الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان من أعيان العلماء في بريدة الذين اشتهروا بالعلم والدين إذ ذاك ابن عمه الشيخ محمد بن عمر بن سليم، والشيخ العارف الزاهد عبد الله بن محمد بن فداء رحمة الله عليهم.
ثم دخلت سنة 1297 ه
ـ
استهلت هذه السنة والأمور على ما هي عليه في نجد من الاختلاف والتفرق وقد تعرقلت المساعي عن الإتفاق وتجسمت المعضلات وأصبح أمراء البلدان كل لا يعدو أمره وتدبيره عن بلده، سوى أنه ما كان لأمير أن يعتدي على الآخر.
وفي هذه السنة شرع الأمير حسن بن مهنا أمير بريدة في تفجير العيون وإنشاء العقارات والآبار لما له من النهمة في ذلك، وأخذ في إصلاح قصر الحكم في بريدة وشرع في عمارة مسجد عودة الرديني المعروف في بريدة، وكان يقول أني آليت على نفسي أن لا أجعل فيه إلا نفقة طيبة فكان يأتي بخشبة وجريد سقفه من روضة مهنا، ويقول هذه من أرثي الذي خلفه لي والدي مهنا قبل أن يتولى الإمارة ولم يجعل فيه شيئًا من بيت المال.
ولما فرغ هذا المسجد كان لا يزال منيرًا بالعبادة ومعمورًا بالتدريس والتلاوة، وكان خارص الأمير حسن الذي يبعثه عاملًا للزكاة جدنا من قبل الأم وهو عبد الرحمن بن سلمي وقد امتاز بالعدل والإنصاف في خرصه لا يظلم الناس لا يجور في الخرص، ولما وشى به بعض الأعداء إلى الأمير حسن بن مهنا بأنه يتسامح ولا يأخذ الزكاة كاملة، بعث إليه من يفتش عليه في خرصه ويدقق، وكان ذلك بعد ما جعل الصدقات في سجلها وتصرف الفلاحون بالثمار فغار لذلك عبد الرحمن ومزق السجلات واشتد غضبه ورجع إلى الأمير قائلًا كنت أتيك بها نقية، فبعثت إلى من يأتي بها قذرة فالعفو أريد أيها الأمير.
ولما خرج من عنده غضبان آسفًا جاء المفتش إلى الأمير وجلس قائلًا: أيها الأمير إنه مزق الأوراق خشية أن أعرضها على الثمار، فأرى عمله وعلاوةً على
ذلك يقول اذهب إلى سيدك يجعلك عاملًا فما لدي له خبر، فعند ذلك أحضره الأمير لديه واسترضاه، وقال له: قم يا عبد الرحمن فلا معارض لك بعد هذا اليوم، ولكن كيف نصنع بالذين ضاع حسابهم ولم نقف على خبرهم، فقام العامل عبد الرحمن وكان حافظًا يجيد سرد الزكوات من حفظه فأملاها على البديهة كما كانت، وذكر كاتبه أنها على وفق وضعها في السجل، وكان سكرتير الأمير حسن بن مهنا والدنا السعيد قدس الله روحه، وذلك لجودة خطه وأمانته، فكتبها كما ألقاها الخارص.
أما عبد الرحمن هذا فمن نكته أنه خرص مرةً ثمرة مزارع، فضج المزارع يقول ظلمتني يا خارص فإنه لا يبلغ الزرع هذا القدر، فأجابه قائلًا بعه علي فقد اشتريته بخرصي، فخجل المزارع وسكت.
وفيها اشتد البرد جدًا وحصل من ذلك البرد أن ماتت الأشجار لشدة البرد وأصرعت النخيل؛ وكان ذلك في أيام أربعانية الشتاء، وجمدت المياه والله على كل شيء قدير.
وكانت دموع الإبل تسقط على الأرض فما تصل حتى تكون جامدة كالثلج والجليد فسميت هذه السنة في نجد سنة البردة، وكانت القرب لا ينتفع بها حتى تجعل في الشمس فتذوب بعد الظهر، وكانت المياه التي تتسرب من أعلاها إلى أسفل جامدة كالأعمدة.
وفيها في اليوم 29 من ذي الحجة ولد صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن سعود ملك المملكة العربية السعودية، وكانت ولادته طلوع فجر ذلك اليوم المبارك فأكرم بطلعته يمنًا وسعدًا. (1)
(1) قد قيل أن ولادته في سنة 1293 هـ، وما أثبتناه أقرب إلى الصواب.
وهذه ترجمته نأتي بنسبه وإلا فيأتي بقيتها في سني هذا التاريخ:
هو عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن مانع بن الحارث بن سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن بكر بن وائل بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان فهذا نسب آل سعود، وقد اشتهروا بهذا الاسم وبآل مقرن حماة الدين والقائمين بإصلاحه، وأول من تولى الإمامة منهم محمد بن سعود لقيامه بنصرة الشيخ الكبير والعلم الشهير الشيخ محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى دين الله تعالى، فلما قام محمد بن سعود بنصرته ومساعدته على قلة من المعاون والمساعد وكثرة من المعاند والمكايد صاح عليه الجو وقام عليه الأعداء من كل حدبٍ وصوب، ونشأت بينهم الحروب والمعاطب، وشمرت الحرب عن ساقها، وما زال محمد بن سعود يبتلى إلى أن جعل الله العاقبة له ولذريته من بعده فإن العاقبة للمتقين.
فلما مات محمد بن سعود قام بالأمر بعده ابنه عبد العزيز بن محمد وجمع بين الملك والعلم والدين، وقام لقتال الأعداء أتم قيام حتى أمن الله به العباد والبلاد، فلقد كان الرعية في زمنه إذا سافروا يجعلون أكياس الدراهم أطنابًا للخيام ولا يخشون عليها وتوفر الأمن في وقته شيئًا عظيمًا، فلما قتل وهو ساجد في صلاة العصر رحمة الله عليه قام بالأمر بعده سعود بن عبد العزيز الذي سمي سعود الكبير نجل عبد العزيز، وكان شبلًا شجاعًا من ذوي الحجى، وعلى غاية عظيمة في الحظ والتوفيق واتسعت في وقته رقعة الملك، فلما مات رحمه الله قام بالأمر بعده ابنه عبد الله بن سعود وكان ذا سيرة حسنة مقيمًا للشرائع ثبتًا في اللقاء ومصابرة الأعداء، سوى أنه تولى الإمامة وتركيا تضرم نيرانها للسعوديين فلم يساعده القدر، وكتب عليه البوار، وتسلط العثمانيون على أهل نجد فعاثت الدولة العثمانية في نجد فسادًا حتى وصلوا إلى الدرعية، وبعد حروب ووقعات شديدة احتلتها ونكلت بأهل نجد وأخذت الإمام عبد الله بن سعود وسيرته إلى مصر، فهلك هناك بالشنق، رحمة الله على روحه.
فهؤلاء عضو من أعضاء أولاد محمد بن سعود، فلما تضعضع الملك وانتشرت الفوضى وتشتت الشمل، قام بالأمر تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ووفق وملك وساس الرعية وأذعنت له العباد، وتأسست الدولة السعودية مرةً ثانية فقتله ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن، ثم قام بالأمر بعده نجله فيصل بن تركي وسدد وطالت مدته في الملك، فلما توفاه الله تعالى قام بعده أولاده كلٍ يخطب الملك لنفسه، وكاد الأمر أن يستقيم للإمام عبد الله لولا معثرات قامت في نحره ومنازعات ومشاغبات بين أمراء آل سعود في الملك، حتى كانت الفتن تغدو على الناس وتروح ونياب الأهواء تظهر إذ ذاك وتلوح، وكلٌ قد استعد بسلاحه يتوقع الغوائل، ولا يدري في أي موضع نصبت له الحبائل، فضاع الملك بين آل سعود حتى قبضه محمد بن رشيد.
فلما شب هذا العاهل العظيم والضرغام المقدام استلم هذه الوديعة من يد مغتصبها وكان لما بلغ الحادية والعشرين من عمره تجرد لنزع الملك، وتقلد سيفه يفلق الهام ويزيل الأعناق حتى قال عن نفسه ما في المملكة من شبر إلا وقاتلت عليه، فأخذ الملك بالسيف ما زال يجند الجند ويجيش الجيوش حتى كان ما بين البحر الأحمر إلى خليج فارس وما بين الشام إلى اليمن يدين له بالسمع والطاعة، وهؤلاء العضو الثاني من أولاد الإمام محمد بن سعود وسيأتي بقية ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفيها أيضًا جدد فرش الكعبة المشرفة، ففرش سطحها وغير بعض أخشاب سقفها وأصلح بعضها، وذلك في عهد السلطان عبد الحميد لأن له همة عالية في الإصلاحات لا سيما في الحرمين الشريفين كعادة سلاطين آل عثمان في عمارة الحرمين الشريفين وبذل الأسباب وبث الأموال ونحت الطرق، ولقد اعتنت في أعمدة المسجدين وزخرفتها، فالله المستعان.
وختمت هذه السنة بتقوية الصلات بين ابن رشيد وابن مهنا.