المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

بالهلاك جوعًا وعطشًا، وكان ذلك في حر الصيف، وإن خروجه بهذه الصفة لآية من آيات الله تعالى لأنه نادى في الرياض بالفرار ففر إلى الخرج وتركوا الرياض خاوية لا أنيس فيها، ودخلها الجيش السعودي، وكذلك ما جرى من خروج عريعر مع بني خالد كافة يقدمهم رئيس نجران قاصدين الدرعية معهم أسلحتهم ومدافعهم وعددهم وعددهم يريدون إطفاء نور الإسلام وهدم تواعده العظام، وكان معهم مدافع وأسلحة نارية يزجي الوحوش رنينها فردهم الله خائبين، وباؤوا بالخزي بين العالمين، وجعلهم عبرةً للمعتبرين، وما جرى من ثويني والشريف غالب وغيرهم مما كفينا ذكره فحسبك ما أثمرته تلك الدعوة الوهابية من نشر دين الحنيفة، وبث الهدى منشورًا للناظرين في تلك البلاد الإسلامية التي استجابت لداعي الله ورسوله حتى أصبحت قد حفت بالتوفيق دينًا ودنيا ونما أهلها وكثروا وبورك في ثمارهم ومعائشهم.

‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

كانت الدرعية منشأ هذه الدعوة ومر عليها زمن كانت في قوة عظيمة في البناء الشامخ، ورفاهية العيش وكثرة الرجال والأموال، حتى ذكر عنها بعض المؤرخين مبالغةً في الوصف بحيث لا يقدر الواصف على صفتها ولا يحيط العارف بمعرفة شأنها، فلو أنك ذهبت تعدّ رجالها وإقبالهم وذهابهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات، وما يدخل على أهلها من أحمال المال والأرزاق واللباس التي لهم مع المسافرين من أهلها ومن أهل الأقطار لم يسعه كتاب، ولرأيت العجب العجاب، وكان الداخل في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاق من اليمن وتهامة وعمان والبحرين وبادية الشام ومصر وأناس من حاضرتهم إلى غير ذلك مما يطول عدّه، فهذا في الذهاب وذلك في الإياب، وآخر يتلو القرآن ليله في مناجاة رب العالمين حتى ذكر الشيخ المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر التميمي الناصري الحنبلي ما نصه: "ولقد نظرت إلى موسمها يومًا في مكان مرتفع وهو في الموضع المعروف بالباطن بين منازلها الغربية التي فيها آل سعود المعروفة بالطريف، ومنازلها الشرقية المعروفة بالبجيري التي فيها أبناء الشيخ، ورأيت موسم الرجال في جانب، وموسم النساء في

ص: 60

جانب، وموسم اللحم في جانب، وما بين ذلك من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام والبيع والشراء والأخذ والعطاء وغير ذلك، وهو مدى البصر ولا تسمع فيه إلا كدوي النحل من النجناج وقول بعت وشريت، والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي وفيها من الهدوم والسلاح والقماش ما لا يعرف ولا يوصف، إلى أن قال في موضع آخر: وكانت الدور فيها لا تباع إلا نادرًا وأثمانها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف والداني بألف ريال وأقل وأكثر، وكل شيء يقدر على هذا التقدير وكروة الدكان الواحد في الشهر خمسة وأربعون ريالًا وسائر الدكاكين للواحد بريال في اليوم وشيء بنصف ريال، وذكر لي أن القافلة من الهدوم إذا أتت إليها بلغت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريل، وأراد رجل منهم أن يوسع بيته ويعمره فاشترى نخيلات تحت هذا البيت يريد قطعها وتعمير موضعها كل نخلة بأربعين ريالًا وخمسين ريالًا فقطع النخل وعمّر البيت ولكنه وقع عليه الهدم قبل إتمامه.

وذكر لي من أثق به أن رجلًا من أهل الدرعية قال لي إني أردت ميزابًا في بيتي فاشتريت خشبة طولها ثلاثة أذرع بثلاثة أريل وأجرة نجره وبنائه بريال، وكان غلاء الحطب فيها والخشب إلى حد الغاية، حتى قيل أن حمل الحطب بلغ خمسة وستة والذراع من الخشبة الغليظة بريال وكل بيوتها مقاصير وقصور، كان ساكنها لم يكونوا من أبناء ساكني القبور، فإذا وقفت في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق وتزايلهم فيه وإقبالهم وإدبارهم وسمعت رنتهم ونجناجهم فيه فكأنه دوي السيل القوي إذا صب من عالي جبل، انتهى.

قلت ما ذكره رحمه الله فإنه عجيب من جهة العز والرفاهية وكانت هذه الأشياء المقدرة بهذا التقدير أمرًا بديعًا بحيث أن حمل الحطب في ذلك الزمان لا تزيد قيمته عن ربع ريال في سائر البلدان النجدية وغالب البيوت في البلاد الأخرى لا تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثمائة ريال فرانسي أضف إلى ذلك كساد الأشياء بعد ذلك بحيث كان غالب البيوت في مائة ريال والبيت العادي لا تتجاوز قيمته ثمانين ريال، ونذكر مهور النساء بعد ذلك فمن النساء من لا يتجاوز مهرها ثلاثة ريالات وأما

ص: 61

الخشب فحدث في الرخص عنها ولا حرج فقد يعمر الإنسان بيته بعد ذلك فلا تتكلف قيمة الخشب بأكثر من سبعة ريالات، أما ما كان عن الدرعية فقد بلغنا عن بعض الثقات أنها بلغت الحالة في تقدمها بالترف، بحيث أن من المترفين من يغتسل بالطيب، وأن رجلًا دعا صاحبًا له فأكرمه بأن عمل له شراب الشاي على نار عود البخور وذكر لي أنه مر على الدرعية زمان كان فيها أربعمائة عالم كلهم كانوا أهلًا للقضاء وأن قرية من قرى الوشم وهي أشيقر مر عليها زمان وهي تضم ثمانين عالمًا كلهم يحملون مؤهلات القضاء.

وأما قول بن بشر ولكنه وقع عليه الهدم قبل إتمامه فيشير إلى هدم الدرعية في طلعة إبراهيم باشا سنة 1234 لما سلط الله الدولة العثمانية على أهل نجد وابتلى المؤمنون، وذلك بشؤم الذنوب والمعاصي فقامت الدولة العثمانية وانتدبت محمد علي صاحب مصر لنزع ابن سعود من ملكه فجهز المذكور ابنه إبراهيم يقود الجيوش العظيمة وحصل على أهل نجد ما حصل، وآخر ذلك قدمت الرسل والمكاتبات من محمد على تحمل الأوامر بهدم الدرعية وتدميرها، فأمر على أهلها أن يرحلوا عنها ثم أمر العساكر أن يهدموا دورها وقصورها وأن يقطعوا نخيلها وأشجارها ولا يرحموا صغيرًا ولا كبيرًا فقامت العساكر وهدموها وبعض أهلها فيها مقيمين وقطعوا الحدائق وأشعلوا النيران في بيوتها حتى احترقت وأخرجوا البقية من السكان فتركوها خاوية على عروشها كأن لم يكن فيها قبل ذلك من ساكن وتفرق أهلها في النواحي والبلدان وذلك بتقدير من إذا قال للشيء كن فكان.

ولقد مررت بالدرعية سنة 1374 هـ لأرى آثارها وأقف على أخبارها وجعلت أقلب النظر في تلك الأطلال والروابي التي بقيت من حيطان البيوت فما وجدت من يهديني إلى معرفة تلك الآثار سبيلا، وبينا أنا متحير بل ومندهش إذا أنا بشيخ كبير السن قد خرج من كوخ صغير يريد كوخًا آخر يحمل معه تمرًا في إناء كهيئة خف البعير فسلمت عليه وإذا هو أشعث اللون كأنه خرج من قبر ولم يكن

ص: 62

من أهل الحياة فرد علي السلام فأوقفته أسائله عن آثار الدرعية وطلبت منه يطلعني على أخبار ما يعرف فذهب بتمره ورجع إلي فأخذ بيدي وأوقفني على المسجد الجامع فيها وإذا لم يبق منه غير بقية عمد سقطت فروعها وبقيت أصولها تقدر بخمسة وأراني آثار حيطان المسجد وجعل يشير إلى محلة متهدمة متجرفة ويقول هذه محلة العبيد وإلى موضع آخر ويقول هذا مرح الخيل وأوقفنا على سوق فيه آثار قطع من الطين.

