الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأقل جائزته ثم قدم بعده أمير أعراب صغير فأجزل له الجائزة، فعجب الحاضرون لهذه السياسة وابدأوا له شيئًا من ذلك لأن هذا يستحق من الإكرام على قدر قوته، وذاك يستحق على قدر ضعفه فأجاب: بأن هذا الكبير القوي نكله إلى علو درجته ونأمن تقلباته لأنه شريف معروف، وأما الثاني فإنه كالعصفور يضيع بين الشجر يشق عليه تعطفه إلا بالبذل، وكان يداري الناس ويعاملهم على قدر عقولهم، ويقول لمن يثق به يعلم الله أني لست بمداهن ولكني مداري، وأوصي ولي عهده عبد العزيز بن متعب ألا تعادي ابن صباح فإن يحاربك وهو على مسنده، وأوصاه بأن يحمل على الأعراب، ويثقل وطأته عليهم، فإن البدوي من عادته الظلم وأما الحضري فإنه لا يخطيء، وغالب هذه الوصايا وهو في مرض الموت، فأجابه ابن أخيه بقوله: مت ويكون خير، ولا قام من عنده أتبعه بصره وقال يا ويل نجد من عبد العزيز بن متعب وبدرته العبرة، والله لولا ما سبق من جعلي له ولي عهد لا جعلته، ثم مات، وكانت مدة إمارته عشرين سنة ومدة ملكه ثماني سنين.
ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد
لما مات عمه ما كان بحاجة إلى سياسة، بل تولى الأمر بصلف وغرور.
ونذكر شيئًا من جبروته وغشمه الذي سيجازى عليه وما ربك بظلام للعبيد.
فنقول لما دفن عمه محمد بن عبد الله، كتب إلى بلدان نجد يخبرهم بأنه تربع على تخت الحكم، وأنه ليس لديه إلا الحافر وصنع الكافر أي الخيل والأسلحة النارية، وتحت هذه الكلمات أعظم دلالة على قوة نفس هذا الجبار العنيد، والفاجر المريد، لأن هذين هما آلة الفتك والتدمير.
وهذه صفته كان ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين، قوي الساعد، مفتول العضد مستدقة، أشم الأنف، أشدق أدعج العينين، أزهر اللون، أصبح ذا لحية خفيفة حسنة، وله شارب ينثي طرفاه بذؤابة تشبه السيف أو الخنجر، كثير الطيب، نظيف الملابس، فصيح القول، جهوري الصوت، كثير الغضب، مقطب الوجه،
عيناه كأنهما شهابان من نار، مرهوب النظرة، قد أرخى كوفيته على وجهه، فوق عينيه، وفوقها العقال قد خفضه إلى نحو عينيه، ودائم التلثم، وكان بنيانه بنيانًا مكينًا كأنه قطعةً من حديد، فيه قوة الإعصار وصلابة الصخر، وجبروت المردة، وعناد النمر، وبطش الأسد، وكان فيه جبروت وكبرياء وصلف شديد.
ولما جلس على سرير الحكم خرج مرة والجنود منظمة من باب حائل إلى الرياض تحت السمع والطاعة، فجعل يقول من يذكر منكم مسيئًا أو مضادًا لآل رشيد، أو متحركًا وإن كان جرمه قديمًا؟ فقيل له هذا فلان يكاتب ابن سعود ويراسله، فأمر بأن يحضر بين يديه، فلما أن مثل بين يديه، وكان شابًا قد يكون أن صدر منه كتاب للسلام على آل سعود، فأقيم بين يديه وجعل يقول: هو فلان على التحقيق، فلما تحققه آتاه من خلفه وأخرج سكينًا من جيبه "مبراة"، فكشف له عن كتفه الأيمن فجعل يقد اللحم والعصب حتى سقطت اليد مع كتفها، وهل هذا إلا من الظلم والمبالغة في الأذى، نسأل الله العافية، ومن لم يراقب الله ولم يخف من سطوته ومقامه بين يديه، ولم يستحي من الخلق، ولم يصن عرضًا، فليفعل ما شاء.
ثم إنه أجلى المشائخ والعلماء، فنفى الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إلى موضع يكون أهله من أجفا الخلق، لأن لا يوفق من يدرس عليه ويتعلم، وجعل منفاه إلى صبيح أو النبهانية، وتمتاز هاتان القريتان إذ ذاك بالجهل والجفا، ونفى معه ابنه الشيخ عمر بن محمد بن سليم، ونفى ابنه الثاني الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم إلى البكيرية، وعزل أئمة المساجد وأبدلهم بأئمة آخرين، وقطعت رواتبهم، وابتلى الله به أهل نجد، وزلزلوا زلزالًا شديدًا، وسبى أموال الأغنياء بعد ما أراد قتلهم، فأشار عليه بعض أهل بيته أن يسبي الأموال ولا يقتلهم، ولما رأى ذلك يوسف بن عبد الله آل إبراهيم خصم ابن صباح، قام مغتنمًا هذه الفرصة، وقدم على الحاكم عبد العزيز بن متعب يبغي له الغوائل وينصب له الحبائل، وجاء هذه المرة بخالد بن محمد أحد الموتورين بقتل أبيه وعمه، وجعل يحرض عليه ويهيج على حربه، وطلب المساعدة على ذلك، فوجد أذنًا صاغية سامعة، وصار معه على ابن