الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخ. وهي طويلة حسنة، قلت وقد أخطأ الإمام عبد الله بن فيصل بهذا الصنيع، والله يغفر له، ولعل الباعث لذلك منه هو ردع المخالف لأوامره، لئلا يتساهل الناس بالخلاف.
ثم دخلت سنة 1303 ه
ـ
ففي هذه السنة هجم أبناء سعود على عمهم الإمام عبد الله بن فيصل فقبضوا عليه وألقوه في السجن، ذلك لما في تلك النفوس من الحقد على بعضها البعض، وكأنهم ورثوا تلك العداوة عن أبيهم سعود بن فيصل، فلما سجن الإمام عبد الله دبّ محمد بن عبد الله بن رشيد من حائل يقتطف ثمار الخلاف كعادته، فجاء فزعًا لعبد الله بن فيصل من أبناء أخيه الثائرين، وكتب إلى رؤوساء البلدان في نجد يسفه عمل أبناء سعود، ويدعو لنصرة الإمام عبد الله من هذه الأيادي الجائرة، فانخدع له الناس ولبوا دعوته مسرعين، وزحفوا معه إلى الرياض لإنقاذ الإمام كما ادعى، ولما أن دنى يمن منها معه من الجنود، ووصلوا إليها خرج إليهم وفد من الرياض للمفاوضة، يرأس هذا الوفد عبد الرحمن بن فيصل، ولما بحثوا في الموضوع قال محمد بن رشيد كلا فما قصدي والله غير أن أخرج عبد الله من السجن وأن تكون الولاية في بلدكم لكم يا آل سعود، ثم عاهدهم على ذلك، فلما رأى أبناء سعود اتحاد الناس عليهم طلبوا الأمان من ابن رشيد فأمنهم على دمائهم وأموالهم، فغادروا إلى الخرج، وبعدما دخل ابن رشيد الرياض واستولى عليها ظهر في مظهر الفاتح القهار، فأطلق عبد الله بن فيصل من السجن وأرسله وأخاه عبد الرحمن وعشرة آخرين من آل سعود إلى حائل أسراء، ثم أقام سالم بن سبهان أميرًا على الرياض، وكان سالم بن سبهان هذا رجلًا ظلومًا لا يخاف الله ولا يتقيه عياذًا بالله، وهو من آل سبهان الذين هم إخوان الرشيد.
ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله
لما جلس الأمير سالم أميرًا على الرياض، ورجع محمد بن عبد الله بن رشيد إلى
حائل، قدم على الأمير سالم بعد خمسة أشهر وفد متظلم من الخرج يشكو خلافًا وخصومة بينهم وبين أبناء سعود بن فيصل الذين جاءوا إلى الخرج قادمين من الرياض، فعند ذلك ذهب سالم يحسم الخلاف هناك ويحل المشاكل، ونعم فقد حسمه حسمًا تستحيل عنده العادة، فقتل أبناء سعود وهم محمد وسعد وعبد الله الذين أمنهم بن رشيد على حياتهم، وبعد ما قتلهم أجلى أهلهم إلى حائل، وكان هنا ابن رابع لسعود يدعى عبد العزيز استبقاه لصغره فكان من جملة المجلوبين مع أهله إلى حائل، ولما فعل سالم بن سبهان هذه الفعلة الشنعاء ضج الناس من إمارته وقاموا يحتجون على آل سبهان، وكان سالم ينسب إليه جراءة عجيبة.
فروي أنه كان له أسنان كاشره فكان يقول يا أيها الناس لا تغتروا بخروجها فإنها لا تخرج إلا عند القتل، يعني لا تظنوا أنه يضحك فإنها كما قيل:
إذا رأيت نيوب الليث باديةً
…
فلا تظنن أن الليث يبتسم
وسيأتي له بقية ذكر عند إمارته في بريدة والعياذ بالله، ولما ضج الناس من أفعال سالم بن سبهان الوحشية، وذلك بأنه سار من الرياض بما يزيد عن مائتي مقاتل من أتباعه لقتل أبناء سعود، فصبحوا الخرج وقصدوا منزل الأمير عبد الله بن سعود بن فيصل في بلد الدلم، فدخلوا عليه وهو آمن فقتلوه صبرًا في منزله وبين أهله وأولاده، ثم أرسل ثلاثين فارسًا إلى محمد بن سعود الذي كان متغيبًا في بلد زميقة فأدكوه وقتلوه، ولما أن علم الأخ الثالث سعد بن سعود بما جرى على أخوته فر على وجه والتجأ عند بادية الدواسر، فقام سالم بن سبهان لما علم بفراره، واعتقل عددًا من رجال الدواسر الموجودين في الخرج وهددهم بالقتل إذا لم يحضروه، فجاؤا به ومثل بين يديه فقتله صبرًا والعياذ بالله.