فسبحان من لا يزول ملكه ولا يضام سلطانه ولا يرام عزه، ولا بد أن نذكر العز والنهضة التي كانت في آخر أيام الملك عبد العزيز إلى يومنا هذا فنقول عن المملكة العربية السعودية كانت تحد شمالًا بالكويت والعراق وبادية الشام وشرق الأردن وجنوبًا باليمن وحضرموت وعمان وشرقًا الخليج العربي وغربًا بالبحر الأحمر وتقع في الطرف الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وكان هذا الموقع جعلها عظيمة الأهمية لما لها من الاحترام العظيم في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من قديم الزمان لما فيها من الأماكن المقدسة ويقدر سكانها باثني عشر مليونًا وتبلغ مساحتها نحو أربعمائة وخمسين ألف ميل مربع تقريبًا، أما تضاريسها فمنها صحراء الدهناء وصحراء الأحقاف وصحراء الربع الخالي ومن الأودية وادي الرمة ووادي الدواسر ووادي سبيع ووادي فاطمة ووادي بيشة، ومن الجبال سلسلة جبال السروات بالحجاز وجبال آجا وسلمى وسلسلة جبال طويق بنجد ومن العيون القديمة عين زبيدة والعين الزرقاء وعيون وادي فاطمة وعيون الأفلاج وعيون الخرج وعيون الأحساء وغيرها وتنقسم إلى أربعة أقاليم، نجد، والحجاز، وعسير، والأحساء وما يليه.

أما نجد

فهو المرتفع من الأرض وفي هذه الأراضي المرتفعة شمالًا وغربًا وجنوبًا أماكن تختلف في العلاء والوطاء بعضها عن بعض فالقصيم يعلو ألف قدم فوق

ص: 63

العارض وقد طالما تنازع السيادة فيه كبيرتا بلدانه بريدة وعنيزة ونزعت كلتاها قديمًا إلى الاستقلال عن ابن رشيد وعن ابن سعود ولأهل القصيم أوصاف وسجايا تخالف سجايا أهل العارض وعاصمة القصيم اليوم هي بريدة، وهذه المدينة كانت في الماضي ماء لآل هذال فاشتراها منهم راشد الدريبي العنقري آل عليان سنة 958 ثم عمرها وسكنها وعشيرته ومن معهم وكان الدريبي من أهالي ثرمدا.

قال ياقوت بريدة تصغير بردة ماء لبني ضبينة وهم ولد جعدة بن غني بن أعصر بن سعد بن قيسر بن عيلان، عبس وسعد، أمهما ضبينة بفتح الضاد وكسر الباء بنت سعد بن غامد من الأزد غلبت عليهم؛ ولقد كان الزمن الذي بين وفاة ياقوت وبعث بريدة لا يقل عن مائتين وخمسين عامًا لأن وفاته في أوائل القرن السابع، وقال محمد أمين الخانجي في منجم العمران الذي جعله استدراكًا على معجم البلدان في ذكر بريدة أنها ماء لبني ضبينة، وقال البستاني أيضًا هي مدينة بالقصيم من جزيرة العرب شمالي عنيزة عدد سكانها 25000 نفر، وهي من منازل حجاج بغداد فيها أسواق حسنة وشوارع فسيحة ويحيط بها سور تحفه البساتين التي يحيط بها سور آخر وأبراج وخنادق وبها قصر قديم يقيم به شيخ البلد وكانت ذات تجارة وثروة ثم ذكر انحطاطها في ظهور إبراهيم باشا بعد حصار ثلاثة أيام ودك حصونها ثم عادت سنة 1259 وكان ذكره لهذا الانحطاط بعبارة ركيكة وسكان بريدة ليسوا من قبيلة واحدة بل هم الآن من قبائل شتى؛ ومن سكانها آل أبي عليان الذين منهم الأمير حجيلان بن حمد في زمن الإمام سعود بن عبد العزيز والأمير عبد العزيز آل محمد الذي يأتي ذكره في أواخر أيام الإمام فيصل، وسمي القصيم بهذا الاسم لأنه قصيمات رمل متقطعة، وفيه معارك في الجاهلية والإسلام ويقع بين جبلي طيء وحائل وقراها، وبين عارض اليمامة وقراه ووشم اليمامة الذي عاصمته شقراء قال زيد الخيل الطائي:

