبر والمنى

وما انقادت الآمال إلا لصابر

فدونك من أصداف بحري لئالئا

إلى نظمها لا يهتدي كل شاعر

وبكرا عروسا أبرزت من خبائها

شبيهة غزلان اللواء النوافر

إلى حسنها يصبو ويشد ذو الحجى

لك الخير حدثني بظبية عامر

وأختم نقمي بالصلاة مسلما

على من إليه الحكم عند التشاجر

محمد المختار والآل بعده

وأصحابه الغر الكرام الأكابر

مدى الدهر والأزمان ما قال قائل

لك الحمد اللهم يا خير ناصر

قد قدمنا أن الإمام جعل على إمارة بريدة عبد الرحمن بن إبراهيم، وكان من أهالي أبي الكباش من بلدان العارض من الفضول، فاستقر المذكور أميرًا فيها.

وفيها توفى الشيخ الفقيه عبد الرحمن بن حمد الثميري نسبة إلى الثمارى من زعب قاضي بلد المجمعة رحمه الله وعفا عنه، وكان حبرًا نبيلًا وعالمًا جليلًا، تخرج على الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وشرب من منهله الزلال، فهو أحد تلامذته، وكان رحمه الله قاضيًا في سدير للإمام تركي، ثم كان قاضيًا في الزلفي للإمام فيصل قدس الله روحه ونوَّر ضريحه.

وفيها وفاة الأمير أحمد بن محمد السديري جد جلالة الملك عبد العزيز من جهة أمه، وهو الأمير الفاضل الهمام الأمجد، وكانت قبيلته من الدواسر.

أما أحمد هذا فكان حسن السيرة وصافي السريرة، له مناقب سامية وهمة عالية، وثق به الأتراك فجعلوه أميرًا على الأحساء فقدمها رحمة من الله لهم، وسكن

ص: 145

روعهم واطمأنت إليه قلوبهم، ولو كان الأمير عليها إذ ذاك غيره لوقع في الأحساء خلل كبير؛ فزاره علماء الأحساء وقضاتها وأعيانها، ودعوا له وشكروه وأقر كل موظف على وظيفته جزاه الله خيرًا، وأنعم عليه، وبعث رجالًا يخرصون الزرع في الأحساء والقطيف فخرصوها من غير ظلم، ولبث في الأحساء في أمن وأمان حتى خلفه غيره من الأتراك فانعكس الأمر.

ولما قدم على سدير عن أمر خالد بن سعود سنة 1254 هـ، وكان قد بعثه يريد منهم أموالًا تعزيرًا ونكالًا، كانت إمارته في سدير دفعًا من الله عنهم وعن بلدهم، وجعل يرى العسكر ضعفهم ويدافع عنهم بحسن سيرته، ويحرض العسكر على الرفق بهم لما هم فيه من الشدة والقحط، فما أخذوا من كل بلد إلا أربعين ريالًا أو خمسين ريالًا، وما زال يضع عنهم ويدافع ويسترضي حتى وقى الله بسببه ظلم الأتراك، ويكفيك معاملة الله له ولأنجاله، ومن كان مع الله كان الله معه، فانظر كيف كان عاقبة الأمير أحمد وعاقبة أولاده بأن ملكهم الله جل ذكره وجعلهم قادة لأهل الإسلام.

ولما ولاه الإمام فيصل إمارة الأحساء سنة 1260 هـ كان موضع الثقة والأمانة لما منّ الله عليه به من السمع والطاعة، أضف إلى ذلك رأيًا وعقلًا وشجاعةً وسخاء ولين جانب وسماحة مع الناس المسلمين، وشدة وصلابة على أعداء الله من المفسدين.

ولقد كان كثيرًا ما يصلح الله على يديه الأمراء وينتظم بأسبابه أمور التوفيق والهدى، ولما رأه فيصل بهذه المثابة أمره أن ينظر في المصالح الخاصة والعامة من إصلاح الثغور ونفي الخبائث والشرور، وجعل يحث الناس على الاجتماع للصلوات في المساجد، وتأديب أهل الكسل من كل مخالف ومعاند، وإن أحمد وأبناءه ليعتبرون من أحسن الناس سيرة وأصفاهم سريرة، وكانوا مع ما هم فيه من الولايات الفاخرة الرفيعة لا يعهد منهم تقلب ولا مكر، ولا يضمرون الحقد والغيظ في الصدر، فلو نظرت إلى أصغرهم لقلت حاز الأدب من بين الأقران، ولو

ص: 146

رأيت بذلهم لقلت لم يدخروا دينارًا ولا درهمًا لنوائب الزمان، وكان أنجاله تركي ومحمد وعبد المحسن:

- فأما تركي فجعله الإمام أميرًا في الأحساء بعد وفاة أبيه.

- وأما محمد فكان أميرًا في سدير ومنيخ وما يليه.

- وأما عبد المحسن فكان أميرًا في بلدهم الغاط، وكلهم خيار نجباء من رجل طيب، والشبل يشبل أباه، وكان آل سعود يختصونهم بالولايات الكبار، ويقدمونهم على غيرهم في الأمصار، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولما ولاه فيصل على عمان عنيت به الأمير أحمد، بعثه إليه الشيخ أحمد بن علي بن مشرف بهذه القصيدة يمتدحه بها ويثني عليه بالشهامة والسبق:

تهلل وجه الدين وابتسم الثغر

وقد لاح من بيض السيوف له النصر

وجلى دياجير الضلالة والردى

سنا المرهفات البيض فانصدع الفجر

وشمس الأماني بالتهاني لنا بدت

وبالسعد لاحت فانجلت أنجم زهر

وقد جاءنا ذاك البشير مبشرًا

بفتح عمان حين حل به الدر

همام له قاد الجيوش بفيلقٍ

إذا جاش بالأبطال يشبه البحر

فأطأهم جمعًا عمانًا فأذعنت

ودان له من أرضها السهل والوعر

وجالت به الخيل السوابق بالقنا

وسلت سيوف الحق فانهزم الكفر

وطهرها من كل سوء وباطل

وكانت تبدي بالقبائح والسحر

ثم قال الأديب شاعرنا في آخر القصيدة:

ودونكها منظومة عبقريةٌ

تناثر من أصداف أبياته الدر

وبكر عروس قد تصدى لزفها

محب لكم أدنى وسائله الشعر

فعجل قراها فالضرورة أحوجت

وكاد يكون الفقر لولا الهدى كفر

وأنجز له الوعد الذي وعدته

فأمنيته والوعد ينجزه الحر

أصلي على المختار ما هبت الصبا

على الروض مطلولًا فعطره الزهر

ص: 147