الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السحيمي، فبعث الإمام فيصل إلى أمير بريدة عبد العزيز بأن يرسل إليه آل سليم بلا مراجعة، فأرسلهم إليه بهدية سنية، وقدموا على الإمام وأكرمهم وعفا عنهم، وكتب إلى السحيمي أن آل سليم عندنا وأنت على مرتبتك ونحن ننظر في الأمر إن شاء الله، وكان مطلق الضرير لما جرح أخوه ناصر، أرسل إلى رجل من أعوان آل سليم يقال له بن صخيبر فضربه حتى مات، ثم قام ناصر لما برئ من جرحه فقتل إبراهيم بن سليم، فقام آل سليم يحاولون قتله به حتى قتلوه في هذه السنة لأنهم جعلوا يترقبون الفرص لقتله، فلما ركب من عنيزة لينظر إلى خيل له في بلد الهلالية عند بعض أصحابه فيها ليعلفها هناك، ركب في أثره عبد الله بن يحيى بن سليم وزامل بن عبد الله بن سليم وحمد بن إبراهيم بن سليم، فسطوا عليه في الهلالية وقتلوه نائمًا عند خيله، ورجعوا إلى عنيزة، فانتقل أخوه بعد مقتله بأولاده إلى بلد أشيقر حتى توفى فيها أعني مطلق الضرير، وذلك بعد هذه السنة بسبع سنين.
ذكر عزل أمير بريدة
لما كان في رجب من هذه السنة كتب الإمام فيصل إلى عبد العزيز المحمد أمير بريدة أن يقدم عليه، فركب عبد العزيز ومعه ابناه عبد الله وعلي وثلاثة من خدمه، فقدم على الإمام، ولما جلس بين يديه انتهره الإمام وأغلظ عليه في الكلام وجعل يعدد عليه أفعاله القبيحة، وما حصل منه من الشقاق، فأجاب بالاعتراف وأن كل ما عاتبه فيه حق، ثم قال: وأنا أطلب العفو والمسامحة، فأنزله الإمام في بيت عنده ومن معه، وأجرى عليهم من النفقات ما يكفيهم، وأمره بالمقام عنده في الرياض، وأمرَّ في بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان من آل عليان عشيرة عبد العزيز الذكور وآل أبي عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم.
في هذه السنة، جلس عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان أميرًا في بريدة وذلك في رجب منها.
ولما كان في جمادى الأولى بعث الشيخ الأديب أحمد بن علي بن مشرف بقصيدة
إلى الإمام فيصل بن تركي يحرضه على كف الأعراب عن النهب والفساد، افتتحها تغزلًا كعادته ثم ذكر نهبهم للأموال وسفكهم للدماء وإفسادهم في الأرض بعد إصلاحها وإغارتهم في الطرق وقطعهم السبل إلى غير ذلك مما يتوقع من البدو، فمن أبيات القصيدة المشار إليها قوله:
فقال ادخلوا في السلم طرًا وأسلموا
…
وإلا فحرب وعده ليس يخلف
وأقسم لا نعطي على ديننا الرشا
…
وما عندنا إلا حسام ومصحف
فمن لم يقومه الكتاب أقامه
…
حدود الضبا والسمهري الثقف
فهل يستقيم الدين إلا بدعوة
…
إلى الله يتلوها سنان ومرهف
وقد فرض الله الجهاد على الورى
…
لمن كان عن نهج الشريعة يصدف
وقد كان يبدي الحلم والصفح عنهم
…
ويعطيهمو الأموال كي يتألفو
فلما أبوا إلا الخلاف تمردًا
…
رماهم بما يؤذي النفوس ويتلف