ونحن الجالبون نساء عبس

إلى الجبلين من أهل القصيم

فكان رواحها للحي كعب

وكان غدوها لبني تميم

ص: 64

وقال في القاموس والقصيمة رملة تنبت الغضى ثم قال وكأمير موضع بين اليمامة والبصرة انتهى، وحده جنوبًا بلد المذنب، وشمالًا بلد القوارة، وشرقًا النباج المعروف بالأسياح؛ وتبلغ قرى القصيم مائتي قرية، أما بريدة قاعدة القصيم فتشتهر بالبساتين وتربية الإبل والغنم والخيل والتجارة الواسعة، ولما أن تطورت الأحوال توفرت فيها السيارات على اختلاف أنواعها وفجرت فيها العيون الارتوازية ولا تزال في تقدم وقوة في الكمية والكيفية، وقد امتاز أهلها بكمال السمع والطاعة لمن تأمر عليهم وقد امتدحهم الأمير الشاعر محمد بن علي العرفج بهذه الصفة لذلك لا يضع من قدرهم أبتاعهم لأميرهم محمد بن عبد الله أبي الخيل حين تغلب عليهم فتبعة ذلك عليه لا عليهم، ولما أن دخلت هذه المدينة في حكم آل سعود كبقية نجد كان لهم الإذعان التام؛ وطالما قدموا نفوسهم وأموالهم أمام جلالة الملك عبد العزيز بما كانوا به موضع ثقة من حكومتهم وكان آل أبي عليان هم أمراءها حتى انتزعها منهم آل أبي الخيل.

وإليك بعض أمرائها فمنهم حجيلان بن حمد البطل الشجاع، وبعده محمد بن علي العرفج، ثم عبد العزيز بن محمد وكلهم من آل عليان، وعبد الله بن عبد العزيز بن عدوان، ومحمد الغانم، وسليمان الرشيد، ومحمد بن أحمد السديري، ومهنا الصالح آل أبي الليل وكل من هؤلاء تحت حكم آل سعود، ولما قتل الأمير مهنا تولى بعده ابنه حسن واستقل ببريده، وبعده أمراء آل رشيد الآتي ذكرهم، ثم جعل الملك عبد العزيز في إمارتها صالح الحسن أبا الخيل، وبعده محمد بن عبد الله، ولما أظهر العصيان لابن سعود جعل مكانه السديري فلم تطل مدته، فجعل ابن سعود فيها الأمير عبد الله بن جلوي، أما قضاتها منهم الشيخ عبد العزيز بن سويلم من أهالي الدرعية؛ ومنهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين؛ ومنهم الشيخ سليمان بن علي المقبل، وبعده الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، ثم بعده الشيخ صالح بن قرناس؛ ثم أعيد الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إليها للمرة الثانية؛

ص: 65

وبعده الشيخ عبد العزيز بن بشر، وبعده الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، وبعده الشيخ عمر بن عمر بن محمد بن سليم وقد أنجبت رجالًا وزعماء وعلماء ومدرسين وقضاة ومفتين قال بعض الأدباء يمتدحها:(1)

وسكناي في فيحا بريدة من لها

ينادي جميع الشرق وسطك أرحب

لما ضم من أهل العلوم الذين هم

يزال عن الدين المشرف غيهب

فأكرم بها كم أنتجت من مهذب

نجيب فتى من ذي النجابة أنجب

فهذا أبا فتيا وهذاك واعظ

وذاك بأمر العرف يأتي ويذهب

وذاك بتدريس وذاك مصنف

يهدي بما يبدي لنا ويهذب

يقضي زمانًا والأنامل دابها

تسير أقلامًا بذا وتبوب

فيا رب حط سكانها وولاتها

وأرجائها وما شأن يعزب

ولا تزال في تقدم حتى أن سور الدريبي الذي أحاطها به ليقدر بجزء من خمسة وعشرين جزءً منها حال وضع التاريخ ثم أحاطها بعده الأمير حجيلان بن حمد بسور، ثم لما زادت البيوت واتسعت رقعة المدينة كغيرها من البلدان، بعد سور حجيلان، أقيم لها سور وآخر ذلك سور آل سعود، وكان في مدينة بريدة مائة مسجد وثمانية مساجد منها الكبار والصغار والمتوسطة من مساجدها ما يبلغ عدد المأمومين فيه ثلاثمائة مأموم ومعدلها مئتان وخمسون مأموم من بين مساجدها تسعة تقام فيها صلاة الجمعة، فإذا كان في أوقات الصلاة فلا تسمع إلا لجبة في الجو من أصوات المؤذنين، ولا يتخلف عن حضور الجماعة مع سعة البلد من كان حاضرًا من الرجال ومن تجب عليه الجماعة، وجزء من مساجد بريده عامر بحلق الذكر صباحًا وظهرًا أو مساء، وفي صلاة الفجر يقوم المؤذن بتفقد المأمومين، وفيها مدارس ابتدائيات ومتوسطات وثانويات وزراعية ومعهد

(1) هو الأديب الشاعر صالح بن عبد العزيز بن عثيمين صاحب السابلة.

ص: 66

علمي، ومعهد النور، ومعهد المعلمين الليلي وفيها مدارس أهلية بحيث تبلغ مدارسها ثلاثًا وثلاثين مدرسة.

أما مدارس القصيم الحكومية فتبلغ مائة واثنتين وستين مدرسة، أما عدد سكان بريدة فيقدرون بمائة ألف وعشرين ألفًا وقد شرع في تعبيد طرقها وتوسعة شوارعها، ومن أهلها من يتعاطى بالملايين وبعد ما تأسست فيها البلدية وقلم المرور وأوجد فيها شرطة، تنظمت شيئًا ما مشاريعها ولها مستقبل زاهر جدًا، وقد نهضت نهضةً عجيبة وتقدمت تقدمًا باهرًا وذلك بتوفيق الله عز وجل، ولو تكاتف الأهالي وتعاضدوا وتساعدوا لكان لها شأن عجيب ويؤمل منهم ذلك لأنه قد ظهر من الأهالي من يعرفون قدر الحياة ويدأبون في تقدم البلاد وعمرانها وكان من يقدم إليها من الأجانب والمنتدبين والمدرسين وغيرهم يعجبون من تقدمها في مراحل الحياة، ويمتد عمران المدينة جنوبًا وشمالًا بقدر أربعة أميال وشرقًا وغربًا بقدر ميلين يحفها من الغرب والشرق والجنوب كثب الرمال الحمراء ومن جهة الشمال أرض صحراء وبما أن البلدة محرومة فيما قبل ذلك من المياه العذبة فقد أصبحت اليوم مروجًا وأنهارًا كالنيل والفرات وتحسنت الفلاحة أضعاف أضعاف ما كانت قبل ذلك وأقبل معظمهم على الفلاحة والزراعة مستخدمين الآلات الحديثة ربما أن الفلاحة كانت فيما مضى تسقى بالساقية فقد تطورت إلى آبار ارتوازية يسقي بسبجها ما تمر عليه والبقية يسقون باستعمال الماكينات المائية وكانت البقاع منها ما يساوي مائة ألف ريال، وقد أنتجت إحدى المزارع من الحبحب ما بلغت قيمته مائة ألف ريال وكان لأهل بريدة تمسك بالدين وإقامة لشعائره كجعيث تعتبر من أعظم ما على البسيطة في الديانة والأخلاق وتحكيم الشرع والتحاكم إليه، أضف إلى ذلك سلامتهم من الغوائل والشرور والبدع وعدم الاغترار بالتقاليد الغربية ولأن كان على العموم من تزداد فيهم النزعة إلى المدينة والأدب والتخلق بدماثة الأخلاق لأن مستقبل الوقت يخالف الطريقة الأولى كغيرهم من سائر البلدان فإنه لا يزال موجودًا فيها من أهل التمسك من لا يزالون ثابتين، وعلى مبادئهم متمسكين، فلو

ص: 67

طفت في غالب الأماكن والأقطار لم تجد مثلها في التمسك بالدين، وأظنك أيها المنصف توافق على ذلك وهذا على حسب الزمان، وإلا فإن الكمال عزيز؛ وإني لأنصح وأحذر من تقاليد الأجانب في الأخلاق ومدينتهم العاطلة، فما فاز شعب إلا بالثبات على الأديان السماوية والتمسك بشرائع المرسلين، وما حصل الضعف والوهن والفشل إلا بالانخلاع من ذلك والانخداع للأعداء.

أما ما كان عن منتوجاتها فلديهم النخيل المختلفة في الثمار وأنواع الحبوب من الحنطة والذرة والدخن بأنواعه والبطيخ والحبحب والرمان الحسن والعنب والباذنجان واللوبيا والطماطم والكوسة وسائر أنواع الخضراوات والبساتين، ولديهم تربية الإبل والغنم والخيل، ويعتمدون على البر واللبن واللحوم، وكان يشق المدينة من الشمال إلى الجنوب وادي يدعى الفاجرة لا يكاد يجري إلا في كثرة السيول وقد يسبب أضرارًا إذا جرى لأنه يفسد ما أمامه من العمران، وهناك وادي يقع عنها شمالًا بشرق يدعى الودي إذا جرى فإنهم يخرجون نحوه للنزهة والفرجة لكونه لا يبعد عن البلد بأكثر من كيلوين ويحفها من جهة الشمال والغرب البساتين والنخيل الكثيرة الجميلة وتمتد هذه النخيل من الشمال إلى الجنوب غربي البلد بقدر خمسة أميال حتى تتصل بفيحان جنوبًا، وفي الجنوب الشرقي تقع حارة منها وهي السادة فيها نخيل وبساتين، وفي هذا الموضع آثار حصن عظيم قد ضاد ثويني وإبراهيم باشا وكان ذلك الحصن عظيم الحيطان بحيث يبلغ مسطح الحائط ثلاثة أمتار ولا تزال بقيته موجودة حتى الآن.

أما القرى التابعة لبريدة فمثل الشماس والقويع والزرقاء والجرية والقرعاء والشقة العليا والسفلى وهي قرية فيها معدن الملح المشهور بملح ضاري وخب البريدي وفيه آثار حصون قوية عظيمة قديمة ويبلغ سكانه على العموم أربعة آلاف نسمة والقصيعة والمريدسية والعريمضي والغماس والبصر وخب روضان واللسيب وقرية الخضر ورواق وفيحان وكان قرية عظيمة قد امتازت بالنخيل وكثرة السكان ويقدر سكانه بخمسة عشر ألفًا ولديه قوة في البناء والقصور ويوشك أن يتصل

ص: 68

ببريدة وقرية وهطان وخضيرا وقرية خب القبر والعكيرشة والنقع والطعميات وكانت قصورًا أعدت للمزارعين فيها لا تقل عن ستين قصرًا وحواليها بئر تدعى القليب بالتصغير يمتاز ماؤها بأنه عذب مرئ وحواليها (العود) بفتح العين المهملة و (الظليم) بالتصغير، ثم قرية الشماسية وتبعد عن بريدة شرقًا بأربعة فراسخ وتحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف نسمة، وروضة الربيعية وكانت قوية حسنة وتحتوي على ألفي نسمة، و (الهدية) ذات النخل والأثل الكثير.

أما الطرفية فتبعد عن بريدة بأحد عشر ميلًا وتقع شمالًا بشرق، وكان فيها قصور ومياه وحصون قديمة وأطلال ضخمة البناء وقد ضبطت مساحة الحائط من تلك الأطلال بالعرض فكانت مترين ونصف متر وقد جعل بالموضع الواقع عنها شرقًا جابية للسيول تدعى عندهم الخبراء والقرية يقدر سكانها بأكثر من ستمائة نسمة وقد اشتهرت بواقعتين تنسبان إليها أحدهما بين ابن الصباح وابن رشد، والأخرى بين ابن سعود وسلطان بن رشيد، ومن أحسن ما رأيت فيها أنهم يجتمعون في المسجد الجامع للصلوات الخمس فيسمع لهم لجبة في تلاوة القرآن أوقات الصلوات، ولديهم قصور لا تزال مستمرة في الزراعة، وفيهم تمسك بالديانة، ومن القرى أيضًا الوطأة وحواليها ماء القويطير، وكان هذا الماء عذبًا مريئًا جدًا ويقتطر من صدوع في جبل هناك فيجتمع في جابية صغيرة على قدر الشرب والقرب، ولا تزيد عن ذلك شيئًا، ولا شك أن هذا الماء أعني القويطير كان آية من آيات الله بحيث أنه يخرج على قدر ولا يتجاوز موضعه، ولا ينشف في وقت من الأوقات والله على كل شيء قدير.