ثم إنه صادر كل ما عندهم من مال وسلاح وخيل وركائب وملابس وغيرها وجمع نساءهم وعوائلهم، ثم أرسلهم إلى حائل وبعث أحد رجاله وهو إبراهيم بن جبر الفضلي إلى محمد بن رشيد بحائل يبشره بقتلهم، ولما أن وصل رسوله إلى حائل
يحمل هذا النبأ الفظيع، علم الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه عبد الرحمن بمقتل آل سعود، فحزنوا لذلك حزنًا شديدًا، وكانوا معتقلين هناك، فقام محمد بن رشيد يحلف لهم الأيمان المغلظة بأنه لم يأمر سالم بقتلهم وإنما استبد هو من دون أن يعلم، ثم عزله عن إمارة الرياض، وجعل مكانه فهاد بن رخيص من كبار شمر وتظاهرا بالخجل أمام الناس من ظلم بن سبهان.
وكان لما جاءه الخبر وعبد الله بن فيصل إلى جانبه، تأثر عبد الله لهذا الأمر، فأشار محمد بن رشيد إلى لسانه يحذر عبد الله من الكلام ويعدهم أنهم لا يرون بأسًا ما داموا قد ملكوا ألسنتهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وسبحان المتصرف في خلقه على وفق مراده؛ بينا أن محمد بن رشيد نجده قبل هذه السنة بست عشرة سنة ينزل على الإمام عبد الله وافدًا متواضعًا تحت سلطانه أذابه في هذه السنة يقتل أهل بيته ويعامله معاملة الأسير تحت ضغطه وسلطانه في حائل، قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
ونحن نشير إلى سياسة ابن رشيد نحو آل سعود بأنه لم يقتل سالم بن سبهان، ولم يقصه عنه بل عزله عن الإمارة وادخره صارمًا مسلولًا لمثلها.
وفيها ولد الملك فيصل بن الحسين بن علي الشريف الهاشمي، وكانت ولادته في مكة المشرفة وأمه الشريفة عابدية كريمة الشريف عبد الله باشا بن محمد بن عون، وقيل أن ولادته في التي قبلها ولعله الصحيح.
رجعنا إلى ذكر الإمام عبد الله بن فيصل فنقول: كان قد انقضى عشرون عامًا منذ خلف والده الفذ على عرش بلاده كوارث شرعي للدولة السعودية التي امتدت من جبل شمر إلى ساحل عمان ومن الخليج العربي حتى الحجاز، وحدود اليمن، واستطاع بعجزه وعدم جدارته بهذه التركة الواسعة أن يبدد هذه المملكة، ولم يتورع عن طلب المعونة الأجنبية لتثبيت عرشه المتداعي، وكانت النتيجة أن ضم أولئك الأجانب لبلادهم، البلاد التي جاءوا لإنقاذها ولم يبق في يده سوى منطقة
العارض وسلطة أسمية على الوشم وسدير، وأخيرًا نقل أسيرًا إلى حائل لتطول سنواته الأخيرة في المنفى، ولقد مضى عبد الله ثلث مدة حكمه لاجئًا لا وطن له أثناء ما حكم الآخرون مكانه في وسط دولة متفككة منحلة، ومع كل هذا فإنه كان في دماثة خلق وإن كان تاريخه يشهد على أنه كان أمرءًا تنقصه الحكمة والدهاء.
وكانت هذه فرصة محمد بن رشيد الطامع في حكم نجد لبسط سلطانه على ما تبقي من الدولة الوهابية حينما توجه إلى الرياض على رأس جيش كبير متظاهرًا بصداقة الإمام عبد الله. فاستولى على الرياض، وأطلق سراح عبد الله من سجنه وأخذه إلى حائل وهذه نتيجة التخاذل بين آل سعود، وما أحسن ما قاله علي بن المقرب صاحب الحماسة يندد بسياسة الهوق واللين، ويحث على التصلب لما يعلم من سوء عواقب التراخي والدعة:
تجاف عن العتبى فما الذنب واحد
…
وهب لصروف الدهر ما أنت واجد
إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه
…
فلا عجبًا أن سالمتك الأباعد
ولا تشك أحداث الليالي إلى امرئٍ
…
فذا الناس أما حاسد أو معاند
وعد عن الماء الذي ليس ورده
…
بصافٍ فما تعمي عليك الموارد
فكم منهل طامي النواحي وردته
…
على ظماء فانصعت والريق جامد
فلا تحسين كل المياه شريعة
…
يبل الصدى منها وتوكي المزاود
فكم مات في البحر المحيط أخو ظما
…
بغلته والماء حار وراكد
وأن وطن ساءتك أخلاق أهله
…
فدعه فما يغضي على الضيم ماجد
فبت حبال الصل ممن توده
…
إذا لم يرد كل الذي أنت وارد
وقل لليالي كيفما شئت فاصنعي
…
فإن على الأقدار تأتي المكائد
ولا ترهب الخطب الجليل لهوله
…
فطعم المنايا كيف ما ذقت واحد
فقم نحصد الأعمار ونبلغ المنى
…
بجدٍ فاللأعمار لا بد حاصد
فليس بصعاد إلى المجد عاجز
…
نؤم تناديه العلى وهو قاعد
إلى أن قال: