الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفى عبد الله ودفن في جبانة العود، وكانت وفاته في مستهل السنة التي بعدها، هكذا بلغني في بعض الروايات.
وممن توفى فيها ملك الألمان الأمبراطور فريدريك، فجلس على كرس المملكة بعده الأمبراطور غليوم الثاني، وهو ثالث أمبراطور للسلطنة الألمانية، وقد اشتهر بعلو همته وقوة نشاطه وكثرة حذقه واعتنائه في شؤون السلطنة، حتى قيل أنه لا ينام أكثر من خمس ساعات في اليوم والليلة، وهو فيما يزعمون بارع في كثير من العلوم والعارف الحديثة خصوصًا في الفنون الجميلة كالنقش والتصوير والموسيقى، وله مهارة عجيبة في العلوم السياسية، حتى أنه بقوة دهائه استجلب قلوب الفرنساويين وجذب عقولهم إلى محبته، واستولى على عواطفهم حتى جعلهم يرمقونه بعين المودة والمحبة، وصار له شأن عندهم، وكان جيش ألمانيا إذ ذاك يبلغ في وقت السلم أكثر من خمسمائة ألف جندي مشاة، وفرسانًا ومدفعية، وفي وقت الحرب يمكنها إيصاله إلى سبعة ملايين، وحكومتها أمبراطورية دستورية وهي مؤلفة من أربع ممالك.
أما ثروتها فقد قدرت في بعض السنين إذ ذاك بسبعة آلاف وثلاثمائة مليون من الجنيهات، وإنما ذكرنا بعض الإشارة لهذه الدولة لما جرى بعد ذلك من تطورها وقوتها.
ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده
كان هذا الشيخ يسمى المصلح الكبير المجتهد الخطيب الكاتب أحد أركان النهضة العربية، كانت نشأته من أسرة فقيرة فتعلم الأدب وأخذ عن أستاذه جمال الدين.
ولما قامت ثورة عرابي بمصر أحاطت الشبهة بعنقه وحوكم، وحكم عليه بالنفي من مصر ثلاث سنين وثلاثة أشهر، ولما كان في هذه السنة، عاد الشيخ محمد إلى مصر بعد انقضاء مدة النفي، وفي خلال هذا النفي استطاع أن يلتقي في باريس بأستاذه جمال الدين الأفغاني.
وكان الشيخ محمد يسعى سعيًا حثيثًا إلى إصلاح المحاكم الشرعية وإصلاح الأوقاف وإصلاح المساجد، وكانت وسائل الشيخ في هذا الإصلاح متعددة، وربما كان من أقواها عنايته بتفسير القرآن التي كادت تستغرق كل مجهوده ودروسه في تفسير القرآن، كانت حاشدة يتوافد إليها الطلاب من كل ناحية، ومن أظهر أعماله الإصلاحية عمله على إصلاح الجامع الأزهر.
ولقد حاول الشيخ ذلك جهده المستميت واحتمل فيه أذى كثيرًا، ولكنه بقي يثابر ويكافح حتى ألجئ إلى الإستقالة من مجلس إدارة الأزهر اضطرارًا وأوصد في وجهه باب العمل على إصلاح الأزهر، فلقي من ذلك خيبة أمل ردته، أو كادت ترده يائسًا، ثم لم يلبث أن توفى على أثرها وسنذكر بعد ذلك سنة وفاته.
وكان يقول بعد استقالته من الأزهر يظنون أنني بخروجي من الأزهر تركته مرعى خصيبًا لشهواتهم ترتع حيث تشاء، ألا أنني ألقيت بين جوانب هذا المكان شعلة لا تنطفيء إن لم تلتهب اليوم أو غدًا فستلتهب في ثلاثين عامًا، وستكون ضرامًا.
وكان رحمه الله قاضيًا بالمحاكم الأهلية، ثم مفتيًا للديار المصرية، وتولى التدريس بالأزهر وإليه يرجع الفضل في إصلاحه، وهكذا يكون الرجال المخلصون في أعمالهم، ولقد كان الشيخ محمد عبده موضع الإعجاب بين رجال الدين المصريين، وتفتخر به الأمة المصرية التي يعيش في أكنافها ويظله سماء وطنها، وما زال يتقدم حتى بلغ صيته ما بلغ الليل والنهار، فرحمة الله على روحه وحيا الله رجال العلم والدين.
ولقد سمعت شيئًا من مؤلفاته المفيدة ودعواته السديدة وإصلاحاته الرشيدة، فرأيتها والله مثالًا في الإخلاص، وأكبر برهان على فضله ومقامه.
وفي هذه الفترة لا تزال المشاغبات والنزاع مستمرًا نتيجة الخلاف الذي جرى في المسائل الدينية بين الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وبين بعض المنتسبين إلى