وقد أنشأ فيه بعض العلماء أبياتًا تتضمن حالته وما فيه من العجائب، أما المتينات فإنها قصور وآبار أعدت للزراعة هناك، ومن القرى أيضا خب العوشز وخب الوجيعان، وضراس والدعيسة، وخب الحلوة والشحية، والضلفعة، وغالب هذه فيها مدارس ابتدائية، وقد عمرت مساجدها بالصلوات الخمس وتلاوة القرآن،

ص: 69

واتصلت بالعاصمة ببريد هيئت للذهاب والإياب، ومن القرى الصغار واسط، ونقرة البسام، والمويه، والنخلات، وغضي بالتصغير.

ومن أهم مدن القصيم عنيزة التي تبعد عن العاصمة باثني عشر ميلًا إلى جهة الجنوب، وكانت كثيرة البساتين، وكانت تمتار على بقية مدن القصيم بتكاتف أهلها وتعاضدهم، والنهضة ببلدهم، ولديهم بشاشة في الضيف إذا كان شريفًا، وبالرغم من الأهالي في نهضتها فإنها لا تزال متأخرة في العمران، وكثرة السكان بحيث يقد سكانها على الثلث من سكان بريدة، وكانت تضم مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية وحربية، وفيها مساجد عامرة بالصلوات، ولديهم أدب، غير أن التجارة أقل من بريدة؛ ومن رجالها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر سعدي صاحب التدريس والمؤلفات الحسنة، كان يدرس في المسجد الجامع الكبير فيها ويؤم فيه، ويظهرون تعظيمه لما له من المؤهلات ودماثة الأخلاق، ويفتي ويقنع السائل، ومن أكبر الأسر فيها آل سليم الأمراء، وآل بسام، وآل نعيم، ولا تزال الدينة تطلب الشرف لأن رجالها متكاتفون، ولديهم أدب، وفيها محطة للاسلكي التلغراف، وأنشئ عندهم مطار البريد الجوي، ثم أزيل كغيره لما جمع القصيم على مطار أقليمي، أما قضاتها فمنهم العويضي، وصالح بن عثمان القاضي، وعبد الله بن محمد بن مانع، ثم إنه جعل بعده في القضاء الشيخ محمد بن عبد الله بن حسين، وبعده بن عودان، ثم بن عقيل، وحواليهم وادي أبي علي الواقع بينها وبين العاصمة وقد ملئ بالنخيل والغراس لأهل عنيزة، وفيه عيون غير أن هناك مادة سبخة مالحة تحدث في جوه تكديرًا وقد امتدت النخيل والأثل في ذلك الوادي بكثرة، ولا يزالون في طلب المياه العذبة من الآبار الارتوازية، وقد حصل المقصود، ومما هو جدير بالذكر أنه انفجر في الوادي عين عذبة كما أنه انفجر في الزغيبية عين قوية لعبد الله بن سليمان كعيون بريدة غير أنها بعيدة عن عنيزة ومستقبل الأمور يبشر بخير إن شاء الله (1).

(1) سيأتي بقية ذكر لمشاريع القصيم فيما يمر بنا من التاريخ.

ص: 70

ومن أهم بلدان القصيم الرس التي تقع عن عنيزة غربًا على قدر مسافات خمسة وثلاثين ميلًا من العاصمة، وفيها قاضي ومدارس، وفي الأهالي نشاط وتقدم وفيه محطة للتغراف اللاسلكي، وحوالي الرس قصر بن عقيل وفيه مدرسة أميرية وسكانه لا بأس بهم، وهناك الشنانة والقوعي والرسيس.

