الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوهم؟ فأجابه أن نعم، ثم إنه تأهب أهل عنيزة وخرجوا في يوم الأربعاء أحد أيام رجب من سنة 1295 هـ، فلما زحفوا تحت رايتهم التي كان يحملها الصقيري على راحلته انكسر الرمح الذي فيه الراية ورجع رئيس الجيش زامل بقومه فأمرهم بالنزول، وذهب إلى القاضي علي يقول له إنا خرجنا في هذا اليوم وهو مكروه عند العرب، فلما كانت الراية عند باب البلد انكسرت، فماذا ترى؟ أنقيم اليوم ونغزوا غدًا نهار الخميس؟ فقال الشيخ خذوا رمحًا سالمًا وأصلحوا رايتكم واغزوا على بركة الله، فإنه لا خير إلا خيره ولا طير إلا طيره، وليس عند الأيام خبر، فزحفوا في حينهم والعدو على مسافة يوم، وكان في بلد عنيزة رجل يقال له فتنان من قبيلة قحطان أيضًا، فبعث ابنته إلى قومه قحطان في جوف الليل ينذرهم، وأمرها أن تخبرهم الخبر بأهل عنيزة واصلون قريبًا إليهم، فقدمت الابنة على آل حشر في ناديهم، وكانت ذات حسن وجمال فوقفت على القوم قائلةً أن أبي أرسلني إليكم بأن أهل عنيزة خرجوا يقصدونكم فخذوا حذركم، وأنه لم يخرج بنفسه خوفًا من أن يغضب عليه جيرانه إذا علموا بمجيئه إليكم، فضحكوا منها والتفت بعضهم إلى بعض متهكمين قائلًا بعضهم لبعض ما أحسن أن يزغب هذا النذير، يعني أن ينكح، فهم في تهكمهم وضحكهم، إذ طلعت عليهم جيوش أهل عنيزة، فقتلوهم شر قتلة أصابت من آل حشر أحد عشر رئيسًا من بينهم القائد حزام، فانهزم القحطانيون بعدما دفنوا قتلاهم وحملوا أميرهم حزامًا مضرجًا بدمائه، مثخنًا بجراحه، فدفنوه في نفي الماء المشهور بعالية نجد في ذلك الوادي، وكان الرجل المدعو بفتنان قد غضب لما رجعت إليه ابنته وشكت إليه مقابلتهم لها بالتهكم، والتهب قبله التهاب النار، فلما كان من الغد أتاه الخبر بقتلهم، فسكن غضبه فقال في ذلك شاعر آل عاصم أبياتًا بعد دفنه وارتحالهم من نفي.
ثم دخلت سنة 1305 ه
ـ
استهلت هذه السنة بضعف دولة آل سعود واضمحلالها، وهذا هو دور الانحلال الذي انحلت به دولة آل سعود الغر الميامين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها وفاة الأمير سعود بن جلوي بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود.
وفيها وفاة جدنا أبي الوالد عبد المحسن بن عبيد آل عبيد قدس الله روحه ونور ضريحه، وكان قد عمي بصره في آخر عمره، وله صبر على خشونة العيش وقوارع الزمان، وله أصحاب وإخوان ذوو فطر سليمة وصدور زكية وأعمال مستقيمة، وكان والدنا برًا به وقد خلف ابنين وبنتًا.
أما الأمراء فكانوا على رتبهم، وكان على إمارة مكة عون الرفيق وقد ظهرت في أيامه مواهب ابن أخيه الحسين بن علي، فتلألأ ذكائه، واشتد عزمه، وكان شعوره ومساعيه عربيًا كريمًا غيورًا على قومه وبلاده، فراب الأستانة أمره وعمل الأمير عون على إبعاده، وذلك لانتقاده الأمير عونًا في إهماله أمر العربان واتفاقه مع الوالي التركي في تقاسم المصالح، فضعفت بسبب هذا الإهمال شؤون الإمارة، وساء الأمن، وعم القلق، وانتشرت الفوضى، وازداد الظلم والجور، وإرهاق الحجاج بالضرائب، وما زال الأمير عون يسعى في إبعاد الحسين حتى دعى إلى الأستانة بعد ذلك ليكون ضيف الباشا وأسيره مثل ما تقدمه من الأشراف، ولما قدم عاصمة ملك الدولة اشرب هناك روح السيادة العالية، فصعد في الدواوين إلى مقام المقربين من السلطان، وأسندت إليه الوزارة مثل أبيه، وعين عضوًا مثله في مجلس الشورى، فاستمر في وظيفته إلى أن نال إمارة مكة المكرمة سنة ست وعشرين بعد الثلاثمائة والألف، هذا وقد ساعدت الظروف والأحوال عونًا الرفيق، وكان خطه مستقيمًا وانتصر على كل من ناواه.
وفيها وفاة الشيخ سليمان بن مقبل رحمة الله تعالى عليه، وهو قاضي مدينة بريدة، تولى قضاء بريدة مدة تبلغ 39 سنة تخللها فترات قليلة يقوم بالعمل عنه الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، وكان ورعًا ناسكًا مسددًا في أقضيته وتدابيره، ويعتبر من خيرة أهل زمانه، وكان عم الشيخ محمد بن مقبل وموطنهم البصر وهو موضع من الجنوب الغربية عن مدينة بريدة، وكان قد ثقل في آخر عمره وتخلى عن القضاء، وجاور في مكة المشرفة، ثم انتقل إلى البصر، ومات فيها تغمده الله برحمته عن عمر يناهز 85 سنة، فالله المستعان.