بجيش لهام حشوه الخيل والقنا
…
تهب رياح الموت منه وتعصف
يقودهمو شبل الإمام وإنه
…
لبالجود والإقدام والمجد يوصف
ثم قال في مديح فيصل:
هو البحر ينتاب العطاش وروده
…
وكل امرئٍ يروي المزاد ويغرف
فأسيافه من خصمه ترعف الدما
…
وأقلامه بالبذل والجود ترعف
لقد أتعب الكتاب كتب صكاكه
…
فكدت على أقلامهم أتخوف
وامتدحه أيضًا بقصيدة في هذه السنة أفصحت عن جوده وكرمه والثناء عليه، ثم امتدحه أيضًا بقصيدة في هذه السنة بل في رجب ذكر فيها كيفية الأمن الذي نشره الله على يدي الإمام، ومن أبياتها قوله:
تبدل بالثياب جلود نمر
…
وسل على أولى الظلم الحساما
فصار الذئب للأغنام سلما
…
وصاحب في الفلا النعم النعاما
أمام للهدى يدعو البرايا
…
ويبعث للعدى جيشًا لهاما
وإن ذكر الندى فيداه غوث
…
تسح الجود والمنن الجساما
فكم أعطى السوابق مسرجات
…
وكم أعيت عطاياه الكراما
وكم أصلى الأعادي نار حرب
…
فكان وقودها جثثًا وهاما
وإن ذكر علاه فلست أحصى
…
مزايا من مناقبه عظاما
همام فاضل فاطن ذكي
…
إليه الملك قد ألقى الزماما
فلما كان في شعبان غزا الإمام فيصل بجنود المسلمين حاضرة وبادية، ونزل على رماح فأقام هناك أيامًا، ثم أمر ابنه عبد الله أن يسير بتلك الجنود ويقصد بهم عربان برية من مطير لأمور حدثت منهم، وقفل بنفسه راجعًا إلى الرياض، فزحف القائد عبد الله بمن معه من الجنود وصبح عربان برية على دخنة فأخذهم، ثم نزل على عريفجان فاستدعى كبار برية فركبوا إليه، فلما صدروا من الشبيكية صادفهم غزو قحطان فأخذوهم وقتلوا منهم خمسة رجال منهم مناحي المريخي وهذال القريفة، فغضب عبد الله بن فيصل لذلك، ولما وصل إليه غزو قحطان المذكورون أخذ جميع ما معهم من الخيل، وهي نحو مائة وأربعين فرسًا وأسر منهم خمسة وعشرين رجلًا، وقفل بهم معه إلى الرياض، وطلب عليهم أشياء فأعطوه جميع ما طلب ودفعوا لبرية دية المقتولين منهم وجميع ما أخذوا منهم ثم أطلقهم، وفيها تصالح عربان برية وقبائل علوي بعد حروب بينهم.
وفي هذه السنة أنشأ الشيخ أحمد بن علي بن مشرف قصيدة، وبعث بها إلى الإمام فيصل منهضًا له على جهاد الأعراب المفسدين، فأثار فيها سواكنه وشجعه فيها، حتى أن هذه القصيدة لتستجيش من يسمعها، وهذا نصها رحمه الله تعالى:
أشمس تجلت من خلال السحائب
…
أم البدر جلى حالكات الغياهب
أم انجابت الظلماء عن لمع بارق
…
تلألأ من ثغرها لإحدى الكواكب
نعم أقبلت سلمى فأشرق وجهها
…
بصبح جمال تحت ليل الذوائب
فتاة تفوق الغانيات بحسنها
…
كما فاق بدر التم زهر الكواكب
فما للمعنى لا يهيم بذكرها
…
وقد كان ذا جسم من الوجد شاحب
تناءت فزارت سحرة بعد هجعة
…
وقد نام عنها كل واشٍ مراقب
فنم برياها الصباحين أقبلت
…
تميس كغصن البان أو مثل شارب
فحيت بتسليم فأحسنت رده
…
وقلت لها قول المحب المعاتب
صليت بنار الهجر أحشاء مولع
…
فلم يطفها ماء العيون السواكب