ومن أهم بلدان القصيم مدينة الخبراء ورياض الخبراء وقد عمرت الخبراء في سنة 1140 هـ، ومن أهم بلدان القصيم مدينة البكيرية التي عمرت في سنة 1180 هـ، وتشتمل على خمسة عشر ألف نسمة، وأهلها هادؤن وإليها تنسب الواقعة التي بين ابن سعود وابن رشيد، ولأهلها عناية في الدراسة وهمة في تربية البقر والمواشي، وكذلك أيضًا البدائع ذات المنازل والقصور الكثيرة، وكانت قابلة للزراعة ولأهلها همة في الزراعة ولديهم قوة ونشاط، وهذه المدن فيها أمراء وقضاة وكلها لا تبعد عن عنيزة بأكثر من خمسة وعشرين ميلًا، وكذلك الهلالية وصبيح والنبهانية ففيها مدارس ومساجد.

ومن مدن القصيم أيضًا المذنب الذي يبعد عن بريدة جنوبًا بمرحلتين وله مستقبل لما فيه من المدارس.

أما ما كان عن شمال القصيم وشرقه فهناك قصيبا وهي تبعد عن بريدة بمرحلتين، وكان فيها عيون ونخيل وزراعة؛ غير أن جوها غير مستقيم لكثرة تعفن المياه هناك، لذلك تكثر فيها الملاريا ولا يسلم من تلك الحمى غير العبيد فيها، وبمرور السيارات فيها تقل عنهم تلك التكديرات الناشئة عن المستنقعات، ولا سيما إذا عبدت الطرق بينها وبين العاصمة.

ثم عيون الجواء وينسب إليها أنها مأوى لعنترة بن شداد، وكان يروى أن قبر مالك بن نويرة في غربي القصير قريب الضلفعة التي تقدم ذكرها.

أما الأسياح فتقع في شرقي القصيم وتعرف في المعاجم بالنباج؛ وهي قرى ذكروا أن أول من اختطها عبد الله بن كريز بن عامر.

ص: 71

وسميت الأسياح لأنها سيوح جارية، وقرى الأسياح هي العين والبرقا والتنومة وخصيبة وحنيظل وأبي الدود والقيصومة، والقصر والبرود وطريف، وهذه الشمالية.

أما الجنوبية فالجعلة والنبقية، وفي الأسياح قصر حصين قوي البناء لأنه بني من الحجر والآجر، ويسمى عندهم بقصر مارد وكان محاطًا بحائط وفيه غرف بجهاته الشمالية، والشرقية، والجنوبية، وله باب من جهة الغرب، وقد كان محكم البناء.

وقد قيل أن سلطان مارد مر بالأسياح حاجًا فلما أن وصل إليها بجنوده، وكان من رجال الدولة العثمانية إذ ذاك وقف على موضع العين الأولى التي تنسب إليه لما رأها ينبع ماؤها، وقد دل عليها وذكرت له إمارات هناك فقال لمن معه من الجنود لقد فاتنا الحج في هذه السنة، ثم أخذ يحتقر العين المذكورة، ثم إنه بنى قصره الذي يقع عنها شرقًا، فلما أن اعتصم بالقصر قطع مواصلته بالدولة وبذل ما عنده من الأموال التي جهزته بها دولته فيما يختص به وتمرد عليها، وبينما هو ذات يوم من الأيام جالس حوالي عينه إذ أقبل أعراب من الضياغم فنزل صبي يغتسل في العين فرآه سلطان مارد؛ وأعجب بحسن صورته فجعل يسأل هل لهذا الصبي من أخت وكان والد ذلك الصبي اسمه عرار، وبين عرار وبين الأمير عمير منافسة ويحسده عرار على الإمارة فتكلم عرار قائلًا نعم إن له لأختًا هي أحسن بنات الحي، ولكنها زوجة لعمير قبل ذلك لعل سلطانًا يقتل عميرًا بصفته عدوه ووعده أن سيزوجوه منه بشرطين.

الأول أن يكيل للأعراب، والثاني بأن لا يقربها إذا جاؤوا بها إليه حتى تغيب مضاهيرهم من خلف قرية الجعلة، ففعل ذلك وأجابهم إلى ما طلبوا فرجع الضياغم إلى حميدان رئيس قبيلة الضياغم وأخبروه الخبر، وكان حميدان أخرس ومن شجعان العرب المشاهير، وخالًا لزوجة عمير فلما بلغه الخبر جعل يشير بيده حتى تكلم بكلمة فهمت منه وهي قوله (ميثا لا) يريد لا نزوجه ميثا؛ فقام الضياغم

ص: 72