فقالت ألم تعذر فكم حال بيننا
…
من المهمة الزيزاء وبعد السباسب
أنا في ربا نجد وأنت ببلدة
…
أحاطت بها الأعداء من كل جانب
يغيرون في أطرافها وسروحها
…
جهارًا ولا يخشون سوطًا لضارب
فكم قعدوا للمسلمين بمرصد
…
وكم أفسدوا في سبلها بالنهائب
يقولون سيروا إن ظفرتم بنهبة
…
على رسلكم لا تحذروا درك طالب
وإن تسفكوا فيها الدماء فإنها
…
لكم هدر لا تحذروا من معاتب
فياليت شعري هل سراة حماتها
…
نيام فهم بين لاه ولاعب
أم الحد منهم كل أم زندهم كبا
…
أم القوم غروا بالأماني الكواذب
لقد كان تخشى بأسهم أسد الشرا
…
فصارت بهم تعدو صغار الثعالب
وأنى يحوط الملك إلا سميدع
…
يخوض لظى الهيجاء ليس بهائب
له غيرة تحمي الرعايا كأنها
…
حمية ضرغام جسور موائب
فلا دين إلا الجهاد قوامه
…
ولما أمن إلا بعد سل القواضب
ولا ملك حتى تخضب البيض بالدماء
…
من الهام في أطرافه والجوانب
ولا مجد إلا بالشجاعة والندى
…
وجر العوالي فوق مجرى السلاهب
فقل لإمام المسلمين وسر له
…
بنفسك أو بلغه مع كل راكب
وأنشده إن أحسست منه تثاقلا
…
إذا لم يسالمك الزمان فحارب
ولا تحقر الخصم الضعيف لضعفه
…
فكم خرب الجرذى في سد مأرب
فقم واستعن بالله وانهض إلى العلا
…
فكسب الثنا والأجر خير المكاسب
فكيف تنام العين منك عن العدا
…
وقد أوقدوا للحرب نار الحباحب
ولا ترض إلا مقعد العز مقعدا
…
على ظهر مهر العنان مجاذب
ولا تستطب ظلًا سوى ظل قسطل
…
وظل القنا الخطي بين الكتائب
وشن على الأعراب غارات محنق
…
وانهلهموا صاب الردى بالمصائب
ومزق جماعات الضلال وحزبه
…
بريح سموم من لظى الحرب حاصب
وجر عليهم جحفلًا بعد جحفل
…
وضيق عليهم أرضهم بالمقانب
جيوشًا تريهم ظلمة الليل في الضحى
…
ولمع المواضي كالنجوم الثواقب
إلى أن يكون الدين لله كله
…
وينقاد للإسلام كل محارب
ومن كان معوجًا فقومه بالضبا
…
إذا لم يفد بذل الخيا والمواهب
فبالبيض مع سمر القنا تدرك المنى
…
وبالجود والإقدام نيل المطالب
بذلك تعطيك المعالي زمامها
…
وتسمى على أعلى الذرا والمراتب
وإن كره الناس الجهاد بداية
…
فآثاره محمودة في العواقب
وأثماره نصر وأجر ومفخر
…
وإن عمت عنها عيون الغياهب
فشمر بعزم للجهاد ولا تهن
…
فتدعو إلى سلم العدو المجانب
فإن أنت سالمت العدو مخافةً
…
فأيسر ما تلقاه بول الثعالب
ولازم تقي الرحمن واسأله نصرةً
…
بمدك من إسعافه بالعجائب
فإن التقى حصن حصين لأهله
…
ورع يقي من حادثات النوائب
ودونك نظمًا ينهض الشهم للعلى
…
ويدعو إلى حسن الثنا والمناقب
بدا من أديب كالجمان قريضه
…
طبيب زمان عارف بالتجارب
إذا قال قولًا أنشد الدهر قوله
…
وغنى به أهل الحجا والمناصب
وصل إله العالمين مسلمًا
…
على خاتم الرسل الكرام الأطايب
محمد الهادي إلى خير شرعة
…
به شرفت أبنا لؤي بن غالب
كذا الآل والأصحاب ما اهتزت القنا
…
وما انتدب الفرسان بين الكتائب